قبيل أيام، انتقل لاعب كرة القدم المصري عمر مرموش، من نادي "آينتراخت فرانكفورت" الألماني، إلى صفوف "مانشستر سيتي" الإنكليزي، مقابل 75 مليون يورو، في أغلى صفقة انتقال للاعب عربي على الإطلاق، وهي رابع أكبر صفقة في تاريخ النادي السماوي بحسب "ترانسفير ماركت".
وما يجلب المزيد من الدهشة، أنّ قيمة مرموش السوقية تضاعفت عشر مرات (من 6 إلى 60 مليون يورو)، بين عامي 2022 و2024 فقط، بسبب المستويات الكبيرة التي قدّمها مع ناديه الألماني السابق، حيث أنّ لديه 34 مساهمةً تهديفيةً مع "آينتراخت"، هذا الموسم، قبل انتقاله إلى الدوري الإنكليزي، في 26 مباراةً، تنقسم إلى 20 هدفاً و14 تمريرةً حاسمةً.
مهاراته أثارت إعجاب ريان غيغز
في سنٍ مبكرة، وبينما كان عمره أقل من 17 عاماً، شارك عمر مرموش، في دورة ودية للناشئين في الإمارات، حضرها عدد كبير من الكشّافين (مكتشفي اللاعبين)، الذين كانوا يبحثون عن الجواهر المخبّأة لتقديمها إلى وكلاء أعمال اللاعبين المحترفين.
وكان أسطورة "مانشستر يونايتد" السابق ريان غيغز، من بين الحضور، وقد أُعجب بالفتى المصري، ورشّحه لصديقه الألماني بيير ليتبارسكي، نجم وصانع ألعاب الجيل الذهبي لمنتخب ألمانيا في ثمانينيات القرن الماضي. لم يتردّد الأخير في تقديم عرض احترافي لمرموش، الذي انتقل بموجب ذلك إلى أكاديمية "فولفسبورغ" الألمانية للشباب.
فيما يفخر المصريون اليوم بوجود نجمَين كبيرَين من بلادهم ضمن أحد أهم الدوريات العالمية، "البريميرليغ"، وفي صفوف قطبَي الكرة الإنكليزية في السنوات الأخيرة، أحدث انتقال مرموش، تحوّلاً لافتاً في شعبية "مانشستر سيتي" الذي كان "مكروهاً" في مصر. كيف؟
عن تلك الفترة، يقول ليتبارسكي، إنّ مرموش كان "سريعاً جداً، يأخذ الكثير من القرارات الجريئة، وقوياً تكتيكياً ولديه الكثير من الأمور المفاجئة… هو جوهرة حقيقية".
بعد سنوات في "فولفسبورغ"، بدا فيها غير موفّق، وتخلّلتها إعارتان إلى "شتوتغارت" و"سانت باولي"، انتقل مرموش إلى نادي "آينتراخت فرانكفورت" عام 2023، في صفقة مجانية، لتعويض الفرنسي كولو مواني، المنتقل إلى "باريس سان جيرمان" الفرنسي.
حالف التوفيق مرموش، مع "آينتراخت"، فلمع نجمه وتفجّرت موهبته، وسجّل 37 هدفًا، فضلاً عن عشرين تمريرةً حاسمةً في 67 مباراةً، وكسب محبة جماهير النادي في فترة قياسية. امتدحت الصحافة الألمانية ونجوم الكرة والمحللّون الألمان موهبته ومهاراته. من ذلك أن وصفه خبير كرة القدم الألمانية المعروف رافاييل هونيغستين، في مقابلة مع "بي بي سي سبورت"، بأنه "ديناميكي حقّاً، ومهاجم يمكنه اللعب في خط الوسط أيضاً. يشبِّهَهُ البعض بمحمد صلاح، ربما هو ليس بالمهارة المتفجّرة نفسها، لكن طريقة إنهائه للهجمات مذهلة بالفعل".
من "وادي دجلة" إلى ملعب "الاتحاد"
بدأ عمر مرموش، مسيرته الكروية مع ناشئي نادي "وادي دجلة" في القاهرة، الذي ينشط حالياً في دوري القسم الثاني في مصر. وجرى تصعيده في سنّ صغيرة (16 عاماً فقط)، إلى الفريق الأول. عن تجربته مع فريق ناشئي "وادي دجلة"، يقول الإداريّ في الفريق محمد رشوان: "منذ اللحظة الأولى، ظهر أنّ لدى مرموش شيئاً مميزاً، كان لاعباً إيجابياً، سجّل ما بين 40 إلى 50 هدفاً في موسمه الأول مع الناشئين. كان شخصاً لطيفاً ومتواضعاً ولديه صفات القائد. كان قائداً للفريق وكان من الواضح أنه سيحقّق نجاحاً مبهراً".
يمتلك عمر مرموش، الجنسية الكندية، إذ عاش ست سنوات في كندا خلال طفولته قبل أن يقرر والداه العودة إلى القاهرة، حيث التحق بأكاديمية نادي "وادي دجلة". فضّل اللاعب تمثيل مصر على تمثيل كندا.
لماذا المقارنة بـ"صلاح"؟
يكنّ كلّ من عمر مرموش ومحمد صلاح، احتراماً كبيراً لبعضهما البعض، وبينهما الكثير من القواسم المشتركة، وبالضرورة أوجه اختلاف. كلاهما لم يمثّل ناديي "الأهلي" و"الزمالك"، قطبَي كرة القدم المصرية، والأكثر شعبيةً في البلاد. صلاح يلعب بالقدم اليسرى، ومرموش باليمنى، والاثنان يلعبان كجناحَين (الأول أيمن والآخر أيسر) في الدرجة الأولى، وينضمّان كثيراً إلى العمق، ولديهما أرقام مميزة من حيث التهديف وصناعة الأهداف.
فضلاً عمّا سبق، احترف مرموش، في عمر الـ17 عاماً في الدوري الألماني، وانتظر ثلاث سنوات حتى ينضم إلى الفريق الأول في نادي "فولفسبورغ"، بينما دخل محمد صلاح، عالم الاحتراف في أوروبا من بوابة الدوري السويسري في عام 2012، حيث انضم إلى نادي "بازل"، وكان يبلغ من العمر 20 عاماً.
يتميّز صلاح بقدرته على الاحتفاظ بالكرة والانطلاق بها من الخلف. في المقابل، يلعب مواطنه مرموش، بشكل أكثر مباشرةً، ويمكنه اللعب كمهاجم ثانٍ أيضاً، وهو المركز الذي لعب فيه خلال مباراته الأولى مع "مانشستر سيتي".
تضاعفت قيمة مرموش السوقية، عشر مرات (من 6 إلى 60 مليون يورو)، بين عامي 2022 و2024. لماذا يقارنه كثيرون بمحمد صلاح برغم رفض الاثنين هذه المقارنة؟ وكيف؟
وبينما يميل جمهور الكرة في مصر إلى المقارنة بين الثنائي، إلا أنّ كلّاً منهما عبّر عن رفضه لهذه المقارنة. قال مرموش، في مقابلة مع الفنانة إسعاد يونس في برنامجها "صاحبة السعادة"، الذي يُضيء على نماذج مصرية ناجحة في الداخل والخارج، قبل أيام، إنّ صداقةً مميزةً تجمعه بصلاح، وإنهما يتواصلان باستمرار، عادّاً أنه من العظيم أن يحظى المرء بصديق وزميل في المنتخب الوطني، حقّق ما حقّقه صلاح من إنجازات، واصفاً "مو"، بأنه أحد أفضل اللاعبين في الدوريات الأوروبية اليوم.
مع ذلك، رفض مرموش، مقارنته بصلاح، لافتاً إلى أنه رفض اللعب مع "ليفربول"، لكيلا يقع الجميع في فخّ المقارنة بينه وبين نجم الريدز الحالي. وأضاف مرموش: "لا أريد أن أكون 'محمد صلاح الجديد'، أريد أن أكون عمر مرموش، كل إنسان لديه قصته الخاصة، وأريد أن أصنع هذه القصة بنفسي بعيداً عن المقارنات".
صلاح نفسه رفض مقارنة أي لاعب آخر به، طالباً من الإعلام التوقّف عن مقارنة مرموش به باعتبار أنّ هذا يضع الكثير من الضغوط على لاعب شاب في بداية مسيرته نحو النجومية. وبينما عبّر صلاح عن قناعته بأنّ مرموش واحد من قلة من اللاعبين العرب الذين نجحوا وتألّقوا في أوروبا، شدّد مو على أنّ "مرموش لديه قدرات عظيمة، وهو لاعب مفيد جداً لناديه وللمنتخب المصري. دعوه يعيش التجارب ويستمتع بها. المقارنات لن تفيده في شيء. دعوه يقوم بالأمور على طريقته الخاصة بعيداً عن مسيرتي".
وفي السنوات الأخيرة، توترت العلاقة بين محمد صلاح والجمهور المصري، لأسباب لا علاقة لها بكرة القدم وتتعلّق بمواقف اللاعب الاجتماعية والإنسانية، بما في ذلك ما عدّه مشجعون تخاذلاً عن دعم الشعب الفلسطيني خلال حرب الإبادة الإسرائيلية على غزّة. في المقابل، عبّر مرموش، بشكل واضح وصريح عن تعاطفه مع أهل غزّة، متحدّياً القواعد الصارمة في ألمانيا ضد هذا التعاطف. ومن هذا أن قام بقراءة الفاتحة على أرواح ضحايا الحرب على غزّة، قبل انطلاق مباراة فريقه "آينتراخت"، ضد "هوفنهايم" في 2023.
لعلّ هذا الأمر الأخير من بين الأسباب التي دفعت مشجعين مصريين إلي المقارنة بين صلاح ومرموش، في محاولة لإعلاء أهمية الأخير. لكن بالرغم من هذه الانتقادات لصلاح، هناك قناعة لدى جمهور كرة القدم في مصر بما أنجزه في مسيرته الرياضية، حيث لا ينكرون أنه اللاعب الأهم في تاريخ بلادهم من حيث الإنجازات الكروية العالمية، ويرون أنه مهما حقّق لاعب مصري في كرة القدم العالمية من إنجازات، فإنّ "مو" هو من فتح الباب وسيبقى صاحب البصمة الأولى الأهم.
تحوّل في شعبية "مانشستر سيتي" داخل مصر
وفيما يفخر المصريون اليوم بوجود نجمين كبيرين من بلادهم، ضمن أحد أهم الدوريات العالمية، "البريميرليغ"، وفي صفوف قطبَي الكرة الإنكليزية في السنوات الأخيرة، أحدث انتقال مرموش، تحوّلاً لافتاً في شعبية "مانشستر سيتي" في مصر والمنطقة العربية، كما كان الحال عند انضمام صلاح إلى "ليفربول".
الأمر المختلف هنا، هو أنّ "مانشستر سيتي" كان فريقاً "مكروهاً" -إن جاز التعبير- بشكل عام في مصر، أولاً لأنه الفريق المنافس الأساسي لـ"ليفربول"، فريق نجمهم محمد صلاح، وثانياً لأنّ معظم الجماهير يعدّونه فريقاً حديث العهد وبلا تاريخ كبير، ويعتمد على الأموال والاستثمارات.
في السنوات الأخيرة، أصبحت مباراة "ليفربول"-"مانشستر سيتي"، قمة القمم في إنكلترا. سترافق مواجهات الفريقين القادمة، مواجهة مصرية مثيرة بين صلاح ومرموش؛ الأوّل يعيش أفضل أيامه الكروية ويتصدر اليوم السباق نحو الفوز بالكرة الذهبية نهاية العام، فيما يضع الانتقال إلى "مانشستر سيتي" الأخير على سكّة النجومية.
وقد أبدت بيئة النادي السماوي من جماهير وإداريين ومحللي أداء، ثقةً كبيرةً بقدرة مرموش على كتابة المجد مع الفريق. كما أظهر مدربه بيب غوارديولا، ثقته الكبيرة بمرموش، عندما أشركه أساسياً في المباراة ضد "تشيلسي"، بعد أيام قليلة فقط من توقيعه عقداً مع النادي. وكان مرموش، عند حسن ظن مدربه، فأظهر شخصيةً قويةً في الدقائق الـ74 التي لعبها، وسجّل هدفاً ألغي بداعي التسلل، وكان قريباً من التسجيل في أكثر من مناسبة.
يأمل المصريون أن يكون مرموش محظوظاً مع المنتخب، وأن يعيد سيرة أبو تريكة، الذي يرتدي رقمه التاريخي، لا سوء حظ صلاح الذي كان على بعد خطوة واحدة من الفوز ببطولة أمم إفريقيا، والتأهّل مرةً ثانيةً إلى كأس العالم قبل أن يتبخّر الحلمان أمام منتخب السنغال
إلى ذلك، لم يتأثّر مرموش بضغوط الملعب والجماهير واللعب للمرة الأولى في الدوري الإنكليزي. المبلغ الكبير الذي دُفع مقابل انتقاله، عامل ضغط أيضاً لا يستطيع بعض اللاعبين تخطّيه وإظهار التألق المأمول، خاصةً في بداياتهم، لكن مرموش تجاوزه ببراعته وقوة شخصيته حيث غادر ملعب المباراة تحت عاصفة تصفيق من جماهير "مانشستر سيتي" التي تعوّل كثيراً على لاعبها الجديد صاحب الرقم 7 لتجاوز الأزمة التي يمر بها الفريق منذ بداية الموسم.
وكان غوارديولا قد أشاد بمرموش، في أكثر من مناسبة، وأكّد على أهمية اللاعب في مشروع "مانشستر سيتي" المستقبلي.
آمال مصرية كبيرة على عمر مرموش
بدوره، يعوّل الجمهور المصري كثيراً على مرموش، في مساعدة منتخب بلاده في التألق واستعادة مجده التاريخي والفوز ببطولة الأمم الإفريقية التي يستضيفها المغرب نهاية العام. منتخب مصر صاحب الألقاب السبعة في البطولة، لم يفز بها منذ عام 2010، برغم الوصول إلى أدوار متقدمة، بما في ذلك النهائي، مرات عدة.
يأمل هؤلاء أن تساهم ثنائية صلاح ومرموش، في المجد الوطني. ففي حين ساهم صلاح في تأهّل مصر إلى مونديال 2018 في روسيا، إلا أنه لم يحقّق حتى الآن أي لقب قاري مع مصر.
تزداد آمال المصريين في مرموش، على نحو خاص، وهو الذي يرتدي الرقم 22 مع المنتخب، أي الرقم الذي رافق نجم النادي "الأهلي" والمنتخب المصري، المعتزل محمد أبو تريكة، في مسيرته الناجحة والمميزة، والتي حقّقت له شعبيةً جارفةً لم تخفت حتى بعد نحو 15 عاماً من اعتزاله. يأمل المصريون أن يكون مرموش محظوظاً مع المنتخب، وأن يعيد سيرة أبو تريكة، لا سوء حظ صلاح الذي كان على بعد خطوة واحدة من الفوز ببطولة أمم إفريقيا، والتأهّل مرةً ثانيةً إلى كأس العالم، قبل أن يتبخّر الحلمان أمام منتخب السنغال.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
ZMskyuza ZMskyuza -
منذ 15 ساعة1
حوّا -
منذ يومينشي يشيب الراس وين وصل بينا الحال حسبي الله ونعم الوكيل
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامكل هذه العنجهية فقط لأن هنالك ٦٠ مليون إنسان يطالب بحقه الطبيعي أن يكون سيدا على أرضه كما باقي...
Ahmed Mohammed -
منذ 4 أياماي هبد من نسوية مافيش منطق رغم انه يبان تحليل منطقي الا ان الكاتبة منحازة لجنسها ولا يمكن تعترف...
مستخدم مجهول -
منذ 4 أياموحدث ما كنا نتوقعه ونتأمل به .. وما كنا نخشاه أيضاً
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 5 أيامصادم وبكل وقاحة ووحشية. ورسالة الانتحار مشبوهة جدا جدا. عقاب بلا ذنب وذنب بلا فعل ولا ملاحقة الا...