أخبرني أحد الأصدقاء في لبنان، قبل سنوات، بأنه في أثناء إقامته في مصر شتاء العام 2013، خرج مساء أحد الأيام إلى مقهى بالقرب من منزله لمشاهدة مباراة بين برشلونة وميلان في دوري أبطال أوروبا، لكنه تفاجأ بأن التلفاز في المقهى يعرض مباراةً لفريق بازل السويسري المشارك يومها في النسخة نفسها من المسابقة. استغرب الأمر خاصةً في ظل شعبية برشلونة وميلان الكبيرة في عالم كرة القدم، وقد استفسر من صاحب المقهى عن الموضوع فأتاه الجواب حاسماً: "عاوزين نشوف ابننا محمد صلاح".
استعدت الحادثة مع صديقي قبل أيام، وافترضنا لو أن رجلاً دخل إلى المقهى في ذلك المساء، وقال للمتواجدين فيه إنه قادم من المستقبل، وإن لاعب بازل المصري هذا، ابن الـ21 سنةً، سيصبح بعد 12 سنةً الهدّاف التاريخي لليفربول في الدوري الإنكليزي البريميرليغ، وسيصل إلى 175 هدفاً في المسابقة، معادلاً أسطورة أرسنال تيري هنري، وسيكون أحد أفضل اللاعبين في العالم؛ فهل كان أحد سيُصدّقه؟ ربما نعم، فالإيمان بموهبة صلاح كان حاسماً وغير قابل للنقاش يومها.
يتصدّر محمد صلاح، حالياً، ترتيب هدّافي الدوري الإنكليزي، وقد ساهم بـ31 هدفاً حتى الآن أكثر من أي لاعب آخر في الدوريات الخمسة الكبرى في أوروبا، وفي حال استمر بهذا المستوى في النصف الثاني من الموسم الكروي الحالي، فسيكون مرشحاً فوق العادة ليُتوَّج بالكرة الذهبية للعام 2025، ويكون أول لاعب عربي يحظى بهذا الشرف. فرصته في الحصول على الجائزة ستتعزّز في حال توِّج مع ليفربول بلقب الدوري، وذهب بعيداً في دوري الأبطال، خاصةً أنّ هذا العام لن يشهد بطولات كبرى على مستوى المنتخبات مثل كأس العالم واليورو، والتي من شأنها عادةً أن تؤثر على هوية الفائز بالجائزة.
يتصدّر محمد صلاح، حالياً، ترتيب هدّافي الدوري الإنكليزي، وقد ساهم بـ31 هدفاً حتى الآن أكثر من أي لاعب آخر في الدوريات الخمسة الكبرى في أوروبا، وفي حال استمر بهذا المستوى في النصف الثاني من الموسم الكروي الحالي، فسيكون مرشحاً فوق العادة ليُتوَّج بالكرة الذهبية للعام 2025، ويكون أول لاعب عربي يحظى بهذا الشرف
تجربة صلاح تلهم الملايين
في الفيلم المصري الكوميدي "سنة أولى خطف"، الذي عُرض لأول مرة في عام 2023، يحاول أحد الآباء أن يحوّل ابنه الصغير "مالك" إلى محمد صلاح جديد، فيناديه باسم "مو"، وهو اللقب المعروف به صلاح عالمياً، ويطلب منه الذهاب إلى ملعب التدريبات بالقطار كما كان يفعل صلاح عندما بدأ مسيرته. كما يقترح عليه أن يلحقه بنادي "المقاولون العرب"، وهو النادي الذي انطلق منه نجم ليفربول الحالي، بل يطلب منه استخدام قدمه اليسرى في اللعب كما يفعل صلاح، كأنها محاولة لاستنساخ التجربة.
اكتسب محمد صلاح شعبيةً جارفةً في صفوف المصريين، لأنه يشبه السواد الأعظم منهم؛ فتى فقير ريفي بدأ من الصفر، لا تملك عائلته علاقات مع إدارات الأندية الكبرى، صنع مصيره بيديه، يقطع ساعات بالقطار للوصول إلى مقر تدريبات نادي "المقاولون العرب". تدرّج صلاح في الفئات العمرية لمنتخب مصر واحترف في أوروبا، وصعد سلّم النجاح درجةً درجة. قطار تجربة محمد صلاح الذي انطلق من قرية نجريج، المغمورة في محافظة الغربية، باتجاه ملعب نادي "المقاولون العرب" في مدينة نصر، في رحلة شاقّة تستغرق ثماني ساعات كاملة، عبرَ بعدها إلى "بازل" السويسري، فـ"تشيلسي" الإنكليزي، ثم إلى "فيورنتينا" و"روما" في إيطاليا، واستقر أخيراً في "ليفربول"، ليتوهّج الفرعون الصغير بسرعة ويصبح النجم الأول في المدينة ومعشوق جماهير الأنفيلد. هي تجربة ألهمت ملايين الأطفال في مصر، وحلم كل الآباء في مصر والعالم العربي أن يكون ابنهم مثل محمد صلاح.
اكتسب محمد صلاح شعبيةً جارفةً في صفوف المصريين، لأنه يشبه السواد الأعظم منهم؛ فتى فقير ريفي بدأ من الصفر، لا تملك عائلته علاقات مع إدارات الأندية الكبرى، صنع مصيره بيديه.
بطبيعة الحال، ليس صلاح أول لاعب مصري أو عربي يحترف في أوروبا، لكن عوامل كثيرةً ساهمت في انفجار شعبيته بشكل غير مسبوق في مصر والعالم العربي بما لا يقارَن مع أي نجم عربي آخر، فصلاح ليس ابن "الأهلي" أو "الزمالك" الفريقين صاحبي الجماهيرية الجارفة في مصر، وتالياً ليس لديه "كارهون" كما هو الحال مع بعض النجوم المصريين الآخرين بسبب حساسيات الديربي وما إلى ذلك. كما أن مسار نجوميته باتجاه العالمية والصعوبات التي واجهته جعلته مثالاً يُحتذى لكل طفل فقير يركل الكرة في الأزقة وفي الساحات، ويطمح إلى أن يصل إلى أوروبا، بالإضافة إلى الكاريزما الكبيرة التي يمتلكها والعقلية الفائزة التي يتمتّع بها والتي حازت على إعجاب الجميع.
فخر العرب والمسلمين
دعمَ الجمهور المصري مسيرة محمد صلاح الأوروبية منذ البداية. في عصر وسائل التواصل، غزا المستخدمون صفحات الأندية التي لعب لها صلاح. عندما كان لاعباً لـ"روما"، أجلسه المدرب على مقاعد البدلاء في إحدى المباريات، فأطلق المستخدمون المصريون والعرب وسم #نزّل_صلاح، فانتشر على صفحة النادي بشكل غير مسبوق، حتى أن مشجّعي الفريق من الإيطاليين خاصةً، استغربوا آلاف التعليقات باللّغة العربية الداعمة لصلاح على كل منشور على صفحة النادي، حتى وإن كان الخبر غير مرتبط بصلاح، الأمر نفسه حصل في كل الفرق التي لعب لها، إذ ارتفعت شعبية الفرق التي مثّلها صلاح في مصر والعالم العربي.
ترى الجماهير أن محمد صلاح، لم يتخّذ الموقف اللازم من الحرب على غزّة، أسوةً بلاعبين عرب ومسلمين آخرين ينشطون في أوروبا. شكّل هذا الأمر نقطةً فارقةً في علاقة صلاح مع جمهوره العربي والمسلم. اختلط فيها الديني بالاجتماعي والثقافي
وقد أطلق الناشطون على محمد صلاح، لقب فخر العرب والمسلمين. كان يفوز بكل الجوائز التي تعتمد على تصويت الجمهور، مثل لاعب الأسبوع ولاعب الشهر، إلى درجة أن الأمر أحدث إرباكاً للمسؤولين عن الصفحات. حتى قبل أن يصبح صلاح، أحد أفضل اللاعبين في العالم كما هو الحال اليوم، كان الجمهور يتعامل معه على أنه كذلك. لم يكن الأمر موضوعياً تماماً، لكنه بالنسبة له، أهم من ميسي ومن رونالدو ومن الجميع. استفاد صلاح من طاقة الحب والدعم هذه، بالإضافة إلى موهبته الفذة والتزامه في التدريبات، ليصل إلى ما هو عليه اليوم؛ شاب قادم من الريف المصري بعقلية احترافية يجعل جماهير أنفيلد رود، تهتف باسمه في كل مباراة. ما كان خليطاً من المزاح والمبالغة تحوّل إلى حقيقة. محمد صلاح أصبح اسماً عالمياً بكل ما تعنيه الكلمة. هو أفضل لاعب محترف عربي يجيد التعامل مع الضغوط، ولعلّه النجم الأبرز في الدوري الإنكليزي منذ وصوله إلى إنكلترا، وفي نظر الكثيرين هو أفضل ما أنجبته الكرة العربية على الإطلاق. موهبة كروية حقيقية وعقلية عظيمة بلا أيّ مركّبات نقص.
حقّق محمد صلاح لقب هدّاف الدوري الإنكليزي، ثلاث مرات، وفاز بجائزة بوشكاش، وتواجد في تشكيلة العام في إنكلترا خمس مرات، وحلّ سادساً في جائزة الكرة الذهبية للعام 2018، في إنجاز عربي غير مسبوق، وهو يأمل اليوم في تتويج تجربته الكروية المظفرة وخطف جائزة الكرة الذهبية في الخريف القادم. يجمع محمد صلاح، بين البراعة في تسجيل الأهداف وصناعتها. وصل هذا العام إلى حصيلة 10 أهداف و10 تمريرات حاسمة أو أكثر. هذه هي المرة الثامنة التي يحقق فيها هذا الإنجاز. في الدوريات الخمسة الكبرى في أوروبا، وحده ميسي حقق هذا الأمر أكثر منه.
تأزّّم علاقة صلاح بالجمهور
بعد وصول محمد صلاح، إلى العالمية، لم تعد علاقته مع الجمهور العربي والمصري كما كانت في البداية. محبّو صلاح، مقتنعون بأنهم ساعدوه في الوصول إلى العالمية، وقدّموا له الدعم اللامتناهي، وتالياً هم أرادوا له أن يبقى ضمن الدائرة التي رسموها له، أي "فخر العرب والمسلمين"، وضمن المعايير التي يريدها هذا الجمهور.
كل خطوة يقوم بها صلاح تكون تحت المجهر، ما يقوله وما لا يقوله، أكثر من أي محترف عربي آخر في أوروبا. طالت بعض الانتقادات زوجته وابنتيه. لا يلتفت صلاح كثيراً للأمر، ويمضي قدماً في نجوميته، كأنه يقول للجمهور: "دعوني أقوم بالأمور على طريقتي. أنا لست نجماً عادياً، وأعرف كيف أدير الأمور"
في المقابل، بدأ محمد صلاح، خاصةً بعد وصوله إلى ليفربول وارتقاء مستواه بسرعة ليكون نجم الأنفيلد الأول، بالتصرّف كنجم عالمي. صحيح أنه لم يتنكّر يوماً لماضيه أو لتجربته، ولم يتغيّب عن المنتخب المصري، ولعب المباريات الدولية أحياناً في ملاعب نائية لا تصلح لكرة القدم، لكن الجمهور كان يريد منه أكثر من ذلك؛ هو ممثله في كرة القدم العالمية، وعليه أن يتكلّم باسمه، وأن تكون مواقفه من القضايا العالمية متماهيةً مع مواقفه. الموضوع إشكالي بكلّ تأكيد، فالجمهور يريد منه أنه يكون "محمد أبو تريكة" جديداً، فيما يتصرّف محمد صلاح كنجم عالمي بحقّ، وهو يحترم تقاليد المجتمع الذي يعيش فيه مع عائلته.
على سبيل المثال، ترى الجماهير أن محمد صلاح، لم يتخّذ الموقف اللازم من الحرب على غزّة، أسوةً بلاعبين عرب ومسلمين آخرين ينشطون في أوروبا. شكّل هذا الأمر نقطةً فارقةً في علاقة صلاح مع جمهوره العربي والمسلم. اختلط فيها الديني بالاجتماعي والثقافي. صلاح يحتفل بعيد الميلاد كل سنة، وينشر صورةً مع عائلته أمام شجرة الميلاد، فتغضب الجماهير وتتهمه بالتنصّل من موروثاته والتزلّف للغرب.
صفحات كرة القدم المصرية والعربية التي كانت تتغنّى بموهبة صلاح، جزء منها بات يسخر منه ويتّهمه بالولاء لملكة إنكلترا الراحلة إليزابيث، بسبب مشاركته في تقديم العزاء لها. كل خطوة يقوم بها صلاح تكون تحت المجهر، ما يقوله وما لا يقوله، أكثر من أي محترف عربي آخر في أوروبا. طالت بعض الانتقادات زوجته وابنتيه. لا يلتفت صلاح كثيراً للأمر، ويمضي قدماً في نجوميته، كأنه يقول للجمهور: "لقد أصبحت نجماً عالمياً يمكنكم أن تفخروا به دائماً. أنا ممتنّ لكم لكن دعوني أقوم بالأمور على طريقتي. أنا لست نجماً عادياً، وأعرف كيف أدير الأمور".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Sam Dany -
منذ يومينانا قرأت كتاب اسمه : جاسوس من أجل لا أحد، ستة عشر عاماً في المخابرات السورية.. وهو جعلني اعيش...
مستخدم مجهول -
منذ يومينلماذا حذفتم اسم الاستاذ لؤي العزعزي من الموضوع رغم انه مشترك فيه كما ابلغتنا الاستاذة نهلة المقطري
Apple User -
منذ 3 أياموحده الغزّي من يعرف شعور هذه الكلمات ، مقال صادق
Oussama ELGH -
منذ 4 أيامالحجاب اقل شيء يدافع عليه انسان فما بالك بحريات اكبر متعلقة بحياة الشخص او موته
مستخدم مجهول -
منذ 4 أياماهلك ناس شجاعه رفضت نطاعه واستبداد الاغلبيه
رزان عبدالله -
منذ أسبوعمبدع