شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
بعد انهيار نظام الأسد... هل تصبح ليبيا مركزاً للنفوذ الروسي في أفريقيا؟

بعد انهيار نظام الأسد... هل تصبح ليبيا مركزاً للنفوذ الروسي في أفريقيا؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والتنوّع

الثلاثاء 14 يناير 202503:52 م

منذ إسقاط نظام بشار الأسد، في سوريا، في 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024، وجدت حليفته الرئيسية روسيا نفسها في مأزق بعدما باتت عملياتها في منطقة المتوسط والشرق الأوسط ووسط أفريقيا وجنوب الصحراء الكبرى، مهدّدةً تحت وطأة خسارتها المحتملة لوجودها العسكري في سوريا.

ولروسيا قاعدتان عسكريتان في سوريا؛ قاعدة بحرية في مدينة طرطوس على البحر المتوسط ورثتها من الاتحاد السوفياتي، وأخرى جوية في حميميم في اللاذقية على ساحل البحر المتوسط ​​في شمال غرب البلاد. وبعد انهيار نظام حليفها الأسد، سارع رأس الإدارة الانتقالية الجديدة في سوريا، أحمد الشرع، إلى مغازلة روسيا بالإشارة إلى العلاقات المتينة بين بلاده و"ثانية أقوى دول العالم"، متابعاً "الإدارة الجديدة لا تريد أن تخرج روسيا بطريقة لا تليق بعلاقتها الطويلة مع سوريا".

لكن رسالة الطمأنة السورية لم تمنع موسكو من البحث عن وجهة بديلة، وعلى ما يبدو لاحت ليبيا في أفق خياراتها. في هذا السياق، يقول الباحث في المعهد البريطاني "رويال يونايتد سرفيسز"، جلال حرشاوي، لرصيف22: "تشعر روسيا بأنها مضطرة إلى تعزيز وجودها العسكري في ليبيا، للحفاظ على مهامها في أفريقيا جنوب الصحراء، بعد تراجعها في سوريا".

ويضيف: "تمتلك روسيا بالفعل أربع قواعد جوية رئيسية في ليبيا. ومنذ كانون الأول/ ديسمبر 2024، بدأت بنقل المزيد من الموارد العسكرية إلى هذه القواعد الأربع عبر الطرق الجوية".

على الرغم من أهمية موقع ليبيا الجغرافي، والوجود الروسي القوي فيها، إلا أنّ عوامل عديدةً تصعّب تحوّل البلد الأفريقي إلى مركز للنفوذ الروسي في المنطقة -مثلما كانت سوريا- في مقدّمتها عدم امتلاك حليفها هناك، حفتر، شرعيةً دوليةً، وفق ما يذكر محللون لرصيف22

الوجود العسكري الروسي في ليبيا

وفي ليبيا لا تبدأ روسيا من الصفر، إذ لديها فيها وجود يتّصل بشكل أساسي بدعمها لقائد "القيادة العامة" لـ"الجيش الوطني الليبي"، المشير خليفة حفتر، الرجل القوي في الشرق الليبي. وحتّى قبل انهيار نظام الأسد، عزّزت روسيا بالفعل وجودها العسكري في البلاد خلال عام 2024، بحسب ما أظهرته صور أقمار صناعية حلّلتها صحيفة "ذا تلغراف" البريطانية.

ولتفسير هذا الاتجاه الروسي، يقول الكاتب والصحافي السوري، سركيس قصارجيان، إنّ "روسيا فقدت الكثير من نفوذها في سوريا بعد الإطاحة بنظام الأسد. وفي ظلّ المخاوف من خسارة مواقعها في البلاد، اضطرت إلى التركيز أكثر على ليبيا". ومع ذلك، يذهب قصارجيان، في حديثه إلى رصيف22، إلى أنه من المبكر الحديث عن مستقبل الوجود العسكري الروسي في  سوريا، خاصةً أنّ هذا الوجود لا يزال مرتبطاً بـ"الاتفاقات التي جرى عقدها بين أنقرة وموسكو".

ويشرح الصحافي السوري: "من الواضح أن هناك صفقةً أدّت إلى اتخاذ موسكو هذا الموقف البارد من دعم بشار الأسد، بعد سنوات من مدِّه بكل المساعدات العسكرية واللوجستية والاقتصادية التي يحتاجها".

وتعود علاقة روسيا بحفتر إلى العام 2019، عندما دعمت حملته العسكرية للسيطرة على العاصمة طرابلس، عبر مرتزقة شركة "فاغنر" الروسية التي تحوّلت في ما بعد إلى "الفيلق الأفريقي". لكن هذه الحملة باءت لاحقاً بالفشل، بفعل تعدّد الجهات الداعمة لكل طرف من طرفَي الحرب في ليبيا. ومنذ ذلك التاريخ، توطّدت العلاقة بين الطرفين، حيث بات شرق ليبيا قِبلةً الطائرات والسفن العسكرية الروسية.

ويؤكد الباحث والمحلل السياسي الليبي، محمد محفوظ، لرصيف22، أنّ ليبيا "بلد إستراتيجي بالنسبة للروس، خاصةً في ما يتعلق بمسألة الإمدادات لقواتها في الدول الحليفة لها في منطقة الساحل الأفريقي التي لا تطلّ على بحر مثل مالي وبوركينا فاسو والنيجر".

ويردف محفوظ: "في المقابل، فإن حفتر مهتم بالوجود الروسي في ليبيا، لحاجته إلى أنظمة الدفاع الجوي الروسية". ويضيف حرشاوي إلى ذلك: "تعدّ عائلة حفتر أنّ هذه الأنظمة التي يديرها خبراء روس لا غنى عنها لبقائها. إذا انسحب الروس، فستعدّ العائلة نفسها في خطر. فهم لا يشعرون بالراحة إلا عندما يكونون محميين بأنظمة دفاع جوي يديرها روس".

عسكرياً، يتركز الوجود الروسي في ليبيا في خمس قواعد، أولاها قاعدة "الخادم" جنوبي شرق بنغازي، التي جرى توسيعها لاستقبال طائرات الشحن، وتُعدّ مركز عمليات فرعياً لقاعدة الجفرة الرئيسية الواقعة وسط ليبيا، والتي تحتوي على طائرات "ميغ 29" و"سوخوي 24". بينما تُعدّ قاعدة "براك الشاطئ"، غرفة عمليات فرعيةً خاصةً في الجنوب الليبي، وفق الخبير العسكري عادل عبد الكافي.

أما قاعدة "الويغ"، فيقول عبد الكافي، لرصيف22، إنّه لا تتوافر "معلومات دقيقة عنها، لكنها قاعدة كبيرة ساهم الروس فى إنشائها في حقبة معمر القذافي، وتُستخدم هي وقاعدة الجفرة كنقطتَي انطلاق لرحلات طيران النقل الروسي باتجاه مالي والنيجر وبوركينا فاسو".

ويضيف عبد الكافي، إلى القواعد العسكرية الأربع هذه، قاعدة حديثة نسبياً، هي "معطن السارة" الجوية في أقصى الجنوب الشرقي، وتنبع أهميتها الإستراتيجية من قربها من المثلث الحدودي ليبيا-تشاد-السودان، وتُستخدم "لنقل المرتزقة والأسلحة والمعدّات"، على حد قوله.

موسم الهجرة الروسية إلى ليبيا

بعد ستة أيام من إسقاط الأسد، أظهرت صور الأقمار الاصطناعية التي التقطتها شركة "ماكسار تكنولوجيز" الأمريكية، عمل روسيا على نقل معدّات عسكرية من سوريا. ففي قاعدة حميميم، كانت طائرتان للنقل العسكري الثقيل من طراز "AN-124"، موجودتين في المطار، ومقدّمتهما مفتوحة، لتحميل معدّات. وفي القاعدة نفسها، جرى تفكيك مروحية هجومية من طراز "Ka-52"، ما قد يشير إلى استعدادات لنقلها. وفي الوقت نفسه، جرت تعبئة أجزاء من وحدة الدفاع الجوي "S-400"، وهي نظام صواريخ أرض-جو روسي، للنقل.

"حتى الآن، لا يمكننا القول إنّ ليبيا منطقة تؤثر فيها الولايات المتحدة ودول الناتو الأخرى سلباً على روسيا، التي تحقّق نجاحاً كبيراً في ليبيا، حيث لا تواجه أي ضغط لا هي ولا حليفها حفتر"... هل تتحوّل ليبيا إلى "ساحة للصراع بين الغرب وروسيا بعد اتجاه الأخيرة نحو تعزيز تواجدها فيها؟

في حين نقلت "سي أن أن" الأمريكية، عن مسؤولين أمريكيين ومسؤول غربي مطّلع على معلومات استخباراتية، أنّ روسيا بدأت بسحب كمية كبيرة من المعدّات العسكرية والقوات من سوريا، وأنّ الروس بدأوا بنقل الأصول البحرية من سوريا إلى ليبيا، حيث زادوا ضغطهم على حفتر لتأمين مطالبتهم بميناء في بنغازي.

ويقدّر عبد الكافي، الذي عمل سابقاً مستشاراً عسكرياً وإستراتيجياً للقائد الأعلى للجيش، أعداد المرتزقة الروس في ليبيا بنحو 2،500 عسكري، مزوّدين بمنظومات دفاع جوي وأسلحة وذخيرة وأجهزة رؤية ليلية وتحديد مواقع وتتبّع وصواريخ محمولة على الكتف "سام 7"، ومركبات عسكرية للدعم الإلكتروني.

وما كشفته التقارير وصور الأقمار الصناعية، أكّده وزير الدفاع الإيطالي، جويدو كروسيتو، إذ قال، في تصريحات صحافية، إنّ روسيا تنقل مواردها من قاعدة طرطوس السورية إلى ليبيا، وإنّ سفنها وغواصاتها في البحر المتوسط على بعد خطوتين من إيطاليا، لافتاً إلى أنّ هذا ليس بالأمر "الجيد"، لأنّ السفن والغواصات الروسية في المتوسط تثير القلق دائماً، خاصةً أنها على بعد خطوتين بدلاً من ألف كيلومتر، على حد قوله.

ليبيا محل سوريا؟

إلى ذلك، لا يعتقد حرشاوي، بإمكانية أن تحلّ ليبيا في الوقت الراهن مكان سوريا بالنسبة لموسكو، إذ يرى أنّ "ليبيا تقع في شمال أفريقيا، وليست في آسيا الصغرى مثل سوريا. وبسبب هذا الموقع الجغرافي، لن تكون ليبيا مريحةً أو سهلة الوصول أو مناسبةً بالنسبة لروسيا مثلما كانت سوريا تحت حكم بشار الأسد، خاصةً بين عامي 2015 و2024".

يتابع حرشاوي:" تلك الحقبة انتهت. حتّى إذا بقيت روسيا في طرطوس واللاذقية، فلن تكون الظروف آمنةً كما كانت في عهد الأسد".

يتّفق معه عبد الكافي، الذي يشير إلى أنّ روسيا ظلّت تدفع بتعزيزات عسكرية إلى سوريا خلال السنوات الماضية، لكنّ تمركزها في ليبيا حالياً "أقلّ درجة". ومع ذلك، يشير إلى أنّ هذا الوجود في "طور التوسّع وزيادة النفوذ والتمدّد بنقل أغلب الأسلحة والقدرات الحربية من سوريا".

وعلى الرغم من أهمية موقع ليبيا في منتصف البحر المتوسط، حيث تطلّ على السواحل الأوروبية، إلا أنّ قصارجيان، يرى أنّه "لا يمكن أن تحلّ محل سوريا" نظراً إلى بعدها عن روسيا، حيث يتطلّب ذلك جسر وصول أطول، فضلاً عن "الديناميات الداخلية والخارجية الخاصة بموقع ليبيا الجيو-إستراتيجي"، مستنتجاً أنّه "من الصعب تعويض سوريا بليبيا، لكن حالياً ليس لدى موسكو خيار آخر".

ويطرح قصارجيان، معضلةً أخرى أمام روسيا متعلقة بوضع حليفها في البلدين، ويقول: "في سوريا كان بشار الأسد رئيس دولة، له شرعية معترف بها من الأمم المتحدة، وكانت موسكو تعلن تواجدها بناءً على طلب الحكومة الشرعية. أما حفتر، فهو أمر واقع في ليبيا، وليست له شرعية دولية، وتالياً سيكون الحفاظ على مكاسب في ليبيا أصعب مقارنةً بسوريا".

هل تتحوّل ليبيا إلى "ساحة للصراعات"؟

وإزاء التحركات الروسية، أعلن رئيس حكومة "الوحدة الوطنية المؤقتة"، ومقرّها في طرابلس، عبد الحميد الدبيبة، رفضه دخول قوات أجنبية إلى ليبيا، وتحوّل بلاده إلى "ساحة للصراعات" الإقليمية والدولية، فيما التزمت حكومة الشرق بقيادة أسامة حماد، والتي تحظى بدعم حفتر، الصمت. 

"تشعر روسيا بأنّها مضطرة إلى تعزيز وجودها العسكري في ليبيا، للحفاظ على مهامها في أفريقيا جنوب الصحراء، بعد تراجعها في سوريا… تمتلك روسيا بالفعل أربع قواعد جوية رئيسية في ليبيا. ومنذ كانون الأول/ ديسمبر 2024، بدأت بنقل المزيد من الموارد العسكرية إلى هذه القواعد الأربع"

في حين دعت رئيسة الحكومة الإيطالية، جورجيا ميلوني، حلف شمال الأطلسي (الناتو)، إلى التركيز بشكل أكبر على جناحه الجنوبي، محذرةً من توجه روسيا إلى تعزيز وجودها في شرق ليبيا بعد سقوط الأسد، لكن هذه المواقف يراها الباحث محفوظ، "مجرد حديث بلا خطوات فعّالة على الأرض"، إذ يقول: "التحركات الروسية تثير غضب الغرب الذي يراها تهديداً إستراتيجياً بسبب موقع ليبيا في خاصرة أوروبا. لكن هناك تشكّكاً في رغبة الغرب وقدرته على تقليص النفوذ الروسي الذي يزداد توسعاً بمرور الوقت".

ومع ذلك، يحذّر محفوظ، من تحوّل ليبيا إلى "ساحة لتصفية الحسابات الغربية الروسية"، مبرزاً أنّ "كل المؤشّرات، خاصّةً بعد ما حدث في سوريا، ونقل العتاد العسكري الروسي، تدلّ على أن ليبيا قد تصبح -إذا لم تكن قد أصبحت بالفعل- ساحة صراع دولي بين الغرب والروس. وسيدفع الليبيون الأبرياء الثمن لأن من هم في السلطة لا يمثلون الإرادة الشعبية، ولا يمكن الحديث بثقة عن قدرتهم على إنهاء هذا الوضع".

بدوره، يختم حرشاوي، بالإشارة إلى أنّه "حتى الآن، لا يمكننا القول إن ليبيا منطقة تؤثر فيها الولايات المتحدة ودول الناتو الأخرى سلباً على روسيا"، التي يرى أنها "تحقّق نجاحاً كبيراً في ليبيا، حيث لا تواجه أي ضغط لا هي ولا حليفها حفتر".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

تنوّع منطقتنا مُدهش

لا ريب في أنّ التعددية الدينية والإثنية والجغرافية في منطقتنا العربية، والغرائب التي تكتنفها، قد أضفت عليها رومانسيةً مغريةً، مع ما يصاحبها من موجات "الاستشراق" والافتتان الغربي.

للأسف، قد سلبنا التطرف الديني والشقاق الأهلي رويداً رويداً، هذه الميزة، وأمسى تعدّدنا نقمةً. لكنّنا في رصيف22، نأمل أن نكون منبراً لكلّ المختلفين/ ات والخارجين/ ات عن القواعد السائدة.

Website by WhiteBeard
Popup Image