شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
الجواب ليس مطمئناً... هل تبيع المواقع الإلكترونية ملابس مسرطنة؟

الجواب ليس مطمئناً... هل تبيع المواقع الإلكترونية ملابس مسرطنة؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

بيئة ومناخ

الأحد 26 يناير 202503:12 م

شنت فرنسا من خلال الجمعية الوطنية الفرنسية ونظيرتها في كوريا الجنوبية حملة عنيفة على ما تسمى تطبيقات الموضة فائقة السرعة الصينية، مثل "Shein" و"Temu". الحملة لم تتوقف عند التوعية، ووصلت إلى حد إقرار قانون ينص على منع أية إعلانات لهذه التطبيقات في فرنسا، للحد -كما يدعي القانون- من آثار الموضة فائقة السرعة على البيئة. 

كما يفرض القانون ما يسمى بالـ"بصمة البيئية" على القطع المستوردة من هذه التطبيقات، وضريبة مالية على كل قطعة يقوم المواطن بطلبها.

من جهتها قامت منظمة السلام الأخضر، "Greenpeace"، وهي منظمة بيئية عالمية غير حكومية مقرها كندا، بشراء 42 قطعة عشوائية من موقع "Shein"، وتم إرسالها إلى مختبرات "BUI" المستقلة لإجراء تحاليل كيميائية عليها. 

وكشفت النتائج وجود مستويات غير قانونية من المواد الكيميائية الخطرة، وغير القابلة للتحلل، التي لا تؤثر فقط على صحة المستهلك، وإنما على صحة العمال في سلاسل التوريد، وعلى الهواء ومياه الصرف المحيطة بهذه السلاسل، وكائناتها البحرية. على الرغم من أن تقريراً حديثاً من الوكالة الأوروبية للمواد الكيميائية، أفاد بأن بعض المنتجات امتثلت للحدود المسموحة الخاصة بقانون "REACH" الأوروبي، بمعدل قطعة مصابة لكل ثلاث تمتثل للقانون. لكن كل هذه الجهود تثير تساؤلاً عما إذا كان هناك اي تشريع عالمي أثبت نجاحه في الحد من الأثر الكيميائي للأزياء؟ والأهم، هل أقرت الدول العربية قوانين لحماية المستهلك من هذه السموم الخفية؟ 

القوانين في البلاد العربية

تختلف التشريعات المتعلقة بمراقبة المواد السامة في الملابس من دولة عربية إلى أخرى. بعض الدول لديها قوانين وإجراءات تهدف إلى تنظيم استخدام المواد الكيميائية الخطرة في المنتجات، بما في ذلك المنسوجات والملابس. على سبيل المثال، أصدرت البحرين "قرار رقم 4 لسنة 2006" بشأن إدارة المواد الكيميائية الخطرة، يهدف إلى وضع نظام لمراقبة وإدارة سليمة لهذه المواد. واعتمدت سلطنة عمان الجزء الرابع من الاشتراطات الوقائية للمواد الخطرة بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وفقًا للقرار رقم 259/2020 الصادر عن الهيئة العامة للدفاع المدني والإسعاف.

شنت فرنسا من خلال الجمعية الوطنية الفرنسية حملة على ما تسمى تطبيقات الموضة فائقة السرعة الصينية، مثل "Shein" و"Temu". وصلت إلى حد إقرار قانون ينص على منع أية إعلانات لهذه التطبيقات في فرنسا

بالإضافة إلى ذلك، تُعتبر اتفاقية منظمة العمل الدولية بشأن السلامة في استخدام المواد الكيميائية في العمل مرجعًا دوليًا مهمًا، حيث توفر إطارًا لإدارة المواد الكيميائية بشكل آمن في مكان العمل، وقد تكون بعض الدول العربية أطرافًا في هذه الاتفاقية.

مع ذلك، قد لا تكون هناك تشريعات محددة تركز بشكل مباشر على المواد السامة في الملابس في جميع الدول العربية. لذا، يُنصح بالتحقق من القوانين واللوائح المحلية لكل دولة على حدة لمعرفة مدى تنظيم ومراقبة استخدام المواد الكيميائية في صناعة الملابس.

الصين متهمة بتصدير الملابس السامة

رغم أن الصين تعتبر من أول المقترحين لتشريع يحظر وجود ستة مواد كيميائية سامة من عائلة "الفاثالات" في أزياءها عام 2012، إلا أن القانون لم يدخل حيز التنفيذ بشكله الصحيح.

في المقابل هناك 4 قوانين أساسية دخلت حيز التنفيذ في الولايات المتحدة لتنظيم استخدام المواد الكيميائية. كقانون التحكم في المواد السامة "TSCA" الذي صدر عام 1976، وقانون سلامة المنتجات الاستهلاكية "CPSA"، الذي يسعى لحماية المستهلكين من المخاطر المرتبطة بالمنتجات الاستهلاكية. وقانون المواد الخطرة الفيدرالي "FHSA"، الذي يعرف المواد السامة بأنها تلك القادرة على التسبب في إصابة أو مرض عند الابتلاع أو الاستنشاق أو الامتصاص.

أما في أوروبا، فينظم قانون "REACH" الذي دخل حيز التنفيذ في يونيو 2007، استخدام المواد الكيميائية بهدف حماية صحة الإنسان والبيئة. ينص القانون على تسجيل الشركات المصنعة أو المستوردة للمواد الكيميائية، وتقييمها، وترخيصها، وتقييد استخدامها. مع ذلك، تعاني عملية التسجيل من ثغرات، حيث تقع المسؤولية بالكامل على الشركات، مما قد يفتح المجال للتلاعب. كل هذه القوانين تُظهر أن العديد من الشركات قد لا تتخذ خطوات جادة ما لم تُجبر قانونياً. 

خطورة حقيقية 

تقول ندى عوض لرصيف22: "بالإضافة إلى الآثار الصحية، هناك حروب اقتصادية، حيث تم استهداف موقع مثل (Temu) من قبل مواقع أوروبية وأمريكية بعد نجاحه الكبير، متهمةً إياه بعمالة الأطفال. ومن المثير للاهتمام، أن علامات تجارية كبرى من تلك الدول متورطة أيضًا في نفس القضية". كما تقول حنين بلال، وهي مشرفة كيميائية في مركز للأبحاث الصيدلانية: "لا أعتقد أن المخاطر تتعلق فقط بمنتجات (Shein)، بل تشمل جميع منتجات الموضة السريعة الرخيصة، التي غالباً لا تخضع للاختبارات الكيميائية لتجنب تكاليف إضافية تؤثر على سعر المنتج".

قامت منظمة السلام الأخضر بشراء 42 قطعة عشوائية من موقع "شي إن"، وإرسالها إلى مختبرات "BUI" المستقلة لإجراء تحاليل كيميائية عليها.  وكشفت النتائج عن وجود مستويات غير قانونية من المواد الكيميائية الخطرة، وغير القابلة للتحلل، التي لا تؤثر فقط على صحة المستهلك، وإنما على صحة العمال في سلاسل التوريد، وعلى الهواء ومياه الصرف المحيطة بهذه السلاسل، وكائناتها البحرية


ومن جهتها تشير أخصائية الأمراض الباطنية الدكتورة رشا خضر إلى خطورة الأمر، تقول: "تزداد معدلات الأمراض المناعية سنوياً بنسبة تتراوح بين 3% و12%. وتلفت الدراسات الانتباه إلى دور الفثالات، المواد الكيميائية المستخدمة في صناعة البلاستيك، التي قد تسبب إنتاج هرمونات تحاكي هرمونات النمو والأنسولين". 

واستناداً إلى عدة دراسات وُجد أن التعرض البشري للمواد الكيميائية الخاصة بمعالجة الأقمشة لا يكون من خلال إحلالها على القماش فقط، ولكن يمكن لدورات الغسيل أن تطلق بعض المواد الكيميائية من القطعة المعالجة إلى أخرى غير معالجة. كما يمكن لتعليق الملابس جنباً إلى جنب في الخزانة أن يطلق الكيماويات في الهواء وينقلها لبعضها البعض. وكل ذلك بالتأكيد يعتمد على قدرة الأقمشة على امتصاص ومراكمة المواد الكيميائية بين ألياف منسوجاتها، والأهم هو الخصائص الفيزيائية والكيميائية للمواد الكيميائية التي عُولجت بها الأقمشة.

لذلك، إذا كنت قد تساءلت يومًا عن أسباب زيادة نسب الأمراض السرطانية والمناعية، والاختلالات الهرمونية والعقلية والسلوكية للمواليد الجدد حول العالم، فلا تكتفِ باللائمة على المعلبات ومواد الحفظ، أو السجائر والهواء الملوث، أو حليب الأطفال المهرمن. عليك أيضًا أن تلقي نظرة على التيشيرت الذي ترتديه باستمرار، أو زيك المدرسي الذي لبسته لسنوات، أو حتى ملابسك الداخلية. فكر في الأمر: أنت تقضي 90% من وقتك مغطياً 85% من جسدك بالقماش!

يقول محمد سليم، مدير في شركة تأمينات طبية: "في السنوات الأخيرة، بدأت العديد من شركات التأمين باستثناء بعض أمراض الغدد الصماء والأمراض المناعية من تغطيتها، وذلك بسبب تضاعف أعداد المصابين، وطبيعة المرض المزمنة، وارتفاع تكاليف علاجاتها". 

ما الذي نرتديه؟

تتعدد المواد الكيميائية المستخدمة في صناعة الأقمشة، وتتفاوت آثارها بين التأثيرات البيئية والصحية. على سبيل المثال، المركبات العضوية شبه المتطايرة تبقى في الأنسجة لفترات طويلة، ملوثة الهواء والماء، كما يمكن أن تتسرب إلى الجسم عبر الجلد، خاصة عند التعرق. أما المركبات العضوية المتطايرة، فتنتشر سريعًا في الهواء، ما يجعل استنشاقها خطيرًا في حالة التعرض المستمر.

من جهة أخرى، تُعرف المركبات العضوية الثابتة بقدرتها العالية على التراكم في الأنسجة والكائنات الحية، مما يزيد من تأثيراتها السلبية على البيئة. أما المعادن الثقيلة، مثل النيكل والرصاص والكادميوم، فتُستخدم في صناعة الأزرار والأصباغ، لكنها قد تسبب تلفًا في الأعضاء الحيوية، بالإضافة إلى ردود فعل تحسسية وسرطانات.

وجدت الدراسات أن التعرض البشري للمواد الكيميائية الخاصة بمعالجة الأقمشة لا يكون من خلال إحلالها على القماش فقط، ولكن يمكن لدورات الغسيل أن تطلق بعض المواد الكيميائية من القطعة المعالجة إلى أخرى غير معالجة. كما يمكن لتعليق الملابس جنباً إلى جنب في الخزانة أن يطلق الكيماويات في الهواء وينقلها لبعضها البعض

الفثالات تُضاف لإعطاء الأقمشة مرونة، لكنها تؤثر على هرمونات الجسم، خاصة لدى الأطفال. بينما تُستخدم البيسفينولات في تصنيع الأقمشة المقاومة للتآكل، وتسبب اضطرابات هرمونية وأمراضًا مناعية. كما يضاف مثبط الحريق "TBPP" إلى بعض ملابس الأطفال، رغم ارتباطه بتلف الحمض النووي وزيادة احتمالات الإصابة بالسرطان.

إلى جانب ذلك، تساهم مواد مثل "PFAs" و"APEs" في مقاومة الملابس للبقع والماء، لكنها ترتبط بمشاكل صحية مثل ارتفاع الكوليسترول واضطرابات الغدد الصماء. كل هذه المركبات تجعل المستهلكين عرضة لمخاطر صحية متزايدة وتدفع للتساؤل عن مدى ضرورة تحسين معايير التصنيع والرقابة.

نصائح لتخفيف ضرر المواد الكيميائية في الأزياء

  1. تجنب الاستهلاك المفرط للمنتجات "فائقة السرعة" وأي منتجات تبلى وتهترئ بسرعة.
  2. محاولة الشراء من العلامات التجارية التي تخضع لنظام رقابي ناجح يضمن خلو الأقمشة من الملوثات الكيميائية.
  3. شراء الملابس القطنية التي تُذكر أن قطنها زُرع وخُزن عضويًا.
  4. غسل الملابس الجديدة بشكل منفرد قبل ارتدائها.
  5. غسل الملابس بعد كل استخدام، حتى لو لم تكن متسخة، لتجنب أية ملوثات كيميائية قد تكون ترسبت من الهواء.
  6. تجنب استخدام معطرات ومنعمات الأقمشة إلا عند الضرورة، مع اختيار الأنواع الخالية من الملوثات.
  7. التأكد من خلو مواد تنظيف الملابس من الملوثات.
  8. عدم ارتداء الملابس الرطبة، وتبديل الملابس مباشرة بعد التعرق.
  9. تجنب فتح نشافة الملابس مباشرة بعد توقفها.
  10. الطلب من محلات تنظيف الملابس عدم تغليف الملابس بأغلفة بلاستيكية.
  11. تعليق الملابس داخل خزائن مغلقة لتجنب تلوثها.
  12. المحافظة على درجة حرارة الغرفة الخاصة بالملابس ضمن المعدلات المنخفضة والرطوبة المناسبة.
  13. تجنب شراء ملابس الرضع المقاومة للحريق.
  14. النوم بدون ملابس كيميائية معالجة عند الإمكان.



رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image