شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
الأقمشة كما نعرفها ستتغيّر كلّيّاً... ثورة في عالم الملابس على وشك الحدوث

الأقمشة كما نعرفها ستتغيّر كلّيّاً... ثورة في عالم الملابس على وشك الحدوث

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والتنوّع

الثلاثاء 17 سبتمبر 202412:56 م

تخيلوا أن ترتدوا ملابس لا تتسخ أبداً، وأن يكون من الصعب أن تبلى أو تتمزق. أو ماذا لو صار لدينا ذاك المعطف الذي يعدل درجة حرارته بما يتناسب مع حرارة وراحة جسدك، أو تلك الأقمشة التي تقلل انبعاث الكربون وتحافظ على البيئة، أو حتى ذلك النوع من الثياب التي تستشعر مشاكلنا الصحية؟

هذه ليست أمنيات ولا خيال علمي، بل هو واقع وشيك،  إذ لم تعد مهمة الأقمشة مقتصرة على أن تكون حاجزاً صنعته الحاجة بين البشر وبين العوامل الجوية فقط، بل حولته الهندسة النانوية إلى نظام نشط قادر على أداء وظائف متعددة مثل مقاومة البكتيريا، والتنظيف الذاتي، وجمع الطاقة، ومقاومة اللهب، ولن يحسن ذلك راحة المستخدمين فحسب، بل سيزيد كذلك من استدامة الأزياء. 

أقمشة

ما هي الجسيمات النانوية، وكيف ستحدث كل التغيير؟

المركبات أو الجسيمات النانوية هي المواد التي يبلغ حجمها بين 1 و 100 نانومتر. والنانومتر هو جزء من المليار من المتر، يعادل تقريبًا حجم عدة ذرات معاً. تمتاز هذه الجسيمات بخصائص تختلف عن المواد التقليدية بسبب حجمها المتناهي الصغر، فمثلاً تسمح هذه المركبات بتفاعلات كيميائية أكبر نتيجة لمساحة سطحها الكبيرة مقارنة بحجمها. 

ماذا لو صارت الملابس لا تتسخ أبداً، أو ماذا لو صار لدينا ذاك المعطف الذي يعدل درجة حرارته بما يتناسب مع حرارة الجسم، أو تلك الأقمشة التي تقلل من انبعاث الكربون وتحافظ على البيئة، أو حتى ذلك النوع من الثياب التي تستشعر مشاكلنا الصحية؟ هذه ليست أمنيات ولا خيال علمي، بل هو واقع وشيك

كما أن صلابة وميكانيكية هذه الجسيمات وخصائصها الكهربائية والمغناطيسية تعد أعلى من المواد التقليدية. إن الاحجام النانوية تعطي للمواد تأثيرات كمية تؤثر على الخواص الإلكترونية والبصرية للمواد. وتُستخدم الجسيمات النانوية في مجموعة واسعة من التطبيقات، مثل الطب والهندسة بكافة قطاعاتها وفي صناعة النسيج والأقمشة.

أقمشة

أقمشة

أقمشة

الملابس المستقبلية ومساهمتها الطبية

تشكل المستشعرات الحيوية ومنها المستشعرات الكهروكيميائية حلولاً واعدة في الرعاية الصحية، وذلك من خلال الكشف عن المواد الكيميائية الحيوية في جسم المريض بما في ذلك الغلوكوز، والإستروجين، واليوريا. إذ يمكن للمستشعر إنتاج إشارة كهربائية من خلال كشف تركيز هذه العناصر الكيميائية باستخدام الإنزيمات.

على سبيل المثال، سيصبح من الممكن الكشف عن مرض السكري من خلال إستخدام إنزيم أكسيداز الغلوكوز. حيث تُستخدم طبقة نشطة من هذا الإنزيم للتفاعل مع الغلوكوز في جسم المريض، وتنقل التيار إلى القطب الكهربائي. تكون قوة الإشارة الكهربائية المنتجة عند القطب الكهربائي متناسبة مع تركيز الجلوكوز. كما يطبق السليلوز النانوي للعناية بالجروح عبر كشف الإيلاستاز، وهو علامة حيوية للأمراض الالتهابية.

من التطبيقات الصحية أيضاً التي سنشهدها تطوير مستشعر مرن قابل للارتداء لمراقبة التنفس والحركات الجسدية الأخرى، ما يجعلها أدوات حيوية في تحسين جودة الرعاية الصحية.

أقمشة

كيف سيتم تصنيعها؟

من خلال طلاءات النانوية، يتم طلاء الأقمشة بطبقة من الجسيمات النانوية. يمكن استخدام تكنولوجيا الرش، تقنية السول جل، البلازما، التبخير الكيميائي والفيزيائي، والمعالجة بذبذبات الصوت، لتطبيق هذه الطلاءات على سطح الأقمشة. أو يتم غمر الأقمشة في محاليل تحتوي على جسيمات نانوية، ثم تُجفف وتُعالج لتثبيت الجسيمات على الألياف، لأن الطلاء الناتج لن يتمكن غالباً من تحمل الغسيل المتكرر. 

سيصبح من الممكن الكشف عن مرض السكري من خلال إستخدام إنزيم أكسيداز الغلوكوز في الأقمشة؛ حيث تُستخدم طبقة نشطة من هذا الإنزيم للتفاعل مع الغلوكوز في جسم المريض.

يمكن أن يتم تطبيق الطلاء السائل، بتطبيق محلول بوليمري سميك يقلل من تكتل الجسيمات النانوية، أو بتطبيق معجون يشكل طبقة على النسيج. أو من خلال الطلاء الجاف، بلصق فيلم بوليمري رقيق مُحضر مسبقًا "غشاء نانوي" على سطح النسيج باستخدام الحرارة والضغط والمواد اللاصقة، مما يعطي الأقمشة خصائص مضادة للبكتيريا أو مقاومة للروائح.

يتم تنشيط السطح بالبلازما، وهو نوع من المعالجة بالغاز، لإنشاء طلاء فعّال وقوي للجسيمات النانوية لتحسين التصاقها ومتانتها. تُستخدم أساليب مثل التشعيع بالليزر والإلكترون والأشعة فوق البنفسجية والأيون والميكروويف إلى جانب البلازما لتعديل بنية السطح.

تتيح هذه الطرق تحسين الخواص الميكانيكية وتوفير حماية من الكهرباء الساكنة وتعزيز القدرة على امتصاص الأصباغ وتحسين مقاومة الماء واللهب. تعتمد فعالية معالجة البلازما على عوامل مثل نوع النسيج والغاز المستخدم وشدة التيار الكهربائي ودرجة الحرارة في مجال الأزياء:

هذه التقنيات ستمكننا من تجربة منتجات نسيجية مضادة للميكروبات قريباًِ، مثل الملابس الرياضية، بطانات الأحذية، الجوارب، والملابس الداخلية. بالإضافة إلى أغطية الأثاث، منسوجات السيارات، السجاد، والمنسوجات الطبية. لتحقيق الخاصية المضادة للميكروبات، يمكن استخدام طلاءات نانوية مضادة للميكروبات، منها ثاني أكسيد التيتانيومTiO2، الفضةAg، أكسيد الزنكZnO، الذهبAu، وأنابيب الكربون النانوية CNT ، والسيليلوز العضوي المستخلص من أوراق كاسيا ألتا.

وتعتمد فعالية هذه الطلاءات على آليات مختلفة، مثل ضرورة تفعيل الضوء لجسيمات TiO₂ النانوية. تعمل الجزيئات النشطة التي يولدها TiO₂ على تدمير جدران الخلايا البكتيرية، مما يؤدي في النهاية إلى موت الخلية.

أما بالنسبة للفضة ، فإن خصائصها المضادة للميكروبات تعتمد على تكوين أيونات الفضة في وجود الرطوبة، لتعطيل أنظمة الكائنات الدقيقة، مثل البروتينات والأنظمة الإنزيمية، مما يقلل من نمو البكتيريا.

إلا أن التحدي يكمن في أن هذه الأقمشة المغلفة يجب أن تكون فعالة في القضاء على مختلف أنواع الكائنات الدقيقة دون أن تكون سامة للمستهلكين. كما يجب أن تكون متينة بما يكفي لتحمل العديد من دورات الغسيل والكي، وألا تعيق الخصائص الأساسية للأقمشة مثل النعومة والراحة، وفي الوقت نفسه ألا تؤثر على البيئة البكتيرية الطبيعية للجلد البشري، حيث أن هذه البكتيريا تلعب دوراً مهماً في الحفاظ على صحة الإنسان. 

أقمشة

أقمشة تنظف نفسها بنفسها

وهي تعتمد على طريقتين، الأولى، خاصية طرد الماء وعدم امتصاصه، لضمان جفاف عالٍ للأقمشة دون بلل. يمكن تحقيقها من خلال عدة طرق تعمل على تعديل التركيب الهندسي والكيميائي للأسطح. عبر استخدام الخشونة النانوية والميكروية على سطح الأقمشة، بالإضافة إلى استخدام مكونات كيميائية طاردة للماء مثل الفلورو سيليان. 

هذه التقنيات ستمكننا من تجربة منتجات نسيجية مضادة للميكروبات قريباً لتتناسب مع كل استخدام، مثل الملابس الرياضية، بطانات الأحذية، الجوارب، والملابس الداخلية. بالإضافة إلى أغطية الأثاث، منسوجات السيارات، السجاد، والمنسوجات الطبية

وقد تم استقاء هذه التقنية من أوراق نبات اللوتس, حيث أن سطح أوراقها مغطى بنتوءات وشمع، ما يجعل الماء يتدحرج على السطح ويزيل الأوساخ.

أما الطريقة الثانية فهي التنظيف بالضوء، عند تعرض جزيئات TiO2 للضوء فوق البنفسجي، تمتص الإلكترونات الطاقة وتنتقل إلى حزمة التوصيل، ما يخلق إلكترونات سالبة وثقوب موجبة. تتفاعل هذه الأنواع مع جزيئات الماء والأكسجين لتشكيل أنيونات فوق أكسيد وجذور الهيدروكسيل، التي تحلل الأوساخ والتلوث.

لعل أهم عامل لنجاح هذه التقنية هو مدة التعرض للضوء، ذاك أن إزالة البقع تحتاج للتعرض للتحفيز الضوئي الفوق بنفسجي لمدة زمنية طويلة. لهذا السبب تعد كفاءة هذه التقنية تحت الضوء المرئي تعتبر منخفضة جداً.

وبعيداً عن طلاسم العلماء، لربات البيوت والنساء العاملات في هذا المجال رأيهن بهذا النوع من التطور في عالم الأقمشة.

تقول فدوى رسمي، وهي ستينية متقاعدة من مجال سلاسل إنتاج الأزياء: "بالتأكيد ستحوز هذه التكنولوجيا رضا جميع النساء، ورضا أولئك المهووسين بالنظافة. إنها حياة أكثر راحة وأكثر ثقة وحيوية".

وتضيف في حديثها لرصيف22: "لن يكون هناك تمايز بين النسوة، مين غسيلها بيضوي ضوي ومين غسيلها معتم ومصفر!". وتقول وفاء صادق، مصورة فوتوغرافية، في العقد الخامس: "سأجد أخيراً الوقت الكافي للاهتمام بنفسي وبيتي وأولادي".

تعارضها الرأي الأختان خلود وسمر، اللتان أبدتا استغرابهما من فكرة عدم غسل الملابس، تقول سمر وهي معلمة وأم لثلاثة أطفال: "لا أتخيل ألا أغسل ملابسي وملابس أطفالي، الأمر لا يتعلق فقط بالراحة، بل بالشعور بالأمان مع ارتداء ملابس نظيفة ومكوية". وتقول خلود: "هذا ليس نوع العمل المنزلي الذي أرغب بتجاوزه، الغسيل جزء أساسي من نوعية الحياة التي أرغب بها لعائلتي، لا أستطيع حتى تخيل عودتي للمنزل بعد يوم مشمس ومتعب وإعادة وضع ملابسي في الخزانة بدلاً من سلة الغسيل، هناك خطأ ما".

وتختم إلهام المدني وهي قانونية في العقد الثالث: "لن اخشى بعد الآن من اهتراء ملابسي المحببة بسبب دورات الغسيل المتكررة".

وأقمشة خاصة الجيوش

ستستخدم هذه الأنواع في تطبيقات الدفاع، وهي أقمشة تغطى بجسيمات السيليكا في مصفوفة سائل البولي إيثيلين جلايكو النانوية، حيث تتصلب سريعاً بمجرد تعرضها للقص. تم استخدام هذه التقنية في أنسجة مثل نسيج كيفلار وأدت لنتائج واعدة، هذا بالإضافة للأنواع المقاومة للحريق مقاومة الحريق. 

في الوقت الذي ترحب به بعض ربات البيوت بالأقمشة التي لا تحتاج إلى غسيل، ترفض أخريات الفكرة تماماً معتقدات أن عدم غسل الملابس لا يمكن أن يكون صحياً لأطفالهن.

لتحقيق طلاء نانوي فعال في مقاومة اللهب، يجب استخدام تركيزات عالية من المكونات النانوية واختيار بوليمرات مناسبة مثل كحول البولي فينيل لضمان كفاءة مقاومة اللهب.

يضاف إليها من الاستغلالات الذكية للمركبات النانوية استغلال الطاقة، إذ يمكن لمجموعة من مكونات النسيج الذكية تسمى بالمولدات النانوية بجمع وتخزين الطاقة، والأقمشة التي تحمي من الأشعة ما فوق البنفسجية،

إن تطبيق جسيمات ثاني أكسيد التيتانيوم على سطح النسيج القطني يمكن أن يوفر حماية فائقة من الأشعة فوق البنفسجية.

يقول سعيد عمر الرئيس التنفيذي لشركة "بيت الخيط" المختصة بالإنتاج والتدريب على فنون الحياكة والتطريز في الأردن لرصيف22: "إنها قفزة في عالم تكوين الأنسجة. يلبي هذا النوع من العلوم حاجات حقيقية لمستهلكين موجودين بالفعل. وبالأخص لسوق الملابس الرياضية".

ويضيف: "إن كل أساس لأي تصميم ناجح هو الراحة والمرونة، بالإضافة للخصائص الثانوية التي تقنع العميل باستثمار مادي أكبر لاقتناء الزي، مثل الأقمشة النانوية ذات الخصائص الدفاعية، أو ربما جيب بنطلون يمكن أن يشحن الهاتف النقال وهو في جيبي، للأسف كم نفتقر في عالم صناعة الأزياء العربية نفتقر لقواعد بيانات، ومعاهد تكنولوجية عربية خاصة بصناعة ودراسة الأنسجة".

عندما انتقل الذكاء من الإنسان إلى الآلة، اعتقدنا أننا وصلنا لكل شيء. لكننا نتجه اليوم في عالم صناعة الأزياء، كغيره من القطاعات، لتلبية حاجات الإنسان وتطلعاته الجديدة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel

تنوّع منطقتنا مُدهش

لا ريب في أنّ التعددية الدينية والإثنية والجغرافية في منطقتنا العربية، والغرائب التي تكتنفها، قد أضفت عليها رومانسيةً مغريةً، مع ما يصاحبها من موجات "الاستشراق" والافتتان الغربي.

للأسف، قد سلبنا التطرف الديني والشقاق الأهلي رويداً رويداً، هذه الميزة، وأمسى تعدّدنا نقمةً. لكنّنا في رصيف22، نأمل أن نكون منبراً لكلّ المختلفين/ ات والخارجين/ ات عن القواعد السائدة.

Website by WhiteBeard