وسط حضور لافت، استقبلت الصومال الأسبوع الماضي سفينة التنقيب التركية "الريس عروج"، التي باشرت عمليات التنقيب في ثلاث مربعات بحرية ضمن المياه الإقليمية الصومالية، بموجب مذكرة التفاهم المبرمة بين البلدين في مارس/آذار الماضي، مما يمثل التدشين الرسمي لانطلاق مهامها.
أثار هذا "الحدث التاريخي"، بحسب وصف الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، انتباه الدول المعنية بالموارد الطبيعية الصومالية، حيث أقامت الصومال مناسبة ترحيبية كبيرة في مقديشو، حضرها كبار القادة الصوماليين، بما في ذلك الرئيس حسن شيخ محمود، ورئيس الوزراء حمزة عبد برى، إلى جانب وفد تركي رفيع المستوى برئاسة وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي، ألب أرسلان بيرقدار، قبل أن ينتقل الوفد إلى مهامه.
يستعرض هذا التقرير تحوّل النفوذ التركي إلى شريك منتج فعال في الصومال، بالإضافة إلى تسليط الضوء على الصراعات الجيوسياسية المترتبة على ذلك، إلى جانب التحديات التي قد تعترض نجاحه.
تركيا من شريك مانح للصومال إلى شريك منتج
منذ العام 2010، بدأ الحضور التركي في الصومال بالازدياد، حيث ركزت تركيا دعمها على مجالات التعليم والصحة والبنية التحتية عبر تمويل مشاريع لبناء المرافق الصحية والتعليمية، وترميم الطرق المتضررة من الصراعات، وتقديم المساعدات الإنسانية التي أثرت إيجابًا على حياة المواطنين الصوماليين، إضافة إلى الدعم في مجال الأمن، من خلال تدريب وتسليح القوات الأمنية مما ساهم في تعزيز النظرة الإيجابية لتركيا في الشارع الصومالي، وأبرزها كلاعب مؤثر في المشهد الجيوسياسي في المنطقة.
استقبلت الصومال الأسبوع الماضي سفينة التنقيب التركية "الريس عروج"، التي باشرت عمليات التنقيب في ثلاث مربعات بحرية ضمن المياه الإقليمية الصومالية، بموجب مذكرة التفاهم المبرمة بين البلدين، مما يمثل التدشين الرسمي لانطلاق مهامها
ومع مطلع العام الجاري، تحوّل دور أنقرة من الشريك المانح للمساعدات الإنسانية والداعم للمشاريع التنموية والاقتصادية، إلى شريك في إنتاج الموارد الطبيعية الصومالية، وتقديم دعم مباشر لحماية المصالح الصومالية، بما في ذلك الدفاع عن السيادة أمام التهديدات الخارجية، مما شكّل نقطة فاصلة في مسار العلاقات التركية الصومالية، وعزز من نطاق انخراطها في المشهد الصومالي.
في الثامن من شباط/ فبراير الماضي، وقّع البلدان - الصومال وتركيا - اتفاقية إطارية للتعاون الدفاعي والاقتصادي تمتد لعشر سنوات، تهدف إلى الحماية من الإرهاب والقرصنة، ومنع إلقاء النفايات في المياه الصومالية، إلى جانب مواجهة التهديدات والانتهاكات الخارجية على السواحل الصومالية، وذلك في خضم التوترات المتصاعدة بين الصومال وإثيوبيا عقب توقيع الأخيرة التفاهمات المثيرة للجدل مع إدارة صوماليلاند.
تلا ذلك تفاهمات في مجال الغاز والنفط، وقّعها البلدان في مطلع مارس/آذار الماضي، مما مهد الطريق لوصول سفينة التنقيب التركية إلى البلاد الأسبوع الماضي لبدء عملياتها الاستكشافية في المناطق المحددة.
وبحسب مراقبين، تسعى تركيا لتعزيز نفوذها في منطقة القرن الإفريقي لحماية مصالحها الجيوسياسية في شرق إفريقيا والبحر الأحمر، إذ يعتبر الصومال بوابة استراتيجية مطلة على البحر الأحمر ومضيق باب المندب، وبالتالي فإن التحركات التركية، بدءًا من الشراكة الدفاعية مع الصومال، مرورًا بعقود الغاز، ووصولًا إلى دور الوساطة في الأزمة المتصاعدة بين الصومال وإثيوبيا، تصب في هذا الاتجاه.
وفي هذا السياق، يرى المحلل في القضايا الدولية، محمد حسين، أن لتركيا استراتيجية طويلة الأمد في إفريقيا، وتحديدًا في منطقة القرن الإفريقي، حيث تعمل على تعزيز نفوذها الجيوسياسي لحماية مصالحها في مضيق باب المندب والتقرب من الشرق الأوسط، إضافة إلى موازنة نفوذها أمام القوى الدولية الفاعلة في المنطقة، مثل الصين والإمارات والمملكة العربية السعودية.
صراعات جيوسياسية محتملة
بفضل موقعها الاستراتيجي، كانت منطقة القرن الإفريقي لعقود وما زالت محط أنظار القوى الدولية، وتشهد تنافسًا جيوسياسيًا محتدمًا بين تلك القوى، حيث يسعى كل طرف للحفاظ على مصالحه وتوسيع نفوذه في دول المنطقة، خاصة تلك المطلة على البحر الأحمر مثل الصومال وجيبوتي، واللتين تتميزان بقربهما من مضيق باب المندب الحيوي.
تحوّل دور أنقرة من الشريك المانح، إلى الشريك في الإنتاج، وتقديم الدعم المباشر لحماية المصالح الصومالية، بما في ذلك الدفاع عن السيادة أمام التهديدات الخارجية.
في السنوات الأخيرة، برزت كلاً من تركيا والإمارات كقوتين رئيسيتين تتنافسان على الساحة الجيوسياسية في الصومال، إذ تسعى كل منهما لتعزيز نفوذها السياسي والاقتصادي والأمني في البلاد. ويتجلى هذا التنافس من خلال اتباع استراتيجيات متنوعة لكسب ولاء الحكومات الصومالية المتعاقبة، عبر تقديم المساعدات التنموية والعسكرية واستثمار الموارد المحلية، بما في ذلك الموانئ، التي أصبحتا متنافستين شرستين عليها.
وفي هذا الإطار، يشير المحلل الجيوسياسي الصومالي عبد العزيز أحمد، في حديث لرصيف22، إلى أن تحركات تركيا الأخيرة لتعزيز دورها في المشهد الاقتصادي والأمني في الصومال قد تترك تأثيرات سلبية على مصالح بعض الدول الغربية والعربية، موضحًا أن هناك دولاً كبرى مثل الولايات المتحدة، وبريطانيا، والنرويج قد تواجه تحديات متزايدة جراء الأنشطة التركية للتنقيب عن الموارد الطبيعية في الصومال.
ويضيف أن دولاً عربية، وعلى رأسها السعودية والإمارات، تنظر بقلق إلى النشاط التركي المتزايد، خاصةً فيما يتعلق بالمنافسة المحتملة في أسواق الطاقة، إلى جانب الأبعاد الأمنية والعسكرية التي قد تؤثر على مصالحهما وتوازنات النفوذ في المنطقة.
أما الباحث في الدراسات الإستراتيجية أحمد عبد الرحمن، فيؤكد لرصيف22 أن الصومال قد تتعرض لضغوط دبلوماسية أو اقتصادية نتيجة التحركات التركية من دول مثل الإمارات والسعودية، لتحذيرها من تعزيز علاقتها مع تركيا، حيث تريان في الوجود التركي تهديدًا لنفوذهما الإقليمي، مشيرًا الى أن هذه الضغوط قد تؤدي إلى إعاقة أو تأخير جهود الصومال في التنقيب عن النفط والغاز.
وفيما يتعلق بالدول المتماشية مع التوجهات السياسية التركية في الصومال، يرى عبد العزيز أن هناك تنسيقاً و تعاونًا وثيقا بين تركيا وقطر تجاه القضايا الصومالية في أغلب الأحيان، إذ إن قطر حاضرة أيضًا في مجال استثمار الطاقة في الصومال، حيث تمتلك شركة "الخليج للغاز" القطرية عقداً للتنقيب عن الغاز الطبيعي في ثلاث مناطق برية في وسط وجنوب البلاد.
وفي السياق، يرى أحمد عبد الرحمن أنه إلى جانب قطر، قد تكون إيران على الخط ولديها موقف متسق مع التحرك التركي، إذ تعتبر التدخل التركي فرصة لإضعاف التواجد الخليجي في المشهد الصومالي، مما يعني أنها قد تقدم دعمًا غير مباشر لتركيا.
تحديات على الطريق
ومع أن بعض المراقبين يرجّحون أن استخراج الغاز الصومالي قد يحتاج إلى عشر سنوات مقبلة، إلا أن هناك تحديات تواجه تحقيق هذا الحلم، حتى لو طال الوقت لتحقيقه، وتتمثل تلك التحديات في تعدد الشركات الممنوحة للعقود، والتي تشمل إلى جانب تركيا كشريك حكومي، شركتي "ليبرتي" و"كوستلاين إكسبلوريشن" (صوم أويل سابقًا) الأمريكيتين، إضافة إلى شركة الخليج للبترول القطرية. ويضاف إلى ذلك ضعف البنية التحتية القانونية والمؤسساتية، وغياب نظام لتقاسم العائدات متوافق عليه بين الحكومة الفيدرالية والولايات الإقليمية في البلاد.
بينما تنظر السعودية والإمارات، بقلق إلى النشاط التركي المتزايد في الصومال في أسواق الطاقة، إلى جانب الأبعاد الأمنية والعسكرية، نجد هناك تنسيقاً وتعاونًا وثيقا بين تركيا وقطر تجاه القضايا الصومالية في أغلب الأحيان
ويقول عبد العزيز إن انعدام الاستقرار الأمني نتيجة وجود تنظيمات إرهابية وقبائل صومالية مسلحة على مسافات قريبة من مناطق الاكتشاف، بالإضافة إلى عدم الاستقرار السياسي في البلاد، وأيضًا عدم استكمال مشاريع القوانين الوطنية لتقاسم عائدات الموارد الطبيعية، قد يشكل تحديًا أمام أنشطة التنقيب التركية في البلاد.
بدوره، يرى أحمد عبد الرحمن أن تعدد الجهات الممنوحة للعقود قد يؤدي إلى نزاعات قانونية وتجارية بين الشركات والدول المتنافسة على استثمارات النفط، حيث إنه في حال لم تُنظم العقود بعناية، قد يحدث تضارب في المصالح يؤدي إلى تأخير عمليات الاستكشاف أو حتى تعطيلها نتيجة النزاعات الدولية والمحلية حول الحصص والحقوق.
وفيما يتعلق بجاهزية هيئة البترول الصومالية المسؤولة عن إدارة مشاريع الغاز والعقود المتعلقة به، يشكّك البعض في قدرتها على أداء المهام المنوطة بها، سواء بسبب نقص الموازنة المخصصة لها، أو نقص الكفاءات التي من شأنها أن تساعد الهيئة في إدارة هذه المشاريع والعقود.
إلى ذلك يقول وزير البترول والموارد الطبيعية السابق محمد مختار إن هيئة البترول الصومالية -التي من المفترض أن تدير المشاريع المختلفة والعقود المتعلقة بالغاز- تعاني من ضعف الإمكانيات اللازمة لأداء مهامها، بما في ذلك نقص الميزانية السنوية الكافية، والتي أكد أنها تبلغ مليونًا ومئتي ألف دولار أمريكي فقط، مشيرًا إلى ضرورة أن تقوم الحكومة الفيدرالية بزيادة ميزانيتها لتمكينها من توظيف الكفاءات والخبراء الذين قد يساعدونها في تحقيق مهامها.
وحول استمرار صلاحية اتفاقية تقاسم الموارد الطبيعية الموقعة بين الحكومة الفيدرالية والولايات الإقليمية في عام 2018، أكد مختار أنها كانت بداية جيدة، لكنها لم تكتمل وتحتاج إلى إعادة النظر، إضافة إلى ضرورة إيجاد توافق عام حول إدارتها وتقاسم عائداتها، وإجراء التعديلات اللازمة على قانون الغاز الساري المفعول.
جدير بالذكر أن بعض الولايات الإقليمية تعترض على اتفاقية تقاسم العائدات السالفة ذكرها، التي تنص على توزيع الإيرادات في حال إنتاجها من البحر بمنح 55% للحكومة الفيدرالية، و25% للولاية التي تقع فيها المنطقة المنتجة، و10% للمديرية التي يتبعها الحقل، و10% للولايات الإقليمية الأخرى في البلاد، أما في حال إنتاجها من البر، فيتم توزيعها بواقع 30% للحكومة الفيدرالية، و30% للولاية، و20% للمديرية، و20% للولايات الأخرى.
وبذلك، أكد حاكم ولاية بونتلاند، سعيد عبدالله دني، مؤخرًا في تصريح له حول أنشطة التنقيب التركية عن الغاز، ترحيب ولايته باستغلال موارد البلاد، لكنه شدد على ضرورة أن يتم ذلك ضمن إطار قانوني وإيجاد توافق على كيفية تقاسم عائداته، محذرًا من أن عدم استيفاء تلك الالتزامات قد يقود البلاد إلى الفوضى والاقتتال.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 18 ساعةمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع