هل سبق أن سمعتم بظاهرة "Hate-Following" التي تعني متابعة أشخاص لا نحبّهم على السوشال ميديا؟ قد تظنّون أن هذا السلوك مجرّد فضول عابر، لكنّه قد يكون له تأثيرات نفسية عميقة على الفرد.
كيف تؤثّر هذه المتابعات السلبية على صحتنا النفسية؟ ولماذا نشعر بحاجة إلى متابعة أشخاص لا نحبّهم؟
ظاهرة شائعة
في حديثها مع رصيف22، تشرح المعالجة النفسية لونا ماريا أبي هيلا، أن متابعة أشخاص لا نحبهم على السوشال ميديا هي ظاهرة شائعة جداً: "نراها بشكل متكرّر في العيادات النفسية".
تؤثّر هذه الظاهرة سلباً على الصحة النفسيّة وغالباً ما تكون مرتبطة بانخفاض احترام الذات. إذ إن الشخص الذي يعاني من هذا الانخفاض يكون أكثر عرضة لمتابعة أشخاص لا يحبّهم، وهو ما يزيد من ضعف ثقته بنفسه أكثر على المدى البعيد.
الدماغ لا يفرّق بين مشاعر الحب والكراهية عندما نكون عاطفيين تجاه شخص ما، وهذا يفسّر شعورنا بالتفاعل العاطفي القويّ حتى عند متابعة شخص نكرهه
تفنّد لونا ماريا أسباب متابعة أشخاص لا نحبّهم على السوشال ميديا على الشكل التالي:
• اللذة من المشاعر السلبية: عندما لا نحبّ شخصاً معيناً، قد نجد أنفسنا نركّز على حياته بشكل مكثّف وننتظر حدوث أخطاء أو أمور سلبية له. هذا التركيز على الجوانب السلبية في حياة الآخر قد يولّد نوعاً من المتعة المؤقتة أو الرضا الذاتي.
• الانحياز التأكيدي: إذا كانت لدينا فكرة مسبقة سلبية عن شخص ما، فإن عقلنا اللاواعي يحاول إيجاد أدلّة تؤكّد هذه الفكرة. نبحث عن أيّ تصرف أو حدث يعزّز نظرتنا السلبية عنه.
• المقارنة الاجتماعية: متابعة شخص لا نحبّه قد تدفعنا إلى مقارنة حياتنا بحياته. هذه المقارنة قد تجعلنا نشعر بالتفوّق عليه إذا رأينا أنفسنا في وضع أفضل، أو بالعكس، قد تجعلنا نشعر بالنقص إذا شعرنا أن حياته تبدو أكثر نجاحاً.
• الخوف من تفويت أي جديد: الكراهية تجاه شخص ما قد تزيد من فضولنا لمعرفة أخباره بشكل مستمرّ. هذا الفضول المفرط يجعلنا نبقى متابعين له لتعزيز رغبتنا في معرفة كلّ جديد عنه، حتى وإن كان دافعنا الأساسيّ هو الكراهية.
• الرغبة في الانتماء الإجتماعي: أحياناً نبقى متابعين لشخص لا نحبّه فقط لأن الآخرين من حولنا يتابعونه. هذا السلوك ينبع من رغبتنا في الشعور بالانتماء إلى المجموعة وعدم الإحساس بالانعزال عن الأصدقاء أو البيئة المحيطة.
من ناحية أخرى، توضح المعالجة النفسية سالي بايكر لموقع Independent، أن مشاعر الحبّ والكراهية في الدماغ مترابطة بشكل غير مباشر. عندما نركّز بشدة على شخص ما، سواءً كنا نحبّه أم نكرهه، يُحفّز الدماغ لإفراز هرمونات السعادة مثل الأوكسيتوسين، السيروتونين والدوبامين. هذه الهرمونات تمنحنا شعوراً بالراحة والفرح العاطفي، حتى إذا كانت دوافعنا تجاه الشخص سلبية. ببساطة، الدماغ لا يفرّق بين مشاعر الحب والكراهية عندما نكون عاطفيين تجاه شخص ما، وهذا يفسّر شعورنا بالتفاعل العاطفي القويّ حتى عند متابعة شخص نكرهه.
ومن وجهة نظرها، فإن مقارنة أنفسنا بالآخرين ليست بالضرورة سلوكاً ضاراً، ولكن عندما يصبح هذا السلوك هوساً أو قهراً، ويستحوذ على أفكارنا بشكل مستمرّ، فهذا قد يشير إلى مشكلة أعمق في علاقتنا بأنفسنا.
كذلك، تقول عالمة النفس والكاتبة ليلي سابير لموقع Stylist، أن السبب في متابعة شخص لا نحبه على الإنترنت يعود إلى رغبتنا غير الواعية في اكتشاف المزيد عن أنفسنا: "حتى في السوبرماركت، نقوم بالحكم على تصرّفات الناس أو ملابسهم، والمقارنة على وسائل التواصل الاجتماعي تكشف الكثير عن هويّتنا الاجتماعية والشخصية"، مشيرة إلى أنه من منظور علم الأعصاب، فإن مشاهدة شخص على السوشال ميديا لا نتفّق معه، يُحفّز دماغنا ويؤدّي إلى إطلاق الدوبامين، وهو هرمون الشعور بالراحة. لكن مع مرور الوقت، لكي نشعر بنفس القدر من الراحة، يتعيّن أن يزيد مستوى الغضب أو الكراهية تجاه الشخص الذي نتابعه. وهذا يؤدّي إلى زيادة في الانفعال والعدوانية، ممّا يجعل السلوك إدمانيّاً ويتحوّل إلى مشكلة على المدى الطويل.
موجة من المشاعر السلبية
توضح لونا ماريا أبي هيلا أن متابعة شخص لا نحبّه على السوشال ميديا يمكن أن تزيد من المشاعر غير المريحة لدينا: "مع كلّ منشور أو قصة جديدة يشاركها هذا الشخص، نشعر بموجة من المشاعر السلبية، مثل الانزعاج أو الإحباط. هذه المشاعر لا تختفي، بل تتراكم مع مرور الوقت، ممّا يؤدّي إلى ارتفاع مستويات التوتر والقلق، وقد تصل في بعض الأحيان إلى الشعور بالاكتئاب".
تضيف: "من جهة أخرى، هذه المتابعة تُضعف شعورنا بالأمان الداخلي. فعندما ننخرط في مقارنات اجتماعية مستمرّة، حتى لو كانت بشكل غير واعٍ، قد تبدأ ثقتنا بأنفسنا بالتراجع. نحن نقارن حياتنا اليومية بما نراه من حياة مثالية أو ناجحة في منشورات هذا الشخص، ممّا يجعلنا نشعر أن حياتنا أقلّ قيمة أو أهميّة".
وتشرح كيف يمكن لهذه المتابعة أن تدخلنا في دائرة من التفكير السلبي: "مشاهدة منشورات شخص نكرهه قد تدفعنا إلى إعادة التفكير مراراً وتكراراً في كل تفصيل. نعيد ربط الأحداث بمشاعر الكراهية، ممّا يؤدّي إلى زيادة الحزن والتوتر، وأحياناً الشعور بالندم، خصوصاً إذا كان ما يشاركه هذا الشخص يذكرنا بشيء نفتقده أو نرغب فيه".
"عندما ننخرط في مقارنات اجتماعية مستمرّة، حتى لو كانت بشكل غير واعٍ، قد تبدأ ثقتنا بأنفسنا بالتراجع. نحن نقارن حياتنا اليومية بما نراه من حياة مثالية أو ناجحة في منشورات هذا الشخص، ممّا يجعلنا نشعر أن حياتنا أقلّ قيمة أو أهميّة"
كذلك توضح أبي هيلا أن التركيز المستمرّ على شخص لا نحبّه يسبّب تشويهاً في إدراكنا للواقع، إذ نصبح أكثر تحيّزاً في تفسير أفعاله أو منشوراته بناءً على أفكار مسبقة لدينا، والتي قد تكون غير صحيحة. هذا التشويه يدفعنا إلى المبالغة في تفسير كل خطوة يقوم بها، ممّا يعمّق مشاعر الكراهية لدينا ويمنعنا من التفكير بموضوعية.
تخبر ماريا (اسم مستعار)، أنّها عادةً تتابع أشخاص لا تحبّهم على السوشال ميديا، لأن حسابهم يحتوي على معلومات تهمّها أو تحتاجها. وتقول لرصيف22: "أحيانًا يدفعني الفضول لأن أقرأ التعليقات على منشوراتهم وأتابع أخبارهم، ربما لأعرف ما يحدث في حياتهم".
تتابع بالقول: "عندما تظهر منشوراتهم على صفحتي، يختلف تعاملي معها حسب الشخص. قد أتجاوزها فوراً أو أحياناً أتابعها قليلاً لمعرفة الموضوع، خاصةً إذا كان المنشور فيديو. لكن بشكل عام، لا أشعر بالانزعاج. وإذا لاحظت أن منشوراتهم تثير لدي مشاعرَ سلبيةً بشكل متكرّر، أتّخذ القرار بإلغاء متابعتهم من دون تردّد".
أمّا بالنسبة للغيرة أو مقارنة نفسها بهم، فهذا أمر لا يحدث معها عادةً، لأنّها مدركة تماماً أن ما يظهر على وسائل التواصل الاجتماعي ليس بالضرورة الحقيقة الكاملة: "حياتهم، مهما بدت مثيرة أو ناجحة، ليست أسلوب الحياة الذي أريده لنفسي. بصراحة، أجد أن نمط حياتهم يبدو مرهقاً جداً ولا يناسبني على الإطلاق".
من جهة أخرى، تشارك سارة (اسم مستعار) تجربتها مع رصيف22 قائلةً: "كنّا أصدقاء لفترة طويلة ولكنّنا ابتعدنا عن بعضنا بعضاً. لم أكرهها، لكن مشاعرنا تغيّرت، ولم يعد يهمّني أمرها. لم نُلغِ متابعة بعضنا، لكن مع مرور الوقت، توقّفتُ عن متابعة منشوراتها على وسائل التواصل الاجتماعي، لأنّها بدأت تزعجني".
خطوط حمراء
ترى لونا ماريا أبي هيلا أن هناك علامات قد تشير إلى أن "Hate-Following" قد تجاوز الحدود وأصبح سلوكاً غير صحيّ: "عندما يجد الشخص نفسه يفكّر باستمرار في الشخص الذي لا يحبّه، وينشغل بمحتواه إلى حدّ قضاء وقت طويل في مراقبة منشوراته، فهذا مؤشّر على أن السلوك أصبح يستهلك وقته وطاقته بشكل غير صحيّ، كما أن التأثّر العاطفي الشديد بكلّ ما يشاركه هذا الشخص، سواءً من خلال الشعور بالحزن أو الغضب أو الغيرة، يمكن أن يدلّ على أن Hate-Following بدأ يؤثّر على حالته النفسية والمزاجية".
"مشاهدة منشورات شخص نكرهه قد تدفعنا إلى إعادة التفكير مراراً وتكراراً في كل تفصيل. نعيد ربط الأحداث بمشاعر الكراهية، ممّا يؤدّي إلى زيادة الحزن والتوتر، وأحياناً الشعور بالندم، خصوصاً إذا كان ما يشاركه هذا الشخص يذكرنا بشيء نفتقده أو نرغب فيه"
وتوضح أبي هيلا أنه في حال بدأ هذا السلوك يؤثّر على حياة المرء اليومية، مثل التراجع في أداء مهامه أو إهمال وقته مع العائلة والأصدقاء بسبب انشغاله بمراقبة الشخص الآخر، فهذا يشير إلى أن الأمور تجاوزت الحدود، كما أن انخفاض تقدير الذات، الذي يظهر من خلال مقارنة نفسه بالشخص الذي يتابعه بطريقة سلبية أو الشعور بأنه أقلّ منه، يُعد علامة واضحة على أن Hate-Following أصبح يؤثّر بشكل مباشر على ثقته بنفسه: "عندما يصل الشخص إلى هذه المرحلة، يصبح من الضروريّ أن يعيد التفكير في هذا السلوك ويتّخذ خطوات للتوقف عنه، حفاظاً على راحته النفسية وتوازنه العاطفي".
خطوات للتوقّف عن Hate-Following
توضح لونا ماريا أن أوّل خطوة للتوقف عن متابعة أشخاص نكرههم على السوشال ميديا هي أن يصبح الشخص واعياً بتأثير هذا السلوك على حياته اليومية: "إن المشاعر السلبية مثل التوتر أو القلق، إلى جانب قضاء وقت طويل في مراقبة حياة الآخرين، هي إشارات واضحة إلى أن الوقت قد حان لتحديد الأولويات".
وتشير إلى أن الصحة النفسية تأتي أولاً، والخطوة الأساسية هي القيام بإلغاء المتابعة للشخص الذي يثير هذه المشاعر: "اتّخاذ هذا القرار قد يبدو صعباً بسبب القلق من المشاكل الاجتماعية، لكنّه يستحقّ المحاولة نظراً لتأثيره الإيجابي على الراحة النفسية".
تشدد أبي هيلا أيضاً على أهمية أخذ استراحة من وسائل التواصل الاجتماعي: "هذه المنصات قد تكون مفيدة، لكنها قد تجعلنا أكثر عرضة للسلوكيات غير الصحية. لذلك التوقّف المؤقّت عن استخدامها يساعد في تقليل التوتر واستعادة التوازن في الحياة".
وتشير إلى ضرورة معالجة جذور المشكلة بالتساؤل عن سبب متابعة هذا الشخص رغم مشاعرنا السلبية نحوه، كما تلفت الانتباه إلى أن المقارنة على وسائل التواصل غالباً ما تكون غير واقعية، وأن ما نراه يعكس فقط جانباً منتقى من حياة الآخرين: "يجب التركيز على ما نملكه بدلاً من الانشغال بما نفتقده".
تنصح لونا ماريا بتوجيه الطاقة نحو النموّ الشخصي وترى أن استثمار الوقت في أنشطة تُشعرنا بالسعادة أو التطوّر مثل ممارسة الرياضة، تعلّم شيء جديد، أو قضاء الوقت مع الأصدقاء والعائلة، يمكن أن يكون وسيلة فعّالة لتعزيز الصحة النفسية واستبدال السلوك السلبي بعادات إيجابية.
"يجب التركيز على ما نملكه بدلاً من الانشغال بما نفتقده"
هذا وتختم أبي هيلا حديثها بالقول: "إذا كنتم تشعرون بمشاعر سلبية متكرّرة عند متابعة شخص نكرهه على وسائل التواصل الاجتماعي، أو لاحظتم أنكم تنشغلون بشكل مفرط بمراقبة محتواه والتفكير فيه، فقد تكون هذه إشارة إلى أن هذا الشخص يؤثر سلباً على صحتكم النفسية. لذلك إذا كان وجود هذا الشخص في قائمة متابَعاتكم لا يقدّم أي قيمة إيجابيّة لحياتكم، فمن الأفضل القيام بخطوة جريئة: إلغاء المتابعة. وإذا كنتم لا تريدون اتّخاذ هذا القرار بشكل كامل، يمكنكم الحدّ من رؤية منشوراته من خلال إعدادات الخصوصية على المنصة. تذكّروا دائماً أن صحتكم النفسية يجب أن تكون الأولوية، ولا تتردّدوا في اللجوء إلى مختصّ نفسيّ للحصول على المساعدة اللازمة. الدعم المهنيّ يمكن أن يكون خطوة مهمة لتجاوز هذه المشاعر السلبية وبناء علاقة صحية مع وسائل التواصل الاجتماعي".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
astor totor -
منذ يوميناسمهم عابرون و عابرات مش متحولون
مستخدم مجهول -
منذ يومينفعلاً عندك حق، كلامك سليم 100%! للأسف حتى الكبار مش بعيدين عن المخاطر لو ما أخدوش التدابير...
Sam Dany -
منذ أسبوعانا قرأت كتاب اسمه : جاسوس من أجل لا أحد، ستة عشر عاماً في المخابرات السورية.. وهو جعلني اعيش...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلماذا حذفتم اسم الاستاذ لؤي العزعزي من الموضوع رغم انه مشترك فيه كما ابلغتنا الاستاذة نهلة المقطري
Apple User -
منذ أسبوعوحده الغزّي من يعرف شعور هذه الكلمات ، مقال صادق
Oussama ELGH -
منذ أسبوعالحجاب اقل شيء يدافع عليه انسان فما بالك بحريات اكبر متعلقة بحياة الشخص او موته