بصوت مبحوح مشبع بالغواية، يستدعي أداء الفنانة ماجدة الصباحي في أفلام الأبيض والأسود، وهي تنطق اسم ممدوح "بمطّ الحاء"، في تمنّع ممزوج بالرغبة الجامحة، وبعيون ناعسة تشي بوعود حميمة، وسحنة محايدة دون تعبير محدد، تظهر اليوتيوبر التي تم إلقاء القبض عليها مؤخراً في مصر لتقدّم حلقاتٍ الغرض منها كسر التابوهات، في حين أن يرى البعض أن المكاسب السريعة السهلة من حصيلة المتابعات والانتشار هي النتيجة الملموسة التي تستهدفها اليوتيوبر الشهيرة، والتي نجحت في النهاية في الحصول على لقب "أجرأ بنت في مصر"، كما نجحت في التحول من صناعة المحتوى السوشالي، إلى تقديم برنامج في إحدى القنوات الفضائية واسعة الانتشار.
"فلسفة التعريص"، "أول شخرة في التاريخ"، "الإباحية"، "الدورة الشهرية للرجّالة"، "العلوقية مسؤولية"، و"العادة السرية"، هي عناوين الفيديوهات الأكثر شهرةً وانتشاراً لليوتيوبر داليا فؤاد، والتي تقدّمها بغرض كسر التابوهات والخروج عن المألوف وتحدي الذهنية المحافظة السائدة في غالبية المجتمع المصري، والتي تعدّ هذا الكلام "عيباً"، إلا أن هذا النوع من الفيديوهات الذي لا تتجاوز مدته 3 دقائق يحصد مشاهدات بالملايين، وتالياً يتحول الرهان من كسر التابو لدواعي التحرر والتمرد على الثوابت الاجتماعية التي يراها البعض "عقيمةً"، إلى وسيلة للمكسب السهل والسريع عبر السوشال ميديا.
حدثت طفرة في القبض على عدد من صانعات المحتوى اللواتي يستغللن الحرية المتاحة على التطبيقات السوشالية ليقدّمن محتوى صادماً للمجتمع، بهدف الشهرة والانتشار والمكسب السهل السريع
لم يتم القبض على اليوتيوبر الشهيرة في قضية تتعلق بصناعة المحتوى الذي تقدّمه، بل في قضية تتعلق بالمخدرات، وتحديداً مخدّر (GHB) الذي وصفته الداخلية المصرية في بيان القبض على البلوغر الشهيرة، بأنه "عقار اغتصاب الفتيات".
في حين يربط البعض بين المحتوى الجريء الذي تقدّمه البلوغر وبين اتجاهها نحو "سكة المخدرات" باعتبارها نتيجةً طبيعيةً للمكاسب الكبيرة السهلة من المحتوى الصادم اجتماعياً، يرى آخرون أن لا علاقة بين الأمرين وإن كان المحتوى يحتاج دائماً إلى مراقبة لضبط المسافة بين الحرية والإسفاف أو الابتذال الذي يستهدف الربح.
هذا المحتوى تحوّل منذ سنوات إلى ساحة تسابق لجذب الجمهور، ومن ثم تحوّل صنّاع هذا المحتوى مع الوقت إلى مدانين باتهامات ترتبط بالمساس بثوابت المجتمع والقيم الأسرية، والتحريض على الفسق والفجور، وبعض المتهمات واجهن أحكاماً بالحبس لمدة تصل إلى سنتين، وغرامات تصل إلى 200 ألف جنيه!
ومن النماذج التي شهدها المجتمع المصري، هدير عبد الرازق، وهي الأحدث، وقد تم تسريب فيديو لها إلى جانب المحتوى الجريء الذي اعتادت على تقديمه، كما تعرضت مذيعة للإيقاف، وقناة مصرية لعقوبات بسبب حلقة استضافت فيها هدير عبد الرازق وتحدثت خلالها عن زيادة الطلب عليها للزواج منها بعد انتشار الفيديو الإباحي الخاص بها، ما تم عدّه تحريضاً صريحاً وتشجيعاً للفتيات على تقليدها.
ومن النماذج الأخرى التي اتُّهمت بالمساس بقيم المجتمع وثوابت الأسرة المصرية، سوزي الأردنية، التي اشتهرت بفيديو "الشارع اللي وراه".
وفي بعض الحالات أصبحت تستخدم أسماء كوديةً لمشاهير مثل صوفيا لورين، وهي من جنسية أجنبية تتخفى وراء الاسم المستعار لتنشر فيديوهات تكشف خلالها عن مناطق حساسة في جسدها، فضلاً عما كشفت عنه التحريات الأمنية لاحقاً من محادثات واتفاقات جنسية على حسابها في أحد التطبيقات.
وإلى جانب صوفيا لورين، ظهرت "وحش الكون وبناتها" التي تم توقيفها بتهمة التحريض على الفسق والفجور من خلال تطبيق "التيك توك".
وقد أصبح مثل هذا المحتوى، منتشراً بشكل واسع على منصات مختلفة مثل "تيك توك" و"فيسبوك" و"إنستغرام"، ما دعا البعض للمطالبة عبر البرلمان المصري إلى إغلاق تطبيق "تيك توك".
ومن بين الطلبات جاء ما أعلنه النائب عصام دياب، من التقدّم بطلب إحاطة لمجلس النواب لإغلاق تطبيق "تيك توك" وحجبه في مصر لأسباب عدة، من بينها أن "التيك توك" هو المنصة الأكثر إفساداً للمجتمع وتسبب في نشر الفجور والفواحش بين الشباب، بحسب ما ذكر على صفحته الرسمية، معتبراً مضمون الفيديوهات التي تُنشر على تلك المنصة مخالفاً لجميع الأعراف والعادات والتقاليد المصرية، ويساعد في نشر قيم هي الأكثر خطورةً على مجتمعنا الشرقي.
من النماذج التي شهدها المجتمع المصري، هدير عبد الرازق، وهي الأحدث، وقد تم تسريب فيديو فاضح لها إلى جانب المحتوى الجريء الذي اعتادت على تقديمه.
وقال إن هذا التطبيق يساهم في انتشار الشائعات والأفكار المشوهة تحت مسمّى الترند، كما يؤدي إلى ظهور نوع جديد من رؤوس الأموال غير معروفة المصدر وفتح سوق موازية للأموال المشبوهة ليست له ضوابط أو قوانين لتتبّع ومراقبة حركة الأموال بين المستخدمين والممثلين، وظهرت فئة جديدة اعتبرت "التيك توك" مصدراً أساسياً للدخل، وهذه الفئة تعتمد على "المحتوى المنحطّ" لتحقيق الربح.
لكن إلى أي مدى يمكن أن نتمسك بمثل هذه الآراء التي تخشى "السوشال ميديا" وتراه وحشاً يجب الهروب منه؟ هل التيك توك أو الإنستغرام اللذين لدى جميعنا تقريباً حسابات عليهما، مخيفان إلى هذه الدرجة؟! هل محتوى يراه بعض الخبراء أو أصحاب السلطات في مجتمعاتنا جريئاً، يستدعي كل هذا الخوف والدعوة إلى حجب منصات السوشال ميديا؟
يرى الخبير في السوشال ميديا، محمد فتحي أن "من أسباب انتشار المحتوى الصادم، السعي إلى جذب الانتباه والشهرة السريعة، ما يدفع البعض إلى نشر محتوى صارخ ومثير للجدل، بخلاف المكاسب المادية، ويمكن أن يولّد أرباحاً كبيرةً، ويدفع التنافس الشديد بين صنّاع المحتوى إلى تقديم محتوى أكثر جرأةً وجذباً للانتباه، ما قد يدفعهم للخروج عن القانون، في ظل غياب الرقابة الفعالة، حيث من الصعب على المنصات الاجتماعية مراقبة وتنظيم كل المحتوى المنشور عليها بشكل دقيق. إلى ذلك يختلف تعريف المحتوى الصادم من مجتمع إلى آخر ومن ثقافة إلى أخرى، ما يجعل من الصعب وضع معايير واضحة لحظره".
في حين يربط البعض بين المحتوى الجريء الذي تقدّمه البلوغر وبين اتجاهها نحو "سكة المخدرات" باعتبارها نتيجةً طبيعيةً للمكاسب الكبيرة من المحتوى الصادم اجتماعياً، يرى آخرون أن لا علاقة بين الأمرين
ويدعو محمد فتحي إلى "ضرورة مراعاة حق الأفراد في التعبير عن آرائهم، حتى لو كانت هذه الآراء مثيرةً للجدل"، لكنه في الوقت نفسه يقول إنه تجب مراعاة ضوابط وقوانين كل المجتمعات كما تجب حماية الأطفال والمراهقين والرأي العام من سلبيات المحتوى الصادم، وأبرزها العنف والشائعات والمعلومات المغلوطة، لذا تجب توعية المجتمع بأخطار المحتوى الصادم وكيفية التعامل معه.
وفي النهاية لا يمكن في هذا العصر الذي هو عصر الحريات الاجتماعية والشخصية، أن يتمّ حجب مواقع أو منصات إلكترونية. علينا الانتباه ألا نقع ضحية الإعلانات أو المنتجات التي تستغلّنا كمشاهدين. أن نتحلّى بالوعي، لا أن ندعو إلى حجب أي معلومة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه