خلال الأيام الأخيرة، انتشرت صورتان وتم تداولهما على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي في إيران؛ الأولى تتعلق بمدينة لوس أنجلوس المحترقة والثانية تظهر فيها غزّة المدمرة إثر العدوان والقصف الإسرائيلي. تتم المقارنة بين الصورتين، وينظر إلى حريق لوس أنجلوس على أنه انتقام إلهي للقنابل الأمريكية التي استُخدمت في قصف غزة. لكن اعتبار هذه الكارثة التي حدثت في الولايات المتحدة كعذاب أو انتقام إلهي، يستحق التأمل وعدم التسرع في الاستنتاج النهائي على أنها عذاب إلهي مؤكد.
وإذا أردنا اعتبار الحادثة بأنها انتقام إلهي، فالسنن القدسية المتعلقة بالعقاب أو الانتقام أو العون الإلهي، باستثناء ما ورد في بعض الأحوال من خلال الوحي والأنبياء، أوضح أنه لم يحدث هذا الأمر بعد الأنبياء على الإطلاق، وفي الواقع فإن هذه الأفعال الإلهية قد انقطعت مع الأنبياء، وأن نسب حدث معين إلى تقليد ووعد إلهي محدد، أو توقع وعد إلهي بعد أحداث معينة، كأحداث غزة هو جهد عقيم، وبالنظر إلى هذا الأمر، يمكن عد حادثة حريق كاليفورنيا هي مجرد حادثة طبيعية.
كتبت صحيفة كيهان: "لعنة أطفال وأمهات غزة حلّت على أمريكا أخيراً، ففي غضون أربعة أيام، اندلع أكبر حريق غابات في تاريخ كاليفورنيا، والتهم مدينة لوس أنجلوس بالكامل"
وهذه الحرائق التي التهمت أجزاء واسعة من ولاية كاليفورنيا، لاسيما مدينة لوس أنجلس، دمرت أكثر من 1500 مبنى بالكامل، حيث أجبر عشرات الآلاف من الأشخاص على مغادرة منازلهم، والخروج حتى من هذه المدينة، التي تستضيف العديد من الجاليات، من بينها الجالية الإيرانية التي تعتبر من أكبر الجاليات هناك، وبحسب إحصائيات النفوس لعام 2024، تضم كاليفورنيا أكبر عدد من الإيرانيين/ات في الولايات المتحدة، حيث يبلغ عددهم 210,128 شخصاً، وهم معرضون لعواقب حرائق الغابات في هذه الولاية. ما كانت ردود الأفعال الإيرانية حول هذه الحرائق؟
ردود الأفعال الإيرانية
من هذا المنطلق تباينت ردود الأفعال الإيرانية حول هذه الحادثة، حيث يمكن تقسيم الردود إلى قسمَين؛ المجموعة الأولى ليست متأثرة بهذه الكارثة. على سبيل المثال، عدّ التلفزيون الحكومي التابع للجمهورية الإسلامية الإيرانية، هذه الحادثة، دليلاً على تراجع أمريكا، وربطها بالوضع في غزة، وأطلق عليها اسم "عصا الله"! إذ قال أحد مقدمي البرامج في التلفزيون الإيراني إن "الحرائق الأخيرة في كاليفورنيا ترمز إلى حرق الحلم الأمريكي، لاسيما أن الصور التي انتشرت من فشل فرق إطفاء الحريق، لا نراها حتى في البلدان النامية ودول العالم الثالث".
في هذا الصدد كتبت صحيفة "كيهان" التابعة لمكتب المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي: "لعنة أطفال وأمهات غزة حلّت على أمريكا أخيراً؛ ففي غضون أربعة أيام، اندلع أكبر حريق غابات في تاريخ كاليفورنيا، والتهم مدينة لوس أنجلوس بالكامل، لدرجة أن أثناء كتابة هذه السطور، تكبدت المدينة أضراراً بلغت قيمتها 150 مليار دولار، في حين قدمت الولايات المتحدة 30 مليار دولاراً للنظام الصهيوني من أجل تدمير غزة".
لكن ردود الفعل هذه لم تقتصر على وسائل الإعلام الإيرانية، بل أطالت السياسيين وعامة الشعب الإيراني، وفي هذا الصدد، انتقد نائب مدينة طهران في البرلمان الإيراني مهدي كوجك زاده، بشدة التصريحات الأخيرة لبعض المسؤولين الحكوميين، حول ضرورة التفاوض مع الولايات المتحدة واستجابتهم لمساعدة المتضررين من حرائق كاليفورنيا، حيث أشار إلى كلام الممثل الرئاسي للاقتصاد البحري في إيران، علي عبد العلي زاده، الذي كان يؤيد المفاوضات مع الولايات المتحدة، قائلاً: "نائب الرئيس يقول إننا نريد التفاوض مع الولايات المتحدة! من ينبغي أن يضرب هذا الشخص على فمه؟".
وفي النهاية، احتج كوجك زاده على إعلان جمعية الهلال الأحمر الإيراني، استعدادها لمساعدة المتضررين من الحرائق الأخيرة في ولاية كاليفورنيا الأمريكية، وصرح كالتالي: "بصفتي دافع ضرائب إيراني، لست راضياً عن إنفاق فلس واحد من هذه الضرائب على أهالي لوس أنجلس الأوغاد، وذلك قبل أن يُصرف على غزة".
كما كتب السياسي والنائب السابق في البرلمان الإيراني علي مطهري، عبر صفحته على موقع X: "لا نعلم ما هي الأسرار الإلهية لنقول إن الحريق غير العادي في لوس أنجلوس كان عقاباً إلهيا، ولكن ربما كان تحذيراً من الرب للحكومة وأغلبية الشعب الأمريكي، الذين استُخدمت أموالهم وأسلحتهم في ارتكاب إبادة جماعية في غزة منذ أكثر من 15 شهراً، فتراءى لهم منظر يشبه الدمار الذي حل بغزة، لعلهم يفيقون".
في المقابل، تعاطفت المجموعة الثانية مع المتضررين إثر الحرائق، وفصلت القضايا السياسية عن القضايا الإنسانية. وكأول تصريح رسمي لحكومة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، نُشر للمتحدثة باسم الحكومة الإيرانية فاطمة مهاجراني، فيديو، عبر المواقع الإيرانية، قالت خلاله: "لا يمكن للإنسانية أن تظل غير مبالية، وهي تشهد تدمير منازل وموارد حياة الأمم الأخرى، سواء من خلال الحرب أم غضب الطبيعة. لذا إننا نتعاطف معهم، مع أهالي كاليفورنيا، الذين انفصلوا عن ديارهم، وأحرقت منازلهم وممتلكاتهم، وعانوا من هذه الحرائق الناجمة عن تغير المناخ".
وكتب النائب الأول للرئيس الإيراني محمد رضا عارف على صفحته في إنستغرام: "من الضروري اتخاذ إجراءات عاجلة على المستوى العالمي لإيجاد الحلول ومواجهة الأزمات، سواء كانت الإبادة الجماعية وجرائم النظام المحتل في غزة أم الأزمة الناجمة عن تغير المناخ، مثل ما نراه اليوم في الحرائق المدمرة بكاليفورنيا... في عالم اليوم المترابط، يكون الألم والمعاناة اللذين يشعر بهما شخص واحد، بمثابة ألم ومعاناة للجميع. بالتالي نُعرب عن تعاطفنا مع جميع متضررين حرائق الغابات في كاليفورنيا، ونصلي من أجل أن تخمد الحرائق بشكل سريع".
تشمت بعض الإيرانيين بِفشل الأجهزة المسؤولة في أمريكا في إخماد الحريق، بينما أكد البعض على أن الولايات المتحدة، ستعيد بناء الأماكن المتضررة بسرعة كبيرة، ولا داعي للقلق
بعد ذلك نشر النائب الاستراتيجي للرئيس الإيراني محمد جواد ظريف، على صفحته في منصة X، صورةً للوس أنجلوس المحترقة، وعلق عليها كالتالي: "الصور المروعة المنتشرة من كاليفورنيا تذكرنا بالمنازل والمدارس والمستشفيات المدمرة في غزة... التعاطف مع سكان كاليفورنيا الذين فقدوا كل شيء بسبب غضب الطبيعة تعتبر لفتة إنسانية، خاصة وأن العديد منهم كانوا داعمين للقضية الفلسطينية والغزّيين، الذين خسروا كل شيء بسبب وحشية إسرائيل".
وبعيداً عن هذا الاختلاف في الرأي، فإننا نشهد خلافاً آخر حول كيفية إدارة الأزمة في كاليفورنيا، إذ تشمت بعض الإيرانيين/ات بفشل الأجهزة المسؤولة في أمريكا في إخماد الحريق، بينما أكد البعض على أن الولايات المتحدة، ستعيد بناء الأماكن المتضررة بسرعة كبيرة، ولا داعي للقلق.
على هذا الأساس، تحدثا نَفِيد وفَريماه، وهما إيرانيان يعيشان في لوس أنجلوس، عن حياتهما في أمريكا، خلال فيديو نشر على صفحة شهيرة على موقع إنستغرام، وقالا إن "الحكومة الأمريكية تستخدم أفضل المعدات في هذه الأوقات العصيبة، ونشرنا هذا الفيديو، لنقول إن الناس تقدّر ما تبذله الحومة من جهد، ولو كانت الحكومة الإيرانية تبذل جهد مماثل في أحداث مشابهة، لَقدّر الإيرانيون ما تعمله حكومتهم".
في نفس السياق، كتب الناشط السياسي الإيراني محمود صادقي على صفحته الشخصية على منصة X: "لقد تم إغلاق البلاد بأكملها، وهم لا يعلموننا حتى بالسبب الأساسي، وبدلاً عن ذلك يجري التلفزيون الإيراني مقابلات مع خبراء في القضايا الأمريكية تحت عنوان ’عجز السلطات الأمريكية في السيطرة على حرائق كاليفورنيا!’".
على أي حال، ربما يشبه الدمار الذي حدث في لوس أنجلوس ما حدث لغزة، وهذا ما دفع بعض الإيرانيين/ات إلى وصف هذه الكارثة بـ"العقاب الإلهي". وفي كلتا الحالتين، يبقى الشعب هو المتضرر الوحيد، سواءً كان السبب عدواناً وحرب إبادة تشنه إسرائيل على غزة، أم كارثة طبيعية تحرق وتلتهم لوس أنجلوس.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
astor totor -
منذ يوميناسمهم عابرون و عابرات مش متحولون
مستخدم مجهول -
منذ يومينفعلاً عندك حق، كلامك سليم 100%! للأسف حتى الكبار مش بعيدين عن المخاطر لو ما أخدوش التدابير...
Sam Dany -
منذ أسبوعانا قرأت كتاب اسمه : جاسوس من أجل لا أحد، ستة عشر عاماً في المخابرات السورية.. وهو جعلني اعيش...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلماذا حذفتم اسم الاستاذ لؤي العزعزي من الموضوع رغم انه مشترك فيه كما ابلغتنا الاستاذة نهلة المقطري
Apple User -
منذ أسبوعوحده الغزّي من يعرف شعور هذه الكلمات ، مقال صادق
Oussama ELGH -
منذ أسبوعالحجاب اقل شيء يدافع عليه انسان فما بالك بحريات اكبر متعلقة بحياة الشخص او موته