تعيش إيران، رابع أكبر منتج للغاز والتي تمتلك ثاني أكبر احتياطي في العالم، أزمةَ نقص الغاز هذه الأيام مع استمرار موجة البرد القارس الذي ضرب البلاد منذ أسبوع.
ولليوم التالي ما تزال الدوائر الحكومية والمدارس والجامعات في العاصمة طهران مغلقة لتفادي انقطاع الغاز المنزلي، كما سارعت وزارة النفط منذ أسبوع على تعطيل المصانع في معظم المحافظات لتوفير استهلاك الغاز.
وتشهد المحافظات الشمالية والشرقية، كمحافظة مازَنْدَران، وكُلِستان، وخُراسان شمالي، وخُراسان رضَوي وخراسان جنوبي إغلاقاً منذ 4 أيام بسبب زيادة استخدام الغاز بعد وصول درجة الحرارة إلى 20 درجة تحت الصفر في بعض المدن.
لكنها لم تكن كافية التدابير التي اتخذتها الحكومة الإيرانية، وشهدت بعض المدن مثل: تُربَت جام، سَبْزوار، وخواف (خاف)، ومشهد، انخفاضاً في ضغط الغاز أو انقطاعه لساعات في المنازل، مما اضطر بعض المواطنين إلى شراء النفط وكذلك دفايات كهربائية. كما تشير التوقعات أن مع استمرار الأزمة في الأسبوع المقبل سينقطع الغاز المحلي في المزيد من المدن الإيرانية.
تمتلك إيران احتياطات واسعة من النفط والغاز، لكن بنيتها التحتية، عفا عليها الزمن. وبسبب العقوبات، ليس لدى حكومة الجمهورية الإسلامية لا المال ولا الشركاء الدوليون لتوسيع وتجديد المنشآت
وتزامن ذلك مع توقيف تصدير الغاز التركمانستاني إلى إيران، وبينما تستخرج البلاد نحو 700 مليون متر مكعب من الغاز يومياً، ارتفع معدل الاستهلاك إلى أكثر من 650 مليون متر مكعب في اليوم، حيث وصف ذلك مديرُ شركة الغاز الوطنية محمد رضا جولائي، بـ"الوضع الحرج".
الاتفاق النووي وأزمة الطاقة
ما أغضب الإيرانيين هو سوء الإدارة وعدم جهوزية الحكومة لتفادي الأزمة وأكثر من ذلك التخبطُ في التنبؤات وتبخير وعود الحكومة في أقل من بضعة أشهر. في بداية موسم الخريف عزفت الحكومة المحافظة على وتر نقص الطاقة في أوروبا وحذرت من حلول "الشتاء القاسي" هناك، بيد أن ما توقعته حكومة إبراهيم رئيسي المحافظة من أزمة في طاقة للغرب، حلّ في الجمهورية الإسلامية إثر تفاقم الاستهلاك.
بعد الحرب الروسية في أوكرانيا، وتوقف تصدير الغاز الروسي نحو أوروبا، عولت إيران على حلول شتاء قاس في أوروبا دون غاز موسكو، ولذلك توقعت أن يبذل الجانب الأوربي جهوداً أكبر لإنقاذ الاتفاق النووي، وتحدثت عن إملاء شروطها، تغيرت المعادلات واستطاع الأوروبيون إدارة أزمة الطاقة حتى الآن.
ومازال الإيرانيون يتداولون باستهزاء، مقطع فيديو لتصريحات وزير النفط جواد أوجي، عندما قال قبل 4 أشهر في التلفزيون الإيراني: "إن شاء الله سيمدّنا الله بالعمر كي نرى قساوة شتاء هذه السنة في العالم، خاصة الدول المستوردة للطاقة وعلى وجه التحديد أوروبا، (إنهم) يظلمون أنفسهم بأنفسهم".
وعاد الوزير في تصريح تلفزيوني حديث ليناشد المواطنين الإيرانيين بالتقشف في استهلاك الغاز في المنازل، مطالباً بارتداء ملابس أكثر للتدفئة بدل زيادة تشغيل الدفايات الغازية.
وبعد أن طفحت أزمة الغاز على السطح، واجه المواطنون أزمة أخرى في قدرة الحكومة على إدارة خلية الأزمة في هذه الأيام الصعبة التي تمرّ عليهم بكثير من البرد، وأغلقت الحكومة بعض محطات الوقود دون إعلان سابق، وقُطع الغاز من الكثير من المصانع، كما توقفت الرحلات الجوية لنصف يوم في مدينة مشهد، وكذلك تعطلت القطارات وسط الطرق بسبب شدة تساقط الثلوج، مما تسبب بأزمة لمئات المسافرين وسط البرد القارس.
"بينما إيران عالقة في أزمة الغاز وتحاول أن تعبر من قساوة الشتاء، فإن السعودية والإمارات وقطر على وشك الانتقال من استهلاك مواردها الهيدروكربونية"
وغرد الناشط الاجتماعي محمد علي آهنكَران: "شيء جيد أن الأوروبيين لم يشتروا الغاز منا". أما الباحث الاقتصادي سيامَك قاسمي، الذي غرد قبل أن يضطر إلى حذف تغريداته حول أزمة الغاز في إيران بعد ضغوط أمنية: "العطلة الرسمية في إيران التي تمتلك ثاني احتياطي في العالم بسبب نقص الغاز، مثل العطلة الرسمية في القارة الخضرء، أوروبا، بسبب نقض في المياه".
وصرح عضو غرفة التجارة الإيرانية فَرشيد فُرزان: "بينما إيران عالقة في أزمة الغاز وتحاول أن تعبر من قساوة الشتاء، فإن السعودية والإمارات وقطر على وشك الانتقال من استهلاك مواردها الهيدروكربونية. كما استثمرت السعودية والإمارات في البنية التحتية للطاقة في آسيا الوسطى ودول القوقاز في الأعوام الأخيرة".
أما الصحافية في الشؤون الاقتصادية مريم شُكراني، فكتبت: "یتم إلقاء اللوم على المواطنين دائماً أثناء (الأزمات) في الاقتصاد الإيراني، والسبب هو أن هذا (إلقاء اللوم) لا يكلف (السلطات) ثمناً."، وتساءلت هل يتحمل المستهلكون المسؤولية تجاه أزمة الطاقة في الشتاء والمياه في الصيف؟ وتابعت: "وزير البترول أعلن أن 70% من العوائل تستهلك الغاز بشكل جيد، وهذه النسبة تتعمم على مستهلكي الكهرباء والماء أيضاً".
وتمتلك إيران احتياطات واسعة من النفط والغاز، لكن بنيتها التحتية، عفا عليها الزمن. وبسبب العقوبات، ليس لدى حكومة الجمهورية الإسلامية لا المال ولا الشركاء الدوليون لتوسيع وتجديد المنشآت.
يقول الخبراء والمختصين بهذا الشأن لصحيفة اعتماد الإصلاحية إن ما يمكن أن يحل مشكلة الغاز الإيراني اليوم هو تعديل سعره، وحل مشكلة هدر الغاز من المنشأ إلى الوجهة، والاستثمار الداخلي والخارجي في مجال إمداد الغاز. لكن في العقد الماضي لم تفعل السلطات ذلك.
إيران تهدر27 مليون متر مكعب غاز يومياً
ووفقاً لمدير مكتب الطاقة في مؤسسة التخطيط والميزانية الإيرانية، أحمد زراعت كار: "معدل اختلال توازن الغاز في السنوات المقبلة سيصل إلى 520 مليون متر مكعب يومياً". وللحيلولة دون وقوع هذه التوقعات، حسب الخبراء، فإن البلاد بحاجة إلى استثمار 80 مليار دولار في هذا القطاع.
وبحسب البيانات المتوفرة فإن كمية الغاز المهدر في طريق الإنتاج إلى الاستهلاك اليومي قد بلغت 27 مليون متر مكعب، أي ما يعادل ثلث إجمالي الاستهلاك اليومي لبعض دول الجوار، فيما يعتقد بعض الخبراء أن الكمية هذه وصلت إلى 100 مليون متر مكعب يومياً، لعدم وجود تكنولوجيا لجمعه.
"استمرار الوضع الراهن وبقاء إيران في عزلتها الدولية في العام المقبل وحرمانها من الاستثمارات في قطاع النفط والغاز سيضع إيران في أزمة غازية غير مسبوقة"
ويمكن مع الاستثمار في البنية التحتية، أن توفر الحكومة الإيرانية الغاز الذي يحتاجه ما لا يقل عن 11 مليون إيراني، مع الأخذ بعين الاعتبار نصيب الفرد الحالي من الاستهلاك المنزلي.
وأجرت صحيفة "مستقِل" مقابلة مع عدد من الخبراء والمتخصصين حول أسباب أزمة الطاقة، فرأى المختص في شؤون الطاقة نرسي قربان نجاد أن حل أزمة الغاز في إيران يعتمد على حل الأزمة التي تواجهها طهران على صعيد السياسة الخارجية.
وقال إن ما تحتاجه إيران هو إمكانية الاستثمار الخارجي في قطاع الطاقة وكذلك التكنولوجيا اللازمة للحفاظ على صناعة الغاز، مؤكداً: "في ظل الظروف الحالية والعقوبات المفروضة على إيران وكذلك العزلة الدولية التي تعيشها البلاد، لا تستطيع الحصول على هذه الاستثمارات والتكنولوجيا المطلوبة".
وأضاف الباحث أن استمرار الوضع الراهن وبقاء إيران في عزلتها الدولية في العام المقبل وحرمانها من الاستثمارات في قطاع النفط والغاز سيضع إيران في أزمة غازية غير مسبوقة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون