تختلف الأديان بشكل كبير في نظرتها إلى مصير روح الإنسان بعد الموت. وبينما تذهب العديد من الأديان للاعتقاد بوجود حياة أخرى مختلفة، شكلاً وتفصيلاً، عن الحياة الدنيا، فإنّ هناك مجموعةً من الأديان التي لم تهتمّ بتلك المسألة في نصوصها التأسيسية.
في هذا السياق، طُرح السؤال حول مصير الأطفال بعد الموت. شكّل هذا السؤال معضلةً للكثير من رجال الدين الذين احتاروا في الإجابة عنه. ذهب البعض للقول بأنّ الطفل غير مُكلّف، وتالياً فإنّ مصيره سيؤول إلى الفردوس والنعيم. فيما رجّح آخرون أن يلحق مصير الطفل بمصائر أهله، فيدخل الجنّة في حال كانوا من الأخيار المؤمنين، أو يُلقى في النار في حال كان أهله من الكفّار العُصاة.
نلقي الضوء في هذا المقال على أهم الإجابات عن السؤال السابق، لنرى كيف اختلفت الردود الدينية بحسب الأفكار الرئيسة في كل دين ومذهب.
في الديانات الهندية والشرق آسيوية
بشكل عام، تُعدّ مفاهيم السامسارا والكارما، قاسماً مشتركاً بين العديد من الأديان الهندية والشرق آسيوية، ومنها على سبيل المثال، كل من الهندوسية، والجينية، والبوذية، والسيخية، والتاوية. بحسب ما ورد في "موسوعة تاريخ الأديان"، للباحث السوري فراس السواح، فإنّ السامسارا هي العقيدة التي تذهب إلى تناسخ الأرواح أو التقمص، بما يعني أنّ روح الإنسان الميت لا تنتقل إلى حالة من الديمومة في الجنّة أو النار، بل تولد من جديد في كائن آخر، وتتوالى إعادة الولادات مرةً بعد أخرى في سلسلة لامتناهية.
ذهب البعض للقول بأنّ "الطفل غير مُكلّف، وتالياً فإنّ مصيره سيؤول إلى الفردوس والنعيم". فيما رجّح آخرون أن يلحق مصير الطفل بمصائر أهله، فيدخل الجنّة في حال كانوا من الأخيار المؤمنين، أو يُلقى في النار في حال كان أهله من الكفّار العُصاة
وضعت تلك الأديان ضوابط مهمةً لتنظيم عملية السامسارا. بحسب تلك الضوابط، فإنّ الولادة الثانية قد تحدث في مستوى أعلى أو في مستوى أدنى عن المستوى الذي عاش فيه المتوفى قُبيل وفاته. على سبيل المثال، الإنسان الذي مات وهو في طبقة اجتماعية منحطّة، قد يولد مرةً أخرى في طبقة سامية، أما الميت الذي أنهى حياته السابقة ضمن طبقة غنية كطبقة النبلاء، فقد يجد نفسه في حياته الجديدة وقد صار فلّاحاً أو عاملاً، بل قد يجد نفسه وقد صار حيواناً أو دودةً أو من الأرواح المحبوسة في جهنم.
بحسب ما هو معروف عند الهندوس، فإنّ الضابط الوحيد الذي يحدد شكل الولادة الثانية، هو مبدأ الكارما، ويُقصد به الأفعال التي يقوم بها الإنسان في حياته الأولى، أي تلك التي تنتج عنها مجموعة من الآثار الأخلاقية التي يتحدد عليها شكل وجوده المستقبلي. تأسيساً على قاعدتي السامسارا والكارما، فإنّ الأطفال الذين ماتوا قُبيل سنّ التمييز، وقبل أن تُتاح لهم الفرصة للاختيار بين الأفعال الحميدة والأفعال المشينة، سيعودون مرةً أخرى إلى الحياة في مستوى مُقارب للمستوى الذي وُجدوا عليه في حياتهم الأولى، وذلك ليتم اختبارهم من جديد.
اليهودية والمسيحية
لم تتحدث التوراة بشكل واضح عن وجود حياة أخرى بعد الموت الأرضي. يعبّر المؤرخ الأمريكي ويل ديورانت، عن ذلك الأمر في كتابه "قصة الحضارة"، فيقول: "إنّ اليهود قلَّما كانوا يشيرون إلى حياة أخرى بعد الموت، ولم يرد في دينهم شيء مِن الخلود، وكان ثوابهم وعقابهم مقصورين على الحياة الدنيا...". من هنا، فإنّ مصائر الأطفال بعد الموت في الدين اليهودي غير واضحة المعالم.
يختلف الأمر بشكل كامل في الدين المسيحي، حيث يؤمن المسيحيون بخلود الأرواح، ويعتقدون أنّ المتوفى يذهب إلى السماء/ الفردوس، أو يُعذّب في الجحيم. في هذا السياق، يذهب التقليد المسيحي إلى أنّ الفيصل في تحديد مصير المتوفى، هو التكفير عن الخطيئة الأصلية التي اقترفها آدم، بعد أن عصى الله وأكل من الشجرة المحرّمة.
بشكل عام، يتم التكفير عن تلك الخطيئة في المسيحية من خلال عملية التعميد والإيمان بأنّ المسيح هو الكفارة الإلهية عن تلك الخطية. في هذا المعنى، ورد في الإصحاح السادس عشر من إنجيل مرقس: "مَنْ آمن واعتمد وخلص، ومن لم يؤْمن يُدَنْ"، كما جاء في الإصحاح الثالث من إنجيل يوحنا: "إن كان أحد لا يولد من الماء والروح، لا يقدر أن يدخل ملكوت الله".
في النسق السنّي، ذهب أغلب العلماء إلى أنّ مصير الطفل المولود لأبوَين مسلمَين هو الجنّة.
بناءً على الاعتقاد السابق، فإنّ مصير الطفل الميت يعتمد بالأساس على موقفه من التعميد. فالحالة الوحيدة التي ستسمح له بدخول الفردوس هي أن يتم تعميده قبل موته. في كتابه "الروح القدس بين الميلاد الجديد والتجديد المستمر"، نقل القمص القبطي الأرثوذكسي تادرس يعقوب ملطي، آراء بعض آباء الكنيسة في تلك المسألة. من هؤلاء القديس أغسطينوس، الذي قال إنّ هؤلاء الأطفال يكونون في حالة حرمان من المجد الأبدي والملكوت، لكنهم ليسوا في حالة عذاب ومرارة. والقديس غريغوريوس النزينزي، الذي ذهب إلى أنّ الأطفال غير المعمّدين لا يتمجدون ولا يعذّبون، لأنهم "وإن كانوا لم يستنيروا ولا تقدّسوا في المعمودية لكنهم لم يفعلوا خطيئةً شخصيةً، فهم لا يستحقون كرامةً ولا قصاصاً".
يبدو مصير الأطفال الذين توفوا قبل التعميد، أكثر وضوحاً في الكنيسة الكاثوليكية الغربية. بحسب التقليد الكاثوليكي، فإنّ أرواح هؤلاء الأطفال تذهب إلى الليمبو، وهو مكان وسط بين الفردوس والجحيم، يقيم فيه كل من لم يتم تعميده، سواء كان من الأطفال الصغار، أو الفضلاء والأخيار من غير المسيحيين.
في الإسلام
قدّمت المذاهب الإسلامية إجابات مختلفةً بخصوص إشكالية مصائر الأطفال بعد الموت. بحسب ما هو معروف، يؤمن المسلمون بوجود الجنّة والنار، ويعتقدون أنّ الأرواح تؤول إلى إحدى الوجهتين بعد الموت. في ما يخص مصير الأطفال، فرّقت معظم المذاهب الإسلامية بين الأطفال الذين وُلدوا لأبوَين مسلمَين، والأطفال الذين وُلدوا لأبوين كافرَين، بما يعني أنّ دين الوالدين كان المعيار الأهم في تحديد مصير الطفل المتوفى.
في النسق السنّي، ذهب أغلب العلماء إلى أنّ مصير الطفل المولود لأبوَين مسلمَين هو الجنّة. يقول النووي في شرحه لصحيح مسلم: "أجمع من يُعتدّ به من علماء المسلمين على أنّ من مات من أطفال المسلمين فهو من أهل الجنّة؛ لأنه ليس مكلّفاً...". ووردت بعض الآثار التي تناولت بعض تفاصيل هؤلاء الأطفال، منها ما ذكره الحاكم النيسابوري في كتابه "المستدرك على الصحيحين"، مرفوعاً إلى النبي:"أطفال المؤمنين في جبل في الجنّة يكفلهم إبراهيم وسارة حتى يردّهم إلى آبائهم يوم القيامة".
توافقت الرواية الشيعية مع التفصيلة نفسها، إذ جاء في "أمالي" الشيخ الصدّوق، أنّ النبي لما صعد إلى السماء مع جبريل في رحلة الإسراء والمعراج،"مرّا على شيخ قاعد تحت شجرة وحوله أطفال، فسأل النبي: من هذا الشيخ يا جبرئيل؟ فردّ: هذا أبوك إبراهيم... وهؤلاء أطفال المؤمنين حوله يغذوهم...". برغم ذلك، ظهرت بعض الروايات المتأثرة بالأفكار الشيعية المُعظّمة للسيدة فاطمة وآل البيت، ومنها ما حكاه الشيخ الصدّوق، في كتابه "من لا يحضره الفقيه"، نقلاً عن الإمام جعفر الصادق: "إِذَا مَاتَ طِفْلٌ مِنْ أَطْفَالِ الْمُؤْمِنِينَ نَادَى مُنَادٍ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ قَدْ مَاتَ، فَإِنْ كَانَ مَاتَ وَالِدَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا أَوْ بَعْضُ أَهْلِ بَيْتِهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ دُفِعَ إِلَيْهِ يَغْذُوهُ، وَ إِلَّا دُفِعَ إِلَى فَاطِمَةَ عليها السَّلام تَغْذُوهُ حَتَّى يَقْدَمَ أَبَوَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا أَوْ بَعْضُ أَهْلِ بَيْتِهِ فَتَدْفَعُهُ إِلَيْهِ".
على الجانب المقابل، اختلفت المذاهب الإسلامية في تحديد مصائر أطفال الكافرين. وبشكل عام، ظهرت آراء عديدة داخل النسق السنّي. ذهب أصحاب الرأي الأول، إلى أنّ مصير هؤلاء الأطفال غير معروف، وأنّ الله وحده هو العالم بذلك المصير. اعتمد أصحاب هذا الرأي على الحديث الوارد في "صحيح البخاري"، والذي جاء فيه أنّ النبي لمّا سئل عن مصير أطفال المشركين بعد موتهم، فإنّه أجاب بقوله: "الله أعلم بما كانوا عاملين". أما الرأي الثاني، فذهب أصحابه إلى أنّ هؤلاء الأطفال سيبقون في الأعراف، وهو موقع وسط بين الجنّة والنار يقف عليه من تساوت حسناتهم وسيئاتهم. الرأي الثالث، تمثّل في القول بأنّ مصير هؤلاء الأطفال هو النار.
في كتابه "التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة"، ذكر شمس الدين القرطبي، بعض الآثار التي استدلّ بها أصحاب هذا الرأي. من ذلك، ما رُوي عن السيدة عائشة، أنّه لما توفّي أحد الصبية، وصلّى النبي عليه، قالت له عائشة: "طوبى له عصفور من عصافير الجنّة لم يعمل سوءاً قط ولم يدره"، فردّ عليها النبي: "يا عائشة أو لا تدرين أنّ الله تبارك وتعالى خلق الجنّة، وخلق لها أهلاً، وخلق النار وخلق لها أهلاً، وهم في أصلاب آبائهم".
وما رُوي من أنّ اثنين من الإخوة قد ذهبا إلى النبي، وسألاه عن حال أمّهما المتوفاة التي وأدت أختاً صغيرةً لهما، فقال لهما النبي: "أرأيتم الوائدة والمؤودة فإنهما في النار إلا أن تدرك الوائدة الإسلام فيغفر لها". أما الرأي الرابع، فذكره ابن تيمية في "مجموع الفتاوى". يقول: "من لم تَقُمْ عليه الحُجَّةُ في الدُّنيا بالرِّسالةِ؛ كالأطفالِ، والمجانينِ، وأهلِ الفَتَراتِ؛ فهؤلاء فيهم أقوالٌ؛ أظهرُها: ما جاءت به الآثارُ؛ أنَّهم يُمتَحَنون يومَ القيامةِ، فيَبعَثُ إليهم من يأمُرُهم بطاعتِه، فإن أطاعوه استحَقُّوا الثَّوابَ، وإن عَصَوه استحَقُّوا العَذابَ...". ومن الجدير بالذكر أنّ هناك بعض الأقوال التي لم تخلُ من طرافة، ومنها ما نُسب إلى سلمان الفارسي: "إنّ أطفال المشركين هم خدم أهل الجنّة"!
حاول بعض المعتزلة تبرير الروايات والآثار التي وردت بشأن تعذيب أطفال الكفّار في الآخرة، فقالوا إنّ أرواح هؤلاء الأطفال كانت في أجسام عصاة، فعوقبت بأن رُكّبت في أجساد الأطفال لتؤلَم عقوبةً لها
على الجانب المقابل، رفض المعتزلة الآراء السنّية التي ربطت مصائر أطفال غير المسلمين بالنّار. بنى المعتزلة رأيهم في تلك الإشكالية على أصل العدل، وهو أحد الأصول الخمسة التي قالوا بها وميّزتهم عن باقي الفرق الإسلامية. بناءً على ذلك الأصل، فإنّ الله عادل بشكل مطلق، ولا يمكن أن يحاسب إنساناً على ذنب لم يقترفه. من هنا، أجمعت المعتزلة على أنّ الله لا يجوز أن يؤلم الأطفال في الآخرة، ولا يجوز أن يعذّبهم.
وقال أكثرهم: "إنه يجب على الله أن يعوّضهم عن هذه الآلام التي تنالهم في الدنيا، وذلك بأن يدخلهم الجنّة، ويصوّرهم في أحسن الصور، ويجعل نعيمهم لا انقطاع له، لأنه إنما حسن منه تعالى إيلامهم للعوض المضمون لهم في الآخرة"، وذلك بحسب ما يذكر صبري عثمان، في كتابه "الميتافيزيقا عند المعتزلة".
في السياق نفسه، حاول بعض المعتزلة تبرير الروايات والآثار التي وردت بشأن تعذيب أطفال الكفّار في الآخرة، فقالوا إنّ أرواح هؤلاء الأطفال كانت في أجسام عصاة، فعوقبت بأن رُكّبت في أجساد الأطفال لتؤلَم عقوبةً لها، وهو القول الذي يتشابه كثيراً مع عقيدة الكارما الهندوسية التي أشرنا إليها من قبل.
أما الموقف الشيعي من تلك الإشكالية، فقد شهد تضارباً كبيراً في الروايات. على سبيل المثال، توجد بعض الروايات والآثار التي تتشابه إلى حد بعيد، مع الآراء السنّية التقليدية. من ذلك ما نقله الصدّوق، في كتابه "من لا يحضره الفقيه"، من أنّ أحد الشيعة سأل الإمام جعفر الصادق عن أولاد المشركين الذين يتوفون قبل سنّ البلوغ، وأنّ الصادق ردّ عليه بقوله: "كفار، والله أعلم بما كانوا عاملين، يدخلون مداخل آبائهم...". ثم أضاف: "يؤجج لهم ناراً فيقال لهم: ادخلوها، فإن دخلوها كانت عليهم برداً وسلاماً، وإن أبوا قال لهم الله عزّ وجل: هوذا أنا قد أمرتكم فعصيتموني؛ فيأمر الله عزّ وجلّ بهم إلى النار".
على الجانب الآخر، فإنّ الأغلبية الغالبة من الآثار الشيعية تميل إلى تأييد الرأي المعتزلي في تلك المسألة. قد يبدو ذلك أقرب إلى المنطق، خصوصاً أنّ الشيعة يتفقون مع المعتزلة في القول بأصل العدل. من هنا يمكن تفهّم ما جاء في إحدى الفتاوى الصادرة عن علي السيستاني، وهو المرجع الشيعي الأعلى في العراق، والتي جاء فيها: "إن ما عليه العدلية أنه تبارك وتعالى لا يعذّب أطفال الكفّار، لأنّ تعذيب غير المكلف قبيح، وهو لا يفعل القبيح...".
في كتابه الموسوعي "بحار الأنوار"، عمل محمد باقر المجلسي، على التوفيق بين الروايات الشيعية المتضاربة حول تلك المسألة، فذكر أنّ الروايات التي تقول بكفر أطفال الكافرين هي نوع من أنواع التقية، التي صدرت عن الأئمة في أوقات التضييق عليهم من قِبل السلطات الحاكمة. كما قال إنه "من المُحتمل أنّ النار التي يدخلها أطفال المشركين هي نار البرزخ، وهي تختلف عن نار جهنم، ولا يصيبهم منها عذاب".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Apple User -
منذ يوماتمنى الرد يا استاذ ?
Apple User -
منذ يومهل هناك مواقف كهذه لعلي بن ابي طالب ؟
Assad Abdo -
منذ 3 أيامشخصية جدلية
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 4 أيامأن تسخر التكنولوجيا من أجل الإنسان وأن نحمل اللغة العربية معنا في سفرنا نحو المستقبل هدفان...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 5 أياملم تسميها "أعمالا عدائية" وهي كانت حربا؟
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 6 أيامnews/2025/03/12/nx-s1-5323229/hpv-vaccine-cancer-rfk في هذا المقال بتاريخ لاحق يشدد الأطباء على...