شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!

"الراهبة الملعونة" تخرج إلى العالم... 3 روايات تحكي المسكوت عنه في المجتمع القبطي

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الأربعاء 26 أبريل 202303:31 م

لعقود طويلة كان ظهور الشخصية المسيحية في الأعمال الروائية للأدباء الأقباط ثانوياً، لا يتعدى المواقف غير المباشرة التي تقولبه في إطار الوحدة الوطنية، والصورة النمطية للهلال والصليب.

من رحم الثورة وأفكار الإصلاح الكنسي خرج الروائيون الأقباط للتعبير عن واقعهم، ناظرين إلى أنفسهم باعتبارهم جزءاً أصيلاً من المجتمع المسيحي الذي تربوا فيه بشكل شبه منغلق على ذاته. خرجوا لنشر ثقافتهم المسيحية دون الانصياع لسنوات أخرى من التضييق الطائفي أو اتهامات تخص درجة وطنيتهم. قدموا صورة مغايرة للنمطية، تارة تعالج حياة الأقباط كأقلية، وتارة تتطرق للقضايا الكنسية الداخلية التي لا تظهر إلا على صفحات الحوادث إن ظهرت.

1 - "فيكتوريا" كارولين كامل

أوجدت الروائية كارولين كامل في روايتها "فيكتوريا" الصادرة عن دار الكرمة عام 2022 حالة من الضغوط المكثفة، التي يشعر بها القارئ حبن يغوص في أعماق قضاياها المعروضة بين صفحات عمل أدبي يقدم صورة للعنف الطائفي والتعصب الديني إزاء المجتمع المسيحي المصري، دون أي محاولات للتجميل متخطية لغة السياسة والصحافة إلى لغة البيوت والشارع والحياة اليومية.

"فيكتوريا" هي الشخصية المحورية للرواية، فتاة من أقاليم مصر تواجه ثلاثية الفقر والخوف والفقد إلى جانب اضطرارها لمواجهة ظرفها الخاص: فتاة مسيحية مغتربة عن مدينتها الصغيرة في ساحات القاهرة الواسعة، تعيش عدداً من المخاوف المرتبطة بهويتها الدينية.

عبر حوار الأم القبطية مع ابنتها فيكتوريا تظهر مخاوف النساء المسيحيات في مصر ما قبل 2011، إذ يتبدل الحال في ملابسهن وطريقة تمشيط شعورهن، وحتى سيرهن في الشارع بشكل سريع خوفاً من تكرار حادث إلقاء "مياه نار" أو أي اعتداء من المتطرفين.

تكتب: "حين نمر على رجل له ذقن، خاصة ممن يرتدون الجلباب الأبيض القصير، تحثُني على الإسراع، وعدم رفع رأسي أو النظر إليه، وتقول لي: لما تشوفي السُّنية في الشارع أمشي بسرعة"، هم من يرشون المسيحيات بالكلور، ويخطفون الصغيرات ويحولونهن إلى مسلمات".

لم تتخط الفتاة القبطية، التي أصبحت في كلية الفنون الجميلة آلام طفولتها التي عاصرتها بسبب هويتها حين فارقتها صديقتها الوحيدة المسلمة بتحريض من والدتها لأنها" نصرانية "أو حين تكالبت عليها فتيات فصلها قائلات إن رائحتها كريهة "النصارى مش بيستحموا" أو حتى في مشاهد دخول الأستاذ الشيخ لفصلها وهو يجذب كل طفلة من شعرها إن لم تكن ترتدي حجاباً حتى ولو كانت مسيحية.

تكسر كارولين في روايتها تابوهين يُرفض نقدهما في المجتمعين المسيحي والإسلامي، وهما البطريرك السابق البابا شنودة والشيخ الشعراوي من خلال والد البطلة "مفدي" الذي يمقت كل أفكار البابا شنودة ومواقفه، ويدعوه "شنودة ده"، بينما يثور في كل مرة يسمع فيها برنامج الشيخ الشعراوي لدرجة أنه يلقي بالكوب الذي في يده وينفجر باللعنات.

ويختم حديثه دائماً "شنودة والشعراوي وجهان لعملة واحدة"، يستمر مفدي في تلقين فيكتوريا أن دروس التاريخ مزورة، وأن الفتح العربي اسمه "غزو".

ومن العام إلى الخاص تتجه قضايا الرواية حيث إشكالية الفتاة المسيحية حيال نفسها، وموقعها بين العذارى والقديسات "أكبر صورة في غرفتي للشهيدة دميانة، والأربعين عذارى" ثم تتوالى الأفكار لتبين مدى تأثير تلقين الاطفال عذابات القديسين، فتقع فيكتوريا في "تروما"، إذ ترى في كوابيسها دائماً أنها تتعذب ولا تجد معونة من الملائكة. ثم كفتاة قبطية تسرد واقع "السكنات" المسيحية التي تديرها الراهبات اللاتي يراقبن حياة الجامعيات ويمنعهن من التأخير أو رفع الصوت أو قراءة الكتب، كما يعلقن صورة كبيرة الحجم للشهيدة الجميلة المحتشمة "أجنس" حتى تقتدي الفتيات بها ويحافظن على طهارتهن.

ولا تنسى كارولين كامل أن تلقي الضوء على عالم الكهنوت، حيث أبونا يوليوس الذي يقنعها دائماً أن الله لا يستجيب لدعائها ويشفي أمها لأنها تقترف خطيئة، وخطيئتها أنها تحب أمها أكثر من الرب ذاته أو عالم الكاهن الشهير الذي يسكن قصراً عاجياً ولا يحب إلا الفضائيات وهاتفه الكبير.

ربما يلهث القارئ وهو يقرأ رواية "فيكتوريا " بسبب عدد القضايا التي تعالجها، لكنه في الوقت ذاته سيشعر بمدى الألم الناتج عن كل هذه الانتهاكات الجنونية.

2 - "العزبة" يوسف نبيل

في السنوات الأخيرة، انتشرت شهادات لبعض النساء، أشهرهن سالي زخاري عن التحرش والعنف الجنسي في الوسط الكهنوتي، وخرجت للنور قرارات إيقاف أو "شلح" لبعض الكهنة إزاء ثبوت الواقعة عليهم، أمثال رويس عزيز.

هنا في " العزبة" الصادرة عن "آفاق" عام 2021 للمترجم والروائي القبطي يوسف نبيل طرحٌ القضية ذاتها بصورة جريئة من خلال حكاية محورية لأسرة مسيحية بطلها الوالد "نظير ثابت " رمز لأب متسلط ذكوري، متدني الطباع والفكر إذ حطم حياة أسرته وهو يحلم أن يزوج ابنته "دميانة " ويسافر "الصايع ابنه" للخليج.

"في الكنيسة لن يصيبها مكروه" كانت هذه وجهة نظر نظير ثابت تجاه وجود ابنته بشكل دائم في الكنيسة، سواء في اجتماعات الفتيات أو في جلسات الاعتراف الأسبوعية لدى أبونا أبرام، وهو كان يتحدث في حضور ابنته عن رغبته في سفر "الصايع" إلى الخليج فأخبرته أنها ستتحدث إلى أبونا أبرام حتى يساعده على السفر، وقد سافر بعدها فعلاً.

يرى نظير، وهو مقبل على التناول في القداس، عيني أبونا أبرام وهو يدقق النظر في مشهد ثدي الفتاة التي أمامه، لا يستطع التفسير لكنه لن يشك في عباءته السوداء وصليبه الكبير. في المقابل يلاحظ تغيب ابنته عن الذهاب للكنيسة كعادتها، حتى يدخل منزله ذات يوم ويكتشف أن" دميانة حامل من أبونا أبرام!".

تكسر كارولين في روايتها تابوهين يُرفض نقدهما في المجتمعين المسيحي والإسلامي، وهما البطريرك السابق البابا شنودة والشيخ الشعراوي من خلال والد البطلة "مفدي"، يختم حديثه دائماً: "شنودة والشعراوي وجهان لعملة واحدة" 

"إن حدث شيء ستكون كلمتي أمام كلمتك، فتُرى من سيصدقون" كانت هذه الجملة تحذير أبونا أبرام لدميانة إذا تتفوهت بشيء عما فعله بها، وهو استخدم سلطته الكهنوتية، وتأثير الهالة المقدسة لرجال الدين في مجتمع يثور لأجل عباءة سوداء دون أي تفكير حقيقي، ثم تصل الأحداث في الحكاية لذروتها حين يرسل الابن لأبيه رسالة طويلة يخبرها فيه عن الفساد المالي للكهنوت في بلاد الخليج: "أبناء كاهن الكنيسة هنا يدرسون في مدارس دولية لا يرتادها إلا الأثرياء، بالإضافة لسيارة فارهة كل عام"، ثم تزيد الأمور جنوناً حين يحكي أن كاهناً مصرياً نُقل إلى الكويت بسبب إثارة ضجيج حوله إثر تهم تحرش! وكأن نقله من مكان لمكان سيوقفه عن التحرش.

دخل يوسف نبيل في روايته إلى" مغارة اللصوص" لينقل واقع النساء اللاتي يتعرضن بصورة أو بأخرى للعنف الجنسي من رجال الدين دون أي قدرة على التصريح بذلك لأن رجل الدين إله لا يعاقب ولا يمسه شيء. تظل المرأة خاضعة بل أحياناً تقف في الكنيسة أمام نفس الكاهن لتردد الصلاة خلفه.

3 - "الراهبة الغجرية" لملاك رزق

في مجتمع تتداعى فيه الأحداث السياسية بشكل متسارع إبان ثورة 1952 تدور رواية "الراهبة الغجرية" للروائي ملاك رزق الصادرة عن دار منشورات الربيع لعام 2020.

خاض الروائي القبطي رزق في روايته إشكالية الفكر المسيحي تجاه الجسد وتحديداً جسد المرأة، مجسّداً العداوة الدائمة مع الأجساد إزاء تعاليم تشدد على أن الجسد مصدر الخطيئة وطريق الوصول للجحيم.

"وُجدت مقمطة في رداء أسود خشن في أحد أركان الدير ثم تربت بين الراهبات " كانت هذه البداية لحكاية عالية، الراهبة الملعونة كما تدعو نفسها، فتاة ولدت وتربت وسط الراهبات لا تعرف ما هو العالم الخارجي، تفعل كما يفعلن، تصلي، وتصوم، وتكره جسدها حتى إنها تخشى النظر لنفسها وهي تستحم. تردد كلمات رئيسة الدير "الخطيئة تكمن في جسدك، لا ترحميه".

يدعوها لأن يرسمها عارية، وهي "الراهبة الملعونة"، تربت وسط راهبات، تفعل كما يفعلن، تصلي، وتصوم، وتكره جسدها حتى إنها تخشى النظر لنفسها وهي تستحم... روايات عن دواخل الشخصيات القبطية في مصر

كانت وهي طفلة لا تستطيع الخضوع، تتشوق لمعرفة ما يجري خارج سور الدير، تسأل بخبث هل أكل آدم وحواء من الشجرة لأنهما شعرا بالملل من الجنة وأرادا أن يريا العالم الخارجي؟ عوقبت على سؤالها هذا وعلى استخدامها عقلها، لكن بعد فترة أرسلتها رئيسة الدير للخدمة في قصر رجل مُسن من الباشاوات، له ابن ذو ملامح رجولية، وعطره يجعلها تشعر بالانتشاء بينما كانت يداه منحوتتين نتيجة إمساكه بفرشاة الرسم.

كان يطيل النظر في عيني الراهبة وملامحها، يرسمها ويتحدث إليها حتى أخذها ذات يوم لحارة الغجر، وهي للمرة الأولى تحضر عرساً، ترى الراقصات وتسمع الأغاني، شعرت بقدميها تتحركان فتذكرت حين عادت "أن الموسيقى والرقص حرام" كتبت لرئيسة ديرها: "أماه هل الموسيقى خطيئة؟ الرقص خطيئة؟ شيء بداخلي يدفعني كفراشة، ذلك الرقص الذي يجعل الأقدام ترتفع عن الأرض والقلب تتزايد ضرباته ليجاري الحياة، لو كان خطيئة، أريد أن أخطئ!".

طلب منها ذات يوم أن يرسمها عارية، غضبت وقالت أنا راهبة! لم تستطع المقاومة كثيراً، جذبتها اللذة وانصاعت لهذه الحرية الخفية التي لن تعرفها رئيسة ديرها، رسمها وهو يبكي، ثم مضت دون أن تعود.

"شعرت بلذة لا توصف وأنا عارية، كسرت نذوري لأجل لوحة وفرشاة وألوان".

تقول بعدما عاشت في العالم خارج الأسوار، ولم تعد إلى ديرها إلا عقب عقد من الزمان، وهي قابضة على لوحتها العارية، واقفة بين سور الدير والطريق المؤدي للعالم، لا تعرف ماذا تفعل. 

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard