شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
سوريا الجديدة... كثرة طمأنة الأقليات غير المُطَمْئِنة

سوريا الجديدة... كثرة طمأنة الأقليات غير المُطَمْئِنة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والفئات المهمشة

الاثنين 13 يناير 202511:07 ص

في تصريحاته ومقابلاته، لا يُطَمْئِن "قائد الإدارة السورية الجديدة" أحمد الشرع، كما حال غيره من المعيَّنين لإدارة المرحلة التي أعقبت سقوط النظام السوري، الأقليات فقط، بل يمكن القول إنه يبالغ في الأمر. وإنْ كان كثيرون يرون في ذلك رسائل إيجابية تدلّ على اقتراب بزوغ نظام حكم يحترم حقوق الأقليات وخصوصياتها، إلا أن هذه المبالغة غير مُطَمْئِنة البتّة لأسباب كثيرة.

نفي المسألة الطائفية

بدايةً، يؤسس الشرع خطابه المُطَمْئِن للأقليات على نفي المسألة الطائفية في سوريا، إذ يرسم صورة لشعب سوري كان يعيش منذ قرون ومنذ آلاف السنين على أرض سوريا بحب ووئام وانسجام إلى أن جاء نظام الأسد وأحدث شرخاً في نسيجه. والمشكلة هنا ليست فقط في أنه يمحي من التاريخ كماً هائلاً من الصراعات والمعارك بين المجموعات الطائفية الموجودة حالياً داخل حدود الدولة السورية، وبعضها دارت رحاه في دولة سوريا المستقلة قبل حكم البعث، ومخلّفاتها في المجتمع، بل تكمن في أن نفي وجود المسألة الطائفية لا يمكن أن يؤسس أرضية صالحة لحلّها، كونها تُعتبر غير موجودة أساساً.

لا تُطَمْئِن الإدارة السورية الجديدة الأقليات فقط، بل تبالغ في الأمر. وإنْ كان كثيرون يرون في ذلك رسائل إيجابية تدلّ على اقتراب بزوغ نظام حكم يحترم حقوق الأقليات وخصوصياتها، إلا أن هذه المبالغة غير مُطَمْئِنة البتة لأسباب كثيرة...

وعندما يعلن الشرع أن "لا أحد يستطيع أن يلغي الآخر" في سوريا، لا يشرح فهمه لمفهوم "الإلغاء"، فهل هو إلغاء سياسي مثلاً أو ماذا؟ ومن متابعة التفاصيل القليلة المرتبطة بأحاديثه ذات الصلة، لا شيء يدعم فرضية أن فهمه له يتضمّن إشراك الأقليات بفعالية في رسم ملامح سوريا الجديدة ولاحقاً في إدارتها، إذ لا يتجاوز فكرة الإلغاء الجسدي أو فرض التحوّل الديني القسري على غير المسلمين السنّة. فعندما يريد إثبات صدق حديثه عن احترام حقوق الأقليات يضرب مثلاً بأن "هذه الطوائف بقيت موجودة" عندما دخل جنود هيئة تحرير الشام إلى مناطقها مؤخراً.

ذات التوجّه يُلاحَظ أيضاً في أحاديث تطمين الأقليات التي صدرت عن مسؤولين آخرين في الإدارة السورية الجديدة، فنقرأ عن معاملتهم بموجب "مبدأ الرحمة" الإسلامي الذي يتضمن منحهم الأمان على دمائهم وأموالهم وأرزاقهم وأماكن عباداتهم، كما قال المتحدث باسم إدارة الشؤون السياسية في دمشق عبيدة أرناؤوط، وكأن هذه "الضمانات"، وهي في الحقيقة أقل الحقوق، كفيلة بإيجاد الحلول لكل أبعاد المسألة الطائفية في سوريا، وفي ذلك فهم أكثر من تبسيطي لها.

ومما يزيد التخوّف من المبالغة في طمأنة الأقليات ويثير التوجّس من فكرة عدم العناية بتمثيلها بشكل فعلي في سوريا الجديدة كيفية استخدام مفهومين هما "الكفاءة" و"المحاصصة". للوهلة الأولى، يبدو طرح مسألة اعتماد الكفاءة ورفض تحويل النظام السياسي إلى نظام محاصصة إيجابياً، ولكن أي مفهوم لا ينفصل عن كيفية فهم مستخدِمه له، والشرع يستخدم مفهوم المحاصصة كمفهوم ضدّي لإجراء تعيينات "من لون واحد"، كما يبرّر كل التعيينات التي أجريت مؤخراً في سوريا بأنها أتت مراعيةً لمفهوم "الكفاءات" رابطاً بين الكفاءة وبين اختبار الأشخاص في مرحلة عمل مشترك سابقة، ولا مرحلة عمل سابقة يمكن أن يشترك أحدهم فيها معه إلا تجربة حكم إدلب.

يؤسس أحمد الشرع خطابه المطمئِن للأقليات على نفي المسألة الطائفية في سوريا، وهذا المنطلق لا يمكن أن يؤسس أرضية صالحة لحلّها، كونها تُعتبر غير موجودة أساساً

"الحوارات" المُجرَّمة

عوضاً عن النظر إلى المسألة الطائفية كإشكالية لا يمكن تأسيس سوريا جديدة مستقرة بدون التعامل معها بشكل مُرضٍ لكل المكوّنات السورية، يعتبر الشرع أن "التدقيق على هذه المسألة هو ما سيثير الفتنة داخل سوريا"، أي أن الحل الأنسب برأيه هو تركها لتحلّ نفسها بنفسها.

ويذهب شادي الويسي، المعيّن مؤخراً وزيراً للعدل في الإدارة السورية الجديدة، خطوة أبعد من التوصية بعدم إثارة هذه المسألة، فيهدد بتجريم الحديث عنها من الأساس، مصرّحاً بأن "جميع الحوارات الطائفية التي تخرج الآن على العلن أو التي تقال الآن في الأروقة بين المجتمع هي محل تجريم"، بدون أن يميّز بين الحديث عن الطوائف الهادف إلى تحديد موقعها في سوريا الجديدة وبين خطابات بث الكراهية أو التحريض على العنف مثلاً.

حكم إسلامي باسم الشعب؟

بالحديث عن سوريا الجديدة وعمّا إذا كانت ستكون دولةً مدنية أو دينية، وهذه نقطة أساسية لدى الأقليات، خرج الكثير من الإشارات غير المطمئنة. وإنْ كان الشرع يكتفي بالحديث عن الموضوع بشكل عمومي مثل قوله إنه سيكون هنالك حكم "متناسق مع ثقافة البلد وتاريخه"، ونستطيع أن نستنتج أن قصده تلطيف الحديث عن واحد من أشكال الحكم الإسلامي، إلا أن زملاءه في الإدارة الحالية يذهبون خطوات أبعد منه في هذا السياق.

وتتعدد أشكال الدفاع عن الحكم الإسلامي القادم، غير المصرّح به علناً، بين أحاديث من نوع أن مَن يتخوّف من تيار ديني "لا يفهم حقيقة الإسلام وسماحة الإسلام وعدالة الإسلام"، حسبما قال رئيس الحكومة السورية المؤقتة محمد البشير، وأخرى من نوع استنكار الاعتراض على تحكيم الشريعة، كما في إجابة وزير التربية نذير القادري عن سبب حذف كلمة قانون من المناهج السورية المعدّلة والاكتفاء بمصطلح الشرع، فبرأيه المصطلحان مترادفان، كما أن استبدال مصطلح "المغضوب عليهم والضالين" باليهود والنصارى مبرَّر كونه يتوافق مع "تفاسير العلماء".

وربما كان وزير العدل شادي الويسي الأكثر وضوحاً في هذا الصدد، وبالتبعية الأكثر إثارة لقلق المهتمين بحقوق الأقليات السورية وحرياتها وخصوصياتها، فعند سؤاله عن حديث له عن "تحكيم شرع الله" أطلقه بعد إسقاط الأسد، أجاب بوضوح شديد: "حوالي 90% من الشعب السوري هو شعب مسلم... وما يريده الشعب يقرّ في البرلمان (القادم)... إذن، حالة تحكيم الشريعة سيكون لها دور رئيسي في المرحلة القادمة... هذا خيار الشعب... داخل هذا الإطار نقول إن تحكيم الشريعة سيكون ضمن هذا المفهوم"، مضيفاً أن تحكيم الشريعة ليس تسلطاً على الشعب فالشعب هو مَن سيختارها بنفسه.

يبدو أن الإدارة السورية الجديدة تبني فكرتها عن الحكم في المجتمع السوري المتنوّع على العددية، وهذا لا يمكن أن يتفق مع فكرة حقوق الأقليات التي تفترض نوعاً من توافقية تتجاوز مجرّد الركون إلى "ديكتاتورية العدد"

في الواقع، وبحسب تقديرات وزارة الخارجية الأميركية، 74% من سكان سوريا هم من المسلمين السنّة، وينقسمون عرقياً إلى عرب وأكراد وشركس وشيشان وتركمان. وتشكّل المجموعات المسلمة الأخرى من علويين وإسماعيليين وشيعة ودروز نحو 16%، فيما تبلغ نسبة المسيحيين 10% غالبيتهم هاجرت بسبب الحرب، مع وجود أعداد قليلة من الأيزيديين والبهائيين والأحمديين.

مشكلة حديث الويسي المذكور هي في أنه يبني فكرته عن الحكم في المجتمع السوري المتنوّع على العددية، وهذا لا يمكن أن يتفق مع فكرة حقوق الأقليات التي تفترض نوعاً من توافقية تتجاوز مجرّد الركون إلى "ديكتاتورية العدد". وإذا قُرن هذا الكلام مع غموض الإدارة السورية الحالية حيال المؤتمر الوطني الذي سيُعقَد في وقت ما من المستقبل القريب وعنه ستنبثق لجان تضع دستوراً جديداً وتعدّل القوانين، أي تحدد شكل سوريا الجديدة وحقوق المواطنين والجماعات فيها، ومع غياب أية مؤشرات عن أن المشاركين في هذا المؤتمر سيمثلون كل شرائح المجتمع السوري وكل الأفكار الموجودة في سوريا، لا يبقى لنا إلا أن نقلق من القادم.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

الإعلام بوق السلطة

تهدف وسائل الإعلام المُحتَكرة من قبل الأحزاب السّياسيّة والميليشيات إلى مصادرة الإرادة الشعبيّة، والتعتيم على الحقوق، والاعتداء على الحريات، ونشر الفتنة وبثّ خطاب الكراهيّة.

حتى لا يكون اللاجئون/ ات، وأصحاب الهمم، والأقليات الدينية، ومجتمع الميم-عين وغيرهم/ نّ من مهمّشي المجتمع كبش فداء، ساهم/ ي معنا في إنتاج صحافةٍ أكثر استقلاليةً.

Website by WhiteBeard
Popup Image