شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
تجربتي في الحمام المغربي… بين تقاليد الاسترخاء وفن

تجربتي في الحمام المغربي… بين تقاليد الاسترخاء وفن "الكسّالة"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والنساء

الأحد 12 يناير 202501:28 م

"هاد الخدمة ما يبغيها لا ربي لا عبدو"، أي هذه المهنة لا يريدها لا الله ولا عبده؛ بهذه العبارة المغربية الشائعة، عبّرت إحدى "الكسّالات" عن إحباطها وتعبها من مهنتها.

"كسّالة الحمام" تعني المدلّكة، وهي مهنة يمارسها الرجل أيضاً، حيث يُطلق عليه "الكسّال". ولطالما ارتبطت مهنة "الكسّالات" أو "الطيّابات"، كما يُطلق عليهن أيضاً، بالحمامات الشعبية المغربية.

الحمام المغربي معروف عالمياً، ويُعد جزءاً لا يتجزأ من الثقافة. كما أن للمغربيات علاقة وطيدة به. فعلى الرغم من مشاغل الحياة وضيق الوقت، يظل الحمام روتيناً أسبوعياً لا غنى عنه، حيث تحرص النساء على زيارته مرة واحدة على الأقل.

الحمام المغربي ليس مجرد مكان للنظافة، بل هو أيضاً فرصة للاسترخاء وتجديد النشاط، ويتميز بشكله الذي يختلف عن باقي البنايات المجاورة له، فله نوافذ خاصة وهندسة مميزة.

قبل الذهاب إلى الحمام، هناك طقوس خاصة تشمل تجهيز ما يلزم، مثل سطل الحمام، الحناء، الصابون البلدي، بساط الحمام، بالإضافة إلى الصابون والشامبو وباقي مستلزمات النظافة. ورغم بعض الاختلافات في طريقة الاستحمام من مغربية إلى أخرى، لكن يبقى هناك روتين وطقوس موحدة. في هذا المقال، نصطحبكم في رحلة داخل أجواء الحمام المغربي لتتعرفوا على تفاصيل هذه التجربة المميزة.

الحمام المغربي

دخول الحمّام 

بعد أن جهزت ملابسي ولوازمي التي سأحتاجها، توجهت إلى الحمام الذي اعتدت زيارته كلما تواجدت في مدينة أكادير، جنوب المغرب. دخلت المبنى وتوجهت إلى المكان المخصص لدفع رسوم الدخول، والتي لا تتجاوز 15 درهماً مغربياً (1.5 دولار). وعادةً ما يكون رجل هو المسؤول عن هذه المهمة، حيث يدير دكاناً صغيراً يقع داخل المبنى الذي يفصل بين قسم النساء وقسم الرجال. في هذا الدكان، تُباع مستلزمات الحمام مثل الشامبو، الصابون البلدي، الحناء، الغاسول، وغيرها من أدوات النظافة الشخصية. 

"كسّالة الحمام" تعني المدلّكة، وهي مهنة يمارسها الرجل أيضاً، حيث يُطلق عليه "الكسّال". ولطالما ارتبطت مهنة "الكسّالات" أو "الطيّابات"، كما يُطلق عليهن أيضاً، بالحمامات الشعبية المغربية

بعد أن دفعت ثمن تذكرة الدخول، اشتريت الصابون البلدي المغربي، وهو نوع مميز من الصابون التقليدي ومن أكثر الأنواع الزيتية شيوعاً، إذ يُصنع من زيت الزيتون ويُعرف بفوائده العديدة، مثل التخلص من خلايا الجلد الميتة وتنظيف المسام بعمق. بعد ذلك، دخلت الحمام مباشرة.

يتألف الحمام المغربي من ثلاث غرف فسيحة تتدرج في درجات الحرارة، تتصل كل واحدة منها بالأخرى لتوفير مستويات مختلفة من البخار الساخن. كما تختلف درجات الحرارة في هذه الغرف؛ الغرفة الأولى معتدلة الحرارة وتميل إلى البرودة، الغرفة الثانية دافئة بدرجة متوسطة، أما الغرفة الثالثة فهي الأكثر سخونة.

قبل الوصول إلى هذه الغرف، توجد غرفة لتبديل الملابس تُعتبر المحطة الأولى داخل الحمام. بمجرد الدخول، تقوم النساء بخلع ملابسهن والاستعداد.

بعد أن قمت بتبديل ملابسي واستعددت للدخول، طلبت من "الكسّالة" التي اعتادت أن تدلك جسدي أن تلتقيني داخل الحمام. دخلت الغرفة الثانية، وبدأتْ بملء سطل بالماء الساخن لتنظيف المكان الذي سأجلس فيه. ثم ملأت سطلَين آخرَين بالماء الذي سأحتاجه أثناء الاستحمام، مع حرصي على تقليل هدر الماء.

أحضرتْ إناءً صغيراً ووضعت فيه الصابون البلدي المغربي و"التبريمة الصحراوية"، وهي خلطة طبيعية شهيرة تتكون من مجموعة من الأعشاب والنباتات العطرية بالإضافة إلى بعض المكونات الطبيعية التي اشتهرت منذ القدم بتأثيرها الإيجابي على نضارة البشرة. غالباً ما تحتوي هذه الخلطة على النيلة، الحناء، العكر الفاسي الغني بالفوائد، وبعض الأعشاب المفيدة الأخرى. وفي إناء آخر، دمجت خلطةً لشَعري.

الحمام المغربي

أسرار الحمام المغربي

في هذه الأثناء، دخلت "الكسّالة" وطلبت مني الانتقال إلى الغرفة الثالثة. هناك، تساعد الحرارة المرتفعة على فتح مسام الجلد، مما يجعل التدليك أكثر فعالية ويُسهِّل عملية التخلص من خلايا الجلد الميتة.

قبل الشروع في عملية "الحكَّان"، أو التقشير، وهي عملية حك الجلد بلطف للتخلص من الخلايا الميتة، تحرص المستحِمَّة على إنعاش بشرتها باستخدام خليط الحناء. يُعتقد أن هذا الخليط يمنح البشرة إشراقاً، نعومةً، ونظافةً تامة، وهو جزء لا يتجزأ من الطقوس التي تقوم بها المغربيات في الحمام التقليدي.

دخلت إلى الغرفة الثالثة مصطحبة معي فقط بساط الحمام وخليط التبريمة. وقمت بتوزيع الخليط بعناية على جسدي، ثم جلست وانتظرت لمدة ربع ساعة تقريباً، مما أتاح للبشرة امتصاص فوائد التبريمة. 

يتألف الحمام المغربي من ثلاث غرف فسيحة تتدرج في درجات الحرارة، تتصل كل واحدة منها بالأخرى لتوفير مستويات مختلفة من البخار الساخن. كما تختلف درجات الحرارة فيها؛ فالأولى معتدلة الحرارة وتميل إلى البرودة، والثانية دافئة بدرجة متوسطة، أما الغرفة الثالثة فهي الأكثر سخونة.

بعد انقضاء الوقت، عدت إلى الغرفة الثانية، حيث غسلت الخليط جيداً، ثم وضعت مجدداً الصابون البلدي. دلكت جسدي بالكامل بالصابون وشطفته بالماء الساخن، مما زاد من نعومة البشرة وتهيئتها لمرحلة التقشير. عندها، دخلت "الكسّالة"، مستعدة للبدء بعملية "الحكَّان".

الحمام المغربي

الكسّالة

جلست "الكسّالة" بجانبي، وطلبت مني أن أمدّ يدي اليمنى لتبدأ عملية "الحكَّان". كانت تتقن عملها بإحكام، مستفيدة من خبرة تمتد لعشرين عاماً في هذه المهنة.

فقد بدأت "الهوارية"، كما تُلقب نظراً لانتمائها إلى منطقة هوارة، عملها في مجال الحمامات الشعبية منذ عام 2004. وهوارة، المعروفة محليًاً أيضاً باسم "ربعة وربعين"، هي مدينة مغربية تُعد الأكبر في إقليم تارودانت من حيث عدد السكان، وتقع على الطريق الجهوية رقم 114 بين تارودانت وأكادير.

قصص وتجارب

بينما كانت "الكسّالة" تعمل على تدليك بشرتي، كانت تتبادل معي الحديث عن همومها اليومية كلما قمت بتغيير وضعيتي. تقول بنبرة تحمل الكثير من الشجن: "أصلاً، إذا لم يدرس الإنسان، فما الذي يمكن أن يفعله؟ إما أن يعمل في التنظيف أو يقوم بما أفعله أنا".

ثم تابعت حديثها عن بدايتها في المهنة: "بعد زواجي وإنجابي لطفلي الأول ثم الثاني، توقف زوجي عن العمل، فخرجت أبحث عن عمل. قادتني الظروف إلى الحمام، ومن هنا بدأت رحلتي في هذا المجال. كانت هناك صعوبات كثيرة في البداية؛ فالعمل مع الناس ليس سهلاً. في أول الأمر، كان الوضع صعباً جدّاً لأنني لم أعمل في الحمام من قبل".

تصف روتينها اليومي قائلة: "أدخل إلى الحمام وأجلس. تأتي الزبونة وتطلب 'الكسّالة'، فأدخل معها وأقوم بخدمتها. كلما اعتنيت بالزبونة جيداً، تطلب رقم هاتفي، وتتصل بي كلما أرادت العودة".

طلبت مني أن أنام على ظهري، وتابعت حديثها: "إذا أتيت إلى الحمام واشتغلت، آخذ نصيبي من المال. أما إذا لم أحضر، فلا أحصل على شيء، في أيام الأعياد، يكون الحمام مزدحماً جدّاً، والعمل مرهقاً للغاية. أحياناً أشعر بالدوار، لكن ليس هناك خيار. تلك الأيام هي فرصتي لجمع بعض المال. والحمد لله، عشت بهذه المهنة وربيت بها أولادي". 

قبل الذهاب إلى الحمام، هناك طقوس خاصة تشمل تجهيز ما يلزم، مثل سطل الحمام، الحناء، الصابون البلدي، بساط الحمام، ورغم بعض الاختلافات في طريقة الاستحمام من مغربية إلى أخرى، لكن يبقى هناك روتين وطقوس موحدة

ثم أكملت: "طالما الكسّالة تعمل، يمكنها جمع القليل من النقود. لكن إذا تعبت وجلست، فلا تحصل على شيء. نحن لا نتلقى راتباً من صاحب الحمام. كل ما نحصل عليه يأتي من الزبائن فقط". 

الحكّان 

الحمام المغربي

بعد أن تنتهي مرحلة "الحكَّان"، تقوم "الكسّالة" بتنظيف الزبونة بالماء وتمرير الصابون على ظهرها برفق، ثم تتركها لتأخذ مساحة شخصية لاستكمال باقي مراحل الاستحمام. في هذه الأثناء، قمت بغسل شعري، ثم انتقلت إلى الغرفة الأولى حيث شطفت جسمي بالماء جيدّاً. أخيراً، خرجت إلى غرفة تغيير الملابس، حيث تنتهي رحلة الحمام المغربي. قبل المغادرة، قدمت للكسالة أجرها وشكرتها على خدماتها، ثم غادرت الحمام.

على الرغم من أن أصحاب الحمامات لا يمنحون الكسّالات رواتب شهرية، تواصل هؤلاء النساء العمل بجدّ، مكتفياتٍ بما يقدّمه لهن الزبائن من النساء المترددات على الحمام، لتبقى هذه المهنة رمزاً للصبر والعطاء في صمت.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard
Popup Image