على ما يبدو خطة نقل العاصمة الإيرانية طهران قد اشتدت وأخذت طابعاً جدياً خلال الأيام الأخيرة، لا سيما أن هذا الأمر ليس بجديد، وقد نوقش في كافة الحكومات الإيرانية السابقة، وأثار الكثير من الجدل بين المسؤولين والخبراء الإيرانيين، ولكن كما واجهت جميع الحكومات السابقةُ صعوباتٍ وتحديات في عملية الانتقال من قبل، فقد تكون هذه الخطوة، خطوةً شبه مستحيلة ويصعب تنفيذها هذه المرة أيضاً، بسبب نفس المشاكل والعوائق السابقة إلى جانب الأزمات الجديدة.
ما يصعّب تنفيذ هذه الخطة، هي التكلفة العالية للغاية لمثل هذا الإجراء، باعتبارها العامل الأكثر أهمية في فشل عملية الانتقال، ولم يتضح بعد ما هو الغرض من خطة النقل هذه، نظراً لظروف إيران التي تواجه أزمةً في إمدادات الطاقة في الأشهر الأخيرة، وتعاني من مشاكل مالية خطيرة إثر العقوبات.
لهذه الخطة مؤيدوها ومعارضوها كسائر الخطط الكبيرة؛ فداعمو هذه الخطوة يقولون إن الأزمات البيئية والاقتصادية والاجتماعية في طهران أدت إلى بروز الحاجة إلى اتخاذ إجراءات جذرية أكثر صرامة، وفي المقابل رافضو الفكرة يصفون تغيير العاصمة بـ"الخطأ"، في ظل الأزمات العديدة التي تواجهها الحكومة، وعدم كفاءتها في تنفيذ مشاريع تنموية أصغر بكثير. على الرغم من ذلك أكد الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، مراراً وتكراراً منذ بداية ولايته، على ضرورة نقل العاصمة إلى مكان آخر.
أسباب انتقال العاصمة
طهران، مدينة كبيرة، ويسكنها أكثر من 9 ملايين نسمة، ويعتقد بعض الخبراء أنه بسبب حركة المرور اليومية لسكان المدن المحيطة بها ومن المحافظات الإيرانية الأخرى، يصل عدد سكان هذه المدينة إلى نحو خمسة عشر مليون نسمة يومياً خلال النهار، وأن هذه الزيادة المفاجئة في عدد السكان اليومي، تفرض ضغوطاً هائلةً على بنية طهران التحتية، وخاصة الموارد الحيوية مثل المياه والكهرباء.
لم يتضح بعد ما هو الغرض من خطة نقل العاصمة، نظراً لإيران التي تواجه أزمة في إمدادات الطاقة في الأشهر الأخيرة، وتعاني من مشاكل مالية خطيرة إثر العقوبات
والرئيس الإيراني، اعتبر قلة وشحة المياه التحديَ الأبرزَ الذي تواجهه طهران، كما تتجاوز مستويات تلوث الهواء في طهران الحدود العالمية باستمرار، مما يهدد الصحة العامة، ووجود طهران على خط الحزام الزلزالي يجعل هذا الانتقال أكثر ضرورة، لا سيما أن الخبراء يحذرون من وقوع كارثة إنسانية في حال وقوع زلزال قوي هناك. وكل هذا يأتي إلى جانب الاكتظاظ السكاني في طهران، الذي خلق مشاكل خطيرة في وسائل النقل العام، وحركة المرور وتلوث الهواء.
وترتبط القضايا الاقتصادية ارتباطاً وثيقاً بالاكتظاظ السكاني في طهران، فبحسب دراسة نشرتها مجلة جيوبوليتيكس الإيرانية، فإن 23% من الناتج المحلي الإجمالي لإيران يعود إلى ما يُنتج في طهران، ويشكل هذا التركيز الاقتصادي في منطقة واحدة مخاطرَ كبيرة على البلاد، بحيث أن حدوث الأزمات الطبيعية مثل الهزات الأرضية أو الأزمات الاقتصادية قد يكون لها تداعيات خطيرة على البلد بأكمله، كما أدى هذا الأمر، إلى تركيز إداري وبيروقراطي معقد في هذه المدينة، مما جعل عملية تقديم الخدمات الحكومية أبطأ وأقل كفاءة.
علي مدني بور، أستاذ التصميم الحضري بجامعة نيوكاسل في إنكلترا، لا يرى في انتقال العاصمة حلاً مناسباً، إذ يقول: "إن العديد من مشاكل طهران، مثل ارتفاع أسعار السكن، ومشاكل المرور وتلوث الهواء وعدم المساواة الاجتماعية، والمشاكل الاقتصادية الكبيرة والصغيرة، تشبه مشاكل المدن الكبرى الأخرى في جميع أنحاء العالم. وبالإضافة إلى ذلك، وفي الواقع، الكثير من المدن في إيران تواجه نفس المشاكل. ونظراً لذلك، فالانتقال من مدينة يوجد فيها مشاكل إلى مدينة أخرى تواجه نفس المشاكل ليس الحلَّ الصحيح لهذه الأزمة".
ويتابع هذا الأستاذ ذو الأصول الإيرانية، كالتالي: "السؤال الأساسي هو هل اختيار العاصمة الجديدة سيحل مشاكل العاصمة القديمة؟ على سبيل المثال، في تركيا انتقلت العاصمة من إسطنبول إلى أنقرة، لكن جميع مشاكل مدينة إسطنبول بقيت قائمة، بل تفاقمت. وإن غادرت الحكومة الإيرانية طهران، فإن المدينة التي تضم ملايين المواطنين والمشاكل التي لم تحل سوف تبقى على حالها، وفي الواقع، سوف يتم تحويل الموارد المالية والبشرية بعيداً عن العاصمة القديمة، مما يتسبب في أزمات أكبر".
في المقابل، لدى معظم المؤيدين لنقل العاصمة منظور بيئي وطبيعي لهذه الخطوة؛ في هذا الاتجاه شرح رئيس مركز التنبؤ بالزلازل وأستاذ قسم هندسة الزلازل في المعهد الدولي لعلم الزلازل، الإيراني مهدي زارع أن "لأسباب منها خطر الزلازل، والتلوث الجوي الشديد، والاكتظاظ، في ظل الكوارث المختلفة، لا يوجد حل أو خيار سوى تغيير العاصمة، لأن وضع صدع طهران حرج للغاية. وبالإضافة إلى قضية الزلزال، يجب أن ننتبه إلى أزمة المياه والبيئة في طهران".
إلى الجنوب
بعد أن أخذ أمر انتقال العاصمة طابعاً جدياً في الأيام الأخيرة، تحدث النائب الأول للرئيس، محمد رضا عارف، والمتحدثة باسم الحكومة، فاطمة مهاجراني، عن ضرورة تغيير العاصمة، حيث ذكرا منطقة مكران الواقعة جنوبي إيران كبديل للعاصمة الإيرانية، لكنهما لم يشيرا إلى نقطة مميزة في هذه المنطقة.
عارف الذي قال إن منطقة مكران هي من المناطق المرشحة لتصبح عاصمة لإيران، صرح أن "هذه المنطقة مكان مناسب، ولا يوجد فيها أي قيود؛ إذ كانت هناك مراكز أخرى تم النظر فيها في الماضي لنقل العاصمة، ولكن لكل منها محدودياتها الخاصة، مثل مشاكل إمدادات المياه أو غيرها من القضايا".
وأضافت مهاجراني: "المكان المقصود هو منطقة مكران. وبخصوص الإجراءات المتخذة لتغيير العاصمة، تم تشكيل مجلسين؛ أحدهما يأخذ في الاعتبار مشاكل العاصمة، والآخر يعمل على الاقتصاد البحري، ودراسة القدرات المطلوبة في منطقة مكران". ولم توضح من هم أعضاء هذين المجلسين أو المؤسستين.
في نفس السياق، قال الرئيس بزشكيان في أيلول/سبتمبر العام الماضي: "ليس أمامنا خيار سوى نقل المركز الاقتصادي والسياسي للبلاد إلى الجنوب وبالقرب من البحر، لمواصلة جلب الموارد الأولية من جنوب البلاد والبحر إلى المركز، حيث إننا بحاجة إلى تحويل هذه الموارد إلى منتجات، ثم تصديرها مرة أخرى عن طريق الجنوب البلاد والبحر".
تحدث النائب الأول للرئيس محمد رضا عارف والمتحدثة باسم الحكومة فاطمة مهاجراني عن ضرورة تغيير العاصمة، وذكرا منطقة مكران في جنوب إيران كبديل للعاصمة الإيرانية، ولم يشيرا إلى نقطة مميزة في هذه المنطقة
في هذه الأثناء، خلصت بعض الدراسات التي أجريت داخل إيران إلى أن نقل العاصمة إلى مكران أمر محفوف بالمخاطر وغير قابل للتنفيذ، إذ أشار الخبراء إلى المخاوف الأمنية الناجمة عن الوجود العسكري الأمريكي في الخليج، والقرب من حدود باكستان وأفغانستان، وانعدام الأمن في تلك المنطقة، كما أشير إلى الافتقار إلى البنية التحتية المناسبة في هذه المنطقة، ومشاكل أخرى قد تعرقل هذا المشروع.
مكران... العاصمة الجديدة!
مَكْران هو اسم المنطقة الجغرافية الواقعة بين كرمان وسط إيران ونهر السند في عصر ما بعد الإسلام، وفي كثير من النصوص التاريخية، كان "بحر عُمان" يُعرف أيضاً باسم "بحر مَكْران". وقد شهدت هذه المنطقة حكومات مستقلة في فترات تاريخية مختلفة وكانت تعتبر جزءاً من الأراضي الإيرانية.
يمتد ساحل مكران في إيران على مسافة 900 كيلومتر من بلوشستان في باكستان بالغرب إلى محافظة هرمزكان جنوب إيران، وهي منطقة استراتيجية مهمة في جنوب شرق إيران. ترتبط هذه المنطقة ببحر عمان والمحيط الهندي، وتضم ميناء تشابهار، الميناء المحيطي الوحيد في إيران، كما تتمتع مكران باحتياطيات من النفط والغاز، ومكانة جيوسياسية خاصة بسبب قربها من المياه الدولية المفتوحة وموقعها خارج منطقة الخليج المتوترة.
على أي حال، فإن مشروعاً ضخماً كنقل العاصمة، له أبعاد كبيرة ومكلفة لدرجة أنه لم تتمكن أي من الحكومات السابقة للجمهورية الإسلامية من تنفيذه، ناهيك عن حكومة بزشكيان، التي لم تواجه صندوقاً وطنياً فارغاً فحسب، بل إنها استلمت بلداً غارقاً في الديون، واقتصاداً عاجزاً عن دفع رواتب المتقاعدين وحقوق مزارعي القمح، وحتى توفير الطاقة الأساسية لحياة المواطنين.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
astor totor -
منذ يوميناسمهم عابرون و عابرات مش متحولون
مستخدم مجهول -
منذ يومينفعلاً عندك حق، كلامك سليم 100%! للأسف حتى الكبار مش بعيدين عن المخاطر لو ما أخدوش التدابير...
Sam Dany -
منذ أسبوعانا قرأت كتاب اسمه : جاسوس من أجل لا أحد، ستة عشر عاماً في المخابرات السورية.. وهو جعلني اعيش...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلماذا حذفتم اسم الاستاذ لؤي العزعزي من الموضوع رغم انه مشترك فيه كما ابلغتنا الاستاذة نهلة المقطري
Apple User -
منذ أسبوعوحده الغزّي من يعرف شعور هذه الكلمات ، مقال صادق
Oussama ELGH -
منذ أسبوعالحجاب اقل شيء يدافع عليه انسان فما بالك بحريات اكبر متعلقة بحياة الشخص او موته