شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
هل انتهى زمن الإزميل؟... حرف يدوية طوّعت التكنولوجيا وأخرى يطالها التهديد

هل انتهى زمن الإزميل؟... حرف يدوية طوّعت التكنولوجيا وأخرى يطالها التهديد

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والتنوّع

الخميس 9 يناير 202502:57 م

ككثير من الثقافات، يواجه التراث الثقافي والتقاليد الشعبية تحدياتٍ كبيرةً في ظل التسارع التكنولوجي، متأرجحاً بين الحفاظ على الهوية الثقافية وبين الاستفادة من التكنولوجيا. هنا تبرز قصص بعض الحرفيين والمنظمين كأمثلة على القدرة على التكيف. هذا التقرير لرصيف22 يستعرض تجارب من يعملون في الحرف اليدوية وتنظيم الفعاليات، بالإضافة إلى رؤية أكاديمية حول تأثير التكنولوجيا على الهوية الثقافية.

نعم، استفدت من التكنولوجيا

يقول حسين محمد، الذي يعمل في تفريغ النحاس: "هذه المهنة تعتمد على الجهد اليدوي بشكل كبير، ولا يمكن الاستعانة بالليزر في كل التفاصيل. صحيح أن التكنولوجيا أثرت قليلاً على الحرفة، لكنها لم تلغِ الحاجة إلى العمل اليدوي".

يقول لرصيف22 إن الإنترنت ساعده بشكل كبير في نشر أعماله؛ فهناك من قاموا بتصوير أعماله ونشرها على اليوتيوب، مما جذب له عملاء جدد من أماكن بعيدة. ومع ذلك، تواجه المهنة تحدياتٍ أخرى مثل ارتفاع أسعار النحاس بشكل كبير، حيث كان الكيلو منذ 15 عاماً بـ11 جنيهاً (حوالى 1.9 دولار أمريكي وفق سعر الصرف في ذلك الوقت)، أما اليوم فيصل سعره إلى 1050 جنيهاً (حوالى 34 دولاراً أمريكياً وفق سعر الصرف الحالي)، إلى جانب زيادة تكلفة الأدوات. 

يقول حسين الذي يعمل في تفريغ النحاس إن مهنته تعتمد على الجهد اليدوي بشكل كبير، وعلى الرغم من أن التكنولوجيا أثرت قليلاً على الحرفة، لكن لا يمكن الاعتماد على الليزر في كل التفاصيل.

يتابع: "البيع الآن أقل مما كان عليه قبل 20 عاماً بسبب تراجع السياحة. كما أن الشباب لم يعودوا يهتمون بتعلم هذه الحرفة، فهم يفضلون العمل السريع والمربح. غالبية من يأتون الآن هم طلاب يسعون لتنفيذ مشاريع جامعية، أما الشباب الذين يفكرون في العمل المهني، فهم قلة، ويطالبون برواتب عالية ومواصلات. بالنسبة لي، حبي لهذه الحرفة هو سرّ إبداعي فيها، وأنا أؤمن بأن ما نحبه يعود علينا بالخير".

الماكينات… ليست سيئة دائماً

أما أحمد محمد عبد المنعم، المتخصص في صناعة يفط الزينة، فيقول: "التكنولوجيا أحدثت نقلة نوعية في عملي. الآن أستطيع تصميم الأشكال على الكمبيوتر ومن ثم تنفيذها باستخدام ماكينة الليزر، التي تُمرّر القطعة عبر عدة مراحل تشمل التفصيل والتلميع، وصولاً إلى الخشب. ومع ذلك، هناك مراحل يدوية لا يمكن الاستغناء عنها".

ويقول: "أنا أعمل في هذه المهنة منذ 15 عاماً، ومع كل سنة تحمل معها تطوراً جديداً؛ فالمعدات الحديثة تجعل العمل أسهل وأدق. على سبيل المثال، ماكينات الليزر الجديدة مثل (فيبر ليزر) تتيح تقطيع المعادن بدقة ونظافة أكبر. بالنسبة لي، التكنولوجيا لم تؤثر سلباً بل زادت من كفاءة العمل، كما أن السوشال ميديا ساعدتني كثيراً في الوصول إلى عملاء جدد وأظهرت أعمالي لجمهور أوسع".

مثله أيمن محمد، الذي يعمل في الألمنيوم، يقول: "بدأت العمل في هذه الحرفة التي ورثتها عن أبي منذ 14 عاماً. المهنة تطورت كثيراً، ففي الماضي كانت الأدوات تأتي جاهزة تقريباً، أما اليوم فنحن نقوم بصنعها من البداية على المخرطة".

وحول دور السوشال ميديا يقول: "حالياً أنشر أعمالي على الفيسبوك، الأمر الذي يساعد في جذب عملاء جدد بشكل أسرع مقارنةً بالماضي عندما كان الزبائن يتعرفون علينا عبر توصيات". أما والده البالغ من العمر 67 عاماً والذي يعمل في "خراطة الألمنيوم" مذ كان في الـ16 من عمره، فيقول : "لا أتعامل مع السوشال ميديا، فأنا أفضّل البيع للتجار مباشرة. بالنسبة لي، الأهم هو أن أعمل بشرف وأكسب رزقي بالحلال". 

هل تُفقد التكنولوجيا التراثَ "روحَه"؟

بعض الشباب تحدثوا لرصيف22، وقدموا وجهات نظر متقاربة في هذا الشأن، تقول نورهان (22 عاماً)، وهي طالبة جامعية: "أنا معجبة جداً بالحرف اليدوية، لكنني أرى أن التكنولوجيا ضرورية لتطويرها. على سبيل المثال، يمكن لصانع النحاس الجمع بين النقوش التقليدية والتصاميم الحديثة لجذب جيلنا".

بينما يقول اسماعيل منصور (28 عاماً) وهو مهندس ديكور: "التكنولوجيا قد تجعل التراث أكثر عصرية، لكنها قد تُفقده روحَ الأصالة إذا لم تُستخدم بعناية. شخصياً، أفضل شراء منتجات يدوية مميزة تحمل طابعاً أصيلاً". أما أحمد الزاهد (23 عاماً)، فيقول: "أرى أن التكنولوجيا تفتح آفاقاً جديدة للإبداع. الحرف اليدوية يمكن أن تصبح أكثر انتشاراً إذا تم تسويقها عبر الإنترنت وربطها بمتطلبات الشباب. أحب المنتجات التقليدية، لكن بطريقة تناسب الذوق الحديث". 

يرى بعض من جيل الشباب أن التكنولوجيا تعمل على تحديث الهوية الثقافية والبصرية، وأنها تفتح آفاقاً جديدة للحرف اليدوية على وجه الخصوص، بينما يتحفظ بعضهم الآخر على دمجها لأنها، بحسبهم، تفقد المنتجَ التراثي تميزَه وخصوصيتَه، وأن استخدامها يجب أن يقتصر على الترويج 

من جهته يرى محمد أنور الطالب في كلية الآداب أن التوازن مهم حتى لا تفقد الحرف التراثية طابعها اليدوي الذي يجعلها مميزة؛ يقول: "أنا أحب الحرف اليدوية لأنها تمثل هويتنا، لكنني أخشى أن التكنولوجيا قد تجعلها تبدو بلا روح. مع ذلك، أعتقد أن استخدام التكنولوجيا في الترويج لها قد يكون خطوة جيدة".

الفعاليات الشعبية 

محمد سمير، منظم حفلات زفاف وفعاليات شعبية، يعتقد أن التكنولوجيا أصبحت اليوم ركيزة أساسية في تطوير شكل وتنظيم المناسبات الاجتماعية، خاصة الأفراح. ويشير إلى أن التقنيات الحديثة، مثل أنظمة الصوت المتطورة وشاشات العرض الكبيرة، قد أضافت بُعداً جديداً لهذه الاحتفالات، مما يضمن تجربة أكثر تميزاً للحضور.

يقول لرصيف22: "التكنولوجيا غيّرت شكل الفعاليات بالكامل، فأنظمة الصوت الحديثة تمنح جودة موسيقى أفضل بكثير من السماعات التقليدية، وشاشات العرض LED تُستخدم لعرض لحظات مميزة للعروسين أو حتى لبث مباشر من الحدث. كما أن التصوير أصبح أكثر احترافية بفضل الكاميرات المتطورة والطائرات الدرون، التي تلتقط مشاهد بانورامية مذهلة تضيف لمسة استثنائية للذكرى".

وبحسبه فالتكنولوجيا لم تقتصر على تحسين الجوانب الفنية فقط، بل ساعدت في تنظيم الوقت وتنسيق الفقرات عبر تطبيقات إلكترونية. وهذه الأدوات في المجمل تسهّل عملية إرسال الدعوات وجدولة الفعاليات بدقة، مما يقلل من الفوضى التي كانت تحدث في الماضي.

وعن تأثير التكنولوجيا على الطابع التقليدي للفعاليات الشعبية، أوضح سمير أن هناك انقساماً في الآراء. فبينما يفضل الشباب لمسة التكنولوجيا التي تضيف مظهراً عصرياً للأفراح، يحن الكبار إلى الأجواء التقليدية البسيطة. يقول: "البعض يرى أن الإضاءات التفاعلية والموسيقى الحديثة تضيف قيمة، بينما يشعر آخرون أنها قد تُفقد المناسبةَ هويتَها التراثية".

أستاذة علم اجتماع: العالم يعيش موجات عاتية من العولمة، التي تتسم بقدرتها على محو أو إقصاء التراث الثقافي للشعوب. خاصة مع انتشار الذكاء الاصطناعي ووسائل التواصل الاجتماعي. 

ويكشف أن الطلب على الجمع بين الطابع التقليدي والعصري في الفعاليات أصبح أكثر شيوعاً، مع الحرص على الحفاظ على توازن يرضي جميع الأذواق. وأوضح: "في بعض الفعاليات، نخصص فقرة تراثية تشمل الزفة الشعبية والرقص البلدي، ثم ننتقل إلى فقرة عصرية تتضمن الموسيقى الحديثة والإضاءات التفاعلية. وحتى في التصوير، يتم دمج اللقطات الكلاسيكية مع مشاهد مبتكرة تم تصويرها بالدرون".

هي العولمة

ترى أستاذة علم الاجتماع في جامعة عين شمس د. سامية خضر، بأن العالم يعيش الآن في ظل موجات عاتية من العولمة، التي تتسم بقدرتها على محو أو إقصاء التراث الثقافي للشعوب. هذه الموجات تؤثر على ثقافات الدول، خاصة مع التقدم التكنولوجي السريع وانتشار الذكاء الاصطناعي ووسائل التواصل الاجتماعي، مشيرة إلى أن هذه التطورات قد تشكل خطراً على الهوية الثقافية إذا لم تُستغل بشكل صحيح.

وتضيف لرصيف22: "التكنولوجيا، على الرغم من فوائدها العديدة، تحمل في طياتها تحديات كبيرة. فقد أصبحت مصدر تأثير قوي على الأطفال الذين باتوا يفتقدون ارتباطهم بتراثهم الثقافي"، داعية إلى ضرورة أن يكون هناك موقف حاسم ومضاد لهذه التأثيرات السلبية، من خلال استراتيجيات تعزز التقدم دون التفريط في الهوية، فالحضارة المصرية تُعدّ واحدة من أعظم الحضارات التي يتوافد أشخاص من كل العالم لرؤيتها، إلا أن التعليم والدولة، على حد قولها، لا يمنحان التراث الاهتمام الكافي.

وتنصح بأن تشمل برامج التعليم المدرسية رحلات إلى المتاحف، لتعريف الأطفال بتراثهم وتاريخهم، مع إشراك الأسرة في تعزيز هذا الوعي.

تقول: "التكنولوجيا أثرت على الذوق العام، حيث تراجعت الأغاني الشعبية ذات المعاني العميقة التي كانت تميز الماضي، لتحل محلها ظواهر سطحية مثل أغاني المهرجانات. ورغم ذلك، فالتكنولوجيا يمكن أن تكون أداة قوية للحفاظ على التراث إذا استُخدمت بوعي"، مؤكدة على أهمية أن يلعب الأهل دوراً أساسياً في غرس الهوية الثقافية في أبنائهم، من خلال التحدث معهم عن تاريخهم وتراثهم، ومشاركتهم قصص الشخصيات الوطنية البارزة مثل طه حسين وسعد زغلول.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

فلنتشارك في إثراء مسيرة رصيف22

هل ترغب/ ين في:

  • الدخول إلى غرفة عمليّات محرّرينا ومحرراتنا، والاطلاع على ما يدور خلف الستارة؟
  • الاستمتاع بقراءاتٍ لا تشوبها الإعلانات؟
  • حضور ورشات وجلسات نقاش مقالات رصيف22؟
  • الانخراط في مجتمعٍ يشاركك ناسه قيمك ومبادئك؟

إذا أجبت بنعم، فماذا تنتظر/ ين؟

    Website by WhiteBeard
    Popup Image