اعتادت السيدات البحرينيات في عصر ما قبل النفط، أن يجتمعن في صبحيات يتناولن فيها الشاي والقهوة ويتبادلن أطراف الحديث، وأيديهن تشتغل تطريزات وتخيط مختلف أنواع الملابس والزينة. هي حرفة تطريز "النقدة" التقليدية البحرينية، التي تعتمد على خيوط الذهب أو الفضة، والتي صارت على وشك الاندثار مع وجود آلات الخياطة الحديثة والتطريز الآلي، ومع اعتماد الناس على متاجر بيع الملابس الجاهزة ودور الأزياء العالمية.
تنبّهت جهات عدة في البحرين للخطر الذي تواجهه هذه الحرفة، لا سيما مع وفاة العاملات فيها أو تقدمهن في السن، وعدم انتقال خبراتهن إلى الفتيات من الجيل التالي، فأسست جمعية أوال النسائية مشروع تطوير حرفة "النقدة" عام 1996، جمعت فيه العاملات في هذه المهنة من الكبيرات في السن لإقامة دورات تدريبية لتعليم الشابات هذه المهنة، كي تنقل هذه الحرفة إلى الجيل الجديد الذي أهملها.
مقالات أخرى:
الزخرفة اليمنية، إحدى روائع فن العمارة
“تاء الشباب”: محاولة بحرينية لدمج الشباب بالثقافة
وقد سارت مراكز اجتماعية وجمعيات نسائية أخرى في الاتجاه نفسه، وبدأت تقيم دورات تدريبية في هذا المجال. زكية علي علي، التي تزاول هذه الحرفة منذ 23 عاماً، وتقدّم دورات تدريبية لهذه الحرفة في أكثر من مكان، وتعمل مستقلة تحت مظلة وزارة التنمية الاجتماعية، قالت: "ورثت هذه المهنة عن سيدات عائلتي اللواتي كنّ يتقنّ هذه الحرفة، والتي كانت مصدر رزق لهن، خصوصاَ في ظل غياب الرجال أشهراَ عدة خلال رحلات صيد اللؤلؤ". وتتابع: "كان هناك تنافس بين السيدات خلال الجلسات الصباحية لإنتاج أكبر قدر ممكن من قطع الملابس والأثواب، وتزيينها بتطريز النقدة".
وعن مشروع "الدمعية" لتطوير حرفة النقدة الذي أسسته جمعية أوال، تقول عضو مجلس إدارة الجمعية فوزية الخاجة إن "سعت الجمعية منذ تأسيسها إلى تنمية قدرات المرأة البحرينية وتعليمها، فدشنّا عدداً من المشاريع لتعليم المرأة وتمكينها اقتصادياً، وكان مشروع إحياء حرفة النقدة أحدها". وتضيف "المشروع يهدف إلى إحياء حرفة تطريز يدوية كانت تمارسها المرأة قديماً، من أجل الحفاظ على تراث البلد وتاريخه، وتشجيع الفتيات البحرينيات على ممارسة العمل اليدوي لتوفير مدخول مادي ثابت لهن، ورفع قيمة العمل اليدوي لدى مختلف فئات المجتمع، وإيجاد مصادر متنوعة لتحسين وضع الأسرة البحرينية، وإعطاء قيمة عالية للمنتجات الحرفية الوطنية”. وتؤكد أن "المشروع وفّر فرص عمل لسيدات تلقين التدريب في البرنامج، وهن الآن إما يشتغلن في مشاريعهن الخاصة أو مع الجمعيات، أو متعاونات يعملن في المعارض أو الفعاليات".
وتشير الخاجة إلى أن "الأمهات والجدات كنّ يلبسن الملابس وأغطية الرأس المطرزة بهذه النقشة، إلا أننا طرحناها اليوم بطريقة جديدة وحاولنا إنتاج النقشة من خلال منتجات حديثة لأدوات المنزل والملابس، والأغطية القماشية، ولوحات زينة”. إحدى المشرفات على المشروع في جمعية أوال فاطمة ربيعة تقول: “فكرت الجمعية في إحياء هذه الحرفة بطريقة حديثة تتناسب مع مختلف الأذواق، من خلال استخدام الإيشاربات، أساور اليد، علاّقات المفاتيح، اللوحات الفنية، الوسائد، بطاقات المعايدة، بالإضافة إلى الملابس والأثواب القديمة التي تقبل عليها الفتيات والسيدات في المناسبات الشعبية". وتؤكد ربيعة أن "الجمهور تقبّل المنتجات الجديدة وأقبل عليها بشكل غير متوقع".
أما المشرفة على المشروع ليلى محمد عيسى، فقالت لرصيف22: "النقدة حرفة صعبة، لا يستخدم فيها إبرة عادية أو خيط عادي، بل خيطها أكبر من الخيط العادي ومطلي بالذهب أو الفضة، وللتطريز طريقة عمل خاصة، فالغرزة الواحدة لا تتم خياطتها بشكل مستمر، بل نقطة نقطة، نخيط كل غرزة على حدة، لنكمل الشكل”. صعوبة هذه الحرفة تجعل بعض منتجاتها مرتفعة الثمن، بالإضافة إلى ارتباطها بسعر الذهب والفضة، كون الخيوط مطلية بالذهب. لذا تقيم الجمعية المعارض بين فترة وأخرى لإنعاش المشروع والترويج له وتسويق منتجاته.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 4 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...