شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
موقف واشنطن من المشهد السوري... الوقوف متفرجاً، أم العمل من وراء الكواليس؟

موقف واشنطن من المشهد السوري... الوقوف متفرجاً، أم العمل من وراء الكواليس؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والحقوق الأساسية

الأربعاء 8 يناير 202511:43 ص

لنبدأ بالخبر السار: فرار بشار الأسد وسقوط نظام حكمه في سوريا. لكن الخبر السيء ليس تصدّر "هيئة تحرير الشام"، المصنفة على قوائم الإرهاب الدولية، صدارة المشهد السوري كما يعتقد البعض، فالجماعة الإسلامية تبدي تحولات بنيوية وخطوات براغماتية متسارعة لحفاظ السلم الأهلي، بالتوازي مع تأسيس البنية الأولية لمحاكمة مجرمي النظام السابق، بجانب معالجة القضايا الإنسانية والأمنية والسياسية والدبلوماسية العاجلة، بما فيها توحيد البلاد والسلاح وطمأنة القوى المحلية والإقليمية والدولية حول مستقبل سوريا والسوريين، وتجنّب كونها ممرّاً أو مصدراً للتهديد الإقليمي والدولي.

الخبر السيء، هو إمكانية عودة التجاذب الإقليمي والدولي إلى الساحة السورية بعد سقوط نظام الأسد، وفشل القوى الدولية بإعادة بناء التوافق المفقود بينها حالياً، والمطلوب بشدّة لاستقرار سوريا وتجنيب انزلاقها لدورة جديدة من الصراع. وأهم من ذلك، تحرير سوريا من العقوبات الغربية الخانقة المفروضة خلال حكم الأسد، والتي تعتبرها واشنطن سبباً لتآكل قوة الأسد وتعجيل سقوط نظام حكمه.

ولعلها محقة بعض الشيء، غير أن هذه العقوبات ضاعفت على السوريين فاتورة إسقاط الأسد أضعافاً مضاعفة، لاسيما بعد تخلي واشنطن عن ردّ حازم ومؤثر على تجاوز الأسد لخط أوباما الأحمر، الخاص بالقتل بالسلاح الكيماوي، تاركاً السوريين ينعمون بالموت في المسالخ البشرية وتحت البراميل المتفجرة وسواهما.

قبلها أثار الرئيس الأمريكي الأسبق حفيظة القوى الإقليمية والدولية بتصريحه عن وجوب رحيل الأسد. إذا لم تكن أغلب هذه الدول قد اتخذت قرارها النهائي بالانخراط في الساحة السورية، بما فيها روسيا وإيران. حيث كانت الأخيرة تتلاطم بين تيارين، ينادي أحدهما بضرورة دعم تطلعات الشعب السوري في مواجهة نظام حكم حزبي وعائلي قائم على القمع والاستبداد، إلا أن هذا التيار الذي تصدره رئيسان سابقان (على أكبر رفسنجاني ومحمود أحمدي نجاد) وثالث على رأس عمله آنذاك (حسن روحاني) تم دفنه نتيجة تصريح باراك أوباما، لصالح هيمنة تيار ضرورة مقاومة المشروع الأمريكي في المنطقة، وهو ما ينطبق على موسكو أيضاً، والتي قرأت التصريح كامتداد للثورات الملونة في دول الفضاء السوفييتي.

الخبر السيء، هو إمكانية عودة التجاذب الإقليمي والدولي إلى الساحة السورية بعد سقوط نظام الأسد، وفشل القوى الدولية بإعادة بناء التوافق المفقود بينها حالياً، والمطلوب بشدّة لاستقرار سوريا وتجنيب انزلاقها لدورة جديدة من الصراع

لكن ما فائدة هذا الحديث اليوم؟ الإجابة على السؤال معقدة، لكن شعار الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب "أمريكا أولاً" قد يبسّط الإجابة نوعاً ما. وبموجبه، أمريكا حصينة تجاه الدماء الغزيرة المراقة في الحرائق الإقليمية، بجانب كونها جانياً شبه حصري للهزات السياسية والأزمات الاقتصادية العالمية، لذا فلا ضير لديها بإشعال الأزمات والحرائق الإقليمية والدولية عمداً أو خطأ. وإن كان لديك شكوك حول ذلك، يمكن التمحيص بدقة في مسألة الثمار الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية المقطوفة أمريكياً جراء أكبر حريقين إقليميين لا زالا مشتعلين لغاية اليوم في الشرقين الأوروبي والأوسطي.

عليه، فإن تفرد وتقدم الموقف الأمريكي على باقي الفواعل الدولية، ومن ثم التجاهل أو الاستدارة، مع ترك الحرائق والأزمات في حالة تقيح، لا يمنح الطمأنينة لحل يعالج الأزمة السورية بعد زوال الأسد. قالها ترامب صراحة: "هذه ليست حربنا، يجب أن ندع هذا الوضع يحل نفسه". لكن عدم التدخّل الذي أشار إليه ترامب، هو عدم التدخّل السلبي أم الإيجابي؟ فالأخير هو المطلوب، لكن المطلوب أيضا دعمه من قبل القوى العظمى، ولاسيما تلك المالكة لقرار رفع العقوبات المرهقة على الشعب السوري، بجانب عدم التدخّل السلبي في المشهد، وخصوصاً من أبواب حماية الأقليات والمرأة وشمولية الحكومة وتنفيذ القرار الأممي 2254 وسواهم من الأبواب المؤدية لصندوق باندورا. ويبدو أن الدول الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، لم تتوصل إلى هذه القناعة بعد، رغم خيباتهم المدمّرة والمتكرّرة في العديد من الدول.

كذلك فإن رغبة ترامب المعلنة بعدم التدخّل قد يكّذبها دعمه المطلق لإسرائيل. فالأخيرة تعمل على استغلال حدث السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 وتداعياته لإعادة رسم المشهد الإقليمي، بما يضمن لها هيمنة مطلقة لعقود مستقبلية. حيث يدعم ترامب وإدارته المعلنة بشدة مواقف الحكومة الإسرائيلية، ولو كانت هي الأكثر تشدّداً من بين الحكومات الإسرائيلية. وإن كانت تصريحاته تبدي رغبة إيقاف الحرب المشتعلة في الشرق الأوسط، إلا أن هذه الرغبة غير مقرونة بالحيادية، بل هي الأشد انحيازاً لإسرائيل، وتلبية كل الشروط المتشددة من قبل الأخيرة.

ألم يقل ترامب أنه سيشعل الشرق الأوسط إذا لم يتم الإفراج عن الرهائن الأمريكيين قبل تسلمه للرئاسة في العشرين من هذا الشهر؟ ألم تبد إدارته المستقبلية تأييدها للمواقف الإسرائيلية بتسمية كل من قطاع غزة والضفة الغربية بتسميتهما التاريخية الإسرائيلية، يهودا والسامرة، وهو الرئيس الأمريكي الأول الذي أيد خلال ولايته الأولى ضم إسرائيل لهضبة الجولان السوري المحتل؟

من جانبه، وفي المشهد السوري، عاجلت حكومة الائتلاف الإسرائيلي المتطرّفة برئاسة بنيامين نتنياهو، إعلان سقوط اتفاق الهدنة الموقع برعاية الأمم المتحدة عام 1974، وتوغلت بالمنطقة المنزوعة السلاح بين الجانبين وبمناطق أخرى من جنوب سوريا، مع تدميرها لكامل القدرات العسكرية السورية، وهي اللازمة بشدة لأي عملية ضبط استقرار سوريا حالياً. بجانب مساعي باتت تتوضح شيئا فشيئاً لتفكيك الدولة السورية على أسس عرقية ومذهبية.

جميع هذه الخطوات الإسرائيلية لا تلقى معارضة جدية من قبل واشنطن، إن لم نقل إنها تلقى دعمها، قياساً على جهود إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن الخجولة لوقف الصراع الدائر في المنطقة منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023، فيما تلقي بوزنها السياسي والعسكري والدبلوماسي لضمان تحقيق تل أبيب لأهدافها، ولو على حساب توسع الحريق الإقليمي.

ليست إسرائيل وحدها من يزرع بذور تشظّي الدولة السورية، أمريكا قبلها أقدمت على ذلك، عبر دعمها غير المشروط لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، والذي ترك البلاد مقسمة بين إدارات قوى الأمر الواقع المتباينة والمتناحرة فيما بينها. وحديثاً مع تغير المشهد السوري جذرياً، لا تزال واشنطن متمسكة بعرقلة جهود توحيد البلاد والسلاح تحت إدارة سورية واحدة، ما لم يتم تنفيذ مطالب أمريكية لم تتوضح لغاية الآن، لكنها قد تتسع لاستهداف الوجود الروسي في سوريا، أو مشاركة الحكومة السورية الناشئة، وذات الموارد الضعيفة، في محاربة النفوذ الإيراني الإقليمي ومقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). وهي مطالب ذات عناية لدى إدارة دمشق الناشئة، لكن الزمن السياسي والموارد المتوفرة هي من يقرّر ذلك وليس واشنطن. فأولويات إدارة دمشق حالياً هي نزع وتوحيد السلاح، وبناء البنية الأولية للعدالة الانتقالية والانتقال السياسي، واكتساب الشرعية الدولية مع إنهاء أو تخفيف العقوبات الغربية الخانقة، لتجنب انفلات الأمور إلى فوضى مدمرة.

تشكل العقوبات أداة أمريكية لتوجيه دفة القيادة الحاكمة في دمشق، ضمن شعارات واشنطن البراقة حول الديمقراطية والحرية والحوكمة الشفافة والشاملة، لكن متى التزمت الولايات المتحدة بالثبات على هذه المبادئ، أو غلّبت المبادئ على المصالح؟

ومؤخراً أشيع عن بناء التحالف الدولي لمكافحة داعش، والذي تقوده الولايات المتحدة، عن إقامة قاعدة جديدة له في مدينة عين العرب/كوباني القريبة من الحدود السورية التركية، في رسالة تبدو متضاربة التفسير في ظل المعارك المتقطعة بين فصائل الجيش الوطني السوري المدعوم تركياً وقوات قسد. هل الخطوة الأمريكية تصب في إقامة منطقة عازلة بين تركيا وسوريا، ضمن جهود اتفاق تركي كردي مأمول، أم أنها خطوة لزيادة التعقيدات في المشهد السوري المعقد أصلاً؟ الأيام والشهور القادمة ستحمل إجابة هذا السؤال. مع ذلك، تبقى الجهود الأمريكية في هذا الإطار محل شكوك محلية وإقليمية.

إلى جانب ذلك، قد تنحو واشنطن لدعم الجهود الأوروبية الرامية لفرض واقع جيوسياسي جديد في سوريا، من خلال الحديث عن ضرورة إنهاء الوجود العسكري الروسي في سوريا نهائياً. وهو طلب وإن بدا مشروعاً نتيجة اصطفاف موسكو إلى جانب نظام الأسد ضد المعارضين لحكمه، إلا أن سلوك هذا المسار حالياً سيؤدي لإعادة تأجيج الصراع في سوريا ثانية، وهي التي كانت الساحة الثانية لانفتاح الصراع الغربي الروسي، بعد ضم الأخيرة لشبه جزيرة القرم الأوكرانية عام 2014، لاسيما بعد انفتاح الصراع بين الطرفين على مصراعيه بعد الحرب الروسية الأوكرانية بداية عام 2022، والذي تدفع كل دول العالم قاطبة فاتورة آثاره السياسية والاقتصادية والغذائية والتنموية، مع غياب جهود غربية جدية وحيادية لإنهاء هذا المقتلة، إن لم نقل إنها تعمل على تسعيرها.

وفي ظل هذه المواجهة الجيوسياسية الشرسة. قد يزداد الوضع السوري تعقيداً مع قدوم الإدارة الأمريكية الجديدة بعد أقل من ثلاثة أسابيع، والذي قد يتبعه بعض التحولات في السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط. فإلى جانب الموقف الأمريكي المتشدّد تجاه روسيا، ستصبح كلّ من الصين وإيران هاجس ساكن البيت الأبيض القادم، بالنظر إلى تأييده المطلق لإسرائيل ومعاداته لإيران. قد تكون مسألة تغيير النظام الإيراني مطروحة على أجندة إدارته، ما قد يعيدنا لاتساع مربّع الصراع المكتوم بين الجانبين، "إدراج إيران ضمن محور الشر" عام 2002، بما يمنح الانطباع بإمكانية تنفيذ عمل عسكري لإسقاط النظام الحاكم في طهران، وهو ما أدى بالمقابل لتجريد تيار الإصلاح بزعامة الرئيس الإيراني آنذاك محمد خاتمي، من قوته الداخلية والخارجية، وتغوّل تيار التشدّد والتمدّد باسم الثورة والمذهب في دول الجوار الإقليمي، ضمن عقيدة الدفاع الأمامي الإيرانية، ومراكمة أوراق القوة والنفوذ والهيمنة الإقليمية، للمقايضة بها ضمن صفقات تكتيكية، وهو ما قد يعيد تدوير الصراع في سوريا ثانية وفق آليات واستراتيجيات وتحالفات مختلفة عما سبق.

وفي مقال نشرته مجلة فورين بوليسي، أشارت الصحيفة المعنية بالسياسة الدولية لطلبات أمريكية وأوروبية متعدّدة من "هيئة تحرير الشام"، والتي تشكل العمود الفقري لقوة الحاكمة في دمشق، منها المطالبة باتخاذ إجراءات ضد التشدّد العابر للحدود، وإنشاء حكومة أكثر شمولاً، ودعم حقوق المرأة والأقليات، وإغلاق القواعد الروسية، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة. بدون أن يوضح أحد من المسؤولين الأوربيين والأمريكيين ما الذي سيقدمه العالم لقيادة دمشق الناشئة مقابل ذلك، أو ما هو سلم أولويات هذه المطالب؟ محذرةً من إعادة تكرار أخطاء العالم الغربي مع حكومة طالبان في أفغانستان، والتي أدت إلى بروز تيار التشدّد في المشهد الحكومي الأفغاني، نتيجة تغاضي هذه الدول عن مسألتي الانخراط الدبلوماسي/الاعتراف ورفع العقوبات عن حكومة كابول. وما يثير الشكوك بتكرار ذات الأخطاء، تمديد واشنطن في 23 كانون الأول/ديسمبر لقانون قيصر لمدة خمس سنوات تالية، وهو القانون الذي فرض بعضاً من أقسى العقوبات على سوريا.

وتشكل العقوبات أداة أمريكية لتوجيه دفة القيادة الحاكمة في دمشق، ضمن شعارات واشنطن البراقة حول الديمقراطية والحرية والحوكمة الشفافة والشاملة، مع المساواة السياسية والجندرية لجميع أطياف المجتمعات المحلية وأجناسها. لكن متى التزمت الولايات المتحدة بالثبات على هذه المبادئ، أو غلّبت المبادئ على المصالح؟

حقيقة لم أذكر هذا التاريخ، وآخر ما أذكره هو التفاهم الأمريكي الإيراني الضمني بإزاحة المرشح العراقي الأقوى بموجب الكتل التمثيلية وصناديق الاقتراع، إياد علاوي، عن مقعد رئاسة وزراء عراق ما بعد صدام، لصالح مرشح إيران الطائفي، والميليشاوي أيضاً، نوري المالكي.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

ما زلنا في عين العاصفة، والمعركة في أوجها

كيف تقاس العدالة في المجتمعات؟ أبقدرة الأفراد على التعبير عن أنفسهم/ نّ، وعيش حياتهم/ نّ بحريّةٍ مطلقة، والتماس السلامة والأمن من طيف الأذى والعقاب المجحف؟

للأسف، أوضاع حقوق الإنسان اليوم لا تزال متردّيةً في منطقتنا، إذ تُكرّس على مزاج من يعتلي سدّة الحكم. إلّا أنّ الأمر متروك لنا لإحداث فارق، ومراكمة وعينا لحقوقنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image