ربما شغلت أسئلة مثل: لماذا كانت لإيران علاقات وثيقة واستراتيجية مع نظام بشار الأسد؟، ولماذا حظى نظام بشار الأسد بدعم قوي من إيران؟، أو كيف كان من الممكن أن تكون للجمهورية الإسلامية الإيرانية العلاقة الأقرب مع النظام البعثي العلماني والقومي العربي السوري؟، بالَ الكثير هذه الأيام، حيث أن إيران كانت تتمتع بأوثق العلاقات بين دول المنطقة مع نظام الأسد.
ويمكن عدّ أساس العلاقات الاستراتيجية والتعاون بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والجمهورية العربية السورية أو سوريا الأسد، التعاون بين الجانبين خلال الحرب التي استمرت 8 سنوات بين العراق وإيران.
برغم أنه قبل ذلك، أي قبل انتصار الثورة الإسلامية عام 1979، والتي أدت إلى الإطاحة بحكم الشاه في إيران، سافر العديد من الثوار الإيرانيين إلى سوريا ولبنان، وحصلوا على الدعم والتدريب، وكان شاه إيران في معسكر الغرب وأمريكا، وحافظ الأسد في معسكر الشرق وضد أمريكا.
الحرب الإيرانية العراقية
خلال عام 1980، شنّ الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، حرباً بريةً وجويةً وبحريةً واسعة النطاق على إيران، أدت في السنوات الأولى إلى احتلال المدن والمناطق الجنوبية والغربية فيها. انتهت هذه الحرب في عام 1988، وكانت قد نشبت خلال رئاسة حافظ الأسد، وكان النظام السوري آنذاك في مقدمة الداعمين لإيران، إذ دعم طهران في المجالات الاقتصادية والسياسية كافة. أثار هذا الدعم استياء وغضب السلطات العراقية، لا سيما الرئيس العراقي آنذاك صدام حسين، الذي عدّ هذا الدعم بمثابة طعنة في الظهر.
يمكن عدّ أساس العلاقات الاستراتيجية والتعاون بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والجمهورية العربية السورية أو سوريا الأسد، التعاون بين الجانبين خلال الحرب التي استمرت 8 سنوات بين العراق وإيران
وكان نظام الأسد، الجهة الوحيدة التي دعمت إيران في الحرب التي استمرت 8 سنوات، وتزداد أهمية هذه القضية عندما نعلم أن النظامين السوري والعراقي كانا بعثيان، وكانت لهما توجهات قومية عربية واحدة. من وجهة نظر المسؤولين الإيرانيين حينها، فإن دعم دمشق لطهران أدى إلى التشكيك في ادعاءات صدام حسين بشأن الحرب العربية ضد إيران، وكانت هذه القضية ضارةً نفسياً وإعلامياً بصدام، برغم أن العديد من الدول العربية، بما فيها الأردن والسودان ومصر والمغرب والمملكة العربية السعودية والكويت، دعمت حرب صدام ضد إيران.
حول هذا، قال المسؤول والعسكري الإيراني محسن رفيق دوست: "خلال الحرب التي استمرت 8 سنوات، كانت سوريا أول دولة تقدمت لمساعدة إيران".
ولم تكتفِ سوريا بالدعم والتعاون مع إيران فحسب، بل اشترت خلال فترة الحرب أسلحةً من دول مختلفة باسمها، ثم أرسلتها إلى إيران، التي كانت تواجه في ذلك الوقت نقصاً حاداً في الأسلحة، لأن علاقاتها انقطعت بشكل كامل مع أمريكا. كما توترت علاقاتها السياسية مع الدول الغربية إلى حدٍّ كبير، ومن هذا المنطلق كانت إيران تحصل على معظم أسلحتها من السوق السوداء، كما أنها كانت تخبر سوريا باحتياجاتها، وكانت الأخرى تؤمّن هذه الأسلحة وترسلها جواً وبحراً إلى إيران.
الهجوم على H3
عمليات H3، هي واحدة من أهم العمليات التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار، حيث تمكنت إيران في هذا الهجوم من استخدام مقاتلاتها لاستهداف القاعدة الجوية العراقية المهمة على حدود الأردن (غرب العراق)، وتدمير المقاتلات العراقية المتقدمة، ولم يكن من الممكن تنفيذ هذه العملية دون تعاون ودعم من قبل سوريا.
ففي 4 نيسان/أبريل 1981، قصفت المقاتلات الإيرانية ودمّرت قواعد H-3 الجوية، بعمق 1،000 كيلومتر في العراق وفي أقصى غربه، على الحدود بين العراق والأردن، حيث انطلقت المقاتلات الإيرانية، بدايةً من الحدود المشتركة بين العراق وتركيا، ثم من الحدود السورية والعراقية وهاجمت القواعد العراقية.
قواعد H-3 الجوية العراقية، المعروفة باسم الوليد، هي عبارة عن مجموعة من ثلاث قواعد: H-3 الرئيسية (الوليد)، H-3 الشمالية الغربية (المرصنة)، وH-3 الجنوبية الغربية (الطبعات)، والتي تقع في محافظة الأنبار وبالقرب من الحدود في الأردن. في أثناء هذه العملية، لم تلحق أي أضرار بالقوات الإيرانية، لكن تم تدمير أكثر من 48 طائرةً عراقيةً معظمها قاذفات روسية (ميغ-23، سوخوي-20، توبوليف-16، توبوليف-22)، ولذلك تُذكر هذه العملية كواحدة من أنجح العمليات في تاريخ الحروب الجوية.
وبعد سنوات من انتهاء الحرب، تم إنتاج فيلم في إيران عن هذه العملية، لكن لم يتم ذكر دور سوريا فيه، وظلّ الأمر هكذا حتى سنوات لاحقة حين تم الإعلان لأول مرة عن تنفيذ هذه العملية الجوية الإيرانية بمساعدة سوريا، وقدّمت الأخيرة مطار دمشق ومطارات أخرى في هذا البلد لسلاح الجو الإيراني للتزود بالوقود، واستخدمت المقاتلات الإيرانية سماء سوريا لتنفيذ الهجوم.
قطع خط أنابيب النفط العراقي
وفي عام 1982، أي سنتين بعد بداية الحرب العراقية الإيرانية، قام النظام السوري برئاسة حافظ الأسد، ومن أجل دعم إيران والضغط على صدام في الحرب، بإغلاق خط الأنابيب الذي كان ينقل النفط العراقي من سوريا إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط للتصدير، وبهذا الإجراء، تعرضت صادرات العراق النفطية وأهم مصادر دخلها للضغوط، خاصةً أن إيران تمكنت من هزيمة البحرية العراقية في الأشهر الأولى من الحرب، وحدّت تصدير النفط العراقي بحراً من الجنوب، ولهذا كان خط أنابيب تصدير النفط العراقي إلى البحر الأبيض المتوسط عبر سوريا ذا أهمية حيوية بالنسبة لصدام.
هنا حُرم النظام السوري من عائدات عبور النفط العراقي، وكانت هذه خدمةً عظيمةً لإيران في ذروة الحرب، حيث في المقابل، اعتادت إيران وعبر سنوات طويلة على إرسال النفط مجاناً أو بتخفيضات عالية أو بشروط سداد ميسرة إلى سوريا، واستمر تصدير النفط على هذا النحو من إيران إلى سوريا حتى بعد انتهاء الحرب.
وحول هذا قال المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، الذي كان رئيساً لإيران في خضم حرب الثماني سنوات: "لقد ساعدنا الحكومة السورية، ولكن قبل أن نساعدها، ساعدتنا سوريا وكانت هذه المساعدة حيويةً بالنسبة لنا، ولا يُعرف عنها الكثير... خلال الدفاع المقدس (الحرب الإيرانية العراقية)، قام النظام السوري بخطوة كبيرة لصالحنا، إذ أغلق خط أنابيب النفط الذي ينقل النفط العراقي إلى البحر الأبيض المتوسط ثم إلى أوروبا، وكانت هذه ضربةً قويةً تلقّاها صدام".
نشبت الحرب الإيرانية العراقية خلال رئاسة حافظ الأسد، وكان النظام السوري آنذاك في مقدمة الداعمين لإيران إذ دعم طهران في المجالات الاقتصادية والسياسية كافة. وأثار هذا الدعم استياء وغضب السلطات العراقية
كما قال وزير الخارجية الإيراني آنذاك علي أكبر ولايتي، في فيلم وثائقي، إنه كان يتم تصدير نصف مليون برميل من النفط العراقي يومياً من خلال هذه الأنابيب وعبر الأراضي السورية، لكن حافظ الأسد قرر إغلاقها وحرمان نفسه من دخل كان يربحه من خلالها. تسببت هذه الحادثة في انخفاض دخل العراق من النفط بنسبة 30%، حيث كان خط الأنابيب هذا ينقل ما بين 500 ألف إلى مليون برميل من النفط العراقي يومياً إلى الناقلات في ميناء بانياس السوري.
قدرة صاروخية
لم تكن لدى إيران صواريخ أو خبرة صاروخية خلال الحرب الإيرانية العراقية، ولذلك أُجريت في سوريا أولى الدورات التدريبية في مجال الصواريخ لعناصر الحرس الثوري الإيراني، برئاسة حسن طهراني مقدم، وأقامت السلطات العسكرية السورية دورات تدريبيةً حول الصواريخ واستخدامها لقوات الحرس الثوري الإيراني، وبطبيعة الحال، رفضت السلطات السورية إعطاء صواريخ لإيران، لكن الإيرانيين تمكنوا من الحصول على صواريخ من كوريا الشمالية وليبيا.
وأخيراً، وباستخدام التدريب السوري، تم إنشاء أول وحدة صواريخ في الحرس الثوري الإيراني، ومنذ ذلك الحين، تمكن الحرس الثوري الإيراني من البدء بإنتاج الصواريخ وإطلاقها ضد العراق خلال الحرب. من جهته، استخدم العراق ومنذ الأشهر الأولى للحرب الصواريخَ لقصف مختلف المدن الإيرانية. بقي الأمر على هذا النحو، حتى أطلقت إيران الصواريخ الليبية والمنتجة في إيران باتجاه بغداد، وخلقت بذلك نوعاً من التوازن بين الجانبين.
التعاون العسكري بين إيران وسوريا الأسد، خلال الحرب الإيرانية العراقية التي استمرت 8 سنوات، عزز أسس التعاون بين الجانبين لدرجة أنه على مدى العقود الثلاثة التالية، ظلت العلاقات بين الجانبين على أعلى مستوى ممكن.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه