شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!

"المقاومة الإسلامية" في العراق بعد اغتيال نصر الله... التحرّك سقفه تفاهمات إيران

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والتاريخ

الأحد 29 سبتمبر 202404:05 م

تبدو الأجواء مشحونة بالتوتر في العراق، عُقب اغتيال إسرائيل الأمين عام حزب الله اللبناني حسن نصرالله في غارة جوية استهدفته في الضاحية الجنوبية لبيروت في 27 أيلول/ سبتمبر الحالي.

ويحظى نصرالله برمزية كبيرة لدى العراقيين، فبالرغم من بعد المسافة بين البلدين، لكنهما جزء من منظومة ما يسمى بمحور المقاومة والممانعة المقرب من طهران، ويتبع أيديولوجيتها، وإضافة لهذين البلدين ينشط المحور في سوريا ولبنان أيضاً.

وتلعب المقاومة الإسلامية في العراق دوراً بارز ضمن هذا المحور، فرغم ضيق نطاق شهرتها قبل احتلال تنظيم داعش ثلثي مساحة العراق في عام 2014، ولكنها عُرفت على نطاق دولي بعد هذا التاريخ.

نافذة نحو "المقاومة الإسلامية" في العراق

تضم "المقاومة الإسلامية" في العراق، أربعة فصائل بارزة، تأتي في مقدمّتها كتائب حزب الله التي أسسها أبو مهدي المهندس في عام 2004، وقادها حتى مقتله برفقة قائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني، مطلع عام 2020. ليتولّى عبد العزيز المحمداوي والمعروف باسم أبو فدك، قيادة الكتائب من بعده، إضافة إلى تسلمه منصب رئاسة أركان هيئة الحشد الشعبي، حيث تمتلك الكتائب أربعة ألوية فيه، وأجنحة غير رسمية مثل لواء الوعد الحق وربع الله، إضافة إلى أجنحة فاعلة داخل الأراضي السورية، وخاصة في محافظة دير الزور، ويقدر عدد عناصره بحوالي 15 ألفاً، كما تمتلك 6 مقاعد برلمانية تمثلها حركة حقوق برئاسة حسين مؤنس.

يحظى نصرالله برمزية كبيرة لدى العراقيين، فبالرغم من بعد المسافة بين البلدين، لكنهما جزء من منظومة ما يسمى بمحور المقاومة والممانعة المقرب من طهران، ويتبع أيديولوجيتها، وإضافة لهذين البلدين ينشط المحور في سوريا ولبنان أيضاً

عصائب أهل الحق، هي ثانية أقوى فصائل "المقاومة الإسلامية"، شُكلت في عام 2005 بعد انشقاق كل من قيس الخزعلي وأكرم الكعبي عن التيار الصدري، وتدير 3 ألوية في الحشد الشعبي، وقناة العهد الفضائية، ويقدر عدد أعضائها بحوالي 20 ألفاً، ويمثلها سياسياً، 13 نائباً في كتلة الصادقون.

وتجدر الإشارة إلى أن الوفاق بين الخزعلي والكعبي لم يدم طويلاً، فرغم قيادته لمجموعة من مقاتلي العصائب في سوريا بين عامي 2011 و2013، ولكنه انشق عنها وأسس كتائب حزب الله النجباء في عام 2013، وهي ثالثة قوى "المقاومة الإسلامية" في العراق.

ويسيطر الكعبي على اللواء 12 في الحشد الشعبي، إضافة إلى 4 فصائل أخرى نشطة داخل المشهد السوري، مثل لواء تحرير الجولان وعمار بن ياسر، ويقل عدد أفرادها عن 10 آلاف عنصر بقليل.

كتائب سيد الشهداء، التي يقودها هاشم السراجي، المعروف باسم أبو آلاء الولائي، تأتي رابعاً، وتسيطر على اللواء 14 في الحشد الشعبي، وسرايا أولياء الدم، ويُقدر عدد مقاتليها بحوالي 5 آلاف عنصر.

وعلى الرغم من انضواء هذه القوى ضمن المنظومة الأمنية في العراق، فإن كل المؤشرات تشير إلى أنها مسؤولة عن استهداف القنصلية الأمريكية في كل من بغداد وأربيل عدّة مرات، إضافة إلى دورها في الحرب السورية إلى جانب نظام بشار الأسد.

وبغض النظر عن ارتباطها بالحشد الشعبي ورئاسة الوزراء تالياً، فهي مستقلة في توجهاتها، ومثالاً، صرح صرح رئيس هيئة أركان الحشد الشعبي، والأمين العام لكتائب حزب الله في العراق، أبو فدك المحمداوي، عُقب استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق، وقال، إن الهيئة تنتظر أوامر المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي للرد على هذا الاستهداف.

كما أكد رئيس حركة النجباء، أكرم الكعبي، أثناء لقاء تلفزيوني أواخر عام 2016، استجابته المطلقة لأوامر المرشد الإيراني الأعلى، وإن كانت الإطاحة بالحكومة العراقية.

من طوفان الأقصى إلى جنوب لبنان

منذ بداية العدوان الإسرائيلي على غزة، تبنت "المقاومة الإسلامية" في العراق العديد من الهجمات داخل إسرائيل، ولكن هجماتها لم تتعد الضربات الجوية المنفذة عبر الطيران المسير ضد ميناء إيلات على وجه التحديد.

وفي حزيران/ يونيو الماضي، قال أبو آلاء الولائي، في تغريدة نشرها على حساباته الشخصية في وسائل التواصل الاجتماعي، إن "المانع الجعرافي الذي فرض على المقاومة الإسلامية في العراق من أن تشارك في طوفان الأقصى سيزول في حال أقدم الكيان الصهيوني على شن حرب على لبنان، حينها سيكون القتال من مسافة صفر"، وفُسر هذا التصريح بقدرة فصائل المقاومة على إدخال مقاتليها الفاعلين في سوريا إلى لبنان.

منعطف خطر ينتظر العراق بلا شك في ظل تسارع وتيرة الأحداث في المنطقة، ولكن ما هو مستقبل هذه الفصائل بعد رحيل نصرالله؟

وبالفعل اتُهمت إسرائيل بحادثة تفجير أجهزة الاتصال "البيجر"، التي استهدفت عناصر حزب الله اللبناني، في 17 أيلول/ سبتمبر الحالي، وأودت بحياة 37 منهم وإصابة الآلاف، وتزامناً مع هذا الاستهداف، أعاد الولائي تأكيد استعداده لإرسال 100 ألف مقاتل عراقي إلى لبنان.

ولكن هذا التهديد لم ير النور، فرغم القوة النشطة التي يمتلكها الولائي أو فصائل المقاومة الأخرى في سوريا، ولكنها لم ترد بشكل مباشر على الانتهاكات الإسرائيلية داخل لبنان، واكتفت بتبني استهداف بعض مواقعها عبر الطيران المسير أيضاً.

وفي 27 أيلول/ سبتمبر الحالي، وبعد اغتيال نصر الله، في غارة إسرائيلية، ورغم جسامة الحدث بالنسبة لفصائل المقاومة ولكنها لم تتحرك باتجاه لبنان.

ويرجع مصدر قيادي في هيئة الحشد الشعبي، هذا التأخر إلى اعتماد إسرائيل على الضربات الجوية، وتالياً عجزه عن اتخاذ أي سلوك فاعل لتغيير كفة موازين القوة، ويقول لرصيف22، إن "الفصائل تمكنت من تحريك العديد من مقاتليها إلى الحدود السورية استعداداً لصد الاجتياح البري الإسرائيلي"، ولكنه يضع هذا التحرك في خانة التهديد إذ يقول إن "قيادات المقاومة لم تتخيل تعمق الأزمة إلى هذا المستوى الحرج".

تصفية حسابات العراق

وسبق أن أكد المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، دانيال هاغاري، أن "إسرائيل تراقب عن كثب التهديدات التي تأتي من العراق، وتجمع المعلومات، وسوف نفعل ما يلزم"، في إشارة إلى احتمالية استهداف شخصيات قيادية في "المقاومة الإسلامية" في العراق.

ويشير مصدر من قيادات الصف الثاني في هذه "المقاومة"، إلى أن "القيادات اتخذت احتياطاتها منذ بداية التصعيد العسكري في لبنان احتمالاً لاستهدافها تالياً، وشددت السرية على أماكن تواجدها وأغلقت جميع أجهزة التواصل الخاصة بهم، بعد إعلان اغتيال نصر الله".

ويستدرك في حديثه لرصيف22، أن "هذا ليس بموقف ضعف ولكنها رغم مشاركتها في الحرب الأهلية السورية إضافة إلى الحرب ضد داعش، فهي تدرك عدم تكافؤ قوتها ضد القوات النظامية الإسرائيلية، إضافة إلى الخبرات والقدرات العسكرية والتسليحية".

وتُدرك "قوى المقاومة" أن القوات الأمريكية قادرة على قطع طرق إمداداتها من العراق عبر الهجمات الجوية أو الصاروخية، كما حدث خلال الفترات الماضية وضرب قطعاتها المتجهة من أو إلى سوريا، كما أن مشاركتها المباشرة في الأحداث اللبنانية الراهنة، سيعرض العراق لضربات جوية بسبب نفوذهم داخل مؤسسة الحشد الشعبي الرسمية من جهة أو نشاطهم داخل البلد، ويؤدي تالياً إلى الإخلال بموازين القوى السياسية، واستهداف معسكراتهم ومعاملهم، وخسارتهم لكافة مكتسباتهم السياسية، وهو ما لا ترغب فيه إيران أيضاً.

إيران ومقتل نصرالله وفصائل "المقاومة"

الواضح اليوم أن محور المقاومة في العراق يعاني من إضراب كبير، منذ إعلان اغتيال نصرالله، إذ توقع كُثر أن تتخذ إيران موقف أكثر صرامة لدعم أهم أذرعها في المنطقة، ولكنها التزمت ببرودة موقفها، إذ تجاهل المرشد الإيراني الأعلى التوعد بالثأر في خطاب نعي نصرالله.

وكانت وول ستريت جورنال الأمريكية مقالاً عقب مقتل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، قالت فيه إن "إيران تريد الرد على هذا الاستهداف، ولكنها عاجزة عن تحمل حرب شاملة مع إسرائيل والولايات المتحدة"، ونقلت عن مسؤولين أن طهران تدرس تحول الرد الإيراني إلى ذريعة لرد إسرائيلي أعنف، وأكدت بأن كلاً من طهران وحزب الله مخترقان من قبل الاستخبارات الإسرائيلية.

يقول الباحث الأمني علي عبد الإله، إن "سبب برود الموقف الإيراني يرجع إلى تركيز الأخيرة على مصالحها، ولاستمرار مفاوضاتها الجارية مع الغرب وتحديداً مع الأمريكيين، نهي بالتالي لن تقوم بأي رد فعل تعبيراً عن صدق نواياها مع الغرب".

يضيف في حديثه لرصيف22: "لكن قد يتغير موقفها تالياً وتعيد توجيه أذرعها للقتال من أجل إجبار الغرب على العودة إلى طاولة المفاوضات معها، فهي تستخدم هذه الفصائل كحطب لتنفيذ مصالحها، وهي مستعدة للتضحية بها عند الحاجة".

هذه الشكوك تساور العديد من قيادات المقاومة الإسلامية في العراق، بحسب مصدر مقرب من فصائل المقاومة العراقية، إذ يذهب إلى القول، إنه "ورغم ما عرف عن نصرالله من احتياط أمني كبير، فقد تمكن الصهاينة منه، ومن ثم فإن أي شخصية أخرى تشكل تهديداً لإسرائيل قد تلاقي ذات المصير".

وبحسب المصدر نفسه، "مثل هذه المواقف أثرت بلا شك على بوصلة قوى المقاومة في العراق، ولكن هل تراجعت عن ولائها لطهران؟ بالتأكيد لا، ولكنها تأثرت قليلاً في استجابتها الحالية للأحداث الجارية، حيث تدرك أن مواجهتها لإسرائيل سيعرضها إلى حرب استنزاف قصيرة ومدمرة، وتعلم يقيناً أنها عاجزة عن مواجهة تنظيم عسكري رسمي مدعوم من قبل عدّة دول غربية، وهي قد تبقى وحيدة في مواجهتهم، وقد تتخلى إيران عنها في أي لحظة".

الواضح اليوم أن محور المقاومة في العراق يعاني من إضراب كبير، منذ إعلان اغتيال نصرالله، إذ توقع كُثر أن تتخذ إيران موقف أكثر صرامة لدعم أهم أذرعها في المنطقة، ولكنها التزمت ببرودة موقفها، إذ تجاهل المرشد الإيراني الأعلى التوعد بالثأر في خطاب نعي نصرالله

محور المقاومة اليوم والمستقبل

منعطف خطر ينتظر العراق بلا شك في ظل تسارع وتيرة الأحداث في المنطقة، ولكن ما هو مستقبل هذه الفصائل بعد رحيل نصرالله؟

مبدئياً، فهي مستمرة في نشاطها نفسه خلال الفترة الحالية، ولكنها لن تتجاوز الخطوط الحمراء وفقاً للقراءة الحالية، ليس بسبب خوفها على مكتسباتها في العراق، ولكن إيران لا تريد الوصول إلى مرحلة إستهداف العراق، وإنهاء دور أذرعها فيه نظراً إلى الفائدة التي تجنيها من سيطرتهم اقتصادياً، إضافة إلى أن ضعف هذه الأذرع يعني تعرية حدودها الغربية أمام أعدائها من القوات الأمريكية أو الإسرائيلية في آن واحد.

من جانب آخر، فإن هناك خلافات قوية بين الفصائل المنضوية في "المقاومة الإسلامية" في العراق، تعيق اتخاذها لموقف موحد، وأبرزها الخلاف المستمر بين زعيمي عصائب أهل الحق قيس الخزعلي وكتائب النجباء، أكرم الكعبي.

وكان المتحدث باسم كتائب النجباء، حسين الموسوي قد عبر بتصريحات تلفزيونية في شهر حزيران/ يونيو الماضي، عن "خمول العصائب ضمن عمليات المقاومة الإسلامية ضد القوات الأمريكية"، وأكد أن ميدان المقاومة محصور بحركة النجباء وكتائب حزب الله إضافة إلى كتائب سيد الشهداء، ولكنه تراجع لاحقاً عن تصريحاته.

مستقبل هذه الجماعات سيبقى نشطاً بحسب المتوقع داخل البلد، ولكنه سيلتزم بخمول إقليمي محدد، والأرجح أن جميع عملياته ستكون بلا شك تحت معية التفاهمات الإيرانية في المرحلة المقبلة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image