رفضت كثير من النصوص الدينية الإسلامية إقامة التماثيل والمنحوتات والصور. فُسّر هذا الرفض في سياق التأكيد الإسلامي على وحدانية الله، ورفضِ التشبه بالأعراف "الجاهلية" التي قدّست الأوثان والأصنام في المرحلة السابقة للإسلام. برغم ذلك الرفض، عرفت فنون النحت والتصوير طريقها إلى بعض المجتمعات الإسلامية في الكثير من الأوقات.
يوضح زكي محمد حسن تلك النقطةَ في كتابه "التصوير وأعلام المصورين في الإسلام"، فيقول: "لا نستطيع أن ننفي قطعياً وجود أي تصوير ديني في الإسلام، فبعض المصورين الإيرانيين عمدوا إلى حياة النبي، وإلى بعض الحوادث الجسام في تاريخ الإسلام، فاتخذوا منها موضوعاتٍ لصورٍ كانت تشتمل في بعض الأحيان على رسم النبي".
من جهة أخرى، على فترات متباعدة، أثار عدد من التماثيل الجدلَ في المجتمعات العربية والإسلامية، ودار النقاش حولها ما بين مؤيد ورافض، نستعرض هنا أهمّها.
تمثال شيشنق
في سنة 2021، وبالتزامن مع الاحتفال برأس السنة الأمازيغية، قامت الجزائر بنصب تمثال للملك شيشنق الأول، في ولاية تيزي وزو الجزائرية ذات الأغلبية الأمازيغية. في تلك الفترة، أثار نصب التمثال حالةً من الجدل في كلٍّ من مصر وليبيا والمغرب والجزائر، حيث خرجت روايات متعددة تحاول كلٌّ منها أن تنسب أصول شيشنق إلى واحدة من تلك الدول.
يقول زكي محمد حسن في كتابه "التصوير وأعلام المصورين في الإسلام": "لا نستطيع أن ننفي قطعياً وجود أي تصوير ديني في الإسلام، فبعض المصورين الإيرانيين عمدوا إلى حياة النبي، وإلى بعض الحوادث الجسام في تاريخ الإسلام"
برغم شهرة هذه الرواية بين الكثير من الأمازيغ، إلا أنها لا تعتمد على أي سند تاريخي معتبر، إلى درجة أن الشكوك تحوم حول مكان وقوع المعركة، فبينما يذهب البعض إلى أنها دارت بالقرب من مدينة تلمسان الجزائرية الحالية، فإن البعض الآخر يرفض ذلك بشكل قاطع، ويؤكد على أن تلك المعركة قد وقعت في مصر نفسها.
اعتماداً على ذلك الركام من الشكوك والشبهات التي تحيط بملابسات تلك المعركة، فإن الكثير من الباحثين المغاربة من ذوي الأصول العربية، والمعارضين للتوجهات الأمازيغية، يذهبون إلى أن قصة الملك الأمازيغي شيشنق، ليست أكثر من قصة مُتخيّلة، وأنه قد تم اختراعها في فترة الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت في منطقة القبائل في الجزائر في نيسان/أبريل 1980، والتي عُرفت باسم "الربيع الأمازيغي"، وهي الاحتجاجات التي امتدت آثارها في ما بعد لتشمل معظم مناطق التواجد الأمازيغي في بلاد المغرب الكبير، سواءً في ليبيا، المغرب، أو تونس.
بحسب هذا الرأي فإن بعض المفكرين المحسوبين على الأكاديميات الأمازيغية المدعومة من فرنسا، اخترعوا قصة الملك شيشنق الأمازيغي، كنوع من أنواع التأكيد على حضور الهوية الأمازيغية، وفي محاولة لإثبات التميّز القومي والإثني والثقافي الأمازيغي، في مواجهة الهوية العربية الإسلامية المنتشرة في بلاد المغرب الكبير.
تمثال أبي جعفر المنصور
في سنة 762م، أمر الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور، ببناء عاصمة جديدة لدولته. بعد فترة قصيرة، اكتمل بناء مدينة دار السلام، أو الزوراء، وهي نفسها بغداد التي ستصبح عاصمة الدولة العباسية على مدار قرون متتابعة.
في سنة 1977، وفي عهد الرئيس العراقي الأسبق أحمد حسن البكر، قام النحات العراقي الشهير خالد الرحال، بنحت تمثال برونزي يمثّل رأس أبي جعفر المنصور. نُصب هذا التمثال في بغداد اعترافاً بدور المنصور المهم في تأسيس العاصمة العراقية.
جاء في كتاب "أخبار مكّة وما جاء فيها من الآثار"، أن الكعبة قبل الإسلام كانت تحتوي على الكثير من التماثيل والصور، ومنها صورة للنبي إبراهيم وصورة للمسيح وأمّه.
عبر السنوات، تعرّض هذا التمثال للتخريب والتدمير؛ على سبيل المثال، في سنة 2005، قام مجهولون بتفجير قاعدة التمثال بشكل كلي، قبل أن يتم ترميمه وإعادة نصبه مرةً أخرى في سنة 2008، في المنطقة الغربية من بغداد. برغم ذلك، كانت بعض الأصوات تتعالى من وقت إلى آخر للمطالبة بإزالة التمثال.
يرى العديد من العراقيين الشيعة أنه من غير المناسب الاحتفاء بشخصية المنصور. بحسب الاعتقاد الشيعي، فإن المنصور كان واحداً من الخلفاء الطغاة، الذين استبدوا بالسلطة وظلموا أئمة آل البيت الشرعيين من أبناء علي بن أبي طالب وفاطمة الزهراء. أيضاً، يرى الشيعة أن المنصور مجرم قاتل لا تستحق ذكراه الاحترامَ أو التقدير. تذكر المصادر الشيعية، ومنها "بحار الأنوار" لمحمد باقر المجلسي (المتوفى سنة 1111هـ)، أن أبا جعفر المنصور هو الذي أعطى الأمر بقتل سادس أئمة الشيعة الاثني عشرية جعفر الصادق. من هنا، يمكن تفهّم الجدل الذي يثيره التمثال بين العراقيين على فترات متباعدة.
تمثالا بوذا
في القرن السادس الميلادي، تم نحت تمثالَي بوذا الأثريَين، عند منحدرات وادي باميان في منطقة هَزارستان في وسط أفغانستان، على بُعد 230 كم شمال غرب العاصمة كابول. بقي التمثالان صامدَين أمام الزمن لقرون متتابعة حتى أُثير النقاش حولهما في العالم العربي في مطلع القرن الحادي والعشرين.
في سنة 2001، قامت حركة طالبان الحاكمة في أفغانستان بتفجير أجزاء كبيرة من التمثالين، بدعوى أنهما يجسّدان صورة بوذا الذي يُعبَد على نطاق واسع في الأجزاء الشرقية من القارة الآسيوية. وقتها، أثار هذا الحادث غضبَ الكثير من رجال الدين المسلمين؛ فعلى سبيل المثال اعترض عليه مفتي مصر الأسبق، نصر فريد واصل، وقال: "إن الحفاظ على هذه الآثار أمرٌ له تبريره، لأن هذه الآثار تجلب منافع اقتصاديةً للدول الموجودة فيها عن طريق السياحة".
ودعا المفتي المسؤولين في طالبان إلى عرض التماثيل البوذية التي لا تأثير لها في المسلمين. في السياق نفسه، توجه إلى أفغانستان وفدٌ قطريّ برئاسة وزير الدولة للشؤون الخارجية أحمد بن عبد الله آل محمود، وضمّ الوفد أيضاً الشيخَ المصري يوسف القرضاوي. حاول الوفد إثناء طالبان عن نيتها تدمير التماثيل الأثرية البوذية باعتبار أن تلك التماثيل "لا تُعبَد وبالتالي ليست وراءها فتنة على المسلمين، وفي تدميرها تشويه لصورة الإسلام وتأليب للرأي العام العالمي".
على الرغم من كل تلك المناشدات، لم تلقَ نصائح مفتي مصر والقرضاوي استجابةً لدى القادة الأفغان في تلك الفترة. تغيّر الوضع مؤخراً بعد أن نجحت حركة طالبان في استعادة السلطة في أفغانستان. ذكرت بعض التقارير الإخبارية الصادرة في أواخر سنة 2021 أن طالبان "فتحت موقع تماثيل بوذا كمزارٍ سياحي، وسمحت للسائحين بالتجول في المكان والتقاط الصور مقابل 5 دولارات".
تمثال أبي الهول
ينتصب تمثال أبي الهول بجوار الأهرامات في منطقة الجيزة في مصر، وهو منحوت على شكل مخلوق أسطوري بجسمِ أسد ورأس إنسان. ويُعتقد أن قدماء المصريين قاموا ببناء هذا التمثال في عهد الملك خفرع في حدود سنة 2500 قبل الميلاد.
من فترة إلى أخرى، يُثار الجدل حول السبب في تدمير أنف أبي الهول. يرى العديد من الباحثين أن الأنف كُسر بفعل عوامل التعرية والأمطار على مرّ السنين. بينما تذكر بعض المصادر التاريخية الإسلامية أن سبب كسر أنف أبي الهول يعود لقيام بعض المتشددين المسلمين بمحاولة تدميره.
على سبيل المثال يذكر تقي الدين المقريزي (المتوفى سنة 845هـ) في كتابه "المواعظ والاعتبار بِذكرِ الخطط والآثار"، أن شخصاً صوفياً يُعرف بمحمد صائم الدهر، قام في سنة 780هـ بالتوجه إلى منطقة الأهرامات "وشوّه وجه أبي الهول وشعّثه، فهو على ذلك إلى اليوم، ومن حينئذ غلب الرّمل على أراض كثيرة من الجيزة، وأهل تلك النواحي يرون أن سبب غلبة الرّمل على الأراضي فساد وجه أبي الهول وللّه عاقبة الأمور".
من فترة إلى أخرى، يُثار الجدل حول السبب في تدمير أنف أبي الهول. يرى العديد من الباحثين أن الأنف كُسر بفعل عوامل التعرية والأمطار على مرّ السنين. بينما تذكر بعض المصادر التاريخية الإسلامية أن سبب كسر أنف أبي الهول يعود لقيام بعض المتشددين المسلمين بمحاولة تدميره
من جهة أخرى، يُقال إن تدمير أنف أبي الهول يرجع إلى العصر الحديث، وتحديداً إلى سنة 1798. بحسب ذلك الرأي، فإن القائد العسكري الفرنسي نابليون بونابرت، قاد 50 ألف جندي في حملته على مصر. وفي طريقه بجوار أهرامات الجيزة، وجد نابليون تمثالَ أبي الهول منتصباً في شموخ، فأمر مدفعيته بضرب أنفِ التمثال كعلامة على فرض سيطرته على الأراضي المصرية. في أواخر سنة 2023، أعاد فيلم "نابليون" للمخرج البريطاني ريدلي سكوت، الجدلَ حول مسؤولية القائد الفرنسي في كسر أنف أبي الهول، وذلك عندما عرض تلك الرواية في أحد مشاهد فيلمه.
تمثال المسيح
بشكل عام، رفض الإسلام الأيقونات المسيحية المختلفة. برغم ذلك أظهرت بعض الروايات احترام النبي محمد لبعضٍ من تلك الأيقونات؛ من ذلك ما ذكره أبو الوليد الأزرقي (المتوفى سنة 250هـ)، في كتابه "أخبار مكّة وما جاء فيها من الآثار"، من أن الكعبة في الجاهلية كانت تحتوي على الكثير من التماثيل والصور، ومنها صورة للنبي إبراهيم وهو يستقسم بالأزلام، وصورة أخرى للمسيح عيسى بن مريم مع أمه.
يذكر الأزرقي أن الرسول لما فتح مكة في العام الثامن من الهجرة، توجه إلى الكعبة "ودخل إلى البيت، فأمر بثوب، فبُلّ بماء، وأمر بطمس تلك الصور ووضع كفّيه على صورة عيسى وأمه، وقال: امحوا الجميع إلا ما تحت يدي". هذا الاحترام سرعان ما سينقلب رأساً على عقب في العصر الأموي؛ ففي سنة 723م، أمر الخليفة يزيد بن عبد الملك بتحطيم جميع التماثيل والأيقونات الموجودة في الكنائس ودور العبادة المسيحية. وستمتد تلك الأحداث إلى الإمبراطورية البيزنطية نفسها، في ما سيُعرف باسم "حركة تحطيم الأيقونات".
في كانون الثاني/يناير 2023، تجدد الجدل حول الأيقونات المسيحية في الأردن، وذلك بعدما تم نصب تمثالٍ للمسيح في مدينة الفحيص الأردنية، ذات الأغلبية المسيحية، والتابعة لمحافظة البلقاء. أثار التمثال غضب العديد من المسلمين، بعدما رأوا في نصبه دعوةً إلى الوثنية وعبادة الأصنام. في نهاية المطاف، وبعد أيام من نصب التمثال، تمت إزالته من مكانه ووُضع في مقبرة خاصة بالمسيحيين.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.