هذا المقال جزء من ملفّ "بين الأسئلة المهنية والشخصية... رصيف22 في 2024"، بمناسبة نهاية العام 2024.
خسر رصيف22 نحو 5 آلاف متابع على منصة "إنستغرام" في يوم واحد، بسبب مدوّنة لفتاة تُدعى ليليان جمال، تحكي عن "قهرها" من حجابها.
مرّة أخرى، تخيّل/ي أن رصيف22 خسر نحو 5 آلاف متابع لم يعجبهم أن هناك فتاة تُخاطب ربّها بقولها إنها تشعر بالقهر من الحجاب الذي تضعه على رأسها: "عزيزي الله… أشعر بالقهر بسبب الحجاب".
وضعت "هي" حجاباً على رأسها، وشعرت برغبتها في الكتابة عن هذا الشيء، على اعتبار أن هناك مساحة آمنة يمكنها أن تعبّر فيها عما تشعر به، فكل شعور مشروع وكل فكرة مشروعة، إلا أن حساب رصيف22 على إنستغرام تحوّل حينها إلى مرمى لهجوم بكل الأشكال، ليس فقط بسبب العنوان العريض المتعلّق بالحجاب، وإنما أيضاً بسبب قول الكاتبة إن "النعم التي حظيت بها ليست كاملة، فهي بجسد دون حرية التصرّف به".
تخيّل/ي أن رصيف22 خسر نحو 5 آلاف متابع لم يعجبهم أن هناك فتاة تُخاطب ربّها بقولها إنها تشعر بالقهر من الحجاب الذي تضعه على رأسها: "عزيزي الله… أشعر بالقهر بسبب الحجاب"!
هل الشباب والشابات هم الأكثر تعصباً اليوم؟
المدوّنة نُشرت على كل منصاتنا، إلا أن حملة التبليغات والشتائم الموجهة للموقع والكاتبة وإلغاء المتابعة والتحريض على "إغلاق الحساب" كانت مقتصرة على منصة الشباب والشابات الأولى عالمياً، "إنستغرام".
عبر فيسبوك على سبيل المثال، اتُهمت الكاتبة بـ"التشجيع على الإلحاد بأسلوب أدبي"، واتُهم رصيف22 بأنه "ينشر المواضيع نفسها دائماً وأبداً". مقارنةً بما شهده إنستغرام، فهذا لا شيء، و"ما أحلاه".
فعلى إنستغرام، كانت التعليقات أكثر حدّة، على مثال: "أنتِ لا تستحقين النِعم"، "تأدبوا مع الله"، و"أحلى إلغاء متابعة... في فرق بين الحرية والإساءة، ابقوا اتعلموه"، والكثير الكثير، كلّها هُنا لمن يود قراءتها. العامل المشترك بين أغلب التعليقات هو أن الكاتبة، ونشر رصيف22 لهذه المدوّنة، هما "تعدٍّ على الله والدين"، وهو ليس كذلك قطعاً.
فحين تكون هناك مساحة حرة، لا يمكن انتقاء ما "يصلح" لهذه المساحة وما لا يصلح. لأنه في هذه المساحة الحرة نفسها، على سبيل المثال، كتبت الصحافية رنا ناصر، عن حجابها وكيف تكره الصور النمطية المتعلقة بالمحجبات، وأنها لا ترغب بخلعه من أجل أن تكون "أكثر حرّية" كما يعتقد آخرون.
المدوّنة نُشرت على كل منصاتنا، إلا أن حملة التبليغات والشتائم الموجهة للموقع والكاتبة وإلغاء المتابعة والتحريض على "إغلاق الحساب" كانت مقتصرة على منصة الشباب والشابات الأولى عالمياً "إنستغرام"
علماً أن هناك إحدى المعلقات كتبت أنها "تشعر بهذا الألم"، ليطالها هي أيضاً الهجوم نفسه من قبل المعلقين والمعلقات على المنشور. أي أن المساحة في خانة التعليقات على هذا البوست كانت غير آمنة بتاتاً. وكان الحل إما بإغلاق التعليقات، وهو ما لا نفضله لأن رصيف22 يدعم النقاشات ولا يكتم الصوت، أو دعوتهم لكتابة مادة مضادة، وكانت الردود كما جاءت آنفاً.
كيف يساهم الهجوم بانتشار أوسع؟
مدوّنة ليليان المقهورة من الحجاب بالطبع.
لماذا؟
لأن هناك من شتم، وهناك من حرّض، وهناك من كتب "أحلى أنفولو" ودفع الآخرين للقيام بالشيء ذاته. كل تعليق من هؤلاء رفع من نسبة التفاعل مع المنشور ما ساهم بارتفاع نسبة وصول المنشور لحسابات أكثر. أي أن مفعول هؤلاء كان عكسياً. لم يريدوا أن يروا مثل هذه الكلمات، فبدلاً من تجاهلها، و"قتل" المنشور بعدم التفاعل معه، أدّى "التفاعل" إلى الوصول إلى أكبر عدد من الحسابات، ولهذا يُقال في عالم مواقع التواصل الاجتماعي: "Any publicity is good publicity" أي "كل دعاية هي دعاية جيدة". فالحصول على أي تفاعل هو أفضل من أن يمرّ المنشور مرور الكرام، وهو أمر شائع جداً في تحدي الخوارزميات المستمر اليوم.
فمواقع التواصل الاجتماعي لا تريد أن تصل المنشورات للمتابعين بـ"سهولة". تُريد من القائمين على هذه الحسابات أن يستثمروا أموالهم في الدعاية، وبالتالي في ترويج المنشورات.
أعتقد دائماً أن قبول الرأي المُغاير هو فرصة لتقبل الآخرين لرأيي المُغاير. الحريات والحقوق ليست قابلة للتجزئة، ولا يمكننا الانتقاء من سلة الحريات ما يناسبنا، ورجم من يختار ما لا يناسبنا
قد يقول البعض إن العنوان كان مستفزاً، وإنه يمكن إيصال الفكرة ذاتها بطريقة أقل استفزازاً. يا للأسف، فإن "المستفز" هو ما يقف الناس عنده، ولكن الغرض لم يكن دعوة القراء إلى إلغاء المتابعة، وإنما دعوتهم لقراءة ما هو غير شائع، دعوة لقراءة ما تشعر به العديدات ولكن لا يقلنه خوفاً من المجتمع. لماذا كان إلغاء المتابعة والتبليغ عن الحساب أسهل من النقاش؟ طرح التساؤلات؟ كتابة مقال رأي أو مدوّنة مضادة؟ قبول الآخر؟
ثقافة "الكنسلة" كطريقة مثالية للإقصاء
تجسّد "الكنسلة" أحد أخطر مظاهر الإقصاء الرقمي. فبدلاً من الاستماع والحوار، يتم إقصاء الرأي المخالف وكأنه تهديد وجودي. فحرية التعبير على مواقع التواصل غير مكفولة إلا إذا اتفقت مع التيار السائد، أو الرأي "المقبول" اجتماعياً.
الجدير بالذكر أن على إنستغرام وحده، وصل المنشور إلى نحو 410 آلاف شخص. كم عدد الأشخاص الذين دخلوا لقراءته؟ 10,352 (1,676 عبر إنستغرام).
كم معدل الوقت الذي استغرقه هؤلاء في قراءته؟ 48 ثانية. الرقم وحده يحكي.
ظاهرة "أحلى أنفولو"... قهر إلكتروني؟
قبول الآخر هو فرصة لنا اليوم وغداً
"لن نكون أحراراً إلا حينما نتحرر جميعنا".
فكما يُقال: "لن نكون أحراراً إلا حينما نتحرر جميعنا". الحريات والحقوق ليست قابلة للتجزئة، ولا يمكننا الانتقاء من سلة الحريات ما يناسبنا، ورجم من يختار ما لا يناسبنا. أن تُتيح لغيرك فرصة أن يكون ما يريد أن يكون، أو أن يحكي ما يريد أن يحكي، أو أن يعتقد ما يريد أن يعتقد، فأنت تعطي نفسك الحرية ذاتها، اليوم وغداً، أن تتغير متى شئت، وتعطي رأيك في ما شئت، وإن لم يكن على قياس محيطك ومجتمعك.
وإن لم يكن ذلك لك، فهو بالتأكيد لأحد ما يحتاج لمساحات آمنة حقيقية، لا أن تكون معدومة في الواقع وحتى عبر الفضاء الإلكتروني. أن تقف اليوم في الدفاع عن التنوع في الآراء، فإنك تقدّم حماية لنفسك اليوم، وفي نسخة أخرى مستقبلية منك.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...