شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
كيف خسر رصيف22 نحو 5 آلاف متابع في يوم واحد؟

كيف خسر رصيف22 نحو 5 آلاف متابع في يوم واحد؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

هذا المقال جزء من ملفّ "بين الأسئلة المهنية والشخصية... رصيف22 في 2024"، بمناسبة نهاية العام 2024.

خسر رصيف22 نحو 5 آلاف متابع على منصة "إنستغرام" في يوم واحد، بسبب مدوّنة لفتاة تُدعى ليليان جمال، تحكي عن "قهرها" من حجابها.

مرّة أخرى، تخيّل/ي أن رصيف22 خسر نحو 5 آلاف متابع لم يعجبهم أن هناك فتاة تُخاطب ربّها بقولها إنها تشعر بالقهر من الحجاب الذي تضعه على رأسها: "عزيزي الله… أشعر بالقهر بسبب الحجاب".

وضعت "هي" حجاباً على رأسها، وشعرت برغبتها في الكتابة عن هذا الشيء، على اعتبار أن هناك مساحة آمنة يمكنها أن تعبّر فيها عما تشعر به، فكل شعور مشروع وكل فكرة مشروعة، إلا أن حساب رصيف22 على إنستغرام تحوّل حينها إلى مرمى لهجوم بكل الأشكال، ليس فقط بسبب العنوان العريض المتعلّق بالحجاب، وإنما أيضاً بسبب قول الكاتبة إن "النعم التي حظيت بها ليست كاملة، فهي بجسد دون حرية التصرّف به".

 تخيّل/ي أن رصيف22 خسر نحو 5 آلاف متابع لم يعجبهم أن هناك فتاة تُخاطب ربّها بقولها إنها تشعر بالقهر من الحجاب الذي تضعه على رأسها: "عزيزي الله… أشعر بالقهر بسبب الحجاب"!

هل الشباب والشابات هم الأكثر تعصباً اليوم؟

%80 من متابعي رصيف22 على "إنستغرام" هم في سن الـ34 أو أقل، أي أن الغالبية العظمى هم شباب وشابات. وربّما يتبيّن هنا، مع تكرار الأمر، أن هؤلاء هم فئة تضمّ أشخاصاً قد يكونون الأكثر تعصباً ورفضاً لآراء الآخرين أو تجاربهم. فحينما ننشر "بوستاً" مُصنّفاً كـ"جدلي" على إنستغرام، نواجه حملة إلغاء متابعة وشتائم، وحملات لإغلاق الحساب، وهو ما لا نواجهه، أو نواجهه "بشكل أخفّ" جدّاً على فيسبوك (حيث 57.6% من المتابعين في عمر الـ35 وما فوق) وإكس أو تويتر سابقاً (حيث 61.3% من المتابعين في عمر الـ35 وما فوق).

المدوّنة نُشرت على كل منصاتنا، إلا أن حملة التبليغات والشتائم الموجهة للموقع والكاتبة وإلغاء المتابعة والتحريض على "إغلاق الحساب" كانت مقتصرة على منصة الشباب والشابات الأولى عالمياً، "إنستغرام".

عبر فيسبوك على سبيل المثال، اتُهمت الكاتبة بـ"التشجيع على الإلحاد بأسلوب أدبي"، واتُهم رصيف22 بأنه "ينشر المواضيع نفسها دائماً وأبداً". مقارنةً بما شهده إنستغرام، فهذا لا شيء، و"ما أحلاه".

فعلى إنستغرام، كانت التعليقات أكثر حدّة، على مثال: "أنتِ لا تستحقين النِعم"، "تأدبوا مع الله"، و"أحلى إلغاء متابعة... في فرق بين الحرية والإساءة، ابقوا اتعلموه"، والكثير الكثير،  كلّها هُنا لمن يود قراءتها. العامل المشترك بين أغلب التعليقات هو أن الكاتبة، ونشر رصيف22 لهذه المدوّنة، هما "تعدٍّ على الله والدين"، وهو ليس كذلك قطعاً.

فحين تكون هناك مساحة حرة، لا يمكن انتقاء ما "يصلح" لهذه المساحة وما لا يصلح. لأنه في هذه المساحة الحرة نفسها، على سبيل المثال، كتبت الصحافية رنا ناصر، عن حجابها وكيف تكره الصور النمطية المتعلقة بالمحجبات، وأنها لا ترغب بخلعه من أجل أن تكون "أكثر حرّية" كما يعتقد آخرون.

المدوّنة نُشرت على كل منصاتنا، إلا أن حملة التبليغات والشتائم الموجهة للموقع والكاتبة وإلغاء المتابعة والتحريض على "إغلاق الحساب" كانت مقتصرة على منصة الشباب والشابات الأولى عالمياً "إنستغرام"
وعبر هذه المساحة الحرة أيضاً، وعقب الهجوم في التعليقات عبر إنستغرام، أضفنا تعليقاً يقول:
"من الجيد التنويه بأن رصيف22 مساحة حرة مفتوحة لكل الأفكار والمشاعر والمعتقدات، ويؤمن أن الحريات لا تتجزّأ. نرحب بأي مشاركة مخالفة، علماً أن في موقعنا مقالات نُشرت هنا أيضاً (على إنستغرام) لتجارب معاكسة لما تحويه هذه التدوينة".
فجاءت الردود كالتالي:
- "ونحن بدورنا نختار أن لا نتابعكم ونساهم في نشر أفكاركم".
- "فش حرية بالتعدي على حرمات رب العالمين. ? ع هيك حريات".
- "بما أنكم بتعطوا مساحة حرة لكل الأفكار، نحن هيك أفكار لا تناسبنا، وهيك سبب كافي لنعمل unfollow".
- "مهي السوشال ميديا اللي سمحت لأشكالكم يكون عندها رأي أصلاً. عالطبيعة ما بتسترجوا. هاي مش حرية يا فهمان، هذا قلة أدب بالكلام مع ربنا".

علماً أن هناك إحدى المعلقات كتبت أنها "تشعر بهذا الألم"، ليطالها هي أيضاً الهجوم نفسه من قبل المعلقين والمعلقات على المنشور. أي أن المساحة في خانة التعليقات على هذا البوست كانت غير آمنة بتاتاً. وكان الحل إما بإغلاق التعليقات، وهو ما لا نفضله لأن رصيف22 يدعم النقاشات ولا يكتم الصوت، أو دعوتهم لكتابة مادة مضادة، وكانت الردود كما جاءت آنفاً. 

كيف يساهم الهجوم بانتشار أوسع؟

بالعودة إلى مدوّنة رنا التي تحكي عن حجابها بـ"الإيجابية" التي ينتظرها القرّاء، ترى أي من المدوّنتين لاقت قراءةً أوسع، ووصلت حسابات أكثر على مواقع التواصل الاجتماعي؟

مدوّنة ليليان المقهورة من الحجاب بالطبع.

لماذا؟

لأن هناك من شتم، وهناك من حرّض، وهناك من كتب "أحلى أنفولو" ودفع الآخرين للقيام بالشيء ذاته. كل تعليق من هؤلاء رفع من نسبة التفاعل مع المنشور ما ساهم بارتفاع نسبة وصول المنشور لحسابات أكثر. أي أن مفعول هؤلاء كان عكسياً. لم يريدوا أن يروا مثل هذه الكلمات، فبدلاً من تجاهلها، و"قتل" المنشور بعدم التفاعل معه، أدّى "التفاعل" إلى الوصول إلى أكبر عدد من الحسابات، ولهذا يُقال في عالم مواقع التواصل الاجتماعي: "Any publicity is good publicity" أي "كل دعاية هي دعاية جيدة". فالحصول على أي تفاعل هو أفضل من أن يمرّ المنشور مرور الكرام، وهو أمر شائع جداً في تحدي الخوارزميات المستمر اليوم.

فمواقع التواصل الاجتماعي لا تريد أن تصل المنشورات للمتابعين بـ"سهولة". تُريد من القائمين على هذه الحسابات أن يستثمروا أموالهم في الدعاية، وبالتالي في ترويج المنشورات.

أعتقد دائماً أن قبول الرأي المُغاير هو فرصة لتقبل الآخرين لرأيي المُغاير. الحريات والحقوق ليست قابلة للتجزئة، ولا يمكننا الانتقاء من سلة الحريات ما يناسبنا، ورجم من يختار ما لا يناسبنا

قد يقول البعض إن العنوان كان مستفزاً، وإنه يمكن إيصال الفكرة ذاتها بطريقة أقل استفزازاً. يا للأسف، فإن "المستفز" هو ما يقف الناس عنده، ولكن الغرض لم يكن دعوة القراء إلى إلغاء المتابعة، وإنما دعوتهم لقراءة ما هو غير شائع، دعوة لقراءة ما تشعر به العديدات ولكن لا يقلنه خوفاً من المجتمع. لماذا كان إلغاء المتابعة والتبليغ عن الحساب أسهل من النقاش؟ طرح التساؤلات؟ كتابة مقال رأي أو مدوّنة مضادة؟ قبول الآخر؟

ثقافة "الكنسلة" كطريقة مثالية للإقصاء

ينقلنا هذا للحديث عن ثقافة الكنسلة أو بكلمات أخرى: الإقصاء بدلاً من الحوار.

تجسّد "الكنسلة" أحد أخطر مظاهر الإقصاء الرقمي. فبدلاً من الاستماع والحوار، يتم إقصاء الرأي المخالف وكأنه تهديد وجودي. فحرية التعبير على مواقع التواصل غير مكفولة إلا إذا اتفقت مع التيار السائد، أو الرأي "المقبول" اجتماعياً.

الجدير بالذكر أن على إنستغرام وحده، وصل المنشور إلى نحو 410 آلاف شخص. كم عدد الأشخاص الذين دخلوا لقراءته؟ 10,352 (1,676 عبر إنستغرام).

كم معدل الوقت الذي استغرقه هؤلاء في قراءته؟ 48 ثانية. الرقم وحده يحكي.

ظاهرة "أحلى أنفولو"... قهر إلكتروني؟

أما ظاهرة "الأنفولو" أو "أحلى أنفولو"، فهي أيضاً لافتة. لماذا عدم المغادرة بصمت (وهو حق مشروع بكل تأكيد)؟ هل هو وسيلة "للتعليم" على المنصة أو الصفحة أو الحساب، أم دعوة للآخرين لفعل الشيء نفسه؟ من المهم التنويه هنا مجدّداً بأن كل تعليق يساهم في زيادة انتشار الـ"بوست". وكل "أحلى أنفولو" يساهم في وصول المنشور والحساب بشكل أكبر، ما يجعل الفعل عكسياً.

قبول الآخر هو فرصة لنا اليوم وغداً

أعتقد دائماً أن قبول الرأي المُغاير هو فرصة لتقبل الآخرين لرأيي المُغاير.
"لن نكون أحراراً إلا حينما نتحرر جميعنا".

فكما يُقال: "لن نكون أحراراً إلا حينما نتحرر جميعنا". الحريات والحقوق ليست قابلة للتجزئة، ولا يمكننا الانتقاء من سلة الحريات ما يناسبنا، ورجم من يختار ما لا يناسبنا. أن تُتيح لغيرك فرصة أن يكون ما يريد أن يكون، أو أن يحكي ما يريد أن يحكي، أو أن يعتقد ما يريد أن يعتقد، فأنت تعطي نفسك الحرية ذاتها، اليوم وغداً، أن تتغير متى شئت، وتعطي رأيك في ما شئت، وإن لم يكن على قياس محيطك ومجتمعك.

وإن لم يكن ذلك لك، فهو بالتأكيد لأحد ما يحتاج لمساحات آمنة حقيقية، لا أن تكون معدومة في الواقع وحتى عبر الفضاء الإلكتروني. أن تقف اليوم في الدفاع عن التنوع في الآراء، فإنك تقدّم حماية لنفسك اليوم، وفي نسخة أخرى مستقبلية منك. 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard
Popup Image