هذا المقال جزء من ملفّ "بين الأسئلة المهنية والشخصية... رصيف22 في 2024"، بمناسبة نهاية العام 2024.
شهد عام 2024، تحدّيات وتغيّرات كبيرةً، على شدّة اختلافها، عن نهج عمل فريق رصيف22 عامةً، وفريق السوشيال ميديا فيه خاصةً. هذا الفريق المنوط به إظهار وإيصال محتوى المنصّة إلى جمهورها الذي يعرفها جيداً منذ سنوات، وإلى أشخاص آخرين ما زالوا يستكشفون وجودها.
ومع الوتيرة السريعة التي يتغيّر بها كل شيء من حولنا، يتغيّر ويتطوّر كل شيء مجرّب مسبقاً، وإن كان ناجحاً معنا من قبل، ويضعنا أمام تحدّيات وتساؤلات يوميّة من أهمها: هل لا يزال الجمهور يرغب في قراءة نصوصنا الطويلة المعمّقة التي اعتدنا نشرها منذ انطلاقتنا الأولى؟ كيف نحوّل نصوصنا الطويلة إلى محتوى جذّاب وقريب إلى الجمهور لكي يُقبل عليه؟ كيف نلحق بركب "المالتي ميديا"، ونحوّل النصّ إلى صورة وصوت؟ كيف نخلق محتوى قوياً سريعاً تفاعلياً ذا قيمة صحافية بعيداً عن مجرد تغطية "التراند" لتحقيق مزيد من "الكليكس"؟
في هذا المقال، قرّرنا نحن فريق السوشال ميديا في رصيف22، أن نشارك جمهورنا هذه الرحلة اليومية من الأفكار والتساؤلات، ورؤيتنا للعمل الذي نقوم به، ويضعنا على تماسّ مباشر ولحظيّ مع الجمهور، وكيف نطمح أن يكون أثر هذا العمل ومدى وصوله إليكم، جمهورنا الأثير.
المحتوى المميّز والمضامين السريعة
منذ انطلاقته قبل 11 سنة، عمل رصيف22، على تقديم محتوى مميّز وطرح قضايا أساسية ومؤثّرة في المنطقة العربية، محقّقاً شعبيةً واسعةً لدى الجمهور العربي، خاصةً فئة الشباب. ومع مرور الوقت، تراجع الإقبال على القراءة وتغيّرت أولويات الجمهور وخوارزميات منصّات التواصل الاجتماعي، بحيث أصبح التركيز بشكلٍ أساسي على المحتوى البصري ومقاطع الفيديو القصيرة السريعة.
في هذا المقال، قرّرنا نحن فريق السوشال ميديا في رصيف22، أن نحدّثكم أكثر عن طبيعة عملنا والتحدّيات التي واجهتنا خلال عام 2024، حتّى يصلكم عملنا الصحافي في أفضل صورة، وبطريقة تلائم تفضيلات جميع فئات جمهورنا الأثير.
ونتيجةً لذلك، أصبح معظم المستخدمين يفضّلون المحتوى القصير الذي يُنقل عبر الصور والفيديوهات، بدلاً من المقالات الطويلة التي تتطلّب وقتاً أكبر للقراءة. هذا التحوّل في الاهتمامات فرض علينا تحدّيات جديدةً من أجل إيصال محتوانا بفاعلية وسرعة، خاصةً مع انتشار العديد من المنصات الجديدة التي بدأت نشاطها من خلال هذا النوع من المحتوى. ومع تزايد ميل الجمهور إلى استهلاك المحتوى السريع والمباشر، أصبح ضرورياً أيضاً التكيّف مع هذا السلوك المتغيّر باستمرار، خاصةً أن هذه التحدّيات تؤثر بشكل واضح على قدرتنا على تقديم الموضوعات الدقيقة والمعقّدة التي نتناولها، وعلى نحوٍ خاص التحدّي المتعلق بالتوفيق بين الحفاظ على جودة المحتوى الصحافي ودقّته، وبين تلبية متطلبات الجمهور المتزايدة للمحتوى المرئي والسهل والسريع.
ثِقَل الواقع وإعطاء مساحة للتنفّس
في رصيف22، نسعى جاهدين إلى البقاء قريبين من جمهورنا، خاصّةً في أوقات الأزمات الكبرى وفي مقدّمتها حرب الإبادة الإسرائيلية المستمرة على غزّة، ومن بعدها العدوان الإسرائيلي على لبنان. وبينما ندرك أن نشر هذه القصص المأسوية الثقيلة التي تعكس واقعنا ضروري، نعي أيضاً كم ذلك مرهق لنا وللقارئ.
لذلك، نحاول طوال الوقت موازنة الأمر من خلال محتوى متنوّع يُخفّف من حدة الضغط والألم، مثل الأسئلة التفاعلية الـ"لايت"، ومقاطع الأغاني المحببة إلينا، والاقتباسات الملهمة. هذه المحاولة لـ"التخفيف" ليست سهلةً كما قد يبدو؛ إذ نواجه دائماً خلال هذه المحاولة تحدّياً حقيقياً: كيف ننشر ما يُخفّف عن القلوب دون أن نبدو وكأننا منفصلون عن الواقع أو نعيش على "كوكب آخر"؟ الحفاظ على هذا التوازن الدقيق هو جزء من التزامنا بإبقاء التواصل الإنساني والعاطفي مع قرّائنا حيّاً، مهما اشتدت الأزمات.
تحدّي إيصال الحقائق المجرّدة
من بين أبرز ما لاحظناه من خلال عملنا في 2024، أن المحتوى الذي يركّز على الأرقام والحقائق المجرّدة، دون أن يرتبط بمشاعر أو سرد إنساني، لا يحظى بالتفاعل المطلوب على منصات التواصل الاجتماعي، خاصةً على إنستغرام رصيف22. وبرغم أهمية هكذا محتوى في تقديم صورة دقيقة وموثوقة للأحداث، إلا أنه غالباً ما يغرق في زحمة المحتوى العاطفي الأكثر انتشاراً وتأثيراً على الجمهور.
هذا يشكل تحدّياً كبيراً أيضاً في عملنا حيث يصبح من الصعب إيصال المعلومات الضرورية التي قد تكون أساسيّةً لفهمٍ أعمق للأحداث الحاصلة في منطقتنا العربية. في عالم تتحكّم فيه العاطفة بخوارزميات التواصل الاجتماعي، يبقى السؤال: كيف يمكن للمحتوى المعلوماتي أن يجد مكانه دون أن نضطر إلى التخلّي عن موضوعيته لصالح المضامين المثيرة و/ أو العاطفية؟
نحاول جاهدين تحقيق توازن متقن بين الحقائق والمشاعر. يمكننا بلوغ هذا التوازن من خلال تقديم المحتوى بصيغة تمزج بين الدقة والإنسانية، كاستعراض تجارب واقعية مدعومة بالبيانات. هذا الأسلوب لا يعزز جاذبية المحتوى فقط، بل يجعل الجمهور يشعر بارتباط عاطفي، كذلك ارتباط حقيقي مبني على الحقائق لا الشعارات أو العواطف المعزولة، مما يزيد من انتشاره وتأثيره.
أحد التحدّيات التي تواجهنا: كيف ننشر ما يُخفف عن القلوب دون أن نبدو وكأنّنا منفصلون عن الواقع أو نعيش على "كوكب آخر"؟ الحفاظ على هذا التوازن الدقيق هو جزء من التزامنا بإبقاء التواصل الإنساني والعاطفي مع قرّائنا حيّاً، مهما اشتدت الأزمات.
"تيك توك" وتحدّي استثمار الفرص في ظل القيود
من جملة التحدّيات، يواجه عملنا على منصّة "تيك توك" عراقيل عديدةً لعل أبرزها أن جمهور المنصّة الأكثر انتشاراً في السنوات الأخيرة يفضل الفيديوهات البسيطة والمشحونة بالمشاعر، بينما المحتوى الجاد الذي يناقش قضايا ملحةً على غرار حرب الإبادة على غزّة -وغيرها من المضامين الصحافية التي نقدّمها- كثيراً ما يتعرّض للحظر.
هذا التحدّي يتفاقم بسبب سياسات "تيك توك" التي تقيّد الفيديوهات المرتبطة بالعنف أو الظلم، حتّى عندما تكون الغاية منها تسليط الضوء على معاناة الشعوب أو فضح جرائم انتهاك حقوق الإنسان. وبينما نوشك على دخول العام 2025، تُصبح هذه التحدّيات أكثر وضوحاً إذ سيكون من الضروري التفكير في كيفية الاستفادة من جمهور "تيك توك" الهائل والمتنوّع لطرح القضايا التي يعالجها رصيف22، بطريقة صحافية مهنية تحرص على الجمع بين المعلومات الجذابة والحفاظ على المصداقية، في ظل قيود المنصّة وسلوكيّات الجمهور المتغيّرة.
الإعلام المستقلّ في مواجهة قيود "ميتا"
يواجه رصيف22، تحدّياً كبيراً آخر في إيصال المحتوى السياسي التحليلي عبر فيسبوك، حيث تفرض المنصّة قيوداً صارمةً على الترويج لأي محتوى يحمل طابعاً سياسياً، حتّى وإن كان تحليلاً موضوعياً للقضايا العربية.
في عالم تتحكّم فيه العاطفة بمنصّات التواصل الاجتماعي، نظلّ نفكر: كيف يمكن للمحتوى المعلوماتي أن يجد مكانه دون أن نضطر إلى التخلّي عن موضوعيته لصالح المضامين المثيرة و/ أو العاطفية؟
هذا التحدّي يزداد تعقيداً في الشأن الفلسطيني، إذ غالباً ما تعرقل "ميتا" انتشار أي محتوى يناقش جرائم إسرائيل وانتهاكاتها أو يعرض وجهات نظر داعمة لحقوق الفلسطينيين. تُبرّر المنصّة هذه القيود بسياساتها حول "الإعلانات السياسيّة"، لكنها في الواقع تُسهم في تهميش وجهات النظر العربية وعرقلة النقاش الجاد حول قضايا جوهريّة. بالنسبة إلى منصّات مثل رصيف22، يشكّل هذا التضييق عائقاً إضافياً أمام إيصال محتوى ذي قيمة إلى جمهور أوسع، ما يفرض على الإعلام المستقل إيجاد حلول مبتكرة لمواجهة هذا الحصار الرقمي.
الحقوق تتجزّأ…
تحمل مواقع التواصل الاجتماعي في طياتها تناقضات كبيرةً في التعامل مع حريّة التعبير والتوجّهات المجتمعيّة المتباينة. من أبرز التحدّيات التي نواجهها في التعامل مع السوشال ميديا في رصيف22، هي النظرة الانتقائية للحقوق، حيث يبدو أن حرية الشعوب في النضال ضد القمع والظلم تُعدّ مقبولةً ومستحبّةً لدى الجمهور، بينما تُعدّ الحريات الفردية، سواء كانت جنسيةً أو شخصيةً، خطاً أحمر يُمنع تجاوزه.
مع الأسف، هذا التناقض يظهر بوضوح عندما تتم مهاجمة منصّات مثل رصيف22، لمجرّد طرحها قضايا تمسّ الحريّات الفرديّة، فتُتّهم المنصّة بمحاولة كسر القواعد الاجتماعية أو الترويج لقيم مرفوضة من قبل شريحة واسعة. هذه الازدواجية تعكس إشكاليةً عميقةً في طريقة تفكير الجمهور، حيث لا تُفهم الحرية كحق غير قابل للتجزئة، بل تخضع لرؤية قاصرة تقسم الحقوق وفقاً للميول والمواقف الشخصية.
برغم التحديات المتزايدة التي واجهناها خلال العام الماضي، سواء على مستوى المحتوى أو التفاعل مع الجمهور، نظل حريصين على التطوير المستمر لمواكبة التغيّرات، مع الحفاظ على جوهر رسالتنا الصحافية. نُدرك أن الطريق ليس سهلاً، لكننا نؤمن بأن الحوار مع جمهورنا والاستماع إلى احتياجاته هما المفتاح لبناء محتوى أقرب إليكم وأكثر تأثيراً.
بين الحفاظ على المصداقية وتقديم محتوى تفاعلي، سنستمر في السعي نحو تقديم تجربة إعلامية تُراعي الواقع، وتتكيّف مع المتغيرات دون أن نتخلى عن قيمنا.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومينتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 4 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه