شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
الكتابة كالإيمان بالله، لا تحتاج مبرّرات كثيرة

الكتابة كالإيمان بالله، لا تحتاج مبرّرات كثيرة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة نحن وحرية التعبير

الأربعاء 18 ديسمبر 202412:03 م

هذا المقال جزء من ملفّ "بين الأسئلة المهنية والشخصية... رصيف22 في 2024"، بمناسبة نهاية العام 2024.


لقد مات المؤلفون إذن بضربة سحرية من رولان بارت، وربما أستطيع أن أقتبس عنه التالي: "لقد تبع موت المؤلف موت الله، ونحن نعيش الآن عصر الأديان الفردية والروايات الشخصية".

تبدو جملة جريئة ومناسبة ليقولها رولان بارت، ومطهّمة بقليل من النيتشوية المقتبسة أيضاً بنفس الطريقة، وعليه لن يستطيع أحد أن يؤلف رواية بعد اليوم، لا اقتباسات صحيحة (ولا خاطئة أيضاً) إلا ما يساهم به الهوس الجمعي بالتأليف والتأثير على العالم، توقيع الاقتباس وإفساح حيز له ضمن مهرجان الهوس بالموت: موت المؤلف، موت الكتاب، موت الإيديولوجيات، موت الإعلام الموجّه، موت كل ما من شأنه أن يصنع فرداً خاصاً.

العديد من الأحداث الكبرى أدّت إلى زيادة جاذبية التدوين، فلقد اكتسبت الصحافة، كوسيلة للحصول على المعلومات، سمعة سيئة في النصف الثاني من القرن العشرين، مع وضوح السيطرة الكلية للمؤسسات الإعلامية الكبرى التي ترتبط، سرّاً أو جهراً، مع الحكومات، لتنفيذ خطط ما، للترويج لمعلومة ما أو لحجب أخرى، خصوصاً بعد هيمنة الليبرالية على المفاهيم السياسية والاجتماعية، وتحييد الإيديولوجيات من التأثير على رؤيتنا للعالم وقراءتنا لأخباره.

اكتبوا واكتبن، بأقلام الكحل، بقطع الفحم، بالدم المتسرّب من أصابعكم/ن. لا تبدّدوا/ن الأبد

لكن هذه الهيمنة نفسها صنعت مقاومة، أي أنها خلقت العنصر المقاوم لها بحكم طبيعة الأشياء، وظهرت حينها الصحافة البديلة، أو التجمّعات قليلة العدد لكن المصرّة على تقديم صحافة بديلة، لها خطاب لا يرغب بحجب أي معلومة أو خبر، بل ويقرأ المعلومات والأخبار بطريقة مغايرة لما يقرأه الإعلام الرسمي وشبه الرسمي، أي المرتبط بأجندات مواقع السيطرة، حتى انتهينا إلى عصر الإنترنت وعندها بدا أن زمام الأمر يفلت من يد الجميع، ويقع في حضن الجميع.

في رصيف22، كموقع يجرّب أن ينخرط في الصحافة الجديدة، ويتواصل باستمرار، ليس فقط مع "نبض الشارع"، بل مع حيرته وانبهاره بالحرية التي مُنعت لوقت طويل، ثم زحفت إلينا من كل فتحة ممكنة في أبواب السجون، نحاول أن نمنح التدوين والمدونات الشخصية فرصة أكبر

تجمع المدونة الحديثة، سواء الخبرية أي التي تهتمّ بنشر الأخبار، أو التي تحلّل أو تحكي تجربة شخصية، بين موضوعين: صحافة المواطن والرأي الفردي، أي ما من شأنه، في عصر انعدام الفردية، بأن يصنع "منتجاً" متفرّداً وناصعاً، خارجاً من السيطرة التي تحجب حرية التعبير وحرية أن تمتلك وجهة نظر فردية.

في رصيف22، كموقع يجرّب أن ينخرط في الصحافة الجديدة، ويتواصل باستمرار، ليس فقط مع "نبض الشارع"، بل مع حيرته وانبهاره بالحرية التي مُنعت لوقت طويل، ثم زحفت إلينا من كل فتحة ممكنة في أبواب السجون، نحاول أن نمنح التدوين والمدونات الشخصية فرصة أكبر، نعتني بآلية موضوعيتها وحيادها، ونحاول أن نخرج بالتدوين من ذاتيته الصغيرة إلى عالم الأفكار المتماثلة، عالم يجد فيه كل قارئ ما يشبه تفكيره حين لا يستطيع أن يعبّر عنه، وهذا ما يتيح لنا أيضاً التعامل مع كتاب في طور التشكّل، كتّاب مبتدئين، يقارعون الكلمات ويتعرّفون، ربما للمرة الأولى، على كيفية صنع جملة وإنشاء معنى، مدونين ومدونات خرجوا وخرجن للتوّ من سجن التعبير المعتاد والمتطابق، والمنع والتحريم، ما يقال وما لا يقال، وبرأيي هذا أضمن لطزاجة المشاعر ونقاء اللغة، التي لم تتلوث بعد عند الكتّاب الجدد بالتعابير المستهلكة والأحكام المسبقة، التي تجعل خلف كل مفردة مفردة لاحقة معتادة، تمنعها من التمتع بالنور الذي تتيحه حرية التعبير، بمعناها الجدي والجاد.

المدونات تعيد تعريف مهنة الصحفي، تعيد الحرية لأرض الحرية: الصحافة، تعيد نار المعرفة، هدية بروميثيوس الثمينة، لصاحبها الأصلي

المدونات تعيد تعريف مهنة الصحفي، تعيد الحرية لأرض الحرية: الصحافة، تعيد نار المعرفة، هدية بروميثيوس الثمينة، لصاحبها الأصلي، ونحن كرصيف22، وكموقع صحافي متفرّد، جزء من هذه الشعلة، من هذا اللهب الذي ينبغي أن يضيئ، جزء من "صوت الذين لا صوت لهم"، بل أصبحنا كلنا حنجرة واحدة، لقول ما لا يقال إلا سرّاً، ولا يفصح عنه إلا في عيادة الطبيب النفسي.

الخيال هو من يجب أن يُمنح السلطة، الحرية هي من يجب أن تقدّس، جوهر التدوين هو التواصل مع العالم والمجتمعات و"منع المنع"، فالمدونون، وخصوصاً الشباب منهم ومنهن، أكثر استجابة ومرونة، وأكثر تقبلاً لأساليب التعبير الجديدة، واللغة التي يجب أن تتحدّث باستمرار، وهنا أدعو الكتاب، كل الكتاب وكل من مسّته هذه اللوثة: اللعب بالكلمات... اكتبوا واكتبن، كل ما يحصل في دواخلكم/ن يستحق أن يُعرض، يستحق أن يوثّق. اللحظة الأكثر صدقاً هي لحظة مواجهة الصفحة البيضاء، مواجهة الفراغ ثم ملؤه، الكتابة كالإيمان بالله، لا تحتاج مبررات كثيرة. الكتابة أعظم ما يمكن أن نختبره، اكتبوا واكتبن، بأقلام الكحل، بقطع الفحم، بالدم المتسرّب من أصابعكم/ن. لا تبدّدوا/ن الأبد.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

نرفض تحويلنا إلى كائنات خائفة يسهل حكمها. لذلك كنّا وسنبقى موقعاً يرفع الصوت ضد كل قمع لحرية التعبير ويحتضن كل الأفكار "الممنوعة" و"المحرّمة". لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا مسيرتنا!/ رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم. أخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا.

Website by WhiteBeard
Popup Image