شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"يرى المحافظون آرائي جُرماً، ويراها المتحررون تخلفاً"... وأنا لا أحب الصور النمطية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة

الأربعاء 12 يناير 202202:57 م

اكتشفت فجأةً أن إحدى صديقاتي التي تعرّفت إليها في فترة الجامعة، والتي كنا نسكن معاً في حجرة واحدة داخل المدينة الجامعية، ألغت صداقتها معي في فيسبوك. عندما لاحظتُ هذا مصادفةً، حزنت، ولم أفهم ماذا فعلتُ لها كي تقوم بهذه الخطوة، فقررت أن أحكي ما حدث لصديقة مشتركة لنا، قررت بدورها أن تتوسط بيننا، لتعرف ما الذي حدث. فعلمت من صديقتي المتدينة، أنها تضايقت من كتابتي مقالاً بعنوان "هل شبح تقنين الدعارة مخيف أكثر من التحرش بالنساء؟"، نُشِر في رصيف22، في كانون الثاني/ يناير 2020، كما قالت إن هناك منشوراً كتبته عبر صفحتي في فيسبوك، في الفترة نفسها، عدّته صديقتي "قلة حياء مني"، وقالت لصديقتنا المشتركة: "تغيرت رنا بسبب معرفتها بأصدقائها ممثلي المسرح، وما أصبحت تتحدث به أمام الجميع على فيسبوك، كان يجب أن تخجل من الحديث منه حتى مع فتيات مثلها".

اسمي رنا، مسلمة، وأؤدي بعض الفرائض. لي أصدقاء، سيدات ورجال، أحب الجلوس على المقاهي، وأحب السير ليلاً، والاستماع إلى الآخرين، وأنا محجبة، ولا أرغب في خلع الحجاب.

في مقابل هذا، سألني أحد الأشخاص ذات مرة في المقابلة الأولى بيننا، وكانت لديه معلومة بأني أعيش في القاهرة وحدي منذ ثماني سنوات: "لماذا لم تخلعي الحجاب إلى الآن؟"، اعتقاداً منه بأني كفتاة تعيش وحدها، متاح بالنسبة إليها فعل أي شيء، على عكس الفتيات الأخريات اللواتي يعشن مع أهلهن، ولا يتمتعن بحرية كاملة في اتخاذ قراراتهن كما أنه قال لي: "الناس بتعيش لوحدها عشان تعمل اللي هي عايزاه"، وكأن هذا هو السبب الوحيد الذي يمنع أي فتاة، أو أي إنسان عموماً، من فعل شيء.

من أنا أمام "المحافظين"؟

يُعلق الأشخاص المحافظون على وجود أصدقاء رجال في حياتي، وخاصةً على تعليقاتهم عندي، وعلى صوري معهم على حسابي الشخصي على فيسبوك، لأن هذا يجعلني أظهر أمام المعارف، والأقارب، والمجتمع، والناس، وأي شخص متحفظ قد يتقدم لخطبتي بصورة الفتاة المتحررة أو "الشمال". لا أعرف أيهما أقرب إلى لسانهم، على الرغم من أنني أظهر دائماً وأنا أقف إلى جانبهم في أماكن عامة، لا أحتضنهم مثلاً، ولا نكون في أماكن مغلقة، على الرغم من عدّي هذين الأمرين من الأمور العادية أيضاً.

وعن أصدقاء العمل من الرجال، يرون أنه متاح لهم أن يسافروا ويفعلوا كل شيء، لكن أنا كفتاة ليس مُتاحاً لي أن أفعل أي شيء. كان لي زميل في إحدى المكتبات التي عملت فيها، يستفهم دائماً متعجباً: "كيف يترككِ أهلك تعيشين وحيدةً في محافظة أخرى من دونهم؟!"، وبسبب تعجبه من مجرد معيشتي هنا، كنت أخشى أن أخبره أي شيء آخر عن حياتي، وعن حبي لجلسات المقاهي مثلاً، وسهري في الخارج، وعن أصدقائي الرجال، وأصدقائي الملحدين، وأشياء أخرى أتردد في ذكرها، حتى لا يقرأها أصدقائي المتحفظون عندما يُنشر الموضوع، فينطلقون في إصدار الأحكام عليَّ.

يُعلق الأشخاص المحافظون على وجود أصدقاء رجال في حياتي، وخاصةً على تعليقاتهم عندي، وعلى صوري معهم على حسابي الشخصي على فيسبوك، لأن هذا يجعلني أظهر أمام المعارف، والأقارب، والمجتمع، والناس، وأي شخص متحفظ قد يتقدم لخطبتي بصورة الفتاة المتحررة أو "الشمال"

فأمام هؤلاء، أنا شخص ينقصني الكثير لكي أصبح مثلهم ومنهم، وأنا لا أعلم لماذا يجب أن أصبح شبيهةً بهم حتى يقبلوني، ولماذا يفترضون أن التغيير الذي يطرأ على الإنسان نتيجة خبراته في الحياة أمر سيء؟ ولماذا قد يقبلون تجربة الرجل لأي شيء حتى لو كان هذا الشيء يُحرّمه الدين، لكن لا نقبل الشيء نفسه من المرأة، وتُنعت وقتها بأفظع الصفات؟

من أنا أمام أصدقائي وغيرهم من "المتحررين"؟

بطبعي، أنا فتاة اجتماعية إلى درجة ما، محبوبة في محيط عملها، من السهل أن تنشئ علاقاتٍ مع من حولها إذا حاولوا التقرب منها، لكن كان لدي من السذاجة ما يمنعني من فهم نوع هذا التقرب، فهذا فلان يفسر تقبّلي حديثه بالرضا والضحك، بأني أرغب فيه، وآخر يُفسر خروجي معه، وتأخري ليلاً بأني أميل إليه، بالطبع مع وضعهم في الحسبان معلومة أني أعيش وحدي، ولا بد لهم أن يضعوا ذيلاً لكل تصرف أقوم به، فلا يُفهم كما يجب أن يُفهم، ببساطته وعفويته.

الأصعب هنا أنني لا أستطيع إيجاد الرجل المناسب لي من بين هؤلاء المتحررين، والذي أرغب في إيجاده بينهم، لأنه في اعتقادي سيكون أكثر تقبلاً لي من آخرين محافظين، لكنه، وبكل أسف، لا يتقبلني بشكل كامل، فلا يتقبل الجزء المتحفظ في داخلي، الذي مثلاً يرفض إقامة علاقات مفتوحة أو حميمية. لي صديق بالأمس قال لي: "من الصعب أن تجدي ما تبحثين عنه؛ رجل متفتح يقبل بشكل حياتك، وفي الوقت نفسه محافظ بعض الشيء، لكي يقبل الجزء الآخر منكِ. أعتقد أن هذا الشخص غير موجود".

لا أستطيع إيجاد الرجل المناسب لي من بين هؤلاء المتحررين، والذي أرغب في إيجاده بينهم، لأنه في اعتقادي سيكون أكثر تقبلاً لي من آخرين محافظين، لكنه، وبكل أسف، لا يتقبلني بشكل كامل، فلا يتقبل الجزء المتحفظ في داخلي، الذي مثلاً يرفض إقامة علاقات مفتوحة أو حميمية

من أنا؟

كل شيء يمكن أن نقوله، وأي شيء يمكن أن نفعله، لو أنه ليس هناك من يحكم علينا ذهاباً وإياباً. لكننا نعيش في مجتمع لا بد فيه، كما تقول أمي، أن أخفض صوت ضحكتي، ولا أعود متأخرةً حتى لا يخوض أحد في سُمعتي، مجتمع يجعلني أيضاً لا أستطيع التعبير عن آرائي بأريحية، فقد يراها المحافظون جُرماً، ويراها المتحررون تخلّفاً. على الرغم من أنني أرى أنه من الطبيعي امتلاكي لمثل هذه الشخصية، فأنا ومن مثلي ممن ينتمون إلى الطبقة المتوسطة، تربينا على قيم وعادات معيّنة ظلت في داخلنا إلى أن كبرنا، وحينما بدأنا بالاحتكاك الحقيقي بالعالم الخارجي، بدأنا نتبنى أفكاراً أخرى اخترناها بحرية كاملة، فأصبحت لدينا أفكار ومبادئ نؤمن بها من عالمنا القديم، وأخرى كونتها خبراتنا من عالمنا الجديد، فأين المشكلة هنا؟ ولماذا لا بد من أن أنتمي إلى قالب واحد فقط، حتى يقبلني أولئك، أو هؤلاء؟

اسمي رنا، مسلمة، وأؤدي بعض الفرائض، وأعمل صحافيةً، وأكتب عن الأفكار التي أؤمن بها، حتى لو تعارضت مع من حولي. لي أصدقاء، سيدات ورجال، أحب الجلوس على المقاهي، وأحب السير ليلاً، والاستماع إلى الآخرين، وأنا محجبة، ولا أرغب في خلع الحجاب. أعيش وحدي لكن ليست لدي علاقات مفتوحة، وأتقبل غيري ممن لا يشبهونني في أي مستوى من المستويات، هذه أنا الآن، ربما غداً أصبح شخصاً آخر، لا أعلم ما الذي يمكن أن يتغيّر، وما الذي سيظل ثابتاً؛ لكن لا أراهن أبداً على بقاء شيء جامدٍ.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image