شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
“ألوم أمي لأنها اختارت زوجتي“... لماذا لا يرى شباب يمني خطيبتهم قبل الزواج؟

“ألوم أمي لأنها اختارت زوجتي“... لماذا لا يرى شباب يمني خطيبتهم قبل الزواج؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الجمعة 3 يناير 202005:39 م

لم يتمكَّن مختار مصلح من رؤية خطيبته قبل الزواج، فكانت الرؤية الأولى لها في ليلة زفافه، فلم تكن بالجمال الفائق الذي كان يتخيَّلها فيه، حسب وصف والدته التي خطبتها له.

"في تلك الليلة لم أقتنع بها، فالصورة التي رسمتها والدتي في مخيلتي كانت جميلة جداً، لكني قبلت بها على مضض حتى لا أحرج عائلتي، وعلى رأسهم والدتي التي اختارتها، واستمرت حياتي معها ثلاث سنوات"، يقول مختار مصلح (32 عاماً)، وهو مغترب في السعودية، ويعمل في محل صناعة حلويات.

"الجنس لقضاء الحاجة"

يقول مختار، الذي ينتمي لمديرية القبيطة بمحافظة لحج جنوب اليمن، لرصيف22: "بسبب عدم قناعتي النفسية لم أكن مهتماً بها كثيراً، وكنت ألوم أمي دائماً لأنها هي من اختارتها لي، وبين الحين والأخر كان يحدث شجارات بيننا حتى طلقتها".

ويضيف مختار: "كنتُ قد خطبتها وأنا في السعودية، وعندما عدتُ طلبتُ رؤيتها قبل العقد، لكن أهلها أصروا على أن أراها عند الزواج بها، لم يكن فيها أي عيب ظاهر لكنها ليست كالفتاة التي أردت والتي وصفتها لي والدتي، وشعرت أنني خدعت بها، فحتى حياتنا الزوجية لم تكن بتلك الرغبة والشوق".

"لم تكن مثيرة جنسياً بسبب عدم قناعتي بها، وكان الجنس عندنا ليس أكثر من قضاء الحاجة دون ألفة ومحبة واستمتاع"، يقول مختار.

"لم تكن مثيرة جنسياً بسبب عدم قناعتي بها".

وفيما تجاوزت الدول العربية الكثير من قيود العادات والتقاليد البالية، وباتت أكثر انفتاحاً، ما زال اليمن يضع قيوداً مُشدَّدة، والتي أباحها فقهاء في كتب الفقه الإسلامي.

ما تزال "النظرة الشرعية" لوجه المرأة قبل الزواج في اليمن، ممنوعة على الشباب في الكثير في المناطق الريفية والجبلية، خاصة سكان المرتفعات اليمنية الشمالية، والوسطى، ولدى بعض الأسر في المدن، حيث ترفض العديد من الأسر أن يرى الشباب بناتها قبل عقد الزواج، باعتبار أن ذلك قد "يكشف سر الفتاة، ويفشي عورتها"، ويجعلها "حديث المجالس" بين الشباب، يتحدثون عن جمالها، وخصالها.

"يعتبرون وجهي عورة"

يروي محمد صلاح حكاية أخرى ليست مختلفة كثيراً عما واجهه مختار مصلح، فهو خطب ابنة جارة لهم، أحبها كثيراً منذ طفولتها، ويصفها بأنها "كانت جميلة جداً".

يشرح محمد 28 عاماً حكايته، وذكرياته، بحزن بالغ لرصيف22: "مشكلة بين العائلتين، أدَّت إلى فسخ الخطوبة، وافتراقي عن خطيبتي، لكن والدي ثار غضباً من فسخ الأسرة لخطوبة ابنتهم، وأصرَّ على تزويجي بفتاة أخرى".

ويقول محمد صلاح الذي يسكن في محافظة الضالع ويعمل في حقول القات: "بحثوا لي عن فتاة أخرى، واشترطت عليهم أن تكون كجمال الأولى وإلا فلا داعي للعجلة؛ وأقنعوني أنها أجمل منها، ما إن رأيتها ليلة الزفاف حتى كُسِرت نفسي، وإلى الآن لا أستطيع أن أمنحها ذلك الحب".

واستدرك قائلاً: "لكني تقبلتها مع الوقت كأم عظيمة لأولادي الثلاثة، على الرغم أنها ليست قبيحة لكن ليست جميلة كتلك التي أحببتها سابقاً، فالنفس وما تهوى".

تعتبر بعض الأسر النظرة الشرعية للفتاة عيباً، بل إذا تقدم لها أحد، وقابلته ثم رفضها تكون وصمة عار في جبينها تحرمها من الزواج، إذ عندما يعلم الشاب أن هذه الفتاة قد كشفت عن وجهها لشخص آخر قبله، يرفض خطبتها والزواج منها.

"لم تكن مثيرة جنسياً بسبب عدم قناعتي بها، وكان الجنس عندنا ليس أكثر من قضاء الحاجة دون ألفة ومحبة واستمتاع"
ما إن علم الشاب أنها كانت تظهر بوجهها أمام ابن عمها (خطيبها السابق) حتى طلب من أسرتها إرجاع ما قدَّمه من المال الذي خطبها به لأنها أصبحت في نظره، وحسب تعبيره، "مُدنَّسة"

سلمى سليم، نموذج للفتاة التي عانت بسبب النظرة الشرعية، وأيضاً من مقابلة خطيبها الذي تركها بعد فترة، بسبب نزاع أسري على الميراث.

تقول سلمى ذات الاثنين والعشرين ربيعاً، وهي تسكن العاصمة صنعاء: "خطبني ابن عمي قبل خمس سنوات، وكنا نقطن نفس البيت، بعدها توفى جدي، واختلف والدانا على الميراث فباعا البيت وانفصلا، ولم يكتفيا بذلك بل فصلا خطبتنا قبل كل شيء".

بعد أن انفصلت عن ابن عمها، تقدم لها شاب آخر ليس من أسرتها، ولم يطلب النظر إليها، فاكتفى بإرسال والدته وأخته إلى المنزل مع فستان، ودبلة خطوبة، ومبلغ من المال بمثابة قبض الزواج.

وأوضحت سلمى لـرصيف22 أن خطوبتها استمرت بضعة أشهرـ وما إن علم الشاب أنها كانت تظهر بوجهها أمام ابن عمها (خطيبها السابق) حتى طلب من أسرتها إرجاع ما قدمه من المال الذي خطبها به، لأنها أصبحت في نظره، وعلى حد تعبيره، "مُدنَّسة".

وختمت سلمى حديثها مُتحسِّرة: "إذا كشفتُ عن وجهي أمام خطيبي أو قابلته ارتكبت جريمة، فالوجه عورة بالنسبة لمعتقدات مجتمعنا القاصرة".

وتخشى الأسرة من كشف الشاب أوصاف ابنتها وعورتها في حال لم تعجبه، ما يشيع أنها ليست جميلة، ويترتب على ذلك قانون مجتمعي أنه لم يكن عدم قبوله بها إلا لأنها قبيحة، أو ارتكبت شيئاً خاطئاً حال دون زواجها، وذلك وفق نظر العادات والتقاليد، لا تزال تسود بين عائلات يمنية.

"النظر للوجه ممنوع"

يرى عبد الواحد قاسم، وهو شيخ قبلي ينتمي لمحافظة أب وسط البلاد، ويناصر منع رؤية الفتاة قبل الخطبة، أن الشاب يذهب لرؤية الفتاة قبل خطبتها وفي حال لم يتزوجها، فالشكوك تذهب إلى أنها لم تعجبه لخلل فيها، الأمر الذي يجعلها حديث المجالس بأنها ليست جميلة، ما يقتل الرغبة لدى الشباب الآخرين الذين يعزفون عن التقدم لطلب يدها، حتى لا يكونوا سخرية المجتمع.

ويضيف في حديثه لرصيف22: "هناك أسر متشددة لا تقبل أن تكون الفتاة التي ستكون زوجة ابنهم قد "عرضت" نفسها لأحد قبلهم، وحتى الشباب يرفضون الزواج منها، فيبقى من الأفضل أن يراها بعد العقد".

"هناك أسر متشددة لا تقبل أن تكون الفتاة التي ستكون زوجة ابنهم قد عرضت نفسها لأحد قبلهم".

وتابع، "يرسل الشاب أسرته لتراها وتسأل عنها، فإن أكدوا له أنها جميلة وذات أخلاق رفيعة، تزوجها".

من جهته ترى نور باعباد، وهي ناشطة وإعلامية يمنية، أنَّ حرمان الشاب من "النظرة الشرعية"، عادات توارثتها معظم مناطق اليمن منذ القدم، وزاد من حدتها التشدد الديني.

وتلفت نور، لـرصيف22 إلى أن منع "النظرة الشرعية"، يولد مشكلات كبيرة بعد الزواج وقد تصل إلى الطلاق، أو حياة تعيسة بين الزوجين لعدم القناعة.

وترى نور أن هناك العديد من مناطق اليمن تجاوزت هذه العادات وتسمح بمقابلة الشاب لمخطوبته وحديثها معه، ومنحهم الوقت حتى يقتنع كل منهما بالآخر.

"تأثيرات نفسية كبيرة تحدثها النظرة الشرعية، في أوساط الشباب والفتيات، فحتى الفتاة يكون لديها رغبة في التعرف على العريس، لكنه ممنوع في عرف عائلات وأسر يمنية"، تختتم نور حديثها.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image