شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
هل نستطيع التفكير في الطموح في عصر

هل نستطيع التفكير في الطموح في عصر "الشاركس"؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والفئات المهمشة

الثلاثاء 17 ديسمبر 202412:17 م

حضرت للمرة الأولى مؤتمراً، استمعت فيه، ولأكثر من خمس ساعات، لأصحاب شركات، ومديرين كبار، وخبراء دعاية وتسويق، يُحاضرون، انطلاقاً من خبراتهم وتجاربهم وكم المعرفة التي راكموها، أمام حوالي ثلاثمائة شاب وفتاة يعملون لدى شركات للأدوية. وحرصاً من الشركات على تهيئة موظفيها وإعدادهم لمسيرتهم المهنية، تنعقد كل فترة دورات وكورسات ومؤتمرات مثل تلك التي حضرتها. ورغم اختلاف المواضيع إلا أن الكلمة المحورية التي تردّدت كثيراً على مدار الساعات، كانت كلمة "الطموح".

من الممكن تلخيص الساعات وإيجازها ببساطة: "قراراتك وشخصيتك ومسيرتك المهنية ووضعك الاجتماعي وتكوين أسرة وكل شيء يتعلق بالطموح". ألهذه الدرجة من البساطة فعلاً يمكن إلغاء كل التعقيدات والمشاكل والأزمات؟ الإجابة: "نعم"، فكل المحاضرين يتفقون على أشياء يعتبروها "بديهية".

إليكم بعض البديهيات: "السوق أصبح ديناميك"، "لا مكان للمتخاذلين والكسالى والباحثين عن الكومفرت زون"، "النجاح مرادف الطموح والفشل يعني عدم امتلاكك لطموح"، "أنت مسؤولية نفسك"، "الفارق بينك وبين الآخرين هو الطموح من عدمه".

من الأمور الهامة التي أكّد عليها المحاضرون بخصوص الطموح أيضاً، أن يكون لدى كل فرد "المنتور" الخاص به، وأشاروا للتجارب الرائدة التي لابد أن نضعها نصب أعيننا. أتذكّر أحد المحاضرين، بينما يتحدّث بحماسة يُحسد عليها في الحقيقة، وهو يخبرنا بأن نبتعد عن كل شخص يخبرنا بالمشاكل والأزمات وما يحدث هنا وما يجري هناك؛ حروب وأزمات اقتصادية وصراعات... إلخ من أشياء لابد أن تفصل بينها وبين مصلحتك. ويُكمل المُحاضر الخبير في الدعاية والتسويق ناصحاً: "إذا أردتم جرعة يومية من الطموح، ادخل على اليوتيوب، وابحث عن برنامج (شارك تانك). ستجدون شباباً وفتيات مثلكم تماماً، ناجحون ورواد أعمال، عرفوا من أي تؤكل الكتف. وعليكم أن تتعلموا وتصبحوا مثلهم، إذا أردتم".

بحثت عن البرنامج على اليوتيوب، وبغض النظر عن حلقات المتسابقين، يوجد هناك حلقات ومقابلات أبطالها "الشاركس" أنفسهم، يتحدّثون بالضبط مثل المحاضرين؛ بحشر مفردات إنكليزية داخل جُمل بالعربية، ونفس الأفكار والرؤى الأحادية التي ترى الفرد المبتدأ والخبر، ونفس الإنكار والتجاهل للظروف الموضوعية والسياقات الاجتماعية والهويات الاقتصادية، والتي بالنسبة لهم لا تستطيع أن تؤثر أمام "إرادة وطموح الفرد".

تساؤلات كثيرة تطرق الذهن؛ هل هؤلاء المحاضرون ونخبة "الشاركس" يتحدثون عن مصر التي نعرفها؟ والحياة التي نعيشها؟ وظروف العمل التي نتواجد فيها؟ تذكرت حينها تعليق أحد زملاء المؤتمر وهو يخبرني أن تكلفة حضور الفرد للمؤتمر 2000 جنيه، وعقّب قائلاً: "أليس من الأولى أن تعطينا الشركة هذه ال2000 جنيه؟". نعم أكاد أُجزم أن غالبية الحضور فكروا في هذا الأمر.

التناسي لم يعد حصراً على رجال أعمال اليوم فقط، بل طال جانباً كبيراً من الطبقة العاملة التي شهد دخولها لسوق العمل في العقود الأخيرة تراجعاً غير مسبوق على مستوى الحقوق، حتى أصبح من يمنح العمال حقوقهم يُرى أنه استثنائي وغاية في الاحترام

اكتشاف الطموح

في مشهد عابر من مسلسل "زيزينيا"؛ يحاول عامل أن يشارك اثنين من الجاليات الأجنبية في تجارتهما. أخبره أحد الأجانب بأن أكثر ما يروقهما فيه هو "طموحه". وبمجرّد سماعه هذه الكلمة، امتعض واعتقد أنهما يحاولان السخرية منه، أو في الغالب ظنّها "شتيمة"، وطالبهما بأن يتحدثا معه بكلام مفهوم. العامل لا يعرف القراءة والكتابة، أتى من الصعيد لكي "يأكل عيش" حرفياً، بدأ صبياً في وكالة، وكبر وتشرّب التجارة وكيفية عقد الصفقات، حتى وصل به الأمر لمشاركة أجانب في تجارتهم.

لم يحاولا السخرية منه في الحقيقة، بل كانا معجبين به جداً، لكن ما سعى المشهد في إبرازه بينما يتناول واقع مجتمعنا في فترة الأربعينيات، أن العامل، كغالبية المصريين حينذاك، لم يعرف معنى الكلمة، لا عن جهل فردي أو قلة وعي أو ثقافة، لكن طبيعة الواقع الاجتماعي ومحدودية الحراك الاجتماعي لم يسمحا بتواجد "معنى" راسخ حول إمكانية تعديل الوضع الاجتماعي، وبالتالي تشكيل تصوّر لما يمكن تسميته "طموح".

بالنظر إلى واقعنا المعيشي اليوم، لن تكون مفردة "الطموح" مثاراً للاستغراب أو الاستعجاب، بل نجد تصورات عديدة يحركها مفهوم "الطموح"؛ حيث روّاد أعمال وبرجوازيون يتحدثون عن محورية مفهوم "الطموح"، ودوره في نجاحهم وبناء ثرواتهم وتطوير ذاتهم. أيضاً تشكل نسبة الشباب في الفئة العمرية بين 15-35 نسبة لا تقل عن 40% من المجتمع، وبالطبع ليس بالصعب عليهم الحديث عن طموحهم، لكن محاولة التفكير في المسافة الزمنية، من الأربعينيات فصاعداً، ومقدار ما تراكم من معان بخصوص "الطموح"، يجعلنا نتساءل: ما هي الأسس والمعايير التي شكلت في الماضي ماهية الطموح؟ وبالتالي ما إن كانت هذه الأسس والمعايير باقية أم لا؟

أظن أن أول مسار اجتماعي لتشكيل معنى للطموح بدأ في الخمسينيات والستينيات، فلأول مرة تزحزحت الصورة المعيارية عن المصري "الفلاح" الذي خُلق لكي يظل ظهره محنياً وجبهته أقرب للأرض. المسار الذي زرع في أذهان العديد إمكانية أن أولادهم وبناتهم من الممكن ألا يكونوا "فلاحين". ويجب أن يؤخذ في الاعتبار أن "فلاح" ليست سخرية أو استهزاء أو عنصرية -بالطريقة الفجة المستخدمة الآن- لكنها وضع اجتماعي وطبقي يشكل غالبية المجتمع المصري. لم يكن هذا المسار مجرد وعد بتعليم مجاني ووظيفة حكومية وراتب شهري ومزايا اجتماعية تشمل تأمينات صحية ودعم للسكن والمواد التموينية، بل امتد هذا الوعد مُحمّلاً بطموح لم يكن أحد يتخيله من قبل، وهو أن يحكم البلد كلها أحد "أبناء الفلاحين".

 كان هناك حراكاً اجتماعياً استطاع تشكيل معنى حقيقي للطموح؛ طموح بأن تتعلم، وأن تصبح موظفاً، ثم لاحقاً تصبح "أفندياً". وبحلول السبعينيات، التي عرفت حينها عصر "الانفتاح"، اكتشف كثيرون، كما تخبرنا الروائية المصرية أروى صالح، في رواية "المبتسرون"، انتهاء عصر "الأحلام الكبرى"، وتدشين عهد "الواقعية"، حيث لا أحلام ولا هدف ولا موضوع للحياة سوى التملّك، مصدر الأمن والأمان وجائزة السباق الذي يخوضه أفراد شعب لم يعد يجمعهم سوى صراع جهنمي من أجل البقاء.

استعراض مسيرة تطور مفهوم "الطموح" كان ضرورياً، قبل البدء في الحديث عن هذا "الصراع الجهنمي" الذي ستخوضه أجيال ما بعد السبعينيات فصاعداً. وبجانب مفهوم "الطموح"، ذاكرتنا أيضاً تحتفظ بمفردات أخرى مثل "القطط السمان" و"الحيتان"، واليوم نعيش ونشاهد "الشاركس"، لكن يبدو من المهم أن نسأل: كيف يرانا هؤلاء "الشاركس"؟ ما هي الصورة التي يروننا فيها أفراداً ومجتمعاً؟ وبتناول هذه الأسئلة يتبين لنا ما إذا كانت هذه التصورات تعزّز مفهوم الطموح أم تلغيه؟

بجانب مفهوم "الطموح"، ذاكرتنا أيضاً تحتفظ بمفردات أخرى مثل "القطط السمان" و"الحيتان"، واليوم نعيش ونشاهد "الشاركس"، لكن يبدو من المهم أن نسأل: كيف يرانا هؤلاء "الشاركس"؟ ما هي الصورة التي يروننا فيها، أفراداً ومجتمعاً؟

أزمة الطموح

بعدما انتهيت من مشاهدة مقابلة لأحد رجال الأعمال وعضو في تجمّع "الشاركس"، وجدتني أتساءل: ألهذه الدرجة يحتقروننا ولا يروننا؟ من في مصر يستطيع استيعاب هذا الحديث فضلا عن تحقيق الحد الأدنى منه؟

كان يتفاخر أن شركته قامت بتعليم "400" فرد وأصبحوا "قباطين"، ويتحدث عن حلول سحرية لتحقيق دخل عال. الأمر في غاية البساطة والسلاسة -بالنسبة له بالطبع- تخيل أن تتعلم لغة واحدة فقط، كاللغة الألمانية، وتتحصّل على راتب شهري يصل إلى 30 ألف جنيه. أيضاً من الممكن أن تتعلم "كودينج" وتجد وظيفة براتب 2000 يورو شهرياً.

بهذه الكيفية لا ينظر "الشاركس" لمعطيات الواقع الاجتماعي، ويتكشّف ما أعنيه بنظرة الاحتقار التي لا تأخذ في الحسبان آلاف الخريجين كل عام، ممن لا يجدون فرص عمل متناسبة مع ما تعلموه على مدار سنوات، ومنهم من يعمل بعيداً عن مجال دراسته، في وظيفة أو اثنتين، بعدد ساعات يصل إلى 15 ساعة وأكثر، لكي يتحصّلوا على راتب يقترب أو يفوق قليلا الحد الأدنى للأجور (6000 جنيه) وبالتالي فالحديث عن "أزمة الطموح" التي يراها "الشاركس" مسألة شخصية، تظهر باعتبارها "مشكلة اجتماعية"، تتعلق بالأسس والمعايير التي لا تُلبي بالأساس الاحتياجات الأولية والضرورية لاستمرار الحياة، وظيفة وراتب واستقرار معيشي، ومن ثم لن يستطيع الفرد التفكير في طموحه بينما لا يعرف بالأساس كيف يعيش.

تتأكد نظرة الاحتقار أكثر في حديث آخر لأحد "الشاركس" عندما يطالب بأن نكون مثل الصين، نعمل 12 ساعة يومياً، ستة أيام في الأسبوع. الحديث عن "التجربة الصينية" لا يلتفت إلى إجراءات تم اتخاذها على مدار أربعة عقود لانتشال ما يقرب من 850 مليون شخص من براثن الفقر المدقع، كما لا يلتفت إلى إجراءات أخرى جرى اتخاذها من قبل حكومة الحزب الشيوعي الصيني، التي من الممكن أن تسجن أو تعدم أحد رجال الأعمال، أو تخفيه تماما عن الأنظار وتستحوذ على ثروته وأصوله، كما فعلت مؤخراً مع رجل الأعمال الصيني الأشهر "جاك ما" مؤسس "علي بابا".

لم يتحدث "الشارك المصري" عن التجربة الصينية من منطلق المعرفة أو من باب التوجه الاجتماعي أو مواجهة الفقر، ولكنه وقف على ما يراه مناسباً لتصوره الذي يخدم مصلحته، حيث يرى في الموازنة بين العمل والحياة الشخصية "كلام دلع". في مقابلة أخرى تكشف لنا عن الصورة التي يحملها "الشاركس" في مخيلتهم عن الموظف أو العامل المثالي. يخبرنا أنه قام بتصفية استثماراته في ألمانيا، لأن "العمال هناك يرتكبون مصائب"، ويقصد أنه لا يستطيع أن يطلب منهم العمل في أيام العطلات، كما يعجز عن جعل يوم العمل أطول ساعة أو اثنتين، بينما في مصر، وعلى حد قوله: "الناس طيبين ومتعاونين"، ويرضون بأكثر من ذلك، وبصدر رحب. تعكس هذه "الطيبة" حالة الـ "لا حول ولا قوة" التي تطبّع بها العاملون والموظفون، والتي تجعلهم عرضة للشراء بدلاً من التوظيف، بلا أجور عادلة أو ساعات عمل محددة، وفي غياب تام للجهات المسؤولة عن العمّال، ومصادرة ومنع كل ما يربط العاملين معاً، سواء بشكل نقابي أو اجتماعي، ما يترك العمال في وضع يُسهّل استغلالهم من ناحية؛ ويطبّع هذا الاستغلال اجتماعياً وثقافياً من ناحية أخرى، وتمريره من خلال صفات مثل "العمال الغلابة"، المغايرين للعمال الأوروبيين، غير الطيبين والذين يرتكبون المصائب.

أتذكر عند وفاة رجل الأعمال الشهير محمود العربي، وكثرة التعليقات والأحاديث حول مدى "احترامه". بالنظر إلى مضمون هذا الاحترام نجد أسبابه في كونه يمنح العمال أجوراً مناسبة، ويحرص على إدراج عماله في التأمينات وضمانات اجتماعية أخرى، والحقيقة هي تناسي العديد أن الأجور والتأمينات والضمانات الاجتماعية والحصول على إجازات ... إلخ، كل هذه الأشياء لم تكن يوماً مِنحاً أو عطايا، بل حقوق للعامل. وجانب كبير من صياغتها في بند "الحقوق" لا يرجع أيضاً إلى لُطف أصحاب الأعمال أو مراعاة ضمائرهم، لكنها صيغت بعد نضالات وأثمان عظيمة يحفل بها تاريخ الطبقات العاملة.

المؤسف في الأمر أن التناسي لم يعُد حصراً على رجال أعمال اليوم فقط، بل طال جانباً كبيراً من الطبقة العاملة التي شهد دخولها لسوق العمل في العقود الأخيرة تراجعاً غير مسبوق على مستوى الحقوق، حتى أصبح من يمنح العمال حقوقهم يُرى أنه استثنائي وغاية في الاحترام.

لم يتحدث "الشارك المصري" عن التجربة الصينية من منطلق المعرفة أو من باب التوجه الاجتماعي أو مواجهة الفقر، ولكنه وقف على ما يراه مناسباً لتصوره الذي يخدم مصلحته، حيث يرى في الموازنة بين العمل والحياة الشخصية "كلام دلع"

خصخصة الطموح

تتشكل بالفعل أزمة حقيقية في الطموح، ولكنه عكس ما يدعيه هؤلاء "الشاركس"؛ إنه طموح متعلق بالبقاء والوجود. لذلك هناك سوء فهم للسؤال الاستنكاري الذي يجري على لسان العديد من العاملين والعاملات حين يواجهون تعسفاً في نيل أبسط حقوقهم: "ماذا بأيدينا فعله؟". لا يمكن فهم العجز في هذه الصيغة بكونه متعلقاً بافتقاد القدرة على الفعل، بل إن العجز يصل لعدم تخيل أو تصور ما يمكن فعله بالأساس، وكأن العادي والطبيعي هو أن تعمل بلا حقوق، وبلا داعٍ لعقود تضمن هذه الحقوق.

وفق هذه الصورة تكون الأولوية التي يعطيها "الشاركس" للعمال المصريين دوناً عن الأوروبيين، أولوية نابعة من سهولة التحايل والاستغلال من ناحية، وضمان تعطيل قدرات العمال على مواجهة هذا الاستغلال من ناحية أخرى. الوضع الذي أنتج التطبيع مع أمور باتت تُرى بديهية وغير مدعاة للاستغراب؛ كأن تمضي على استقالتك بينما تستلم وظيفتك، أو تعمل بلا ورق أو أي إثبات عمل، أو تتجاهل الخصومات والعقوبات والجزاءات المرتبطة بعدم تحقيق المستهدف "التارجت"، أو يكون راتبك معتمداً بالأساس على حجم المتحقق من البيع المطلوب منك شهرياً، أو أن يُطلب منك أن تعمل ساعات وأيام إضافية... إلخ، من ممارسات يتم تمريرها وتبريرها، بينما هي بالأساس بمثابة "تعدٍ" على العامل أو الموظف.

شيء مُخجل بحق، بينما نتحدث عن الطموح وما نرغب في تحقيقه، نجد أنفسنا مرتدين للوراء؛ حيث تزايد الشكوك في تأمين أساسيات الحياة المادية، وهذا هو جوهر أزمة الطموح. فالصعوبة والمشقة ليست فيما يمكن أن يفعله الفرد ليصل إلى طموحه، بل في الظروف التي من المفترض أن يعمل فيها ويتصور ويخطط لمستقبله وطموحه، وفي الوقت الذي تُبنى فيه تصورات "الشاركس" على أننا نشهد "تقدماً وتطوراً"، فإنه بالنسبة لأولئك الذين ما زالوا مضطرين لبيع قوة عملهم كل صباح، كيف يحظون بنصيبهم من هذا التقدم؟

لا يعتمد الأمر على أخلاقيات أصحاب الأعمال وملاك الشركات، بينما نتحدث عن "أجرة عادلة لقاء يوم عمل عادل"، وبحسب الفيلسوف الألماني فريدريك إنغلز، فإن العدالة تبدو وكأن كلا الطرفين يجب أن تتوفر له شروط متكافئة منذ البداية بالذات، ولكن الحال ليس هكذا، فالرأسمالي إذا لم يستطع الاتفاق مع العامل، يمكنه أن ينتظر وأن يعيش على رأسماله. أما العامل فلا يستطيع هذا، فليس لديه ما يعيش عليه سوى أجره، وعلى ذلك فهو مضطر لقبول العمل "عندما وحيثما وبأَيّة شروط يستطيع". هذا نوع غريب من العدالة بحسب إنغلز.

الأغرب من هذا ما يتحدث عنه "الشاركس" تحت اسم "المسؤولية المجتمعية للشركات". ومن السرد السابق يتبين لنا مضمون وجوهر هذه المسؤولية التي لا تعترف إلا بنموذج "رائد الأعمال" كمعيار للنجاح والحق في الطموح، في مواجهة مفردات مثل "عامل" أو "موظف" أو "فلاح". رائد الأعمال الذي بالنسبة له كل شيء "صفقة"؛ كيف يفكر في دقائق ليأخذ قراراً استثمارياً؟ وما هي المخاطر المحتملة والمكاسب المتوقعة؟ كل هذا يتباهى بقوله "الشاركس" متخيلين أنه مصدر للإلهام وتعزيز للطموح، ويبقى السؤال: ما هي الصفقات التي تعوّض فقدان كثيرين للأمل في تحسين أوضاعهم ومواقعهم الاجتماعية؟


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard
Popup Image