هل تكون هيئة تحرير الشام المفاجأة الكبرى في المشهد السوري بعد سقوط نظام الأسد؟ وكيف ستتعامل مع التحديات التي تواجهها في مرحلة انتقالية معقدة؟
هناك -من المعارضة نفسها- من يشك في قدرتها على تحقيق وعود "التعددية في الحكم"، وتجنب الوقوع في فخ الاستبداد بزيٍّ جديد. مع سؤال مشروع لا يغيب عن ذهن أحد اليوم، حول قدرة من وُصفوا سابقاً بالإرهاب على صناعة معجزة سياسية كالديمقراطية؟
مع انفراد حكومة الإنقاذ بتسيير المرحلة الانتقالية، تتشابك الطموحات بالتحديات، في الوقت الذي لا يزال فيه كابوس المفاضلات الأسدية القائل "إما أنا أو الفوضى" حاضراً في الذهن الجمعي السياسي السوري. وبرغم كل هذا يبدو المشهد السوري وكأنه على أعتاب فصل جديد، حيث يبقى المستقبل مفتوحًا على كل الاحتمالات.
أسئلة كثيرة يطلقها المشهد السوري الراهن تاركًا إجاباتها برسم المستقبل المنظور، ويتمحور غالبها حول حقيقة انفتاح هيئة تحرير الشام على القوى السياسية والعسكرية الموجودة على الساحة السورية، بعد أن قادت الهيئة بتاريخ 27 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي جهودًا مشتركة أدت إلى إسقاط نظام الأسد.
هل يمكن للإسلاميين صنع تعددية؟
سرعة وأحادية تصدّر حكومة الإنقاذ، الذراع المدني لهيئة تحرير الشام، لإدارة المرحلة الانتقالية في دمشق، تخاطر بإثارة معارضة داخلية وربما صراع داخلي، حسب تشارلز ليستر، وهو زميل أول، مدير برامج سوريا ومكافحة الإرهاب والتطرف في معهد الشرق الأوسط، وذلك بعد نقل حكومة نظام الأسد لسلطاتها إلى هيئة انتقالية تقودها حكومة الإنقاذ.
"إلا أن أي جماعة في موقعها، تتولى زمام الأمور من نظام منهار في بلد منهك، ستتصرف بنفس الطريقة"، حسب إفادة الزميل البارز في مركز كارنيغي للشرق الأوسط، يزيد صايغ، لوكالة رويترز. ويضيف: "هيئة تحرير الشام تسعى بوضوح إلى الحفاظ على الزخم على جميع المستويات. هناك مخاطر متعددة مع تحديدها الأولويات ووتيرة الآتي. إحداها هو تأسيس شكل جديد من الحكم الاستبدادي في زي إسلامي".
مع ذلك، فإن تنوع المجتمع والمعارضة السورية يصعّب احتكار مجموعة واحدة للنفوذ. إلى جانب حرص تركيا، وهي الداعم المؤثر للمعارضة، على تشكيل حكومة يمكن أن تحظى بدعم دولي، حسب صايغ.
في هذا السياق، أشار وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، إلى رغبة أنقرة برؤية حكومة وطنية/شاملة غير إرهابية (حزب البي واي دي الكردي) في سوريا. ومثله قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، إن الانتقال في سوريا يجب أن يؤدي إلى "حكم ذي مصداقية وشامل وغير طائفي" يتماشى مع قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 لعام 2015، عبر عملية انتقال سياسي بقيادة سورية تيسّرها الأمم المتحدة.
يرى مراقبون بأن سرعة وأحادية تصدّر حكومة الإنقاذ، الذراع المدني لهيئة تحرير الشام، لإدارة المرحلة الانتقالية في دمشق، تخاطر بإثارة معارضة داخلية وربما صراع داخلي، إلا أن أي جماعة في موقعها، تتولى زمام الأمور من نظام منهار في بلد منهك، ستتصرف بنفس الطريقة
ومن جانبه، أكّد الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية "استمراره في العمل على إتمام انتقال السلطة إلى هيئة حكم انتقالية ذات سلطات تنفيذية كاملة، لتحقيق سوريا حرة ديمقراطية تعددية".
لكن الائتلاف اشتكى من انفراد هيئة تحرير الشام بالحكم، عبر تنصيب حكومة الإنقاذ لقيادة المرحلة دون تشاور معه أو مع الفصائل المسلحة، حسب مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة. مشيرًا إلى أسباب شخصية بعيدة عن التوافق وقبول الآخرين تقف وراء اختيار محمد البشير لرئاسة الحكومة المؤقتة، في ظل انتمائه لجماعة الإخوان المسلمين وقربه من أحمد الشرع، قائد هيئة تحرير الشام.
هل سيدعم المجتمع الدولي من "كانوا" إرهابيين؟
إنما، لضمان بقاء الهيئة على المسار الصحيح وأن تكون الحكومة الانتقالية شاملة، يجب أن يكون المجتمع الدولي ثابتًا بدعمه لهيكل الحكم الجديد، حسب زميل برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تشاتام هاوس، نيل كويليام. منوهًا لمصلحة تجمع واشنطن وبروكسل وأنقرة وعمان وباقي العواصم الخليجية والعربية في نجاح قصة سوريا.
الأهم لدى كويليام هو قيادة السوريين لعملية انتقال سياسي يدعمها المجتمع الدولي وليس العكس. فالطريق مليء بالتحديات، والسوريون يعرفون ويفهمون ذلك جيدًا. مع ذلك، فإن شعور النشوة والوحدة الذي يتقاسمه أغلبهم، يجب أن يحفز المجتمع الدولي على تقديم الدعم الفوري للحكومة الانتقالية، بغض النظر عن تكوينها.
"فيما يتعلق بدوائر المعارضة، أعتقد أنها الخاسر الأكبر في أي حديث اليوم"، قال قتيبة إدلبي، وهو زميل أول ومدير مكتب سوريا في المجلس الأطلسي، لرصيف22. يضيف: "هذه الدوائر أصلاً وضعت ضمن إطار سياسي لتمثل الحالة الشعبية عام 2012-2013، لم يكن لها هيكلية قيادة وسيطرة، ولم يكن لها تمثيل أو قيادة سياسية وعسكرية. وهذا الأمر لم يعد موجودًا على الأرض اليوم. للأسف لم تحاول المعارضة التقليدية، خلال كل السنوات السابقة، استغلال الواقع لبناء حالة شعبية أو للتواصل مع أطراف الأمر الواقع كما كان يجب عليها".
لتوحيد البندقية تحت قيادة مؤسسة واحدة تجنباً للفوضى والاقتتال الداخلي، قام الشرع بزيارة مدينة درعا في جنوب سوريا. وبعد اجتماعه بأحمد العودة، قائد غرفة عمليات الجنوب.
للأسباب الآنفة، يعتقد إدلبي بأن دوائر المعارضة هذه ستجد نفسها اليوم خارج المعادلة، وربما بشكل كامل تمامًا. وينطبق الأمر على الائتلاف وهيئة التفاوض وعلى الحكومة المؤقتة بالتأكيد.
وخلال لقاء صحفي، عارض قائد إدارة العمليات العسكرية نقل أو مناصفة السلطة مع جماعات المعارضة الخارجية، في إشارة إلى الائتلاف الوطني والحكومة المؤقتة المنبثقة عنه وسواهما.
"لا يمكن تهميش الأشخاص والقيادات والكفاءات، كأفراد لا كيانات. لكن لا يمكن قبول طلب كيان سياسي بالحكم أو نقل السلطة إليه. نحن قمنا بكل شيء تقريبًا"، هذا ما قاله أحمد الشرع، مضيفًا: "لقد أخطؤوا التقدير، اقتصر عملهم على حديث غير واقعي عن إسقاط نظام الأسد، وعلى الذهاب إلى الدول والسفارات للمطالبة بإزالة الأسد، وبأنهم بديل عنه".
وحقيقةً فإن حديث الشرع أعلاه لم يجانبه الصواب أبداً، بل إنه حديث ملطّف على مكون مهم من مكونات المعارضات المتفرقة، والتي هيّأت لها كل مقومات النجاح على الصعيد المحلي والإقليمي والدولي، بسبب الخلافات البينية والرؤية السطحية لطبيعة العلاقات الدولية ومتطلباتها، إضافة لسقوط المعارضة الخارجية في مستنقع الوكالة عن الدول بدل الشراكة والتحالف معها، مع الفشل بتقديم ضمانات مطلوبة وموثوقة للأطراف المحلية والإقليمية والدولية، أو لرؤية واضحة لسوريا ما بعد الأسد.
فشل الإئتلاف السابق.. يُدفع ثمنه اليوم
بجانب ذلك، فشل الائتلاف والحكومة المنبثقة عنه بتنظيم نفسيهما بطريقة مؤسساتية، ما أدى مؤخراً إلى الفشل بإقناع الشارع السوري بأنه بديل ديمقراطي عن نظام الأسد، في ظل ما بات يُعرف لدى هذا الشارع بـ"تدوير الطربوش".
وأهم من ذلك، الفجوة الكبيرة بين العملين السياسي والعسكري، نتيجة هامشية قبضة الائتلاف الوطني على الجانب المسلح للثورة (الجيش السوري الحر أو الجيش الوطني)، مع الفشل بترجمة الانتصارات الميدانية إلى مكاسب سياسية تخفّف نزيف الدم السوري، أو للانضواء ضمن تحالفات عسكرية فرضها ظهور تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش). وجميعها أسباب موضوعية من وجهة نظر معدّ التقرير، بحكم سوريّته، أدت لتآكل شعبية الائتلاف لدى الشارع السوري الثوري.
أولوية تجنب الفوضى
"يجب أن يؤكد الشرع سلطته بسرعة لتجنب الانزلاق إلى الفوضى"، هذا ما يقوله لوكالة رويترز الخبير في الشؤون السورية ورئيس مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما، جوشوا لانديس، مستأنفاً: "لكن عليه أيضاً توسيع نطاق قدرته الإدارية من خلال جلب التكنوقراط وممثلي المجتمعات المتنوعة".
ولتوحيد البندقية تحت قيادة مؤسسة واحدة تجنباً للفوضى والاقتتال الداخلي، قام الرجل الأول في المشهد السوري الحالي بزيارة مدينة درعا في جنوب سوريا. وبعد اجتماعه بأحمد العودة، قائد غرفة عمليات الجنوب، صدر بيان عن الجهة الأخيرة واصفاً الاجتماع بأنه "خطوة مهمة نحو توحيد جهود قوى الثورة بقيادة مركزية موحدة تحفظ حقوق الجميع، وتضمن مشاركة فاعلة من كافة أبناء الوطن في بناء الدولة السورية بما يقودها نحو مستقبل آمن ومزدهر، إلى جانب تحديد أولويات المرحلة المقبلة، وتنسيق العمل وتعزيز التعاون في كلا المجالين، المؤسسة العسكرية والإدارة المدنية".
عارض الشرع نقل أو مناصفة السلطة مع جماعات المعارضة الخارجية، في إشارة إلى الائتلاف الوطني والحكومة المؤقتة المنبثقة عنه، حيث قال: "لا يمكن تهميش الأشخاص والقيادات والكفاءات، كأفراد لا كيانات. لكن لا يمكن قبول طلب كيان سياسي بالحكم أو نقل السلطة إليه. نحن قمنا بكل شيء تقريبًا"
والغالب أنه في الوضع الحالي، أو على الأقل خلال الفترة القادمة، لن يكون هناك انفتاح كبير على جهة من خارج التحالف الموجود ما بين الهيئة وباقي الفصائل بشكل أساسي، نتيجة الحاجة لفرض نوع من الاستقرار، لا سيما وأنه - عملياً - فهروب بشار الأسد لا يعني أن بقايا النظام غير موجودة في سوريا. وهو ما يدركه مجتمع الفصائل باختلافاتها، حسب إدلبي، معتقداً أن ذلك سيؤدي لغياب أي تصادم فيما بينها. الاستثناء الوحيد في هذا الجانب، قد يكون فيما يتعلق بالجبهة الجنوبية أو قوات أحمد العودة، نتيجة تخوّف واضح من تحول هذه القوات إلى "بروكسي" لإحدى الدول الإقليمية بهدف تغيير الوضع على الأرض. أما بالنسبة لباقي الفصائل، فهناك الكثير من الجوامع التي يمكن من خلالها لهيئة تحرير الشام الاتفاق معها على إطار موحد.
وانعكاساً للتنوع في سوريا، تحدث الشرع عن تحقيق اللامركزية في السلطة إلى جانب بناء مؤسسات الدولة. وقال في حديثه لـCNN: "سوريا تستحق نظاماً إدارياً مؤسسياً، لا يوجد فيه حاكم واحد يتخذ قرارات تعسفية".
قسد... الرقم الصعب
على ضوء هذا الانفتاح، أعربت قيادة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) عن استعدادها للعمل مع حكومة دمشق الجديدة. كما رفعت علم الثورة السورية المرصّع بالنجوم الثلاث في مناطق سيطرتها. ومؤخراً أكد زعيم "قسد"، مظلوم عبدي، استعداده للتواصل مع الحكومة الجديدة، لافتاً إلى أهمية الحوار في تحديد مستقبل سوريا وضمان حقوق جميع مكوناتها.
ولتداخل هذه المسألة مع الجوار التركي، يعتقد إدلبي بأنه مع انتهاء نظام الأسد، وحسب ما سيجري مع هيئة تحرير الشام، سنرى إما حالة اتفاق بين الهيئة وقوات "قسد" بشكل يضمن نوعاً من البقاء لـ"قسد" داخل المناطق الكردية، أو عملية تركية تدفع بالجيش الوطني شرقاً باتجاه مناطق شمال شرق سوريا. وفي كلتا الحالتين، يبدو أن قوات "قسد" في موقع خاسر.
خبير: "سنرى إما حالة اتفاق بين الهيئة وقوات قسد بشكل يضمن نوعاً من البقاء لها داخل المناطق الكردية، أو عملية تركية تدفع بالجيش الوطني شرقاً باتجاه مناطق شمال شرق سوريا.
"لكن على الجانب الآخر، سيجد الجيش الوطني نفسه بدون غطاء سياسي تركي مباشر، نتيجة تراجع أو زوال الحاجة إليه. ففي ظل وجود شريك قوي أمنياً وعسكرياً، مثل الهيئة، لا أعرف حقيقة ما الحاجة إلى الجيش الوطني؟" يضيف.
بعد زوال النظام وتلاشي قواته، يتصدر المشهد السوري أربع قوى عسكرية: قوتان مركزيتان هما هيئة تحرير الشام وقوات سوريا الديمقراطية. وبجانبهما قوات الجيش الوطني في مناطق شمال وشمال شرق سوريا، ولكن بنسبة أقل بكثير من مناطق سيطرة "قسد" التي تسيطر أيضاً في هاتين المنطقتين، إضافة إلى قوات الجنوب في درعا ومحيطها، والتي عادت مجدداً إلى امتدادها الثوري بعد موجة مصالحات بدأت بعد عام 2018. والأخيرتان أقل توحيداً ومتانة مؤسساتية.
ومع إنشاء الهيئة حكومة دمشق المؤقتة، لا تزال أجزاء كبيرة من سوريا خارج أيديها. ومن أجل تحقيق أهدافها في تشكيل الدولة، سيتعين على الهيئة دمج هذه الجهات الفاعلة، إما من خلال المفاوضات والتسوية، أو بالإكراه والقوة، على الرغم من أن ذلك قد يثير عداءً سياسياً واسعاً.
مع ذلك، يبدي قائد الهيئة وإدارة العمليات العسكرية براغماتية وحساً سياسياً يفوق التصور، نتيجة خلفيته الأيديولوجية الراديكالية مع حداثة دخوله المعترك السياسي، ما يمنح الاطمئنان على وحدة سوريا واستقرارها، وأملاً بتجنب انحدارها إلى أتون الحرب الأهلية. وبعيداً عن أي هيمنة لمكون أو فصيل، سياسي أو عسكري أو ديمغرافي، بسبب العوامل الديمغرافية السورية وتنوع توجهات مراكز القوى الأخرى.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Husband let me know -
منذ يومهلا
Husband let me know -
منذ يومهلا
مستخدم مجهول -
منذ يوملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 4 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ 6 أياملا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...