في الحادية والثلاثين من عمرها، قررت سعاد طيّ صفحة الزواج مؤقتاً، بعد أن انهارت كل المواصفات التي وضعتها لاختيار زوج مناسب، وذلك لأسباب "مادية".
تقول الشابة المغربية: "عُرض عليّ الزواج أربع مرّات من قبل أربعة أشخاص بخلفيات اجتماعية مختلفة، وفي كلّ مرة جلسنا فيها للحديث والتعارف، كنا نناقش مداخيلنا وكيف سنوزعها على مصاريف الحياة الزوجية، عوض مناقشة رؤيتنا للزواج".
الزواج... استثمار مربح؟
وفق تعبيرها، حاولت الشابة الثلاثينيّة، مجاراة "الموضوع"، في البداية، في سبيل أن "تحظى هي الأخرى بزوج"، وأن "تكوّن أسرةً"، لكن نمط الحياة و"المبادئ" التي نشأت وفقها لم تكن لتسمح لها بتقبّل الأمر.
تضيف: "كان أبي القائم الوحيد على مصاريف أسرتنا، أما أمي فكانت تبادر بالمساهمة إن كثرت المصاريف دون أن يطلب منها والدي ذلك".
في كلّ مرة جلسنا فيها للحديث والتعارف، كنا نناقش مداخيلنا وكيف سنوزعها على مصاريف الحياة الزوجية، عوض مناقشة رؤيتنا للزواج
ترى سعاد أن فكرة اقتسام مصاريف الزواج مناصفةً والحسابات الماليّة الضيّقة، أصبحت تسيطر على عقول شباب اليوم كون نظرتهم إلى الزواج تغيّرت وباتت مؤسسة الزواج تمثل لهم استثماراً ينبغي أن ينجح. وتستطرد: "لم يعد في مقدور الجميع اليوم جمع المال لتوفير مسكن وسيارة، لذلك يبحثون عن زوج أو زوجة لتساعدهم على تحقيق ذلك".
اقتسام مصاريف البيت... طمع واستغلال؟
التقت غزلان، وهي موظفة في شركة للتأمين، بابن إحدى صديقات والدتها الذي يصغرها بسنتين للتعارف بغية الزواج، لتفاجأ بسؤالها عن مدخولها ومصاريفها. تحكي: "سألني الشاب عن احتياجاتي الشهرية، وفي عملية حسابية أجراها اقتطع تلك المصاريف من مدخولي كل شهر ليكوّن فكرةً عن قدر المال الذي سأوفره لمعيشتنا".
لم تبد الشابة البالغة ثلاثةً وثلاثين عاماً رفضها منذ البداية، فقررت الاستماع إلى كل مقترحات العريس لتأخذ فكرةً عامةً عن الزواج المقترح عليها. تضيف قائلةً: "ذهب أبعد من السؤال عن كمّ المال الذي أملكه، ليسألني عما إذا كنت في صدد تسديد قروض، وإذا ما كان بإمكاني سحب قرض بمبلغ حدّده هو لنشتري بيتاً نسكن فيه".
اعتذرت غزلان من الشاب ووالدته قائلةً إنها غير قادرة على الزواج منه، دون أن تخبره بسبب الرفض الرئيسي، بينما أيّدت والدتها قراراها مؤكدةً لها بأن "نية الشابّ لم تكن الزواج فعلياً وإنما الحصول على مصدر من المال يمكّنه من توفير ما عجز عن توفيره وحده"، وفق تعبيرها.
في أثناء زيارتها لخالتها، تعرفت نعمة (24 سنةً)، على أحد أقاربها الأبعدين وتقرّرت خطبتهما من طرف العائلة، وهي الفترة التي كانت تخوّلها التعارف أكثر ثم الانتقال بعد الزواج إلى الديار الأمريكية حيث يقيم خطيبها.
نية الشابّ لم تكن الزواج فعلياً وإنما الحصول على مصدر من المال يمكّنه من توفير ما عجز عن توفيره وحده
دامت فترة الخطوبة قرابة العام، التقت فيها نعمة خطيبها طوال أسبوع إجازته في المغرب، ثم أكملا تواصلهما عبر الهاتف، وحاولا مناقشة كل ما يتعلق بالحياة الزوجية حيث وعدها باستكمال دراستها في الولايات المتحدة الأمريكية وأن تعمل كي لا تشعر بالملل أو الغربة.
بعد أن توطّدت علاقتهما، فاجأها بقرار مخالف لما وعدها به. تقول: "في البداية طلب مني أن أوقّع على ورقة تقضي بعدم استفادتي من نصف ممتلكاته إن حدث بيننا الطلاق، بحكم أنه ميسور الحال، ثم بعد مدة طالبني بأن أدفع مقابلاً شهرياً للبيت الذي سنسكنه برغم أنّه يملكه وبأن أساهم بنصف حاجياتنا كل شهر بشكل متساوٍ".
اقتسام المصاريف... نمط زواج جديد؟
بتصفح "التجمعات" المغربية الخاصة بمواضيع الزواج على مواقع التواصل الاجتماعي، وفي مقدمتها فيسبوك، يصادفُ القارئُ عدداً مهماً من المنشورات التي تطلب المشورة حول طريقة اقتسام مصاريف الحياة الزوجية بين الزوجين، أو تسأل عن مدى نجاح هذه الطريقة في تدبير شؤون مؤسسة الزواج. والظاهر أن الكثير من الشباب أصبحوا يشترطون أن تساهم الزوجة المستقبلية بنصف مصاريف البيت بما أنها "تعمل وتحصل على راتب".
وإن كانت شابات كثيرات يرفضن هذا الشرط عادّات أنه يعبّر عن "طمع" من طرف الشريك المستقبلي في ممتلكات المرأة، يرى البعض الآخر أنه نمط حياة جديد، يمكّن من التغلب على مصاعب الحياة الحديثة التي تحتاج إلى مصاريف كبيرة، خاصةً في المدن الكبرى مثل الدار البيضاء والرباط.
قرّرت سهام وزوجها اقتسام المصاريف، اعترافاً منهما بضرورة انتهاج هذا المبدأ. تقول: "فتحنا حساباً مشتركاً نضع فيه ما يكفي من المال لتغطية حاجياتنا الشهرية بالتساوي"، وتضيف الشابة التي تبلغ تسعةً وعشرين عاماً، وهي أم لطفلين قائلةً إنها دأبت برفقة زوجها على وضع لائحة بما تحتاجه الأسرة من أكل ولباس وتنقل وتطبيب ويقتسمان المجموع مناصفةً بينهما، وإن كان مدخولها يقلّ بكثير عن مدخول زوجها الذي يعمل طبيباً صيدلانياً.
التقت سهام زوجها قبل ثماني سنوات، واتفقا على أن يتعاونا في ما يخص أعباء الحياة ومتطلباتها. تردف قائلةً: "لم ألمس في كلامه منذ أول حديث لنا في الموضوع شيئاً من العيب، فالأكيد أن الحياة الزوجية ليست مشاركةً للسرير فقط، وإنما هي قرارات أهم من ذلك بكثير".
إن كانت شابات كثيرات يرفضن اقتسام مصاريف البيت عادّات أنه يعبّر عن "طمع" من طرف الشريك المستقبلي في ممتلكات المرأة، يرى البعض الآخر أنه نمط حياة جديد، يمكّن من التغلب على مصاعب الحياة
على غرار سهام، إيمان فتاة في بداية عقدها الثاني تطمح إلى تكوين أسرة وفق "معايير حديثة" بعيداً من الصورة النمطية التي كرّسها المجتمع عن المرأة، وفق تعبيرها. تقول: "أعتقد بأن الوقت قد حان كي نغيّر من بعض العادات التي لم تأتِ بالنفع على مفهوم الزواج في مجتمعنا المغربي. فلا المرأة مجرّد سيّدة تقوم بأشغال البيت ولا الرجل حصّالة نقود. على الطرفين أن يكونا فاعلين داخل مؤسسة الزواج وأن يتقاسما الواجبات بالتساوي ابتداءً من التنظيف والطبخ وصولاً إلى تغطية المصاريف".
هي الفكرة نفسها التي عبّر عنها أيمن (35 سنةً)، الذي برغم أن اقتراحه تقاسم المصاريف على النساء اللواتي تقدّم لخطبتهنّ قوبل بالرفض، إلا أنه لم يتنازل عن شرطه. يقول: "غلاء المعيشة والأزمات الاقتصادية التي نعيشها تحتّم علينا أن نكون يداً واحدةً ونساعد بعضنا البعض في كل الأمور. تغيّرت الحياة عما كانت عليه قبل عقود ومتطلباتها ازدادت وهو ما يحتم تغيير أسلوب الحياة والبحث عن سبل جديدة لتكوين أسرة".
مصير الأسرة مشترك
تحولات كثيرة طرأت على بنية المجتمع المغربي ومسّت بدورها لبنته الأساس، فلم تعد الأسرة المغربية ذات أدوار موزعة ومحدّدة بين الزوجين كما قبل، حيث الرجل يتكفل بالتدبير المالي وتوكل إلى المرأة مهمة تربية الأبناء وبقية أعباء المنزل.
إذا كانت الموارد المالية بيد كل من الرجل والمرأة فالقرار بالضرورة يكون مشتركاً بينهما
في هذا الصدد يقول الباحث في علم الاجتماع زكرياء أكضيض: "يظهر أننا انتقلنا من أحادية التدبير المالي المرتبطة بالهيمنة الذكورية التي يظهر فيها الرجل باعتباره مركز الإنتاج الاقتصادي، إلى مجتمع آخر يسير بخطى ثابتة نحو إشراك المرأة في الإنتاج الاقتصادي".
تعليم الفتيات وتوفير فرص عمل أكثر للنساء وغيرهما من البرامج والخطط التي تسعى إلى إشراك المرأة في عجلة النمو الاقتصادي والاجتماعي، ساهمت بدورها في صناعة عقليات جديدة وتغيير مفهوم التراتبية في الأسرة ليحل محله مفهوم المشاركة.
وفق أكضيض: "لا يمكن أن نفصل بين الموارد المالية والقرار الأسري، فإذا كانت الموارد المالية بيد الرجل فالقرارات الأسرية بيده، وإذا كانت الموارد المالية بيد كل من الرجل والمرأة فالقرار بالضرورة يكون مشتركاً بينهما".
ويضيف: "ارتبطت القوامة في المخيلة الاجتماعية بالرجل، فهو الفرد الملزم داخل الأسرة بتوفير احتياجاتها من المال، أما في بعدها الثقافي فقد اتسع نطاقها إلى درجة أنها أصبحت قادرةً على استيعاب المرأة المنتِجة، ولم يعدّ الأمر يتعلق بالذكر أو بالأنثى، بل بالفرد المنتِج".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...