شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
هل يُغيّر

هل يُغيّر "الترفيه" السعودي قواعد اللعبة السياسية مع إيران؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والتنوّع

الاثنين 2 ديسمبر 202405:21 م

لسنوات طويلة، كانت المنافسة المذهبية هي رأس حربة المواجهات بين السعودية وإيران في صراع النفوذ الإقليمي الذي بدأ منذ الثورة الإسلامية في إيران أواخر سبعينيات القرن الماضي، إلا أن التحولات الثقافية والفكرية التي تبنتها المملكة مؤخراً، جعلت التساؤلات تتصاعد حول شكل هذه المنافسة، لاسيما وأن البلدين وقعا اتفاقاً لعودة العلاقات الدبلوماسية بينهما برعاية صينية في آذار/ مارس 2023، بعد قطيعة استمرت لسنوات احتجاجاً على اقتحام السفارة السعودية في طهران عام 2016 من قبل مواطنين رافضين لتنفيذ حكم الإعدام بحق الرمز الشيعي السعودي نمر النمر. 

آخر العروض الترفيهية التي شهدتها العاصمة السعودية الرياض كان استعراضياً ضخماً، قدّمه المصمم اللبناني إيلي صعب تحت عنوان The 1001 Seasons of Elie Saab قبل أسبوعين، سبقته عروض ترفيهية ورياضية، شارك فيها نجوم عالميون، بالإضافة إلى استقطاب لاعبين دوليين للاحتراف في الدوري السعودي لكرة القدم، وهو ما جرّ انتقادات واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي وفي وسائل الإعلام للسعودية، اعتماداً على المكانة الدينية التي تتمتع بها.

المنافسة لم تنته باتفاق تطبيع العلاقات

تجزم الباحثة الأردنية، فاطمة الصمادي، المتخصصة في الشأن الإيراني، بأن المنافسة بين طهران والرياض لم تنته بعد، وأن الفترة المقبلة ربما تشهد توظيفاً لأدوات جديدة لضمان كل طرف الحفاظ على نفوذه الإقليمي.

مسار العلاقات ما زال حذراً، رغم اتخاذ خطوات دبلوماسية مهمة من خلال تبادل الزيارات رفيعة المستوى والبعثات الدبلوماسية. إلا أن العديد من القضايا الحاسمة لم يتم حلها ولا يمكن فصلها عن العلاقات بين البلدين، وعلى رأسها قوة الردع الإيرانية، بما في ذلك صواريخها الباليستية، التي لا تزال مصدر خلاف أساسي بين إيران ودول الخليج، وخاصة السعودية

وتقول الباحثة في ورقة بحثية لها نشرها مجلس الشرق الأوسط للشؤون العالمية، إن "الاتفاق الذي وقع في آذار/ مارس 2023، لن ينهي المنافسة بين البلدين"، مؤكدة أن الطريق أمام العلاقات الإيرانية السعودية لا يزال طويلاً.

تمثال سليماني يثير أزمة 

الصمادي تستدل في طرحها، إلى ما حدث في حزيران/ يونيو 2023، حينما طلبت المملكة العربية السعودية تغيير مكان المؤتمر الصحافي المشترك بين البلدين، إذ كانت الغرفة التي اختارها الجانب الإيراني تضم صورة لقائد فيلق القدس الراحل قاسم سليماني، وهو ما لم يفضله السعوديون.

وتشير إلى أن الحادث تكرر في تشرين الأول/ أكتوبر 2023، حين انسحب فريق الاتحاد السعودي من أمام فريق سباهان الإيراني رافضاً اللعب في مدينة أصفهان، التي تضم تمثالاً لسليماني أيضاً، مؤكدة أن تعزيز العلاقات السعودية الإيرانية يتطلب أكثر من النوايا الحسنة، إذ لا تزال هناك حالة من التنافس بينهما، تشمل التنافس الإقليمي على المكانة والنفوذ على مستوى العالم الإسلامي. 

وتصف الباحثة الأردنية مسار العلاقات بأنه ما زال حذراً، رغم اتخاذ خطوات دبلوماسية مهمة من خلال تبادل الزيارات رفيعة المستوى والبعثات الدبلوماسية. إلا أن العديد من القضايا الحاسمة لم يتم حلها ولا يمكن فصلها عن العلاقات بين البلدين، وعلى رأسها قوة الردع الإيرانية، بما في ذلك صواريخها الباليستية، التي لا تزال مصدر خلاف أساسي بين إيران ودول الخليج، وخاصة السعودية.

الخلاف الأيديولوجي يهدد التقارب

ويتفق معها الباحث السعودي، مطير الرويحلي، المتخصص في العلاقات الدولية، في أن "استعادة العلاقات بشكلها الطبيعي سيحتاج إلى وقت طويل وجهد، فما تم هدمه في سنوات لا يمكن بناؤه في أيام"، لافتاً في تعقيب له في ورقة بحثية عنوان "مستقبل العلاقات السعودية الايرانية في عهد الرئيس مسعود بزشكيان"، والمنشورة في ملتقى أسبار، إلى أن الاختلاف الأيديولوجي "السني/الشيعي" سيجعل من الصعب التوصل إلى صيغة تفاهم مشترك.

وعطفاً على ذلك، يقول لرصيف22 الباحث السعودي فواز كاسب العنزي، المتخصص في الشؤون الإستراتيجية والأمنية، إن "أدوات المنافسة الإقليمية بين المملكة العربية السعودية وإيران ستشهد تغيرات في ظل التحولات الدولية والإقليمية، بما في ذلك وصول قيادات جديدة على المستوى الدولي، مثل فوز الرئيس دونالد ترامب بالانتخابات الأمريكية".

ويضيف: "سرعة هذه التغيرات تعتمد على طبيعة المصالح المتداخلة وتوازن القوى في المنطقة، وخاصة مع الدور الأمريكي المتغير الذي غالباً ما يؤثر على ديناميكيات الشرق الأوسط".

الدين سيظل حاضراً في المشهد

ويشير العنزي إلى أنه "تاريخياً، عُرفت السياسة السعودية بالاعتدال، مع التزامها بتوسيع دائرة السلام في المنطقة، وهذا النهج يعكس عقيدتها الأمنية التي تتطور باستمرار لمواكبة المتغيرات، مع الحفاظ على استقلالية القرار السياسي، ورغم اعتبار الولايات المتحدة حليفاً استراتيجياً، لا تنتظر المملكة إملاءات خارجية، بل تتبنى سياسات تخدم مصالحها الوطنية وتتكيف مع التحديات الإقليمية والدولية". 

"تاريخياً، عُرفت السياسة السعودية بالاعتدال، مع التزامها بتوسيع دائرة السلام في المنطقة، وهذا النهج يعكس عقيدتها الأمنية التي تتطور باستمرار لمواكبة المتغيرات، مع الحفاظ على استقلالية القرار السياسي، ورغم اعتبار الولايات المتحدة حليفاً استراتيجياً، لا تنتظر المملكة إملاءات خارجية"

ويتفق معه الباحث المصري محمد خيري، المتخصص في الفلسفة الإيرانية، إذ يقول لرصيف22 إن "المتغيرات الدولية وفي مقدمتها فوز ترامب، ستخلق نوعاً من التوتر بين إيران وأمريكا، قد تصاحبه رغبة من ترامب في الحصول على مكاسب مالية جديدة لمواجهة الأزمات التي يعانيها الاقتصاد الأمريكي".

ويضيف أن "هذه الحالة قد تدفع طهران والرياض إلى مزيد من التنسيق لمواجهة الضغوط الأمريكية المحتملة، لا سيما في ظل التوقعات التي تشير إلى أن ترامب قد يطالب الرياض بمزيد من الإنتاج النفطي للسيطرة على أسعار النفط العالمية التي أثرت بدورها على الأسعار في العالم".

ويوضح أن "المملكة غيرت من سياساتها وتبنت سياسيات منفتحة خلال السنوات الماضية، في محاولة لتوظيف القوة الناعمة لتحسين صورتها على المستويين الإقليمي والدولي، لا سيما بعد حل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واستضافة المدن السعودية لعروض فنية وترفيهية يشارك فيها مشاهير العالم، وفي مقدمتها موسم الرياض".

ويرى الباحث المصري أنه بالرغم من الانتقادات الكثيرة الموجهة للسعودية بسبب هذه الحفلات على المستويات المجتمعية، لا يمكن القول إن الرياض ستتخلى عن مكانتها الدينية لصالح الفن والموسيقى، باعتبارها حاضنة الإسلام الأولى ولما فيها من اماكن مقدسة. وعليه،  لا يمكنها إهمال هذا الجانب.

الدين ضمن السردية الأمنية السعودية

يتفق مع هذا الطرح ما يقوله أحمد ناجي، الباحث في مركز كارينغي لدراسات الشرق الأوسط، الذي يشير إلى أن "الدين سيظل أحد الأوراق التي توظفها الدولتان في صراعاتهما الإقليمية حتى بعد تبني السعودية لسياسات أكثر انفتاحاً، والدليل الدعم الذي قدمته المملكة للجماعات السلفية في أكثر من دولة عربية لا سيما في اليمن ضمن المواجهة مع جماعة أنصار الله الحوثية المدعومة من إيران".

ويصف ناجي في مقال الموقف السعودي من سلفيي اليمن بالمزدوج، مشيراً إلى أنه بالرغم من تراجع السلفية داخل السعودية، عكفت المملكة على تعزيز تحالفها معهم في أكثر من موقع وليس في اليمن فقط، بل تكرر الموقف في ليبيا أيضاً.

ويكمل "بعد أن كانت السلفية حتى العقد الماضي قوة ناعمة تنتشر من خلال التعليم الديني، أصبحت اليوم جزءاً من القوّة الصلبة للسعودية، إذ بات طلّابها مقاتلين في ساحات الحرب اليمنية، كما شهدت الجماعات السلفية المدخلية المدعومة من السعودية تحولاً مماثلاً".

أما الباحث التركي أوموت جان أديسونميز، المتخصص في الدراسات النقدية الأمنية، فيرى أن السردية الأمنية السعودية تقوم على ركيزتين رئيسيتين، محلية وإقليمية، الأولى تركز على الأمن الوجودي للحد من الصراعات السياسية المحلية ضد النظام وإدارته، حيث يجري توظيف الخطاب السياسي والديني لضمان الاستقرار المحلي، بينما على المستوى الإقليمي يتم حشد سردية الأمن الوجودي لتوسيع النفوذ الإيديولوجي والسياسي على منطقة الشرق الأوسط وموازنة الحركات المناهضة للهيمنة. 

ويؤكد في ورقة بحثية له أن سرديات الأمن الوجودي السعودية ترى أن التمدد الشيعي يمثل خطرا سياسياً على السعودية ودول الخليج.

السلفية حاضرة في انتخابات إندونيسيا

تظهر قوّة الحضور الديني المتأثر بالأفكار الواردة من السعودية خلال السنوات الماضية في الانتخابات الإندونيسية التي جرت في عام 2019، فعلى الرغم من عدم وجود ارتباط مركزي بين سلفيي إندونيسيا والرياض، فقد كانوا مؤثرين في الانتخابات التي شهدتها البلاد، على حد وصف الباحثين محمد إحسان ساندجايا، حنيف عبد الرحمن سيوانتو، في ورقة لهما بعنوان "الدين تحول إلى "سياسة": التواصل الديني السعودي الإيراني".

يقول الباحثان إن "الدين محوري ومركزي ويمثل قوة ناعمة للدولتين "إيران/ السعودية"، كما أنه تحول لقوة ناعمة يمكن توظيفها سياسياً، ورغم ارتباط الجماعات الدينية الشيعية بالمرجعيات الإيرانية فإنّ تأثيرها كان أقل في المجتمع الإندونيسي مقارنة بالسلفيين".

مراجع شيعية خليجية 

في محاولة لفض الاشتباك بين الطرفين، الشيعي والسني، يتوقع الأكاديمي السعودي عبدالله فيصل آل ربح، المتخصص في علم الاجتماع الديني، أن تخلق خلال الفترة المقبلة مرجعيات شيعية خليجية، تكون لها القيادة الدينية بما يتماشى مع النظم السياسية في دول الخليج، وبعيداً عن التبعية لقم الإيرانية أو النجف العراقية، مؤكداً على أن الشيعة في المجتمعات الخليجية تاريخياً كان لهم مراجعهم الدينية المحلية ولم يكونوا مرتبطين بمرجيعات دينية في الخارج، وهي رؤية قد تدعمها القيادة السعودية في المستقبل.

وبالعودة للباحث السعودي، فواز كاسب العنزي، فيؤكد أن "العقيدة الدينية الإسلامية تمثل أساساً متيناً للعقيدة السياسة السعودية منذ تأسيس المملكة على يد الملك عبدالعزيز، مشيراً إلى أنه رغم هذه العقيدة أظهرت المملكة مرونة في مواكبة التحولات العالمية، خصوصاً في السنوات الأخيرة، من خلال تعزيز أدواتها الناعمة مثل الاقتصاد والثقافة، بما يتماشى مع رؤية 2030".

"الدين سيظل أحد الأوراق التي توظفها الدولتان في صراعاتهما الإقليمية حتى بعد تبني السعودية لسياسات أكثر انفتاحاً، والدليل الدعم الذي قدمته المملكة للجماعات السلفية في أكثر من دولة عربية لا سيما في اليمن ضمن المواجهة مع جماعة أنصار الله الحوثية المدعومة من إيران"

ويقول إن "المملكة تنتهج الوسطية في الدين، وهو نهج معروف عن الرياض، حيث تسعى لنشر قيم التسامح والاعتدال التي تمثل جزءاً من هويتها الدينية والحضارية. هذا يميزها عن إيران، التي تُعرف بسياساتها الهدامة المتمثلة في تصدير الإرهاب والتطرف والتدخل في شؤون الدول المجاورة، مما يهدد الأمن القومي العربي"، على حد وصفه.

الإيرانيون يتطلعون لانفتاح مماثل

في اتجاه آخر، يرى الباحث الإيراني ميسم بيزاير، أن "الجمهور الإيراني ينظر بإعجاب للتحولات السعودية، لا سيما في ظل التضييق الذي يفرضه النظام الإيراني على شعبه، والأزمة الاقتصادية، مشيراً إلى أن طهران لا تزال تركز على القواعد الدينية الصارمة، في حين سعت السعودية إلى تعزيز صورة عالمية أوسع نطاقاً من خلال التعامل مع جميع القوى الكبرى". 

ويشير في ورقة  بحثية له إلى أن "الإعلام الإيراني الخاص، دأب خلال الأشهر الأخيرة على المقارنة بين البلدين من الناحيتين الثقافية والاقتصادية، بما في ذلك أرقام الناتج المحلي الإجمالي والدخل القومي الإجمالي للبلدين، وقوّة جوازات السفر النسبية، وتصنيفات الدولتين، ومؤشرات مدركات الفساد، والمساواة بين الجنسين، والحرية الاقتصادية، وغيرها"، مؤكداً أن "هذه التحولات قد تمثل ضغوطاً جديدة على النظام الإيراني المنافس الأبرز للسعودية في الإقليم".

وبرأيه، "هذه التحوّلات تتزامن مع باقة كبيرة من وسائل الإعلام السعودية الموجهة باللغة الفارسية، والتي فتحت جبهة جديدة على النظام الإيراني الذي يقدم نفسه كنسخة ثورية للإسلام في مقابل نسخة عصرية تقدمها السعودية حالياً وهو ما قد يهدد نفوذ إيران في الإقليم وليس العكس".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image