ماذا إن مشينا على رملٍ، وأتى الموج ليمحو آثار أقدامنا؟ هل يتذكر الشاطئ حكاياتنا، أم إن حكايات النساء تحتفظ بذاكرتها، مع تغيير ملامح المدينة وشكل مبانيها؟ يستدعي عرض "ذاكرة الشاطئ" روح مدينة دمياط الساحلية من خلال قصص نسائها.
تناقش مصممة الرقص والمخرجة نيرمين حبيب، في عرضها "ذاكرة الشاطئ"، "كيف يمكن لحركة الجسد أن تحمل ذكريات مدينة بأكملها. تصبح أجسادنا لغةً تحكي قصصاً تلامس ماضينا وحاضرنا. قصص عن نساء شكّلن هوية المدينة ومدى التأثر بالتغيّر البيئي والحضري للمدن من خلال استخدام وسائط فنية مختلفة في الرقص المعاصر والمسرح الجسدي تتداخل مع صور فوتوغرافية وحكي صوتي لحكايات بطلات العرض الذي قُدّم في قصر ثقافة دمياط خلال شهر تشرين الأول/أكتوبر 2024، وأعيد تقديمه مجدداً في مدينة بورسعيد خلال شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي.
تقول نرمين حبيب لرصيف22: "بطلات العرض سيدات من مدينة دمياط انضممن إلى ورشة المشروع للتدريب على الرقص المعاصر والتعبير الجسدي والتصوير الفوتوغرافي لمدة أكثر من شهرين".
ماذا إن مشينا على رملٍ، وأتى الموج ليمحو آثار أقدامنا؟ هل يتذكر الشاطئ حكاياتنا، أم أن حكايات النساء تحتفظ بذاكرتها، مع تغيير ملامح المدينة وشكل مبانيها؟ يستدعي عرض "ذاكرة الشاطئ" روح مدينة دمياط الساحلية من خلال قصص نسائها
وتضيف أن أكبر التحديات التي واجهتها هي تقبّل فكرة الرقص لفتيات وسيدات في مجتمع يعرف هذا الفن للمرة الأولى، خاصةً أنّ هناك فتيات من قرى ومدن خارج دمياط، إلا أنه بعد فترة من اكتساب ثقة الفتيات وتشجيع عضوات في فرق المسرح المستقل أصبح الأمر سهلاً ونتائج المشروع كانت عظيمةً برغم التحديات".
وُلدت نرمين حبيب في مدينة القاهرة لأبٍ يتحدر من محافظة أسيوط في صعيد مصر، وتعمل حالياً كمخرجة عروض فنون أدائية ومديرة مشروع ذاكرة الشاطئ، ومؤسسة مشاركة في شركة "أصداء" المهتمة بالأنشطة الثقافية وتدريب الفاعلين الثقافيين في المحافظات البعيدة عن القاهرة العاصمة، وتركز في الصعيد على محافظات الدلتا. درست نرمين الفلسفة في كلية الآداب، ونشطت في فرق المسرح المدرسي ثم في الجامعة، وبدأت بدراسة الرقص المعاصر في مدرسة متخصصة تابعة لوزارة الثقافة عام 2012.
ترى نرمين أن دراسة الفلسفة ساعدتها في تطوير عروضها التي ترتكز على فكرة انعكاس الواقع الاجتماعي وتأثّر الناس بالضغوط السياسية والاقتصادية، ودمجه بالتاريخ المعاصر والتغيرات الحضرية في المدن من خلال التجربة الذاتية للمؤدي.
"الفكرة في أن الفن والرقص يدخلان في أكثر من مجال، سواء العلاج بالفن الحركي والفنون الأدائية كجزء من مشروع ثقافي في الدلتا والصعيد ودمياط كانت واحدةً من محطاته، وكان التحدي أننا لم نكن نتوقع مدى تقبّل المجتمع للفكرة، وكانت هناك خطط بديلة للسيدات هنا حول كيف يتعلمن الفنون الحركية، لذا مرّ المشروع بمرحلة إعداد طويلة لمدة 6 أشهر للتعريف بالفكرة وإنهاء أوراق حكومية للعمل داخل قصر الثقافة واستقبال طلبات الاشتراك ولكن العمل الفعلي والتدريب استمرا 4 أشهر"، تقول نرمين.
وتضيف: "التعامل في البداية كان من خلال عضوات في فرق مسرحية مستقلة، إلا أن أغلب المشاركات كنّ يتعلمن الرقص للمرة الأولى، ولكن التفكير في وجود شراكة محلية رسمية جعلنا نتواصل مع قصر الثقافة الرسمي، ليكون نقطة ثقة في التعامل مع السيدات. وبرغم أنّ إنهاء الأوراق الحكومية استغرق وقتاً أطول، إلا أن الأمور بعد إنهائه أصبحت أسهل".
حكايات النساء لنيل دمياط
تفسر نرمين حبيب اختيارها دمياطَ، بأنها مدينة لها طبيعة بيئية متفردة، حيث أنها تتصل بنهر النيل بفرعٍ يسمّى باسمها، ولها واجهة بحرية كبيرة على البحر المتوسط ونشاط زراعي وصيد وتشتهر بصناعة الأثاث، وكلها حرف يمتهنها الرجال، إلا أن التأثرات الاقتصادية التي طالت المدينة وصناعتها الأساسية وتغير الطبيعة والمناخ في البحر كانت لها تأثيرات سلبية على السيدات اللواتي اضطررن للعمل خاصةً المتزوجات منهن وتحمّل التبعيات الاقتصادية لتوقف أعمال الرجال، وفي الوقت نفسه هذه الضغوط أفرزت تنوعاً في حكايات السيدات التي تحتاج إلى من يرويها.
تعاني 24.3% من سيدات محافظة دمياط في سنّ العمل (ما بين 15و65 عاماً)، من البطالة، بحسب تقرير إحصائي للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء (تقدير عام 2023)، لذا اضطرت غالبيتهنّ إلى العمل في مهن بسيطة لتغطية الأعباء.
يحكي "ذاكرة الشاطئ" ذكريات السيدات اللواتي اعتدن على البراح على شاطئ دمياط على البحر المتوسط وضفاف النيل، ثم تقلصت المساحات الواسعة أمامهن بسبب التغيرات في الشكل المعماري للمدينة، وتقلصت معها المساحة الشخصية لهن، فكثير من المناطق البيئية اختلفت حتى المؤسسات الرسمية مثل قصر الثقافة الذي يستضيف العرض، إذ لم يكن يستقبل أي عروض منذ 11 عاماً، كما لم يقدّم أي حدمات لفرق مسرحية محلية منذ عامين كاملين، وحتى العرض نفسه لم يُقَم على خشبة المسرح، وإنما تم تجهيز مساحة أمام درج المسرح في الساحة الخارجية"، تقول نرمين.
تضمن "ذاكرة الشاطئ"، تداخلاً بين الرقص المعاصر والمسرح الجسدي، وإضافة وسائط فنية في معرض للتصوير الفوتوغرافي لعرض صور من إنتاج المشاركات، وحكي صوتي لحكاياتهن في خلفية العرض"، بحسب مخرجة "ذاكرة الشاطئ"
وتضيف لرصيف22: "هنا كان التحدي في الشقّ الفنّي بإنهاء الأوراق مع وزارة الثقافة للشراكة مع قصر الثقافة، ولكن بعد أن انتهت الأوراق أصبح هناك دعم كبير للأنشطة وليس مادياً بالطبع، ولكن الوجود في مكان حكومي منح السيدات ثقةً أكبر في التعامل، وهنا كان التحدي الأهم مع المجتمع لتوضيح أن الرقص ليس عيباً في حد ذاته، ولكن ما وضعه في إطار غير أخلاقي يتم الحكم عليه في هذا الإطار، مثله مثل بقية الفنون عندما توضع في إطار غير أخلاقي، واستغرق الأمر وقتاً لتوضيح أن الرقص المعاصر والفنون الأدائية فنّ، لأن ما ينشر على شبكات التواصل عن الرقص بشكل مبتذل أصبح وصماً سيئاً للراقصين، وهذا ما جعلنا في تحدٍّ للتعريف بأعمالنا السابقة، وبأن الرقص فنّ له بيان وفكرة حتى نكتسب ثقة السيدات ومن ثم أسرهنّ، وهي فرصة للسيدات لاكتشاف حكايتهنّ".
تضمن "ذاكرة الشاطئ"، تداخلاً بين الرقص المعاصر والمسرح الجسدي، وإضافة وسائط فنية في معرض للتصوير الفوتوغرافي لعرض صور من إنتاج المشاركات، وحكي صوتي لحكاياتهن في خلفية العرض"، بحسب نرمين.
كيف نرقص خارج القاهرة؟
تعتمد نرمين في عملها على مدرّبين أكاديميين للرقص خارج نطاق محافظتَي القاهرة والإسكندرية، وأنجزت من خلال عروضها مشروعات للتدريب في مدن الإسماعيلية ودمياط وأسوان والمنيا، والتوسعات هذه تحتاج إلى شراكات ودعم فني ومادي من وزارة الثقافة أو مبادرات مفتوحة للتمويل.
تقول نرمين: "مدارس تدريب الرقص المعاصر ما زالت تابعةً لوزارة الثقافة وبعد إغلاق مدرسة الرقص المسرحي الحديث لمؤسسها وليد عوني قبل 14 عاماً، بدأت مدرسة الرقص المعاصر في دار الأوبرا أيضاً، وقد درست فيها وتخرجت منها ثم أصبحت مبادرةً مستقلةً لأن اهتمامات الوزارة لدعم الأنشطة الثقافية لم تصل إلى الرقص المعاصر، حيث يتركز الدعم على الأنشطة المنتشرة أكثر مثل فرق المسرح أو الكورال الغنائي".
وتضيف: "مبادرات الرقص المعاصر تحتاج إلى مساحة من الانتشار، وبرغم أنه بدأ في القاهرة منذ التسعينيات إلا أنه بعد 30 عاماً بدأ يتخذ مساحته من الانتشار في القاهرة وجزئياً في الإسكندرية، ولكن هذا الانتشار بعيد في المحافظات وتحتاج هذه المبادرات إلى استمرارية. ولكن مفهوم الرقص المعاصر وانتشاره يواجهان تحدياً بين المجتمع والأهل والشخص نفسه، الذي يحتاج إلى تواصل ذاتي حتى يصل بعد وقت طويل إلى التغيير المجتمعي، وانعكاس القضايا المجتمعية على الإنسان ومن ثم المجتمع".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
HA NA -
منذ 3 أياممع الأسف
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ أسبوعحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينعظيم