شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
قراءة في اتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل... هل تتحقق التوقعات الأمريكية؟

قراءة في اتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل... هل تتحقق التوقعات الأمريكية؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والحقيقة

الأربعاء 27 نوفمبر 202405:40 م

في محادثات "كامب ديفيد" عام 1977، أوعز الرئيس الأمريكي جيمي كارتر إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك مناحيم بيغن، بأهمية إخلاء المستوطنات من سيناء كشرط تتضمنه بنود اتفاقيات السلام بين إسرائيل ومصر. لكن بيغن رفض الشرط، قائلاً إنّه أمر غير وارد بالحسبان في كنف حجومته اليمينيّة. فرفع كارتر ورقة الدعم عن بعض الموارد الأمريكية لإسرائيل. وبقدرة قادر، قبلت الحكومة اليمينية بإخلاء المستوطنات، ووقّعت الاتفاقية بتعقيداتها الميدانية وتركيبتها.

صباح اليوم 27 تشرين الثّاني/نوفمبر 2024، دخل اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل حيز التنفيذ، بعد عام من التصعيد العسكري بين إسرائيل وحزب الله، كانت ذروته قرابة سبعين يوماً من الجبهة الفاعلة. ثمّ وصل إلى هذا الاتفاق الذي تم بوساطة أمريكية فرنسية.

يأتي هذا الاتفاق ليذكّرنا مرةً أخرى أن لا حرية تصرّف مطلقة لإسرائيل ما بعد البحر والنهر، بأي شكل من الأشكال. بل على العكس، على إسرائيل أن تدفع صكوك الطاعة والالتزام للرغبات الأمريكية، مهما حاولت الأولى المناورة والتهرب.

ثمّة دائماً خناق يمكن للولايات المتحدة أن تُقبض به إذا تمردت إسرائيل وخرجت عن طاعتها، وهذا على النقيض مما يجري بين البحر والنهر، حيث إنه لم تتمتّع بـ"شبه حريةِ" تصرف.

ثمّة دائماً خناق يمكن للولايات المتحدة أن تُقبض به إذا تمردت إسرائيل وخرجت عن طاعتها، وهذا على النقيض مما يجري بين البحر والنهر، حيث إنه لم تتمتّع بـ"شبه حريةِ" تصرف، بل ترجمت إسرائيل نصرَها بجنوحها؛ حرية التصرف المطلقة ما بين البحر والنهر، معلنة بذلك سيادتها.

فها هو نتنياهو الذي تلاحقه مذكرات اعتقال، يخرج يوم أمس بإعلان طاعة كانت محط شك أمريكي، فيعلن قبول إسرائيل للاتفاق، متذرعاً بأهمية إعطاء -ما سماها- "الراحة" لجنوده، وبأن هناك اعتبارات تسليحيّة، في إشارة ربما لضغوط أمريكيّة تمارس هذا البعد، وبعد وعد إدارة بايدن قبل يومين بـ"رفع الحظر عن شحنات الأسلحة في حال التسوية مع لبنان"؛ الأمر الذي تلازَم مع تهديد المبعوث الأمريكي آموس هوكشتاين بسحب ورقة الوساطة -الورقة التي سيحتاجها نتنياهو عاجلاً أم آجلاً- والتي تأتي في ظل "نتنياهو الضعيف" ذي مذكرات الاعتقال. وهي كذلك، الورقة الأخرى التي يستطيع البيت الأبيض ممارسة الضغط من خلالها، وبأساليب غير مباشرة، رغم علمه اليقين باستماتة نتنياهو لتقديم لبنان على طبق من ذهب لترامب.

فجبهة لبنان، بخلاف جبهة غزة، لديها مقدّرات أمن قومي إقليمي، وأبعاد استراتيجية تفوق أطماع إسرائيل وحدها. فما إسرائيل، إقليمياً -على تمردها ونمردتها- إلا ذراعاً للولايات المتحدة. وهذا التسليح، مهما بلغ، فإنه له ثمن يُكسب بالمقابل؛ ثمن السيطرة وتوظيف إسرائيل إقليمياً.

هنا، كان لزاماً على إسرائيل أن تكون أكثر وضوحاً بشأن مطامعها في لبنان؛ سيطرة: نعم، استيطان: لا. هذه الخطوط الحمراء كانت واضحة أمام إسرائيل. فليس ثمة مطامع أمريكية في تبديل القرى الشيعية التابعة لحزب الله، ببؤر استيطانية صهيونية دينية. وفي البعد الأمني القومي الأمريكي، كلا القوتين سواء، ففي عام 2023، قاطع البيت الأبيض حكومة تل أبيب، بل ومارس على جمهور المستوطنين بعض العقوبات، وإن كانت طفيفة، كإجراء ضاغط لإجلائهم من الحكومة، خوفاً من رؤية المستوطنين المنغلقة، والتي من الممكن أن تأخذ إسرائيل إلى مستوى آخر من التشدّد الديني.

هذه الاتفاقية، أو المبادرة الأمريكية، لم تُبقِ مكاناً لنتنياهو لرفضها، فقد فُصلت تحديداً من أجل أن تتطابق مع مطامعه.

هذا الأمر كان واضحاً لنتنياهو ولجيشه منذ اليوم الأول، بل كذلك لحكومته، وإن "فنطزت" وحلمت بأرز لبنان ومستوطنات فوق جباله. وقد تجلّى ذلك بما أشار إليه الوزير المتطرف سموتريتش بُعيد خطاب بايدن بشأن فرض السيادة على الضفة الغربية. امتحان هذه الحكومة بدأ الآن، بقدرتها على ترجمة هذه الاتفاقية لمحصلات استراتيجية، علماً أن أي محصلة استراتيجية هي أسمى من "عام 2025 هو عام السيادة"، كما قال سموتريتش.

هذه الاتفاقية، أو المبادرة الأمريكية، لم تُبقِ مكاناً لنتنياهو لرفضها، فقد فُصلت تحديداً من أجل أن تتطابق مع مطامعه. وبعيداً عن مبدأ "فض الجبهات"، إلا أن الفصل كان هدفاً استراتيجيّاً بالغ الأهمية بالنسبة إلى إسرائيل من أجل الانفراد بساحتَي لبنان وغزة، كلّ على حدة، وهو ما لا يمكن إنكاره كإنجاز في هذه الورقة.

أتى بند الانسحاب التدريجي لإسرائيل من جنوب لبنان خلال 60 يوماً، مقابل انسحاب كامل وفوري لحزب الله إلى شمال نهر الليطاني. خلال هذه الفترة، سيبدأ الجيش اللبناني انتشاراً تدريجياً في جنوب لبنان لضمان عدم إعادة تشكيل حزب الله لبنيته التحتية هناك. سيخضع الاتفاق لإشراف لجنة خماسية بقيادة الولايات المتحدة. كل هذا يعتبر بمثابة سلم لنتنياهو لينزل من على شجرته. فما بين ضغوطات الديموقراطيين ورغبات الجمهوريين وجب عليه اتخاذ القرار، وكان هذا البند بمثابة اليد التي فكت تعقيد المشهد أمامه.

60 يوماً من الضبابية ومن التعقيدات الميدانية: ما هي حرية الحركة المضمونة لإسرائيل، ما هو المسمى الميداني للجنة الخماسية، ما هي الإجراءات العقابية؟ وما هو تعريف حرية الدفاع عن النفس؟ وربما يكون السؤالان الأهم: متى التزمت إسرائيل باتفاقياتها؟ ومتى عوقبت على خرق البنود؟

وهنا وجب التذكير، إسرائيل لم تمسك بعصا سحرية. كان لديها مخططات عملت عليها منذ عام 2006، معظمها مرّ وصودق عليه من قبل نتنياهو نفسه. وضربات إسرائيل الاستباقية لحزب الله لم تبقِ أمام الحزب الكثير من الخيارات. نعم هذه الجبهة كانت الأكثر إيلاماً بالنسبة لإسرائيل، بل ربما الوحيدة المؤلمة على الصعيد الداخلي. لكنها استفردت بضرباتها الاستباقية بقدرات الحزب الاستراتيجية والعسكرية، والسياسية بالتأكيد.

الآن بات على قيادة الحزب أن تقرر إما أن تغامر بالحزب ولبنان، وإما أن تحاول أن تستشفي بما تبقى لها من قوة في مشهد يخيرها بين أحد المسارين اللذين لن تستطيع أن تجمع بينهما، إما السياسي وإما العسكري وخيار المقاومة. وبالتالي القبول بورقة أقرب ما تكون لأوراق "استسلام فرساي".

فضلاً عن كون الحلبة السياسية الداخلية في لبنان على شفير هاوية، يحاول الجميع أن يمسك العصا فيها من المنتصف قدر المستطاع. وربما كان هذا من ضمن الحسابات الإسرائيلية؛ أن تجعل حزب الله ألماً ووجعاً لبنانياً شاملاً، يضرب الكل في خواصره المختلفة، الأمر الذي لم يعطِ الكثير من الخيارات لقيادات الحزب اليافعة، التي تصدرت غالبيتها المشهد من الصف الرابع.

والآن بات على قيادة الحزب أن تقرر إما أن تغامر بالحزب ولبنان، وإما أن تحاول أن تستشفي بما تبقى لها من قوة في مشهد يخيرها بين أحد المسارين اللذين لن تستطيع أن تجمع بينهما، إما السياسي وإما العسكري وخيار المقاومة. وبالتالي القبول بورقة أقرب ما تكون لأوراق "استسلام فرساي".

وعليه، من المبكر القول إن إسرائيل حسمت ورقة حزب الله، سياسياً في الأقل. لكنها قطعاً لم تحسم "متلازمة 2006"؛ جيش يمتلك سلاحَ طيران من الصنف الأول، لكنه مع مقدّرات ميدانية ما دون المتوسطة في مواجهة فصيل يرتقي، في هذه الحلبة، لأن يكون جيشاً نظامياً. وربما بإمكاننا القول إنها باتت "متلازمة 2024"؛ مقدرات ميدانية متوسطة تستوجب قرارات دبلوماسية للحسم أمام فصيل تغلبت عليه استخباراتياً، لكن الأهم، مع سلاح طيران لا يرتقي فقط إلى أن يكون من الصنف الأول. فقد أثبت هذا العام، بالجزم القاطع، أنه سلاح جو يستقوي على المدنيين والعزل، ويهرب من مواجهة جيوش نظامية كإيران. في الأقل، ليس وحده. 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ألم يحن الوقت لتأديب الخدائع الكبرى؟

لا مكان للكلل أو الملل في رصيف22، إذ لا نتوانى البتّة في إسقاط القناع عن الأقاويل التّي يروّج لها أهل السّلطة وأنصارهم. معاً، يمكننا دحض الأكاذيب من دون خشية وخلق مجتمعٍ يتطلّع إلى الشفافيّة والوضوح كركيزةٍ لمبادئه وأفكاره. 

Website by WhiteBeard
Popup Image