شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
التضامن هو أن تُبعد عني الأذى، لا أن توقعه على نفسك

التضامن هو أن تُبعد عني الأذى، لا أن توقعه على نفسك

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والحقيقة

الأربعاء 31 يوليو 202412:04 م

 لم يحدث أن شهدت المنطقة، في حروب سابقة، هذا الكمّ من الأحداث المتسارعة والتفاصيل اليومية، والتي تُرهق المتابع، أو أي منخرط في الشأن العام، يعتقد في نفسه القدرة على التحليل والاستنتاج. فلا يكاد الإعلام ينتهي من تغطية قضية هنا إلا وتبرز قضية أخرى، مساوية في الأهمية والقوة، وقادرة على أن تقدّم نفسها، أو يقدمها الإعلام، على أنها من صميم الحرب وليست من الهامش.

ننشغل وينشغل الإعلام ويشغلنا، كمتابعين، بحادثة إطلاق مسيّرة حوثية على تل أبيب، ثم ينشغل ويشغلنا بالردّ الإسرائيلي على ميناء "الحديدة"، ولا ننتبه بعد أيام إلى أن التغطية والانشغال انتقلا إلى اجتماع مجلس الأمن الدولي، ثم إلى سقوط صاروخ على قرية "مجدل شمس" العربية في الجولان السوري المحتل، وهكذا. يجري ذلك بسلاسة لا يكاد المتابع ينتبه إليها، ولا إلى اللغة المتّبعة في عملية الانتقال هذه، في محاولة لتصوير أن كل هذه الأحداث إنما هي في إطار واحد وهو الحرب.

يبدو هذا الانتقال السريع من قضية إعلامية إلى أخرى مبرّراً من زاويتين؛ الأولى تتعلّق بوظيفة الإعلام نفسه وهي تغطية الحدث مهما كان نوعه، أي عدم الوقوف عند القضية الأهم التي تشغل بال المتابعين، بل عند القضية الأحدث. بمعنى أن قناة إخبارية معينة، سواء كانت تابعة لمؤسسة إعلامية محايدة، أو لفصيل مقاتل، أو لدولة لها مصالح وأجندات تريد أن تمرّرها، فإن هذه القناة مضطرّة أن تتعامل مع الخبر الطازج، وليس مع الخبر الذي مرّ عليه أسابيع أو شهور.

كيف لأي مهتم بمصير شعبه أن يشرح لأهل غزة عن كيفية استفادتهم من التضامن معهم، أو القتال إلى جانبهم؟

فما معنى أن تقوم، اليوم مثلاً، قناة تابعة لمحور المقاومة بالتركيز على الضربة الإيرانية لإسرائيل، في الوقت الذي يقوم فيه يهود متطرّفون باقتحام معسكر "بيت ليد" لإخراج الجنود المعتقلين من قبل الشرطة العسكرية الإسرائيلية؟ سيبدو ذلك بلا معنى وبلا جدوى، ناهيك عن الغرابة في الشكل والمضمون.

الزاوية الثانية تخصّ الأحداث ذاتها ومدى تسارعها، والقناعة الراسخة بأن هذه الأحداث إنما تتفرّع من، أو تصبّ في، نفس القضية، ألا وهي الحرب الإسرائيلية على غزة. فلا يمكن لأي منبر إعلامي، مهما كانت سياساته أو أجنداته، أن يتعامل مع اعتقال الشرطة العسكرية الإسرائيلية لسجن "سدي تيمان"، لاعتقال جنود متورّطين في تعذيب وحشي لأسير فلسطيني، ومع القصف اليومي على شرق خانيونس كقضيتين منفصلتين. فالمنطق يقول إنه لولا الحرب لما قُصفت خانيونس، وبالتالي لما تورّط جنود في تعذيب فلسطينيين، ولما تم اعتقالهم.

ما تقدّم هو إسهاب، قد يبدو مملاً، في ما هو معروف لأي قارئ أو متابع، وهو إسهاب مقصود في المعروف والبديهي، لكن هذا المعروف المنسجم مع المنطق الإعلامي، قد لا يبدو كذلك إن تم تقييمه حسب المنطق الثقافي أو الفكري أو السياسي. ولأن دور المنشغلين في هذه الحقول هو النبش وطرح الأسئلة، وليس الاكتفاء بما تقدمه وسيلة إعلامية لها أجنداتها، وبما تحاول أن تضخّه من معلومات في أذن المتلقي، والمكتفي عادة بصياغة موقفه العام بناءً على ما تقوله له هذه القناة أو تلك، ولأن هذا كذاك، فإن وظيفة هذا المقال هو التساؤل حول ما فرضه علينا الإعلام من مسلّمات.

علينا أن نهجر العاطفة ومنطق الفزعات، ونتعلم السياسة وأدواتها. غير ذلك سنظل نتضامن مع المظلوم بأن نتساوى معه، لا بأن نزيل الظلم عنه.

برأيي المتواضع، لا حقيقية دامغة في كل ما يجري منذ تسعة أشهر، إلا كون أهل غزة من شعبنا الفلسطيني، تتم إبادتهم بكل أصناف الوحشية التي عجزت عن ابتكار مثيلاتها أية حروب ونزاعات شهدها العالم فيما مضى، فهذه الإبادة ظاهرة للعيان وللكاميرا وللصحفي، وهي ليست يومية وفقط، بل مستقبلية أيضاً حتى لو انتهت الحرب غداً. وهذه الإبادة لا تتم بالصواريخ والقنابل الضخمة والقذائف المدفعية وحسب، بل بالتجويع والأمراض والإرهاق ومنع منظومة المطاعيم عن الأطفال حديثي الولادة، والذين يأتون إلى الحياة بمعدل 180 مولوداً جديداً كل يوم.

لم تقتل الحرب أربعين ألفاً من أهل غزة، بل إن معظم مرضى الكلى، ومرضى القلب، ومرضى السكري، ومرضى السرطان، قد توفوا بسبب نقص الأدوية أو انعدامها. وباختصار فإن أكثر من مائة وثمانين ألف شخص قد فارقوا الحياة بسبب هذه الحرب، حسب دراسة لمنظمات دولية مؤخراً.

أمام هذه الحقيقة المستمرة منذ ما يقارب السنة، كيف لأي مهتم بمصير شعبه أن يشرح لأهل غزة عن كيفية استفادتهم من التضامن معهم، أو القتال إلى جانبهم؟ ولكي تصل الفكرة، دعنا نقوم بطرح السؤال بطريقة أخرى: هل قلّلت ليلة المسيّرات الإيرانية مثلاً من معدل القتل اليومي لأطفال غزة؟ هل قلّصت الصواريخ الحوثية من فترة الحرب عليهم؟ وبإمكان أي متابع أو مهتم أن يضع أي خبر إعلامي يبدو في ظاهره تضامنياً معهم، ثم يسأل السؤال المحرج: كيف وماذا استفادوا؟

لا حقيقية دامغة في كل ما يجري منذ تسعة أشهر، إلا كون أهل غزة من شعبنا الفلسطيني، تتم إبادتهم بكل أصناف الوحشية التي عجزت عن ابتكار مثيلاتها أية حروب ونزاعات شهدها العالم فيما مضى

هذه الأسئلة قد تبدوا للبعض تقاعساً، أو تسليماً بالأمر الواقع الاحتلالي، وهي بالتأكيد ليست كذلك، وهي فوق هذا كله لا تنزع الصفة التضامنية، أو الوطنية، أو حتى النوايا الحسنة، عمّن يقومون بهذا التضامن وغيره، وفوق ذلك لا تنفي الضرر الواقع على دولة الاحتلال وأهميته مهما كان قليلاً، ولكن رغم هذا الاتهام الدارج، ألا يحق لنا، وللواقعين تحت الإبادة اليومية، أن يسألوا؟

دعونا نفكر ونتأمل بمقولة نتنياهو وأركان حكومته وجيشه في أن "إسرائيل تقاتل على سبع جبهات"، ونرى من المستفيد من هذه الحالة، ولماذا يكرّرها أينما حلّ وارتحل. وهنا سنعود إلى الفكرة الإعلامية التي بدأنا بها هذا الإسهاب: لو قلنا، وهذا القول برأيي صائب بقدر كبير، إن الحرب الحقيقية والدائمة تجري في غزة والضفة فقط، وهذه جبهة واحدة في مواجهة الفلسطينيين وحقوقهم المشروعة وأرضهم وبيوتهم، وإن أي تضامن معهم لا يجب أن يتسبّب بالضرر لا لهم ولا للمتضامنين معهم، بمعنى أن يبحث المتضامن عن أساليب سياسية ناجعة لإيقاف هذا الإجرام بحق الشعب الفلسطيني، لا أن يستدرج إجراماً شبيهاً بحقه هو، أليس هذا أفضل؟

لقد قال الحوثي بعد ضرب ميناء "الحديدة" ما معناه إن له الشرف أن العدو الصهيوني يضربه كما يضرب فلسطين. لقد قال ذلك بينما المنطق هو أن كل مواطن أو وطني عربي كان عليه أن يتمزّق قهراً على ميناء الحديدة وهو يشتعل بفعل آلة الإجرام الصهيونية. لكن ومع هذا الشرف المقدّر عاطفياً وأخلاقياً، فإن أهل غزة استمرّوا بالنزوح من مكان إلى آخر وبالموت في كل الأمكنة.

علينا كفاعلين أو كمثقفين أو كسياسيين، سمّهم ما شئت، ألا نكرّر الإعلاميين، وألا نكوّن مواقفنا بناء على الخبر الذي تقدمه هذه القناة أو تلك، حسب مصداقيتها المسبقة لدينا، وعلينا أن نهجر العاطفة ومنطق الفزعات، ونتعلم السياسة وأدواتها. غير ذلك سنظل نتضامن مع المظلوم بأن نتساوى معه، لا بأن نزيل الظلم عنه.

إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

ألم يحن الوقت لتأديب الخدائع الكبرى؟

لا مكان للكلل أو الملل في رصيف22، إذ لا نتوانى البتّة في إسقاط القناع عن الأقاويل التّي يروّج لها أهل السّلطة وأنصارهم. معاً، يمكننا دحض الأكاذيب من دون خشية وخلق مجتمعٍ يتطلّع إلى الشفافيّة والوضوح كركيزةٍ لمبادئه وأفكاره. 

Website by WhiteBeard