بعد يوم إضافي وليلة حافلة باجتماعات استمرت حتّى ما بعد منتصف الليل وشهدت انسحاب عدة وفود تفاوضيّة، اختتم مؤتمر المناخ كوب29 أعماله في العاصمة الأذربيجانية باكو، فجر الأحد 24 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، "بشق الأنفس" كما ورد في البيان الختامي، لينخفض الصخب الذي رافق 12 يوماً من المفاوضات، ويعود الهدوء إلى شوارع المدينة التي غصّت بنحو 50 ألفاً من الزائرين/ات. نهاية جاءت مخيبة لآمال كثير من الحضور.
كل هذه الأيام لم تكن كافية لإقناع الدول الغنيّة بدفع المبلغ الذي طالب به الجميع بداية للتصدّي لآثار تغيّر المناخ في الدول الفقيرة والأكثر تضرراً: 1.3 تريليون دولار سنوياً، وفي الساعة الواحدة ليلاً أعلن رئيس المؤتمر مختار باباييف الاتفاق على النص النهائي الذي تضمّن "دفع 300 مليار دولار سنوياً حتّى عام 2035" وهو ثلاثة أضعاف الالتزام السابق الذي انتهى هذا العام، مع الحثّ على المساهمة بالمزيد.
"بشق الأنفس" ونهاية جاءت مخيبة لآمال كثير من الحضور حتّى وصفها بالعص بـ"قمّة الانقسام"… هكذا اختتم مؤتمر المناخ #كوب29 فعالياته، فما هي أبرز القرارات والتوصيّات التي أقرّها؟ وما دلالاتها؟
وصف كثيرون النص بـ"الخيانة" من قبل قمّة كان يفترض أنها "قمّة التمويل" وأنها ستتضمّن إجراءات أكثر عدالة لدول الجنوب، والبعض ألقى اللوم على رئاسة المؤتمر التي لم تكن حازمة بما فيه الكفاية. واستمر مئات الناشطين في أروقة المؤتمر حتّى ساعات متأخرة وهم يتظاهرون رفضاً للنتائج، وكان على رأس شعاراتهم: "عدم الاتفاق أفضل من اتفاق سيئ".
وأصدرت منظّمة أوكسفام عقب انتهاء المؤتمر بياناً قالت فيه: "تُظهر هذه المحادثات أن الدول الغنيّة تنظر إلى الجنوب العالمي على أنه قابل للاستهلاك مثل البيادق على رقعة الشطرنج، وهذه الصفقة غير جادة وخطيرة، وليست حتّى مالاً حقيقياً وإنما مزيج من القروض والاستثمارات الخاصة، وهي انتصار بلا روح للأغنياء، وكارثة حقيقية لكوكبنا ومجتمعاتنا التي تتعرض للفيضانات والجوع والتشرد بسبب انهيار المناخ. أما الوعود بالتمويل المستقبلي، فهي جوفاء تماماً مثل الصفقة نفسها".
بدوره، أصدر تحالف "شبكة العمل المناخي" بياناً أعلن فيه "رفض نتائج المؤتمر، إذ لم تفِ الدول المتقدّمة بتعهّداتها على الرغم من مسؤولياتها التاريخية، والرقم الخاص بتمويل المناخ غير كافٍ على الإطلاق، ولا عدالة في النص"، متهماً الدول المتقدّمة باستخدام نتيجة الانتخابات الأمريكية كذريعة للدفع نحو قبول النص، داعياً إلى عدم وقف "المعركة" عند هذا الحد.
أما عن أبرز مجريات الأسبوعين الفائتين في أروقة المؤتمر، فجاءت كالتالي:
"مؤتمر الانقسام"
مثل السنوات السابقة، بدأ كوب29 على وقع إنذارات حول الأخطار القاتلة المحدقة بكوكب الأرض نتيجة التغيّرات المناخيّة، مع كون هذا العام 2024 الأكثر حرارة حتّى اليوم، والأعلى في مستوى الانبعاثات الكربونية رغم كل الدعوات والجهود خلال السنوات الماضية لتخفيضها. ووصف الأمين العام للأمم المتحدة هذا العام بأنه "درس متقدّم في الدمار"، كما قال رئيس المؤتمر بأن "دول العالم على أعتاب الدمار بسبب التغيّر المناخي".
لكن الأيام التالية لم تكن سهلة ولم تشهد حقاً توحّد الجميع حول إنقاذ الكوكب. منذ اليوم الأول كان هناك خلاف على أولويات الأجندة التي لم تصدر حتّى وقت متأخر، ومن النقاط الخلافية كان موضوع فرض ضرائب على السلع عالية الانبعاثات الكربونية، وموضوع التمويل، وتقييم نتائج خطط تخفيض الانبعاثات على المستويات الوطنية.
فشل #كوب29 في إقناع الدول الغنيّة بدفع المبلغ المطلوب للتصدّي لآثار تغيّر المناخ في الدول الفقيرة والأكثر تضرراً، وهو 1.3 تريليون دولار سنوياً، وتضمّن الاتفاق النهائي "دفع 300 مليار دولار سنوياً حتّى عام 2035" أي ثلاثة أضعاف الالتزام السابق. وصف كثيرون ذلك بـ"الخيانة"، لماذا؟
وفي اليوم الثالث، شهد المؤتمر انسحاب وفد الأرجنتين، ما أثار مخاوف من انضمامها لصفوف البلاد المناهضة للعمل المناخي مع موقف رئيسها الذي يعتبر بأن "ربط التغيّر المناخي بالأفعال البشرية أمر خاطئ"، خاصة وأن انتخاب دونالد ترامب لولاية رئاسية جديدة في الولايات المتحدة الأمريكية كان بدوره مخيّماً على أجواء المؤتمر، وهو المعروف بسياسته المُنكرة للتغيّر المناخي. كما أنه وعد بالانسحاب مجدداً من اتفاقية باريس التي تلزم الدول الموقعة بخفض انبعاثاتها والحد من احترار الأرض، بعد أن انسحب منها في ولايته الماضية وعاود جو بايدن الانضمام إليها. وعموماً، رأى بعض المراقبين أثناء المؤتمر أن هناك دفعاً "متعمّداً" للتوصل نحو أي اتفاق كان في كوب29، خوفاًَ من انحساب الولايات المتحدة من اتفاقات مستقبلية.
بعدها أعلنت وزيرة التحوّل البيئي الفرنسية عن عدم قدومها إلى باكو، على خلفية تصريحات أدلى بها الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف خلال الأيام الأولى من المؤتمر هاجم فيها فرنسا و"جرائمها الاستعمارية وانتهاكاتها لحقوق الإنسان". وعموماً، تشهد العلاقات الأذربيجانية الفرنسية توتّرات على خلفية دعم الأخيرة لأرمينيا خلال نزاعها مع أذربيجان حول إقليم ناغورنو كاراباخ/ آرتساخ.
"خيبة أمل"
ومع التوصّل البطيء للاتفاق النهائي "غير المرضي" للكثيرين، لكن وصفته بيانات المؤتمر الختامية بأنه "بمثابة بوليصة تأمين للبشرية مع ضرورة الوفاء بالوعود وحماية حياة المليارات"، يشير البعض إلى خشية من عدم وجود لغة حاسمة توضح آلية تمويل العمل المناخي، وعدم احترام حياة من هم في خطر بسبب الكوارث المناخيّة.
وأصدرت منظّمة "غرينبيس الشرق الأوسط وشمال أفريقيا"، بياناً يوم الأحد، أشارت فيه إلى "خيبة أمل عميقة للملايين الذين يعيشون على الخطوط الأمامية لتأثيرات المناخ" من "هذه النتيجة التي لا ترقى إلى مستوى معالجة الحاجة الملحة للأزمة المناخيّة، بما يترك الدول المستضعفة في منطقتنا تتصارع مع أزمة مناخيّة متصاعدة في حين تعجز الدول المتقدّمة الغنيّة عن تحمل مسؤولياتها"، كما نوّهت المنظّمة إلى أن الهدف التمويلي يفتقر إلى الوضوح في ما يتعلق بنوعية التمويل المقترح، وهو ما يثير مخاوف من الاعتماد على القروض بدلاً من المنح وزيادة الأعباء الاقتصادية على الدول المستضعفة.
جدير ذكره أن المؤتمر أيضاً أحرز تقدّماً بشأن الاتفاق على "أسواق الكربون"، وهي أرصدة يمكن تداولها وشراؤها وتتيح للدول الغنيّة الاستثمار بمشاريع خضراء في دول أخرى نامية بدلاً من الالتزام بتخفيض انبعاثاتها الكربونية على أرضها. ذُكر هذا الإجراء ضمن اتفاقية باريس عام 2015 لكنه ظلّ مثار جدل حتّى اليوم بسبب الإمكانيّات الكبيرة للتلاعب فيه، وآليات وأخلاقيات تنفيذه. وفي الوقت ذاته، ترغب كثير من الدول النامية الانخراط بهذا المسار لأنه سيتيح تدفّق الاستثمارات إليها. اليوم دخلت هذه الأسواق حيز التنفيذ وما زالت مثار جدل كبير إذ توصف بأنها "آليات جديدة للاستعمار ويمكن أن تكون لها نتائج كارثيّة على دول الجنوب والمزارعين الصغار"، وهناك تحذيرات كي لا تُعتبر بأي شكل من الأشكال تعويضاً عن التمويل المناخي.
في مقدّمتها الحضور الكبير لجماعات الضغط من شركات الوقود الأحفوري ونصائح روسيا لـ"محطّات وقود ملائمة للبيئة"… إليكم مجموعة من الأخبار التي قد تبدو للوهلة الأولى من إنتاج شبكة "الحدود" الساخرة في مؤتمر المناخ كوب29
"ليتها الحدود"
نحمل أيضاً من كوب29 مجموعة أخبار قد تبدو للوهلة الأولى من إنتاج الزملاء في شبكة "الحدود" الساخرة، من بينها:
-
شهد المؤتمر كما الأعوام السابقة وبالأخص كوب28 في دبي، حضوراً قوياً لممثلي جماعات الضغط التابعة لشركات الوقود الأحفوري، التي يرى كثيرون أنها لا يُفترض أن تُعطى منصّة في قمم المناخ. بلغ عدد هؤلاء الممثّلين نحو 1700 شخص. في حين كان عددهم أكثر من 2400 العام الماضي.
-
قد لا يكون استخدام الطائرات الخاصة الطريقة المثلى لحضور مؤتمر يدعو لحماية البيئة، مع كون قطاع الطيران يساهم بنحو 2.5% من إجمالي الانبعاثات العالمية وتسبّب بنحو 4% من الاحترار العالمي. لكن تقارير تشير إلى أن 65 طائرة خاصة حطت في باكو خلال الأيام الأولى من المؤتمر.
-
تذمّر كثيرون من الأسعار الباهظة جداً للمأكولات والمشروبات داخل الأجنحة، إذ وصل سعر فنجان القهوة إلى 6 دولارات، وصحن السلطة الصغير إلى 15 دولاراً. تداول البعض أخباراً عن وفود لم تتمكّن من تحمّل تكلفة تناول الطعام يومياً، وأُنشِئت مجموعة واتساب بعنوان "طعام مجاني في كوب29" كان الحضور يتداولون فيها أماكن توزيع أطعمة ومشروبات مجانية، كانت حافزاً أحياناً لحضور فعالية معينة بهدف الأكل فقط، "فالجوع كافر".
-
أمكن رؤية الكثير من الأمور المدهشة في أجنحة بعض الدول، مثلاً في الجناح الروسي هناك كتب تلوين للأطفال تسعى لتعليمهم أموراً حول الاستدامة البيئية، ويقوم على طباعة وتوزيع هذه الكتب شركة غازبروم النفطية الحكومية، وقد ضُمّنت داخل الكتب أيضاً نصائح حول كيفية جعل محطات الوقود ملائمة للبيئة.
-
مع انتهاء المؤتمر، نشرت صحيفة الغارديان تقريراً تتحدث فيه عن "اتهامات للسعودية بالتعديل على نص مفاوضات المؤتمر وهو أمر لا يفترض أن يحدث من قبل أي جهة، والسعودية هي من الدول التي تسعى لعدم إدراج أي مواد متعلقة بالتخلص من الوقود في مخرجات مؤتمرات المناخ"، ورغم أن كوب28 تحدّث عن "التخلّص التدريجي من الوقود" كسابقة ضمن هذه المؤتمرات إلا أن السعودية اليوم تبدو وكأنها تريد التراجع.
ماذا ننتظر من كوب30 في البرازيل؟
في غضون ذلك، هل تحتاج مؤتمرات المناخ اليوم لإعادة نظر مرّة أخرى في جدواها وطريقة عملها؟ هو سؤال طرح كثيراً هذا العام في باكو، خاصة مع انتهاء المؤتمر بخيبات أمل كبيرة.
سيعقد كوب30 في تشرين الثاني/ نوفمبر 2025 في بيليم في قلب غابات الأمازون البرازيلية، وقد أشار بيان كوب29 الختامي إلى أنه "علينا أن نضع أعيننا على الطريق إلى بيليم ونضاعف جهودنا"، كما تحدّثت "غرينبيس" عن أنه "يجب أن تكون قمّة بيليم نقطة تحوّل لتصحيح الظلم الذي شهدناه في باكو، وتقديم حلول حقيقية وعادلة تمثّل التزاماً بالعمل المناخي العادل والعاجل". فهل نشهد ذلك حقاًَ؟
*أُنتِجت هذه القصة في إطار برنامج "الشراكة الإعلامية لتغيّر المناخ 2024"، وهي زمالة صحافية نظّمتها "شبكة صحافة الأرض" التابعة لمؤسسة "انترنيوز"، و"ستانلي سنتر" للسلام والأمن.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Nahidh Al-Rawi -
منذ 11 ساعةتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه
Tester WhiteBeard -
منذ 13 ساعةkxtyqh
بلال -
منذ 23 ساعةحلو
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومالمؤرخ والكاتب يوڤال هراري يجيب عن نفس السؤال في خاتمة مقالك ويحذر من الذكاء الاصطناعي بوصفه الها...
HA NA -
منذ 5 أياممع الأسف
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.