تنطلق أعمال مؤتمر المناخ التاسع والعشرين في باكو، عاصمة أذربيجان، مطلع الأسبوع المقبل، وتستمر فعالياته بين 11 و22 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، وسط "كوارث" مناخية لم تنجُ منها العديد من بلدان العالم، وآمال بأن تحقق المفاوضات هذه المرة ما عجزت عنه مؤتمرات سابقة، خاصة في ما يتعلق بالتمويل البيئي، وهو أمر يعوّل البعض بأن المؤتمر الحالي سيكون سباقاً إليه وإلى وضع أهداف جديدة له، لدرجة إطلاق لقب "قمة التمويل" عليه.
ومنذ العام 1995، تقعد مؤتمرات الأمم المتحدة المعنية بتغيّر المناخ سنوياً، بحضور الدول الموقعة على اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ، وهي تهدف إلى خفض انبعاثات الكربون والاحتباس الحراري والحيلولة دون ارتفاع درجات حرارة الأرض على مدار العقود المقبلة لأكثر من 1.5 درجة عمّا كانت عليه قبل العصر الصناعي، والتصدّي لآثار التغيّرات المناخية خاصة في البلدان الفقيرة والأكثر تضرراً، من خلال مفاوضات وإقرار حزم من السياسات والقرارات والخطط.
وفي مؤتمر المناخ السابق كوب28 الذي عُقد في دبي، دعا النص الختامي إلى "الانتقال بعيداً عن الوقود الأحفوري خاصة في مجال الطاقة"، دون أن يكون ذلك ملزماً، الأمر الذي خيّب آمال كثيرين كانوا يتوقعون نصّاً أكثر حزماً في حين رأى البعض أنه خطوة جيّدة نحو تحقيق الآمال المناخية المنشودة.
عن المكان والزمان والحضور
بدايةً، رافق إعلان انعقاد المؤتمر المناخي العالمي في البلد الآسيوي موجة من الانتقادات. فأذربيجان بلد نفطي بامتياز، ويعتمد على الوقود الأحفوري المساهم الأساسي في الأزمات المناخية التي نعيشها اليوم، وهو من أكبر مصدّري النفط في آسيا، كما تخطط الحكومة الأذربيجانية للتوسع في أعمال استخراج النفط والغاز.
بعد النهاية المخيّبة لآمال الكثيرين لمؤتمر كوب28 الذي استضافه دبي، شكوك وتساؤلات حول كوب29 لا سيّما أنه يُعقد في بلد نفطي بامتياز، يعتمد على الوقود الأحفوري المساهم الأساسي في الأزمات المناخية، بل وهو من أكبر مصدّري النفط في آسيا
وفي الوقت نفسه، تدعو أذربيجان إلى "نهج واقعي وعادل" في موضوع استخدام الوقود الأحفوري الذي تعتبره "ضرورة لا بد منها". كما يرأس المؤتمر الحالي وزير البيئة والموارد الطبيعية مختار باباييف، الذي يشغل هذا المنصب منذ عام 2018، وله أيضاً سجل طويل في العمل مع "سوكار" وهي شركة النفط الحكومية في البلاد.
علاوة على ذلك، أعربت منظمة هيومن رايتس ووتش عن مخاوف حقوقية بشأن "السجل المروّع للحكومة الأذربيجانية في ما يخص حقوق الإنسان وقمع حرية التعبير والانتقام من منتقديها بسجنهم" فيما تحدّثت منظمة العفو الدولية عن مخاوف مشابهة.
والجدير ذكره أن التظاهرات والتجمعات ممنوعة في أذربيجان. بذلك هناك تخوفات بشأن تقييد أي تحرّكات أو فعاليات وأنشطة بيئية محتملة خلال مؤتمر المناخ إذ يسعى النشطاء البيئيون الحاضرون عادةً في "كوب" إلى تكثيف وتيرة تحركاتهم ومطالباتهم البيئية وانتقاداتهم للسياسات المحلية والعالمية خاصة في ما يتعلق باستخدام الوقود الأحفوري، والضغط لتحقيق النتائج المرجوة من المؤتمر. علماً أن العديد من المؤتمرات السابقة شهدت تقييداً لهذا النوع من الحراك.
ومن المتوقع أن يحضر مؤتمر هذا العام نحو 50 ألف شخص، ما بين قادة ومسؤولين ووفود تفاوضية وعاملين في المنظمات الدولية، وخبراء وعلماء بيئيين وصحافيين وناشطين في مجال المجتمع المدني ومدافعين عن البيئة والشباب وأفراد من الشعوب الأصلية وقادة نقابات عمالية. هذا فضلاً عن الحضور "الإشكالي" المعتاد لجماعات الضغط المعنية بالوقود الأحفوري وكبرى شركات النفط والغاز العالمية، التي تسعى للدفع تجاه مصالحها بما في ذلك إزالة الوقود الأحفوري في المفاوضات النهائية.
ولا يتوقع حضور عدد من قادة كبرى الدول مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والهند والصين والبرازيل واليابان، خاصة في ظل تقاطع توقيت انعقاد كوب29 مع قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو.
إلى ذلك، تُقعد القمة المناخية هذا العام بعد سلسلة من الكوارث البيئية التي ضربت مختلف القارات، من فيضانات وأعاصير وحرائق وموجات جفاف وغيرها. وتشير بيانات وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا" إلى أن صيف 2024 كان الأشد حراً على الإطلاق منذ بدء تسجيل درجات الحرارة العالمية عام 1880. أحد أهداف قمة المناخ هو قياس التقدم الذي أحرزته بلدان العالم للحد من الانبعاثات الكربونية وعدم ارتفاع درجة حرارة الأرض فوق حد درجة ونصف مئوية قبل عصر الثورة الصناعية، رغم أن هذا الحد يعني بكل الأحوال المزيد من الأحداث المناخية المتطرفة.
كما أن قمة هذا العام تنطلق بعد أيام قليلة من الانتخابات الأمريكية التي فاز بها المرشح الجمهوري دونالد ترامب، وهو أمر يتوقع أن يكون "كارثياً" على العمل المناخي حول العالم مع وصف ترامب للتغيّر المناخي بأنه "كذبة" وتعهده بسحب الكثير من الدعم الموجه للعمل المناخي وبالمزيد من استخراج الوقود الأحفوري. وكان ترامب في ولايته السابقة قد انسحب من اتفاقية باريس للمناخ والتي وضعت عام 2015 لتعزيز العمل المناخي حول العالم، لتكون الولايات المتحدة حينها أول دولة تخطو هذه الخطوة، لكن جو بايدن أعاد بلاده لهذه الاتفاقية خلال ولايته الماضية. وليس واضحاً إن كان ترامب سينسحب منها ثانيةً.
"قمة التمويل"
تبقى مسألة تمويل العمل المناخي واحداً من أهم الأهداف التي يتطلع إليها العالم خلال مؤتمرات المناخ، سواء كنا نتحدث عن التمويل المطلوب لدعم الدول في الانتقال لمسار منخفض الانبعاثات الكربونية، أو تمويل مسارات التكيف مع التغيّرات المناخية والحد من تأثيراتها الكارثية خاصة على الدول النامية، وهو أمر تشدد رئاسة كوب29 على أهمية دعمه وجعله أولوية في المحادثات. ويُطلب من الدول الغنية والأكثر مساهمة في الانبعاثات الكربونية أن تتولى الجزء الأكبر من هذا التمويل.
من المتوقع أن يحضر مؤتمر هذا العام نحو 50 ألف شخص، ما بين قادة ومسؤولين ووفود تفاوضية وعاملين في المنظمات الدولية، وخبراء وعلماء بيئيين وصحافيين ومدافعين عن البيئة فضلاً عن الحضور "الإشكالي" المعتاد لجماعات الضغط المعنية بالوقود الأحفوري وكبرى شركات النفط والغاز العالمية… ما الذي ينتظرنا في كوب29؟
الوصول لهذا الهدف ليس سهلاً إذا أخذنا بعين الاعتبار أن "احتياجات تمويل المناخ والتنمية أكبر كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي في البلدان التي ساهمت بأقل قدر في الانحباس الحراري العالمي والتي يكون فيها الوصول لرأس المال الخاص أكثر محدودية"، وفق تقديرات البنك الدولي، وبأن المبلغ المرجو تعبئته كتمويل للمناخ هو 100 مليار دولار سنوياً حتى عام 2025، وهو هدف نادراً ما تم تحقيقه، كما أنه أساساً أقل من المطلوب.
في المؤتمر السابق كوب28 في دبي، تمت الموافقة على إنشاء "صندوق الخسائر والأضرار" الذي يفترض أن يساعد الدول الفقيرة المتضررة من الكوارث المناخية بتمويل من الدول الصناعية والغنية. لكن نقاطاً عدة أثارت الجدل حينها، ومنها أن الصندوق لم يتلقَ سوى 700 مليون دولار وهو رقم أقل بكثير من المطلوب الذي لا بد أن يكون بالتريليونات لا الملايين.
هذا إلى جانب الخلاف على طريقة دفع هذه التعويضات على شكل منح أو ديون، وآلية تحديد الدول التي يمكن أن تستفيد من الصندوق سواء كانت الدول الفقيرة أو المتأثرة بالنزاعات، مع التركيز على مخاوف بشأن كيفية وشفافية إدارة هذه الدول تحديداً للتمويلات بسبب مستويات الفساد وسوء الإدارة المرتفعة فيها عموماً. ومن المتوقع أن يتضمن المؤتمر الحالي مجموعة من الإرشادات لتشغيل الصندوق ومعاييره.
ويبقى هنا السؤال: هل تتحقق فعلاً كل هذه الطموحات والآمال؟ وما هي حصة بلدان منطقتنا العربية المتأثرة بشكل حاد من الكوارث المناخية ومن النزاعات، من التمويل المرتقب؟ وهل ستكون وفود بلداننا التفاوضية قادرة على فرض بعض من شروطها بهذا الخصوص؟
على الأجندة
من جهة أخرى، أطلقت أذربيجان كرئيسة لمؤتمر المناخ مجموعة من المبادرات، من ضمنها "ًصندوق التحرك لتمويل المناخ CFAF" وذلك "للاستثمار في العمل المناخي في العالم النامي، وسيمول الصندوق بشكل طوعي بمساهمات من البلدان والشركات المنتجة للوقود الأحفوري في مجال النفط والغاز والفحم، وستكون أذربيجان مساهماً مؤسساً من خلال أمانة عامة في باكو، وسيضم مجلس إدارته ممثلين عن المساهمين، وستقوم لجنة تدقيق مستقلة بنشر بيانات ربع سنوية بما في ذلك التقارير المالية وتقييمات المشاريع، وسيتخذ المساهمون القرارات بشكل جماعي"، وفق ما ورد في الإعلان عن المبادرة.
قمة هذا العام تنطلق بعد أيام قليلة من الانتخابات الأمريكية التي فاز بها المرشح الجمهوري دونالد ترامب، وهو أمر يتوقع أن يكون "كارثياً" على العمل المناخي حول العالم مع وصف ترامب للتغيّر المناخي بأنه "كذبة" وتعهده بسحب كثير من الدعم الموجه للعمل المناخي وبالمزيد من استخراج الوقود الأحفوري
وحتى الآن، ما تزال الضبابية تسود المبادرة وغيرها من القرارات المتعلقة بالتمويل المناخي مع عدم الإفصاح من كل الجهات عن المبالغ التي سيتم الالتزام بها. وتتطلع مختلف البلدان خلال المؤتمر إلى الحصول على حصة أكبر من التمويلات المناخية كي تتكيف مع الكوارث البيئية وتسعى للانتقال نحو الطاقة النظيفة.
كذلك تضم مبادرات أذربيجان المعلن عنها ضمن المؤتمر، مبادرة لمعالجة العلاقة بين النزاع والمناخ، وزيادة الاستثمارات في كل المجالات للتكيف مع تغيّر المناخ، وإطلاق حوارات بشأن المياه والزراعة والسياحة وغيرها من القطاعات، وتعزيز تقنيات منها الهيدروجين النظيف، إلى جانب إطلاق منصة "للشفافية المناخية".
وسيشهد المؤتمر مناقشات ساخنة حول قضايا أخرى، مثل فرض رسوم على استيراد السلع ذات التكاليف المناخية العالية وهو أمر سيكون مثار جدل خصوصاً بين الصين والاتحاد الأوروبي، ورسم مسار أوضح لإجراءات التكيف مع التغيّرات المناخية مع الدفع نحو دور أكبر للقطاع الخاص في ذلك وهو يحجم عادة عن الاستثمار في هذا المجال "غير المغري" بالنسبة إليه.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 3 ساعاتتم
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحبيت اللغة.