شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
مواجهة العنف والعشائر و

مواجهة العنف والعشائر و"القانون"… معضلة أن تكون طبيباً في العراق

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والحقوق الأساسية

الأربعاء 4 ديسمبر 202407:54 ص

اعتقد الجراح ياسر قيس، مدير مركز القلب في مدينة العمارة مركز محافظة ميسان، 320 كم جنوب العاصمة بغداد، أن يوم السابع والعشرين من حزيران/ يونيو 2023، سيكون يوم عمل روتيني آخر، ولا سيّما أنه تضمّن عملية بسيطة يجريها، وهي مجرد أخذ خزعة من مريضٍ كبير السن مصابٍ بالسرطان. 

غير أن المريض توفّي بعد ساعات قليلة، وفوجئ الطبيب بعد انتهاء مجلس العزاء بأبناء المتوفى وأقربائه يقتحمون عيادته مدجّجين بالأسلحة ويتهمونه بقتله، "على الرغم من أنهم كانوا قد تعهّدوا عدم التعرّض إليه قانونيّاً أو عشائريّاً" وأخذوا يهدّدونه بالانتقام، فما كان منه سوى الاستنجاد بالجهات الأمنية التي "بدلاً من توفير الحماية له، نصحته بحلّ الموضوع "عشائرياً".

هذا ما يرويه لرصيف22 طبيبٍ زميل له يُدعى قصي، مؤكداً أن د. ياسر، وهو متخصّص في جراحة الصدر والقلب والأوعية الدموية، حاول أن يبيّن عدم مسؤوليته عن الوفاة، كون العملية التي أجراها لا يمكن أن تُفضي إلى ذلك، وأن المريض كان يعاني من جملة مشاكل صحية بسبب كبر سنه فضلاً عن إصابته بالسرطان. 

لكن ذوي المتوفى هدّدوه بالقتل إذا لم يدفع "الديّة" التي قرّرها فصل عشائري (جلسة تتضمّن حكماً عشائرياً فاصلاً بين الخصمين)، ومقدارها 80 مليون دينار، فاضطر إلى غلق عيادته وكتب على بابها: "غلق العيادة إلى إشعار آخر، بسبب التهديدات العشائرية، وخدلان المسؤولين، حسبنا الله ونعم الوكيل". وأُجبر في في 25 آب/ أغسطس 2023 على تسديد المبلغ، ومن ثمّ "طلب من وزارة الصحّة نقله إلى خارج المحافظة"، يقول زميله آسفاً.

غلق عيادة الطبيب ياسر مجيد

حالات كثيرة مماثلة يواجهها أطباء وممرضون على حد سواء في المؤسّسات الصحية الحكومية والخاصة في جميع أنحاء العراق، ينتهي بعضها باعتداءات مميتة، غير أن ما يُرصد منها قليلٌ جداً، وفقاً لمصدر في نقابة الأطباء العراقيين، وأطباء قابلهم معد التحقيق. 

ذلك لأن الكوادر الطبّية المُعتدى عليها تتعرّض عادةً إلى ضغوط عشائرية تمنعها من تقديم أو مواصلة الشكاوى القضائية خوفاً من الانتقام، ولا سيّما إثر توقّف ممثلي دوائرهم القانونية عن تبنّي أو متابعة قضاياهم لدى المحاكم، لينجم عن الاعتداءات والسكوت عنها، هجرة الكثير من الأطباء إلى مناطق أخرى آمنة، سواء داخل العراق أو خارجه.

الكوادر الطبّية المُعتدى عليها في العراق تتعرّض عادةً لضغوط عشائرية تمنعها من تقديم أو مواصلة الشكاوى القضائية خوفاً من الانتقام، ولا سيّما إثر توقّف ممثلي دوائرهم القانونية عن تبنّي أو متابعة قضاياهم لدى المحاكم، لينجم عن الاعتداءات والسكوت عنها، هجرة الكثير من الأطباء إلى مناطق أخرى آمنة، سواء داخل العراق أو خارجه

حوادث متكرّرة 

في إحصائية لمجلس القضاء العراقي الأعلى، نشرتها الصحيفة التي تصدر عنه، في 31 آذار/ مارس 2024، أكدت إقامة 182 دعوى اعتداء على كوادر طبية خلال ثلاث سنوات فقط في العاصمة بغداد. الحصيلة الأكبر منها كانت في محكمة استئناف الرصافة وبلغت 151 دعوى، بنسبة 83%، بينما أقيمت في محكمة استئناف الكرخ 31 دعوى، أي بنسبة 18%. 

وبحسب ما ذكر قاضي محكمة تحقيق الرصافة، حيدر منصور، في نشرة المجلس، فإن دعاوى الاعتداء على الأطباء التي نظرتها محكمة استئناف الرصافة عام 2021، بلغت 14 دعوى، وفي عام 2022، سجّلت 43 دعوى، وارتفع العدد إلى 77 دعوى عام 2023، وخلال الأشهر الثلاثة الأولى من 2024 سجّلت 17 دعوى. 

ووفقاً لإعلام مجلس القضاء، فإن هذه النسب من دعاوى الاعتداء على الأطباء ظهرت بعد تخصيص قاضٍ مختص لنظر تلك الدعاوى عام 2020. وتقول مصادر في وزارة الصحّة إن الاعتداءات زادت ضد الأطباء خلال فترة جائحة كورونا إذ ارتفعت معدلات الوفيّات والكثير من الأهالي كانوا "يُحمّلون الكوادر الطبّية المسؤولية، فيهاجمون أفرادها في المستشفيات وحتّى خارجها".

في حين تؤكد مصادر قانونية وطبية مطّلعة على الأمر أن الاعتداءات على العاملين بالقطاعين العام والخاص ترتفع معدّلاتها مع تراخي سلطة الدولة وتدهور الأمن كما حدث في فترة ما بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 وحتّى تحرير المناطق التي كان يسيطر عليها تنظيم داعش منتصف عام 2017. تضيف المصادر أن الأطباء والصحافيين والمحامين هم أكثر الشرائح تعرّضاً للاعتداء عادةً، كونهم يعملون بدون غطاء أمني يحميهم فيما يكونون على تماس مباشر مع المواطنين. 

في هذا الصدد، يوضّح الباحث المتخصّص في القانون المدني، غانم أحمد، أن شرائح متعدّدة في المجتمع العراقي تعرّضت إلى الاستهداف بعد 2003 بمن فيهم الأطباء وبقية الكوادر الطبّية إذ فقد نحو 370 منهم حياتهم خلال 21 عاماً، وخطف العشرات بهدف الابتزاز، وتلقى الآلاف تهديدات، وفق ما توصّل إليه في بحث موسّع يعمل عليه حول أوضاع الكوادر الطبية في العراق. 

ويتابع غانم: "أدّى ذلك إلى أكبر هجرة ونزوح للأطباء عرفها تاريخ العراق… المناطق التي شهدت نشاطاً للجماعات المسلحة كالقاعدة و'أنصار الإسلام' وداعش وغيرها مثل الأنبار ونينوى وصلاح الدين وديالى كانت الأكثر طرداً للأطباء الذين نزح الكثير منهم إلى إقليم كردستان أو مدن العراق في الوسط والجنوب، أو هاجروا إلى خارج البلاد حيث تركّزوا بكثافة في الخليج وبريطانيا".

في المناطق الأخرى من العراق، يقول غانم إن العصابات الإجرامية، وردّات الفعل العشائرية كانا وما يزالان مسبّبين رئيسيين للاعتداءات على الكوادر الطبّية و"دفعتا إلى هجرة ونزوح الأطباء كذلك".

وفي ظل غياب الأرقام الرسمية، يُقدّر غانم أعداد (من خلال البحث الذي أجراه) الأطباء المهاجرين إلى خارج العراق خلال العقود الأربع الأخيرة بأكثر من 100 ألف طبيب، وأن أكثر من نصفهم في بريطانيا، وبعضهم يحصل على أوسمة رفيعة في بلدان كبرى آخرهم كبير أطباء المسالك البولية في الدائرة الغربية الفيدرالية الشمالية الغربية في روسيا، سلمان الشكري، إذ منحه الرئيس الروسي بوتين يوم 11 نيسان/ أبريل 2024 وسام الصداقة للعلوم الطبية.

مجلس محافظة بغداد يؤكّد ظاهرة الاعتداء على الأطباء، إذ قال عضو المجلس علي المشهداني في تصريح صحافي، مطلع نيسان/ أبريل 2024، إن "السلاح المتفلت" هو السبب الرئيس لظاهرة الاعتداء على الأطباء، وإن ذلك يحدث بنحو أكبر في المناطق الشعبية مقارنة بالمناطق الأخرى في العاصمة، على حد قوله. 

"غ،ي"، طبيب جراح من بغداد، طلب الاكتفاء بالحرفين الأوليين من اسمه، يقول إنه تعرّض للكثير من التهديدات بسبب وفاة أشخاص أجرى لهم عمليات جراحية أو حتّى بسبب تدهور أوضاعهم الصحية دون تدخّل جراحي، مردفاً "البعض عن جهل يُحمّل الطبيب المسؤولية عن أي حالة وفاة".

يشير الطبيب العراقي إلى أن إخلاء الطبيب مسؤوليته، من خلال توقيع قريب للمريض على تحمّل مسؤولية إجراء العملية "لم يعد كافياً. فالكثير من الاعتداءات على الأطباء تحدث على الرغم من ذلك لأنها ورقة تحمي الطبيب أمام القانون، لا أمام العشيرة والشارع".

كذلك، يؤكّد الطبيب الجراح أن هناك الكثير من حالات الاعتداء اللفظية وحتّى الجسدية فضلاً عن التهديدات الضمنيّة ضد الأطباء، لا يتم تحريك دعاوى بشأنها، ويتم السكوت عنها أو حلّها ودياً حيث يخشى الطبيب عادةً الدخول في مشاكل قانونية وعشائرية، لأن "مكان عمله معلوم في المستشفى أو العيادة، كما أنه يخشى على سمعته من التأثر إذا دخل في نزاع ما".

القانون العراقي يتضمّن نصوصاً رادعة؟

الاعتداءات المتكرّرة ضد الأطباء بسبب أعمالهم في عياداتهم الشخصية أو المستشفيات والمراكز الصحية الحكومية المنتسبين لها أو المستشفيات الأهلية، أفرزت الحاجة إلى قانون خاصّ لحمايتهم، وهكذا تمت المصادقة على قانون حماية الأطباء رقم (26) لسنة 2013. ويرى المختص بالشأن القانوني طلال غازي سمير أن هذا القانون يوفّر الحماية للأطباء من الاعتداءات وأيضاً ضد الممارسات العشائرية، ويمنحهم كذلك ضمانات إجرائية لممارسة مهنتهم. 

ومن حيث الحماية من الاعتداءات، يقول سمير إن المادة (5) من القانون توقّع عقوبة على من يهدّد الطبيب بمطالبات عشائرية أو غير قانونية بسبب نتائج عمله بالحبس مدة لا تقلّ عن ثلاثِ سنوات وبغرامة لا تقلّ عن 10 ملايين دينار. في حين تعاقب المادة (6) من القانون كل من يعتدي على طبيب أثناء ممارسته مهنته أو بسبب تأديتها، بالعقوبة المقرّرة لمن يعتدي على موظّف أثناء تأدية وظيفته أو بسببها. 

وبالرجوع إلى العقوبات المقرّرة في القانون العراقي لمن يعتدي على موظّف أثناء تأدية خدمته، نجد أن المادة 229 من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969، تعاقب بالحبس كل من "أهان أو هدّد موظّفاً أو أي شخص مكلّف بخدمة عامة أو مجلساً أو هيئة رسمية أو محكمة قضائية أو إدارية أثناء تأدية واجباتهم أو بسبب ذلك". 

كما تعاقب المادة 230 من القانون نفسه بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات أو بغرامة لا تزيد على 300 دينار كل من "اعتدى على موظّف أو أي شخص مكلّف بخدمة عامة أو مجلس أو هيئة رسمية أثناء تأدية واجباتهم أو بسبب ذلك وتكون العقوبة الحبس أو الغرامة إذا حصل مع الاعتداء والمقاومة جرح أو أذى".

ويلفت القانوني سمير إلى أن قانون حماية الأطباء يوفّر الحماية لهم كذلك من اتخاذ إجراءات جنائية ضدهم كذلك إذ تنص المادة الثالثة على أنه "لا يجوز إلقاء القبض على أو توقيف الطبيب المقدّم ضده شكوى لأسباب مهنية طبية إلا بعد إجراء تحقيق مهني من قبل لجنة وزارية مختصّة".

ويمنح القانون الطبيب الحق في حمل وحيازة سلاح شخصي (مسدس)، ويُلزم وزارة الداخلية بالتنسيق مع وزارة الصحّة حول فتح مراكز للشرطة مخصّصة في حماية العاملين في المؤسّسات الصحية التي تتطلّب حماية خاصة بناءً على الموقع أو أعداد المراجعين أو ظروف المنطقة. كما يُلزم القانون وزارة الصحّة ونقابة الأطباء بمتابعة الشكوى القضائية ضد المعتدي على الطبيب أثناء أداء واجبه الرسمي في المؤسّسات الحكومية وغير الحكومية. وهو ما تبيّن لنا خلال إعداد هذا التحقيق أنه غير مُفعّل في المحاكم العراقية حالياً. 

السؤال هنا: هل هذه البنود كافية لحماية الأطباء؟ وإقناع النازحين والمهاجرين منهم بالعودة؟ يجيب عن ذلك المحامي محمد حامد: "ضعف الدولة وأجهزتها مقابل سطوة العشيرة، والسلاح المنفلت في الشارع، تُبقي الطبيب وغيره من المكلّفين بتقديم خدمات عامة أو خاصة عُرضةً للاعتداءات والتجاوزات، وحتّى اللجوء إلى القضاء لا يمنع ذلك عنهم، بل قد تكون سبباً إضافياً للانتقام منهم".

ويطالب المحامي نقابة الأطباء العراقيين بالتواصل مع مجلس النواب العراقي، من أجل تشديد العقوبات التي يفرضها قانونا العقوبات وحماية الأطباء على المعتدين "لأنها لم تعد متوافقة مع حجم الضرر الذي يخلّفه الاعتداء على الطبيب، فتأثير توقّفه عن العمل، لن يقتصر ضرره على دخل الطبيب الشهري، بل على مراجعيه في عيادته، وكذلك المرضى في المستشفى أو المركز الصحي الذي يعمل فيه، وليس من السهل تعويضه".

وبناءً على ذلك، يعتقد حامد أن القانون العراقي غير رادع بما يكفي و"هذا يفسّر عدم لجوء الأطباء في غالب الأحيان إلى تقديم شكاوى لدى مراكز الشرطة وجهات التحقيق عند تعرّضهم للاعتداء أو محاولة الاعتداء أو التهديد بذلك".

جميلة، اسم مستعار لطبيبة نسائية معروفة في مدينة الموصل، 405 كم شمال بغداد، تقول إنها تعرّضت لابتزاز قبل نحو سنتين من قبل عصابة هدّدتها بالقتل إن لم تدفع مبلغ 30 مليون دينار (نحو 20 ألف دولار)، وإنها فكّرت في اللجوء إلى الأمن الوطني، ولا سيما أنه كان قد نجح عام 2019 في القبض على عناصر عصابة مشابهة ابتزّت زميلاً لها في الجانب الأيسر من المدينة، وهو طبيب وأستاذ جامعي في ذات الوقت.

"لكنني خشيت أن يتطور الأمر إلى أكثر من مجرد ابتزاز، فقمت بالاستعانة بأقرباء لي لحمايتي في العيادة ولدى ذهابي وعودتي من المستشفى، وفي الوقت نفسه التفاوض مع المبتزين. عشت أياماً صعبة جداً إلى أن حصلت العصابة على جزء ممّا طلبته (12 مليون دينار على دفعتين)، عندها فقط كفّت عن مضايقتي".

وتذكر جميلة أن أطباء وطبيبات كثر من نينوى، غادروا للعمل في إقليم كردستان ودولة الإمارات وغيرهما، بسبب الأوضاع الأمنية المتدهورة لغاية تحرير المحافظة من داعش، لافتةً إلى أن الغالبية العظمى منهم ترفض العودة الآن. ثم تستدرك: "فكّرت كثيراً في نقل عيادتي إلى محافظة دهوك، والعمل في واحدة من مستشفياتها. ما زلت أفكر في ذلك حقيقةً، وأرجو ألّا تدفعني تجربة ابتزاز أخرى لاتخاذ قرار الرحيل".

لكن ليس جميع عمليات ابتزاز الأطباء تنجح، إذ إن الأجهزة الأمنية تعتقل بين الحين والآخر متورطين في جرائم مماثلة، كما حدث في 26 نيسان/ أبريل 2024، عندما نشر جهاز الأمن الوطني العراقي مقطع فيديو يظهر اعترافات أفراد عصابة قامت بتهديد مواطنين بينهم أطباء في محافظة ديالى (وسط البلاد).

كيف يُحرِّك الطبيب دعوى قضائية؟

تلقّت لجنة الصحّة والبيئة في مجلس النواب العراقي، استفسارات عديدة من أطباء تعرّضوا إلى اعتداءات وابتزاز وتهديدات عشائرية أثناء أداء عملهم في المؤسّسات الصحية، فقامت اللجنة بمفاتحة مجلس القضاء بموجب الكتاب رقم (ل.ص 58) الصادر في 28 شباط/ فبراير 2023، وتضمّن استفساراً لبيان التكييف القانوني الخاص بتقديم الشكاوى الجزائية ضد المعتدين على الكوادر الطبّية وآلية العمل الحالية المطبّقة.

الرد على ذلك، جاء في بحث نشرته هيئة الإشراف القضائي، رقمه 202/45، وهو أن المادة (1/ أ) من قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 المعدّل، نصّت على أن تحريك الدعوى الجزائية يكون بشكوى شفوية أو تحريرية تُقدّم إلى حاكم التحقيق أو المحقّق أو أي مسؤول في مركز الشرطة أو أي من أعضاء الضبط القضائي من المتضرّر من الجريمة أو من يقوم مقامه قانوناً أو أي شخص علم بوقوعها أو بإخبار يقدّم إلى أي منهم من الادعاء العام ما لم ينص القانون على خلاف ذلك، ويجوز تقديم الشكوى في حالة الجرم المشهود إلى من يكون حاضراً من ضباط الشرطة ومفوضيها، وأن تقديم الشكوى من قبل الممثل القانوني نيابة عن الأطباء الذين وقع عليهم الاعتداء باعتبارهم ضمن المؤسّسة الصحية التي تمتلك الشخصية المعنوية لا تُغني عن تدوين أقوال الطبيب المُعتدى عليه بصفة مشتكي سواء في المؤسّسات الصحية الحكومية أو غير الحكومية.

وقد أجاز مجلس القضاء الأعلى، عن طريق التعميمات الصادرة إلى محاكم الجزاء، ضرورة قبول الإخبارات المقدّمة من قبل الممثّل القانوني لوزارة الصحّة عن الاعتداءات التي يتعرّض لها الأطباء أو الكوادر الصحية جرّاء الخدمة الوظيفية أو بسببها.

علاوة على تدوين أقوالهم بصفة مخبرين أو شهود بشأن الحادث إذا كانت لهم شهادات عيانية على أن لا يغني ذلك عن تدوين أقوال الطبيب بصفة مشتكي. ولكون الحق الغالب في مثل هذه القضايا هو الحق العام، لذا لا تنقضي الدعوى بالتنازل أو الصلح لأي سبب وإن "تنازل الطبيب المُعتدى عليه أو قبل الصلح لا يؤثر ذلك على مسارات الدعوى الجزائية أما الجانب المدني فتنازله ينسحب على حقه في المطالبة بالتعويض".

المريض كان يعاني من جملة مشاكل صحية بسبب كبر سنه فضلاً عن إصابته بالسرطان. لكنّ ذوي المتوفى هدّدوا الطبيب بالقتل إذا لم يدفع "ديّة" مقدارها 80 مليون دينار، فاضطر إلى غلق عيادته وكتب على بابها: "غلق العيادة إلى إشعار آخر، بسبب التهديدات العشائرية، وخدلان المسؤولين، حسبنا الله ونعم الوكيل"

"الجهل" هو السبب؟

ويقول قاضي محكمة تحقيق الكرخ عامر حسن إن ظاهرة الاعتداء على الكوادر الطبّية سببها "الجهل وعدم معرفة الكثير من الناس طبيعة عمل الأطباء والذي يتمثّل في بذل عناية، لا تحقيق غاية"، شارحاً "الطبيب وبقية العاملين في الأوساط الطبّية يقع عليهم واجب بذل العناية الطبّية المعتادة، أي القيام بالكشف الطبي وإجراء الفحوصات وإعطاء العلاجات والتطبيبات اللازمة، شريطة ألّا يرتكبوا أخطاء طبّية جسيمة، تضعهم تحت طائلة القانون". وهو يرى أن التوعية بهذا الجانب، وإنزال العقوبات الرادعة، كفيلان بحلّ مشكلة الاعتداء على الكوادر الطبّية. 

وسبق أن ذكر نقيب الأطباء في النجف، الدكتور حيدر جابر الشبلي، في تصريحات صحافية أن الاعتداءات على الكوادر الطبّية متكرّرة وتقع على نحوٍ شبه يومي "بعضها يمكن تجاوزها بسبب الحالة النفسية للمراجعين"، مستدركاً "غير أن هناك تجاوزات تكبر يوماً بعد يوم" بسبب ما يصفها اختلاف أخلاقيّات المجتمع، جرّاء عدم تطبيق القوانين بشكلٍ حازم، ولا سيّما القانون الذي شُرِّع لحماية الكوادر الطبّية في المؤسّسات الحكومية. كما لفت إلى أن الاعتداءات على الكوادر الطبّية تقع فقط في "المؤسّسات الحكومية بينما في المؤسّسات الأهلية لا يكون هناك تجاوزات عليهم".

وتحدّث الشبلي عن اعتداءٍ وقع على الكوادر الطبّية في مستشفى مدينة الصدر بالمحافظة في 28 آذار/ مارس 2024، بسبب مرافقة نحو 20 شخصاً لأحد الراقدين في العناية المركزة بقسم الطوارئ و"عندما طلب منهم موظّفو الاستعلامات المغادرة، قاموا بالاعتداء عليهم، وعلى الكوادر الطبية". واتهم الجهات الرسمية المعنية بالتهاون في ملف حماية الأطباء، وبعض المسؤولين وأعضاء مجلس المحافظة بالتجاوز على الكوادر الطبّية لدى زياراتهم للمستشفى، متسائلاً: "إذا هم فعلوا ذلك فكيف بالمواطن العادي؟". 

ويحمّل مصدر من نقابة الأطباء في بغداد، تحدّث إلينا مطلع تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، مفضّلاً عدم ذكر اسمه، بعض الأطباء مسؤولية مرور الاعتداءات الواقعة عليهم سواءً كانت جسدية أو لفظية دون معاقبة الجناة، بسبب "جهلهم" بما يتوجب عليهم فعله في مثل هذه الحالات، مبيّناً أن "الاعتداء على طبيب يعني في المحصّلة اعتداءً على المهنة، وترك الجناة يعني منحهم فرصة لتكرار اعتداءاتهم".

كما يؤشِّر إلى امتناع العنصر النسائي في الكوادر الطبّية عن المضي في شكاوى بعد الاعتداء عليهن أو التجاوز بحقّهن إذ "لا تُحرّك الشكوى من قبل ممثّل المؤسّسة الصحية التي تعمل بها، فتُضطر إلى أن تُقدّم شكواها بنفسها في مركز الشرطة بالمنطقة ومن ثم تُحال الشكوى إلى قاضي التحقيق، وهي إجراءات مطوّلة، تتنافى مع ثقافة المجتمع المتشدّد والريفي في الكثير من أنحاء العراق، والذي يضع المحاذير على مراجعة النساء لمراكز الشرطة والمحاكم حتّى وإن كن طبيبات وإن كن ضحايا".

ويذكر المصدر أن "الغالبية العظمى من الاعتداءات التي تطال الأطباء لا يعرف بها أحد لولا مواقع التواصل الاجتماعي التي تُسلّط الضوء عليها ويطالب الناشطون فيها الجهات المعنية للتحرّك من أجل حماية الأطباء"، مشّداً "الطبيب يحتاج إلى الحماية بنحو جدّي، لأن نزوحه أو هجرته أو تعرّضه للخطر سيترك فراغاً، يؤثر على المجتمع، لأنه على تماسٍ مباشر بهم ووجوده ضروري بالنسبة لحياة الأفراد".

تحقّقاً مما يشير إليه المصدر من نقابة الأطباء، عثر معد التحقيق على مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصّةً فيسبوك، على العديد من الأخبار المتداولة في حسابات ناشطين عراقيين عن اعتداءات ضد الأطباء خلال السنوات الثلاث المنصرمة. أحدها نشر في 22 شباط/ فبراير 2023، عن اغتيال طبيب مختص في أمراض القلب اسمه أحمد طلال المدفعي، بعد خروجه من عيادته في شارع الطابو وسط بعقوبة. وخلال أشهر من ذات السنة، كان ناشطون يتداولون منشورات بشأن أطباء يتلقّون تهديدات عبر رسائل نصية هاتفية، منها "جاك السرة" أي "حان دورك".

بيان نقابة الأطباء العراقيين

في السادس من آب/ أغسطس 2023، ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي في العراق بخبر العثور على جثة الطبيب حمزة كريم من العاصمة بغداد، في "شط الكحلاء" على بعد 35 كم عن مدينة العمارة مركز محافظة ميسان، وذلك بعد يومين على اختطافه من قبل جهة مجهول، الطبيب المغدور كان مقيماً دورياً في مستشفى الصدر التعليمي بمحافظة ميسان. 

وفي 13 نيسان/ أبريل 2024، راج خبر عن اغتيال المساعد الصيدلاني عمر خليل سليمان من ناحية زمار شمال غربي محافظة نينوى. كما جرى تداول العديد من مقاطع الفيديو التي تُظهر اعتداءات على كوادر طبية، منها ما نشر في 28 آذار/ مارس 2024، ويُظهر مجموعة من الأشخاص وهم يعتدون على الكوادر الطبّية في طوارئ مستشفى الصدر بمحافظة النجف، التي شهدت الواقعة التي أشار إليها نقيب الأطباء في النجف.

فيديو آخر يُظهر اعتداء مجموعة من الأشخاص على الكوادر الطبّية في مستشفى الخطيب بالعاصمة بغداد في 4 آب/ أغسطس 2024. وفي الثالث من أيار/ مايو 2024، عُثر على جثة عميد كلية طب المستنصرية الأسبق الطبيب د. فيصل الحويزي، بمنزله في محافظة النجف. ووصفت الأجهزة الأمنية الجريمة بأنها بشعة في حين طالبت نقابة أطباء النجف الجهات الأمنية في المحافظة بالكشف عن القتلة وتوفير الحماية للكفاءات العراقية الطبّية.

وتحدّث عاملون ضمن الكوادر الطبّية في مستشفيات ومراكز صحية عديدة بالعاصمة بغداد ومحافظات البصرة ونينوى والنجف تواصل معهم معد التحقيق، عن "تجاوزات واعتداءات يومية" يتعرّضون لها، سواءً من قبل المراجعين وأقربائهم أو من قبل منتسبي الأجهزة الأمنية أو مسؤولين وأفراد حماياتهم. كما اشتكوا من قلة عناصر الحراسة والحماية في المؤسّسات الصحية التي يعملون فيها، وقالوا إن أعدادهم قليلة جداً، ولا يكون بوسعهم فعل شيء عندما تقع التجاوزات والاعتداءات، لا سيّما وأن المستشفيات الكبرى تستقبل يومياً آلاف المواطنين من مختلف أرجاء البلاد.

أعراف قبليّة

طبيب باطنية من بغداد، تحدّث إلينا مشترطاً مثل العديد من الأطباء والطبيبات الذين تواصلنا معهم/ن عدم ذكر الاسم لاعتبارات السلامة، يذكر أنه يشعر بالقلق عندما تَرِده حالة صاحبها له خلفية عشائرية "لأن تدهور وضعه الصحي قد يضعني هدفاً للانتقام". ويلفت إلى أن المراجعين للمشفى يتّهمون الكوادر الطبّية بعديد الاتهامات، منها الإهمال وعدم صرف الأدوية والأخطاء الطبّية "في حين أن معظم ما نُتّهم به لا نتحمّل مسؤوليته، فتوفير الأدوية والمستلزمات الطبّية وعدم كفاية الكوادر هي مسؤولية الإدارة والوزارة لا الطبيب".

يذكر الطبيب العراقي أيضاً أن حالات اعتداء كثيرة وقعت ضد أطباء في المستشفيات والمراكز الصحية، دون أن يكون هناك "أي إجراء أمني ضد المعتدين، وبدلاً من ذلك تم اللجوء إلى 'الفصل العشائري' في  قضايا كثيرة"، يقول إنه اطلّع على بعضها بنفسه وأخرى سمع بوقوعها من زملائه في مشافي أخرى.

إحدى تلك الحالات التي أشار إليها طبيب الباطنية وقعت في مستشفى مدينة الطب بالعاصمة بغداد، في مطلع تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، إذ اعتدت مجموعة من الأشخاص على الطبيبين نور الدين مهند الجبوري وغيث رياض طعمة الخزرجي، خلال فترة خفارتيهما (دوامهما) المسائية بسبب وفاة شخص من أقرباء المعتدين، كان يعاني مرضاً مزمناً، وحمّل الأهل الطبيبين مسؤولية وفاته.

وبدلاً من تدخّل الأجهزة الأمنية وإحالة المعتدين إلى القضاء كونهم اعتدوا على موظّفيّن أثناء تأديتهما مهام وظيفتيهما، عقدت جلسة "فصل عشائري"، وفق مصدر حضر الجلسة التي استضافها الشيخ مصطفى عبد الله المهيدي، شيخ فخذ الإسماعيل من قبيلة الجبور البو عميرة، في منطقة الدورة جنوبي بغداد، بتاريخ 15 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024.

خلال الجلسة، طلب وفد عشيرة "السادة المعامر" الطرف العشائري للأشخاص المعتدين، حلّ المشكلة عشائرياً، وذكر المصدر أن عشيرة الطبيب "تنازلت عن 'الديّة' المالية المطلوب دفعها والموافقة على إنهاء المشكلة بشكلِ سلمي، على أن تقوم العشيرة الأخرى بتقديم اعتذار للطبيب وزميله في المحلّ الذي وقع فيه الاعتداء". 

الطبيب عقب الجلسة العشائرية

وهو ما حدث بالفعل إذ قامت عشيرة المعتدين، بتعليق لافتة داخل مستشفى مدينة الطب - كبرى مستشفيات بغداد - دوّن عليها اعتذار العشيرة وأسفها لاعتداء أبنائها على الطبيبين مع تقديمها الشكر لمدير المستشفى حسين التميمي على "جهوده الكريمة من أجل إصلاح ذات البين...". وفق المصدر الذي حضر الجلسة، فإن العبارة الأخيرة تشير إلى امتناع مدير مستشفى مدينة الطب عن إقامة شكوى ضد المعتدين على اثنين من كوادره الطبّية أثناء قيامهما بواجبهما الوظيفي داخل المستشفى، وموافقته على حلّ القضية عشائرياً.

اعتذار القبيلة للطبيب

ويستغرب بشدة المشاور القانوني المتقاعد، رياض عبد العزيز، عدم قيام إدارة مستشفى مدينة الطب بتحريك شكوى ضد المعتدين على طبيبيّها، والفعل نفسه من إدارات باقي المشافي في بغداد والمحافظات العراقية الأخرى، قائلاً إن الاعتداء على أي موظّف يقدم خدمة طبّية في المؤسّسات الصحية، هو اعتداء على تلك المؤسّسات، وأن البند "أولاً" من المادة العاشرة من قانون حماية الأطباء رقم (26) لسنة 2013 منح وزارة الصحّة الحقّ في متابعة الشكوى القضائية ضد المعتدي على الطبيب أو أي موظّف في القطاع الصحي أثناء تأديته لمهام عمله أو وظيفته الرسمية في المؤسّسات الحكومية. 

تواصل معد التحقيق مع خمسة محامين في محاكم استئناف منطقة الرصافة. يجمع المحامون على أن المحاكم لا تلتفت إلى الشكاوى التي يقدمها الممثل القانوني لدوائر الصحّة أو غيرها من الدوائر الحكومية، وأن القضاة يطلبون حضور المعتدى عليهم بأنفسهم لتقديم الشكاوى. ويضيفون أن الغالبية العظمى من الشكاوى التي تقدّم بها أطباء ضد معتدين عليهم تم التنازل عنها بالتراضي، لافتين إلى وجود "ضغوطات تُمارس على الأطباء، وحتّى تهديدات يتلقّونها تُجبرهم على الصلح والتنازل ومن ثم تُغلق الدعاوى، مع أن واقعة الاعتداء على الطبيب من الجرائم التي لا يجوز فيها الصلح".  

"ماذا أفعل به (يقصد المسدس المصرّح للطبيب باستخدامه)؟ هل أخرجه عندما يعتدي عليّ شخص وأطلق عليه النار؟"، ثم يتساءل: "ماذا سيجعلني ذلك؟ ألا يجعلني طبيباً متخصّصاً في الجراحة العامة وقاتلاً؟"... كيف تحمي الكوادر الطبية نفسها في العراق والقانون لا يوفر لها الحماية الكافية والأعراف العشائرية تضغط عليها؟

يُجمع المحامون أيضاً على أن ذلك يعد تجاوزاً صريحاً على القانون لأن الطبيب يتنازل عن حقه الشخصي، وليس الحق العام، كونه موظّفاً مكلّفاً بأداء خدمة عامة، وعلى القضاء أن يأخذ حق المجتمع من الجناة". 

حلول عمليّة

وخلال السنوات الأخيرة، طُرحت العديد من الحلول لمشكلة الاعتداءات التي يتعرّض لها الأطباء في العراق، بعضها شُرِّع كقوانين، مثل جواز حملهم وحيازتهم الأسلحة لحماية أنفسهم أو تخصيص مراكز شرطة قريبة من المؤسّسات الصحية وفرض عقوبات ضد المعتدين.

غير أن هناك من يعتقدون أن ثمّة أشياء أخرى ينبغي القيام بها لمنع أو تقليل الاعتداءات على الأطباء، من بينهم الباحث الأكاديمي شامل رمزي الذي يرى أن الحلّ الرئيسي يتعلّق بالمجتمع ذاته، ويرى أنه لا بد من بثّ الوعي لدى المواطنين بأن يسلكوا الطرق القانونية لمساءلة الأطباء إذا ما اعتقدوا أنهم تسبّبوا في وفيات جراء أخطاء طبية أو حالات إهمال. 

ويقول: "المتهم بريء حتّى تثبت إدانته، وعليه فلا بد من أن يعرف ذوو المتوفّى أو المصاب بعاهة، نتيجة ما يُعتقد أنه خطأ طبي، أن هناك قنوات معينة تقدّم عبرها الشكاوى، لإجراء تحقيقات ضمن المؤسّسة الصحية أو وزارة الصحّة، وهناك أيضاً المحاكم. والاعتداء لن يجدي شيئاً، بل قد يحمي ذلك طبيباً مخطئاً، ويبرئ ساحته".

كذلك يدعو رمزي إلى بيان ذلك لوجهاء العشائر، لكي لا يقدموا على محاسبة الأطباء خارج السياقات القانونية، مردفاً "هذا يُفقد الطبيب الثقة بالمجتمع وبنحو كبير، وأيضاً تقلّ كفائته المهنية لوقوعهَ تحت الضغط والتهديد، كما لا يجوز أن يكون هناك 'قانونان' في البلاد، أحدهما تطبقه المحاكم والآخر مجالس العشائر".

بدوره، يدعو قاضي محكمة تحقيق منطقة الرصافة في بغداد، حميد منصور، إلى "تشريع قوانين تُنظّم المسؤولية عن الأخطاء الطبّية من أجل بث الاطمئنان لدى المعنيين من الأطباء والمواطنين على حقوقهم". وهو يرى أن من المهم تشكيل لجنة مشتركة من مجلس القضاء الأعلى ووزارة الصحّة ونقابة الأطباء، لرصد "ظاهرة الاعتداء على الكوادر الطبّية ووضع الحلول الآنية والمستقبلية لها، وتنظيم حملات إعلانيّة توعوية وورش عمل، لإظهار أهمية عمل الكوادر الطبّية والصحية بالنسبة للدولة والمجتمع". كما يشجّع منصور على أن تقوم وزارة الصحّة بإنجاز التحقيقات الإدارية التي تجريها بشأن الأخطاء الطبّية بسرعة، و"توعية المواطنين بحقوقهم وواجباتهم الطبّية والقانونية وكيفية الحصول عليها بعيداً عن المطالبات العشائرية والتهديدات". 

الحقوقي عبد الغني مصطفى، الذي يهتم بالظواهر الاجتماعية، يجد أنه من الضروري تفعيل وتطبيق أحكام قانون حماية الأطباء رقم (26) لسنة  2013، وتفعيل أحكام مواد قانون العقوبات رقم (111) لسنة 1969 المعدّل، ويؤكّد أهمية قبول المحاكم الإخبارات المقدّمة من الممثل القانوني لوزارة الصحّة عن الاعتداءات التي يتعرّض لها الأطباء أو الكوادر الصحية جرّاء الخدمة الوظيفية أو بسببها، وتدوين أقوالهم بصفة مخبرين أو تدوين شهاداتهم بشأن الحوادث "إذا كانت لديهم شهادة عينية فضلاً عن تدوين أقوال الأطباء أو العاملين في الحقل الطبي المعتدى عليهم". 

"ج، ش"، طبيبُ عيون يعمل في مشفى حكومي بالعاصمة بغداد، أفرد سبابتهُ وإبهامه على شكل مسدس وقال بشيء من السخرية: "ماذا أفعل به (يقصد المسدس المصرّح للطبيب باستخدامه)؟ هل أخرجه عندما يعتدي عليّ شخص وأطلق عليه النار؟"، ثم يتساءل: "ماذا سيجعلني ذلك، ألا يجعلني طبيباً متخصّصاً في الجراحة العامة وقاتلاً؟".

ثم يتابع بجدّية: "المجتمع العراقي يعاني من مشاكل كثيرة، هناك بطالة وفقر مدقع، وقبليّة، وميليشيات، وتجارة مخدرات، وغيرها كثير من الآفات المتراكمة التي يمتدّ ضررها لجميع الشرائح والفئات وليس الأطباء وحدهم".

*ملاحظة: السعر الرسمي للدولار الأمريكي في العراق هو 1305 دينار لكنه غير متاح إلا لفئة محدودة. أما التعامل اليومي واحتياجات المواطنين من الدولار فتتم وفق السعر في السوق الموازية وهو يختلف كثيراً وفي تغيّر مستمر، كما أنه يختلف من منطقة لأخرى. يُعادل سعر 100 دولار في السوق الموازية نحو 150 ألف دينار عراقي.

**أُنجِز هذا التحقيق تحت إشراف شبكة نيريج للتحقيقات الاستقصائية، ضمن مشروع زمالة ميدان.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

فلنتشارك في إثراء مسيرة رصيف22

هل ترغب/ ين في:

  • الدخول إلى غرفة عمليّات محرّرينا ومحرراتنا، والاطلاع على ما يدور خلف الستارة؟
  • الاستمتاع بقراءاتٍ لا تشوبها الإعلانات؟
  • حضور ورشات وجلسات نقاش مقالات رصيف22؟
  • الانخراط في مجتمعٍ يشاركك ناسه قيمك ومبادئك؟

إذا أجبت بنعم، فماذا تنتظر/ ين؟

    Website by WhiteBeard
    Popup Image