شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
واقع عمليّات التجميل في العراق... ومراكز غير مرخّصة أو قانونية يملكها سياسيّون

واقع عمليّات التجميل في العراق... ومراكز غير مرخّصة أو قانونية يملكها سياسيّون

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والتنوّع

الثلاثاء 23 يناير 202409:58 ص

مراكز تجميلية تبحث عن وجوه وأجساد جديدة، مُشكِلة ظاهرة جديدة في المجتمع العراقي، زاد رواجها بشكل تدريجي خلال السنوات الماضية. وتزيد الإعلانات المنمقة المعلّقة في الشوارع الرئيسية، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي من انتشارها، حتى تحولت لثقافة جديدة، لها روادها ومعجبوها.

إدمان تدريجي

خلال السنوات الماضية، زاد إقبال الناس على عمليات التجميل في العراق، مراكز متعددة تتيح لهم ما تشتهيه أنفسهم من تغيير على وجوههم أو أجسادهم، هذه المراكز تنتشر في مختلف المدن، لكن تتربع العاصمة العراقية، بغداد، على قمتها. 

بحسب صاحبة أحد مراكز التجميل، فعمليات التجميل في العراق لا تقتصر على النساء، إذ ارتفع عدد مراجعيها من الرجال للخضوع لعمليات معينة، مثل زرع الشعر، وتضخيم العضلات، وتصغير الأنف، وحقن البوتكس 

تستقبل المراكز مختلف الفئات العمرية، ولكن طبقة الفتيات ما بين العشرين والثلاثين، هن الأكثر إقبالاً بحسب شيماء الأمير، وهي صاحبة أحد هذه المراكز في بغداد. وتقول لرصيف22 إن هذا الإقبال يبدأ من رغبة بسيطة في تغيير بعض ملامح وجوههن، ولكنه سرعان ما يتحول إلى إدمان، فيتسابقن إلى استخدام حقن البوتوكس ونفخ الشفاه والخدود، وصولاً إلى عمليات نحت الأجساد، وتكبير بعض مناطقه.

وتستدرك أن عمليات التجميل لا تقتصر على النساء، فمثلهن الرجال في هذا الاهتمام مؤخراً، إذ ارتفع عدد مراجعيها من الشباب للخضوع لعمليات معينة. 

إلا إن إقبال الشباب غالباً ما يتعلق بزراعة الشعر، أو استخدام حقن البوتوكس، لتضخيم عضلات الجسد، إضافة إلى عمليات تصغير الأنف وإخفاء التجاعيد، وتؤكد أن بداية هذه الظاهرة كانت محصورة ببعض عارضات الأزياء والإعلاميين الراغبين لتجميل ظهورهم أمام الكاميرات، ولكنه سرعان ما تحول خلال السنتين الماضيتين تحديداً، إلى أداة لإشباع إدمانهم على هذه الظاهرة.

ما بين الإعلام والفاشنستات

أصبحت عمليات التجميل من أكثر ما يشد المرأة لزيادة جمالها، بفعل الاندماج الاجتماعي الذي توفره تقنيات التواصل الحالية، إذ لعبت الماكينة الإعلامية في زيادة الاهتمام الشعبي بهذا النوع من الجمال، عبر امتناعها عن توظيف الفتيات والشباب بأشكالهم الطبيعية، وتفضيل الخاضعين لعمليات تجميلية، أو ما يطلق عليه اسم "الجمال الاصطناعي".

دفعت هذه السياسات البصرية العديد من الراغبين في خوض المجال الإعلامي، إلى تلبية معاييره الجمالية الجديدة، ولكن الأمر لا يقتصر على القنوات الفضائية، بل أدى الاستخدام الخاطئ لوسائل التواصل الاجتماعي إلى اتساع هذا النمط، عبر زيادة الاهتمام، بـ"الفاشنستات" الجدد، وأغلبهن ممن خضعن لهذه العمليات. واللافت أن أغلب المعلنين على صفحات وسائل التواصل، يفضلون توظيف الـ"موديل" الخاضعة لعمليات تجميلية، أو نفخ الشفاه في أدنى حد. 

أغلب المعلنين على صفحات وسائل التواصل، يفضلون توظيف الـ"موديل" الخاضعات لعمليات تجميلية، أو نفخ الشفاه في أدنى حد. 

وبحسب الباحث الاجتماعي أوس الشمري، فإن الوجوه الجديدة، ساهمت في انتشار ثقافة تغيير الوجوه ونحت الأجساد، على حد تعبيره، مشيراً إلى أنها دلالة أيضاً، على التغيير الحاصل في عقلية المجتمع العراقي الذي ساهم بنفسه في الترويج لهذه الشخصيات أو الثقافة عبر دعمها بالمتابعة أو الإعجاب، لا سيما وأن معظم المروجين والمعلنين يبحثون عن شخصية مشهورة للترويج لأعمالهم.

هذا الجانب نشر بدوره ثقافة الفاشنستات الجديدة بدورها، وبحسب قوله لرصيف22، يرى الشمري أن وسائل التواصل زادت من إقبال الفتيات على هذه العمليات من أجل ريادة عالم الموضة، في حين انحسر الاعتماد على الموديل بجمالها الطبيعي، بشكل كبير جداً، ودفع هذه الفئة بدورها إلى إجراء عمليات تجميلية بدورهن، من أجل الحفاظ على أعمالهن.

تقليد أعمى

قد يبرر البعض خضوع المشاهير لهذا النوع من العمليات، ولكن ما سبب الانجذاب الحاصل لدى باقي الفتيات أو الشباب؟ يقول الطبيب النفسي عبد الأمير الربيعي لرصيف22 إن "عقلية المجتمع توحدت مع ما تنشره وسائل التواصل الاجتماعي، فالفئات الشبابية، مجبرة على تقليد ما يشاهدونه بدون وعي، ويحاولون تقليد الجوانب الجمالية قدر إمكانهم، ليس للتشبه بهم فقط، ولكن لاعتبارهم من آيات الجمال الحالية، مثل اعتبار الوشم على الوجه كعلامة لجمال المرأة خلال النصف الأول من القرن الماضي".

ويضيف: "هذا التحول لن يتوقف عند هذا الحد، وهو لا يتوقف على تأثير الماكنات الإعلامية أيضاً، بل أصبح ظاهرة لن تتوقف حتى الحد أو الملل منها داخل المجتمع، لظهور علامات جمال جديدة".

مراكز تجميلية

تمتلك معظم الفاشنستات مراكز تجميلية خاصة بهن، يُوظف فيها أطباء مختصون، في حين تفتقر مراكز أخرى إلى أدنى المقومات الصحية أو التخصصية، ويقودها أشخاص بدون أي شهادة علمية سوى حصولهم على دورة تجميلية لمدة أسبوع أو أقل.

من الطبيعي أن ترفض هذه المراكز التصريح لوكالات الإعلام بشكل عام، ولكن رصيف22 تمكن من التواصل مع علياء وهي احدى الموظفات العاملات في مركز غير مجاز في بغداد، والتي تؤكد أن لمركزهم العديد من المراجعين لرخص أسعاره، إضافة إلى إدمان المراجعين والمراجعات على هذه العمليات. 

اللجان الرقابية على علم بطبيعة عمل المراكز غير المرخصة التي تعلن عن نفسها كصالونات تجميل، ولكن علاقات مسؤولي المركز مع بعض الأحزاب أو الشخصيات السياسية، يمنع إغلاقها أو التفكير في الاقتراب منها، بحسب إحدى العاملات في هذه المراكز 

وعن كيفية استمرار عمل المركز رغم عدم إمتلاكه للترخيص الصحي، تؤكد أن لافتته تشير إلى أنه صالون نسائي لتجميل الشعر والمكياج، وليس تجميلياً، وتقتصر معرفة هذه الحقيقة على بعض رواده، والجهات المعنية بشكل سريّ.

ولكن ما طبيعة معرفة الجهات المذكورة؟ تؤكد علياء أن بعض اللجان الرقابية على علم بطبيعة عمل هذه المراكز، ولكن علاقات مسؤولي المركز بهم، إضافة إلى علاقاتهم مع بعض الأحزاب أو الشخصيات السياسية، يمنع إغلاقها أو التفكير في الاقتراب منها.

أصحاب هذه المراكز، خارج قبضة القانون، وفي الحقيقة، فإن مصادر عدة تشير إلى إمتلاك برلمانيين حاليين وقادة أحزاب سياسية لمراكز تجميل في مناطق المنصور والكرادة، التي تعد من أبرز مناطق العاصمة بغداد.

بيد أن افتقار هذه المراكز للترخيص أو الكوادر الصحية، ساهم في ضبابية الظاهرة، وحدوث تشوهات كثيرة بين المراجعين، وحتى وفاة بعضهم داخل هذه المراكز.

وفي ذلك يقول الدكتور التجميلي المختص، ماجد النعيمي، إن كثير من مراجعيه عانوا من هذه الأخطاء الخطيرة، مثل انحراف الأنف، أو تلف الشفاه، بسبب الحقن الخاطئ للبوتوكس، مؤكداً عدم جدوى علاج بعض الحالات لصعوبتها، بسبب تلف الأنسجة أو تضرر الأعصاب في المناطق المصابة، وحاجتها إلى تدخل جراحي متخصص.

ويشير في تصريحه لرصيف22 إلى أن عمليات التجميل ورغم تخصصه بها، ولكنها تحتمل نسبة خطورة عالية، وضرورة التدخل في أي إجراء تجميلي بعيداً عن الطبيب المختص، ليس في الحالات الجراحية فحسب، ولكن وصولاً إلى البوتوكس والفلر، وما يسمى بخيوط التجميل، لتجنب هذه المخاطر.

آراء شبابية

مع إتساع رواج هذه الثقافة، تختلف نظرة المجتمع العراقي إزاءها ما بين مؤيد ومعارض، رصيف22 استطلع آراء الشارع البغدادي في هذا الأمر.

رنين شهاب (22 عاماً) تؤكد ضرورة الخوض في هذا المجال، خاصة وأن عمليات التجميل أصبحت واقع جمالي في عصرنا الحالي، مؤكدة على مراعاة شعور الفتيات وحاجتهن للاحساس بجمالهن في ذلك. 

كثير من المراكز غير المرخصة التي تعمل بدون كوادر صحية يمتلكها قادة أحزاب وبرلمانيون، وتقع في مناطق المنصور والكرادة وهي من أبرز مناطق العاصمة بغداد، وقد تسبب بعضها في حدوث تشوهات بين المراجعين، وحتى حالات وفاة

وكذلك الحال بالنسبة لوسن الخالدي (33 عاماً) والتي خضعت بالفعل إلى عملية لتصغير الأنف، ونفخ للشفاه، وتشير إلى أنها عانت من أخطاء في عمليتها الأولى، ولكنها استرشدت لمركز معروف في بغداد، لتعديل أخطاء انحراف أنفها، كما ترى أن نفخ الشفاه لن يسبب أي تشوه بل يضفي جمالاً على المرأة.

ويلفت أحمد رامي (27 عاماً) إلى أنه يبحث عن الاقتران بفتاة، خضعت لمعايير الجمال الحالية، وينتقد لائمين هذه الفئة من الفتيات، كما يشدد على ضرورة خضوع الرجال والشباب لعمليات تجميل أيضاً، سواء كانت زراعة للشعر أو تصغير الأنف وغيرهما.

في المقابل، يعارض علي نوري (27 عاما) هذه الأراء، ويرى أن من الضروري الحفاظ على "جمال المرأة الرباني" كما يطلق عليه، لا سيما أن نفخ الشفاه يزول بمرور الزمن، كما تبدو أي عملية تجميلية واضحة بأنها من "الجمال الاصطناعي".

ومثله خلود جواد علي (25 عاماً) والتي انتقدت انتشار ثقافة التجميل الدخيلة على المجتمع العراقي بشدة، مؤكدة أن وجوه الفتيات أصبحت متشابهة إلى حد كبير، حتى صار من الصعب التفريق بينهن، ولكنها تستدرك أن انتشار هذه الممارسات زاد من صعوبة تجاوزها بالنسبة لبقية الفتيات حتى الرافضات مثل هذه السلوكيات.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

تنوّع منطقتنا مُدهش

لا ريب في أنّ التعددية الدينية والإثنية والجغرافية في منطقتنا العربية، والغرائب التي تكتنفها، قد أضفت عليها رومانسيةً مغريةً، مع ما يصاحبها من موجات "الاستشراق" والافتتان الغربي.

للأسف، قد سلبنا التطرف الديني والشقاق الأهلي رويداً رويداً، هذه الميزة، وأمسى تعدّدنا نقمةً. لكنّنا في رصيف22، نأمل أن نكون منبراً لكلّ المختلفين/ ات والخارجين/ ات عن القواعد السائدة.

Website by WhiteBeard