لم يعرف جون أثناء المرحلة الثانوية ما الذي يدرسه في منهج التربية الدينية المسيحية. فقد صُدم الطالب المنتمي للطائفة البروتستانتية بمعظم المنهج الذي يتناول أموراً لا تعبر عن عقيدته، من طقوس وقداديس وطرق عبادة وصوم ولغة قبطية وألحان، وحتى سيَر القديسين والشهداء والرهبنة، فجميعها أمور خلافية بين الطوائف. قبل هذا لم يكن يعرف الكثير عن الآخر، وفي الوقت نفسه لم يعبر المنهج عن انتمائه، ما شكل عنده رغبة بالتخلي عن حصة الدين.
خرجت الكثير من المطالبات لمراعاة الأقليات المسيحية في مصر، وتضامن معها حقوقيون وسياسيون نادوا بتعديل المناهج التعليمية وحذف الآيات القرآنية من المواد العلمية، وفقاً لما نشرته صحيفة اليوم السابع عام 2009، إذ شهدت هذه الفترة مؤتمرات ولقاءات جمعت الحقوقيين مع وزارة التربية والتعليم، للمطالبة بتعديل المناهج التعليمية والقضاء على التمييز الديني لتراعي الأقلية المسيحية وجميع الأقليات.
بحسب تقرير عن الحرية الدينية الدولية لعام 2023 - سفارة الولايات المتحدة الأمريكية في مصر، قدّر عدد سكان مصر بـ 109,5 مليون حتى منتصف عام 2023. ويقدر معظم الخبراء والمصادر الإعلامية أن حوالي 90% من السكان هم من المسلمين السنة، و10% من المسيحيين.
وجاء في التقرير "ينتمي حوالي 90% من المسيحيين إلى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وفقاً للقادة المسيحيين. وفي اجتماع عقده البابا تواضروس مع الصحافيين في أبريل/نيسان، قدّر البابا أن عدد الأقباط الذين يعيشون في البلاد بنحو 15 مليوناً. وتشكل الطوائف المسيحية الأخرى مجتمعة أقل من 2% من السكان. وتشمل هذه الطوائف الأرمنية الرسولية، والكاثوليكية (الأقباط الكاثوليك، والأرمن الكاثوليك، والكلدانية، والملكانية، والمارونية، واللاتينية، والسريانية)، والأرثوذكسية (اليونانية والسريانية)، والأنجليكانية/الأسقفية وغيرها من البروتستانت. ومعظم الطوائف البروتستانتية أعضاء في المجموعة الشاملة للكنائس البروتستانتية في مصر، والمعروفة أيضاً باسم المجلس الإنجيلي العام".
ويرجع جون هذا التجاهل لعدة أسباب، أبرزها غياب معلمين ينتمون للطائفة الإنجيلية للمشاركة في وضع المنهج، يقول لرصيف22: "نتوسم في هذه الحصة تعاليم محبة الآخر وقبوله، ولكنها جاءت لتفرق وتميز سلبياً بحق الأقليات من طوائف المسيحيين، ليس لدي مشكلة في دراسة الفكر الأرثوذكسي، ولكن أن يكون هذا الأمر بالتوازي مع فكر الطوائف الأخرى لتنويع ثقافتي، وكذلك العقيدة المسيحية، إذ يجب أن يكون المعلم معلماً للدين المسيحي كله، وليس للعقيدة الأرثوذكسية وحدها".
وجدَت الطائفة الكاثوليكية حلاً بديلاً بصياغة منهج موازٍ، يطبق على تلاميذ النقل.
أخفي طائفتي
تقول ريتا كميل وهي معلمة دين مسيحي في مدرسة تتبع للرهبنة اليسوعية الكاثوليكية في وسط القاهرة: "وضعنا منهجاً موازياً في سنوات النقل، فالامتحان يوضع داخلياً بعكس سنوات الشهادة (6 إبتدائي و3 إعدادي و3 ثانوي)".
وتضيف في حديثها لرصيف22: "وُضع منهجي الأول والثاني الإعدادي قبل 10 أعوام، ولا يتضمن أي منهما مواد جدلية، مع الاكتفاء بالفرقة الأولى بالكتاب المقدس، وشخصيات العهد القديم منذ إبراهيم وحتى تجسد المسيح بحسب المعتقد المسيحي، والاكتفاء من الفرقة الثانية بالأسرار، مع مراعاة الشرح بعيداً عن الاختلافات".
لم يعرف جون أثناء المرحلة الثانوية ما الذي يدرسه في منهج التربية الدينية المسيحية. فقد صُدم الطالب المنتمي للطائفة البروتستانتية بمعظم المنهج الذي يتناول أموراً لا تعبر عن عقيدته، من طقوس وقداديس وطرق عبادة ولغة قبطية وألحان، وسيَر القديسين، وجميعها أمور خلافية بين الطوائف
"كنت أساعد بناتي في دروس الدين واليوم أصبحنا نتجاهلها" هذا ما تقوله المحامية أمل جرجس لرصيف22، وتضيف: "لا يوجد مدارس راهبات سوى الكاثوليكية، لذلك اخترتها لتربي الفتيات تربية متدينة ومتزنة، تحترم الآخر بجانب دراسة اللغة، وليطمئن قلبي لاعتمادهم على منهج موازي للتربية الدينية".
التقطت أطراف الحديث الابنة جبتوا هاني بالفرقة الثانية الإعدادية في مدرسة سانت آنا للراهبات الكاثوليك في وسط القاهرة، فأضافت: "هذا العام اعتمدت المعلمة وهي راهبة كاثوليكية في تدريس الدين على البحث والقراءة من الإنجيل، وقبل الإمتحان كانت تخصص حصة واحدة للمنهج، فكنت أكتفي بالنوم أثناء حصة الدين".
بينما تقول كميل: "ننظم القداس أثناء حصة الدين، وعقب الطابور الصباحي يذهب التلاميذ المسلمين لحصة الدين الإسلامي، بينما نعتبر القداس حصة لكل المسيحيين، كلٌ يصلي بطريقته دون الإجبار على التناول".
وتضيف: "التلاميذ من الطوائف الأخرى كالبروتستانت يقبلون على التناول. لكن المشكلة عادة لدى الأرثوذكس نتيجة لتعليمات القساوسة بمنعهم من التناول معنا، لذا نمنحهم حرية الاختيار، إنما كثيراً ما يصدر عنهم شغب أثناء الصلاة متعللين بكلام الكاهن. ننهرهم بأن هذه صلاة يجب احترامها وبمرور الوقت بتناول بعضهم حتى وإن أخفوا ذلك عن أسرهم".
وعن منهج الوزارة في سنوات التخرج، تقول ريتا "أنا معترضة على المنهج لأنه متعارض مع قناعاتي ويختلف مع رؤيتنا الكاثوليكية، منها عدد السموات ومن يستحق الدخول للجنة".
هناك الكثير من الأسئلة التي تواجه ريتا منها: "هل أبناء الديانات الأخرى لهم نصيب في الجنة، هل المسلمون معنا في الفردوس؟". وتجيب نعم، فإنّ المسيح ذكر: "في بيت أبي منازل كثيرة". وعن النقاشات حول القضايا الخلافية تسعى ريتا للتأكيد على نقاط الاتفاق وتتهرب من سؤال انتمائها لأي طائفة.
هناك الكثير من الاختلافات بين الطوائف الثلاث الكبرى في مصر، وتتفق الطائفتان الأرثوذكسية والكاثوليكية في الطقوس والأصوام والاعتراف بالشفاعة والقديسين والشهداء وكذلك الرهبنة والكهنوت والأسرار وخاصة الاعتراف والتناول والقداسات مع اختلافات عابرة في التطبيق.
ورغم ذلك ثمة اختلاف جوهري في توقيت عيد الميلاد، كذلك في رفض الكنيسة الأرثوذكسية الاعتراف بالمعمودية الكاثوليكية، وهي لا تسمح بالزواج المختلط معها. بينما لا يوجد لدى الكنيسة البروتستانتية طقس ولا نظام للصوم ولا قداس أو تناول واعتراف ولا تعترف بالشفاعة وليس لديها حركة رهبانية.
عنصرية معلمين ضد تلاميذ الأقلية
تروي جبتوا لرصيف22: "أحياناً يحدث جدل على نقاط الاختلاف الطائفية فتكتفي معلمة الدين بإسكاتنا، لذلك أدرس بهدف الحصول على درجة النجاح فقط، فعلى سبيل المثال قصة آدم وحواء رمزية بحسب ما تعلمته في كنيستي، بينما يقدمها المنهج كحقيقية وبحسب وجهة النظر الأخرى، وللهروب من الخلاف طلب المعلمين أن نسأل كنائسنا".
معلمة: "ننظم القداس أثناء حصة الدين، وعقب الطابور الصباحي يذهب التلاميذ المسلمين لحصة الدين الإسلامي، بينما نعتبر القداس حصة لكل المسيحيين، كلٌ يصلي بطريقته دون الإجبار على التناول".
وتضيف: "دراسة الشخصيات تعتمد على قديسي الأرثوذكسية بينما الكاثوليكية زاخرة بقديسيها ولا يتم ذكرهم. أما البروتستانت فنشعر أثناء الحصة وكأنهم ليسوا مسيحيين بل أقلية أخرى".
يتفق معها جون، ويذكر تنمر زملائه على طريقة الصلاة بالكنائس البروتستانتية لاعتمادها على الترنيم والتصفيق، يقول: "أثناء حصة الدين اعترضت على موضوع معيّن، وكادت المعلمة تطردني وسألتني (هل إنت إنجيلي؟) فقلت لها إن والدي أيضاً قس، فكادت تنتهرني، ولكنها تراجعت حينما أدركت قدرتي على الجدال، كما رفضت الاستجابة لطلب زملائى بمناقشتي وأجابت بسخرية (اللي زي دا ميستحقش الرد)". لافتاً: "والدتي معلمة دين وتراعي الجميع أثناء الشرح، فالأمر يعتمد على المعلم وليس المنهج وحده، وهو المتبع في مدارس تتبع الطائفة الإنجيلية (نيو رمسيس) ولكن في المدارس الحكومية والخاصة لا وجود للآخر، وقد يصل النقاش للنزاع".
القناعات والامتحان
يقول جون" "أثناء الامتحان أطبق نظرية الدين ماذا يقول للنجم عادل إمام من فيلم حسن ومرقص، وأجيب وفقاً للمنهج وليس بحسب معتقدي حتى أحصل على درجة النجاح". ويضيف: "لن أخالف قناعاتي لأحصد درجات النجاح، سأجيب بغض النظر عن النتيجة".
ودفاعاً عن الأقلية تقول جويا حسام، وهي طالبة في الفرقة الأولى الجامعية: "لأني أرثوذكسية وأقاربي لأمي بروتستانت عايشت معاناتهم في دراسة منهج التربية الدينية، كانت المناهج بالنسبة لهم غاية في الصعوبة ومعقدة نظراً لاعتمادها على الفكر الأرثوذكسي، فاعتمدوا عليّ في شرح الدروس رغم علاقتنا المضطربة بسبب تنمرهم على عقيدتي، ولكن مساعدتي لهم في فهم المنهج أزال هذا الخلاف خاصة فيما يتعلق بالقداس لأن مدرستهم (راهبات كاثوليك) تقيم قداساً أسبوعياً، فكنت أشرح لهم كيفية التعامل وما هو القربان.
رغم منصبه كرئيس لمجلس الحوار والعلاقات المسكونية في الطائفة الإنجيلية بمصر، فإنّ الدكتور القس رفعت فكري، وهو ولي أمر اثنين من الطلبة يشكو من أحادية منهج الدين. يقول لرصيف22: "تقدمت بمطالبات لوزارة التربية والتعليم لكن دون جدوى، وتلقيت شكاوى من أولياء الأمور في مدارسنا (نيو رمسيس)".
ويتحدث عما أسماه "سيطرة بعض الأفكار الأصولية في الوزارة"، لافتاً لاحتواء المناهج على نسبة كبيرة من دروس عن القديسين والقداس والرهبنة متسائلاً "أين البروتستانتية؟ أبناؤنا لديهم مشكلة مع دراسة منهج ديني لا يعرفونه ومخالف لقناعاتهم". وعن الإجابة في الامتحان، يقول "ننصحهم بالمذاكرة بهدف الامتحان فحسب".
أولياء أمور: "هناك عن سيطرة لبعض الأفكار الأصولية في الوزارة في ظل غياب للعقيدة البروتستانتية، وأبناؤنا لديهم مشكلة مع دراسة منهج ديني لا يعرفونه ومخالف لقناعاتهم، لذا ننصحهم بالمذاكرة بهدف النجاح في الامتحان فحسب".
تقول الدكتورة سامية قدري أستاذة علم الاجتماع في كلية البنات جامعة عين شمس: "دور الكنيسة تعليم العقيدة والطقوس بينما تكتفي المدرسة بتعليم القيم المسيحية عامة". وتضيف: "تدريس الطقوس والأسرار السبعة ليس ضرورة، خاصة أنها مثار خلاف بين الطوائف، بينما كان يجب تشكيل لجنة لإعداد منهج يمثل كل الطوائف".
المنهج متفق عليه لماذا الاعتراض
يعلق القس بولس حليم وهو مدير إدارة التدريب في المركز الإعلامي للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، والمنوط به وضع المنهج من قبل الكنيسة الأرثوذكسية: "قبل 2017 كان منهج التربية الدينية المسيحية يصاغ أرثوذكيساً بالكامل ليتناول الطقوس والعقيدة والأسرار وسير القديسين، أما المنهج الحالي الذي قمت بصياغته فراعيت فيه ألا يكون بطابع أرثوذكسي".
ويقول لرصيف22: "عام 2005 شاركت في إعداد وثيقة المنهج التي ضمت الطوائف الثلاث، مع الدكتور صفوت البياضي رئيس الطائفة الإنجيلية آنذاك، والأنبا روفائيل الأسقف العام لكنائس وسط البلد للكنيسة الأرثوذكسيةـ والأم سميحة، والأب ميلاد من الكاثوليكية، ووقعنا جميعاً على المصفوفة وتم تحويلها لمنهج منذ 2017، وحتى الآن جرى تنفيذ منهج من الصف الأول حتى السادس الابتدائي والأول الإعدادي".
جون: ""أثناء حصة الدين اعترضت على موضوع معيّن، وكادت المعلمة تطردني وسألتني هل إنت إنجيلي؟، ثم قالت: اللي زي دا ميستحقش الرد".
ويكمل: "التأليف لم يخرج عن عناوين الدروس المتفق عليها، خاصة أن المسيحيين حتى القرن الرابع متفقون على الرهبنة والقديسين، لذلك وقعوا على المصفوفة بمحتواها، وضمنّا بالمنهج تاريخ الرهبنة والتاريخ القبطي".
ويلفت حليم إلى أن الشكاوى الرسمية التي أرسلت لوزارة التربية والتعليم من قبل البروتستانت، تحديداً "الإنجيلية"، قارنت المنهج الحالي بالسابق وأظهرت الوثيقة المتفق عليها وانتهى الخلاف، ويتساءل حليم إذا كان التاريخ القبطي كله أرثوذكسي هل ألغي التاريخ؟".
وعن كيفية تقييم الإجابات بالامتحان تقول الدكتورة مايسة فاضل رئيسة التقييم التربوي بالمركز القومي للامتحانات بوزارة التربية والتعليم: "يجب أن تراعى الأقلية أثناء وضع المناهج، وكذلك الامتحانات والتصحيح".
وتضيف في حديثها لرصيف22: "شهدت الأعوام الماضية تطوراً، فقد أصبحت المناهج تميل للشمولية بعيداً عن التمييز، وعلينا التحقق من هذه الأزمة فيما يتعلق باختلافات الطوائف لأننا لم نلتفت لها بشكل دقيق، كما نقوم عادة بتوجيه تعليمات لواضعي الامتحانات والمصححين بتجنب (الصفر)، فلا توجد إجابة خاطئة تماماً، كما نحترم الاختلاف ونراعي العدالة أثناء منح الدرجات".
ويؤكد حليم: "اتفقنا على أن يتناول المنهج الفترة حتى القرن الرابع ومجمع نيقية ما قبل الانشقاق، بينما بدأت الكنيسة الإنجيلية في مصر عام 1968". ويتابع: "راعيت قدر الإمكان ألا أكتب عن الشفاعة أو الأسرار والطقوس، فالطوائف تمتلك مدارسها وتضع مناهجها الخاصة بها، فأين المشكلة هنا؟".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومينتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 4 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه