قبل ما يقرب من 5 سنوات شد الشاب زكريا مجدي صاحب الـ13 عاماً – وقتها- الرحال، قادماً من قريته ساقلتة الواقعة في مركز أخميم بمحافظة سوهاج جنوب مصر إلى العاصمة، ملاحقاً حلمه باحتراف لعب كرة القدم.
مهد مجدي لتلك الخطوة جيداً، فانضم إلى "دوري بيبسي" الذي كانت الشركة العالمية تنظمه بالمشاركة مع وزارة التعليم في المدارس المصرية، وهو البرنامج الذي كان له الفضل في اكتشاف موهبة اللاعب المصري العالمي محمد صلاح، لاعب المنتخب القومي وفريق ليفربول الإنجليزي. شجع مدربو البرنامج مجدي على مواصلة حلمه مشيدين بموهبته اللافتة ما شجعه على استثمار بعض مدخرات الأسرة في السفر إلى القاهرة وخوض اختبارات الانضمام إلى فرق الناشئين في أندية العاصمة الكبرى.
اختبار وراء الآخر يبتسم فيها المدرب في وجه زكريا مرحباً بعد أداء الفتى الموهوب، وتمضي إجراءات القبول بعد الاختبار الناجح حتى يصل إلى مرحلة تسجيل خانة الديانة فيأتي الرفض وتمزيق الأوراق بعد أن ينطق الفتى بكلمة: "مسيحي".
حكاية زكريا مجدي تتكرر يومياً على طول مصر وعرضها، ونتيجة التكرار أن صار الدوري المصري لكرة القدم والذي يعتبر "أغلى دوري عربي" لا يضم سوى لاعبين مسيحيين اثنين من بين ملايين المسيحيين الذين تقدرهم التصريحات الرسمية بنحو 10% من التعداد الكلي للمصريين، فيما تضعهم تقديرات غير رسمية بين 15 إلى 20% من التعداد الكلي للسكان.
اختبار وراء الآخر يبتسم فيها المدرب في وجه زكريا مرحباً بعد أداء الفتى الموهوب، وتمضي إجراءات القبول بعد الاختبار الناجح حتى يصل إلى مرحلة تسجيل خانة الديانة فيأتي الرفض وتمزيق الأوراق بعد أن ينطق الفتى بكلمة: "مسيحي"
اللاعبان هما جرجس مجدي لاعب نادي إنبي (مملوك لشركة بترول تساهم فيها الحكومة المصرية) وأمير عادل لاعب وادي نادي دجلة المملوك لرجل الأعمال القبطي ماجد سامي. أما المنتخب القومي فلم يشارك فيه لاعبون مسيحيون منذ تقاعد اللاعب السابق هاني رمزي.
لكن يبدو أن استبعاد المسيحيين المصريين من المشاركة في الدوري المصري قد يكون قريباً تاريخاً متروكاً، ليس لتدخل اتحاد الكرة أو الدولة ممثلة في وزارة الشباب والرياضة لمواجهة التمييز والاستبعاد المتعمد تجاه المسيحيين، وإنما لأن الكنيسة القبطية قررت التدخل وتدشين فريق كرة قدم يحمل اسم "عيون مصر"، دشنه اتحاد كنائس وسط القاهرة برئاسة الأنبا رفائيل أسقف عام وسط القاهرة.
الفريق الذي أعلن بدء اختبارات القبول مساء أمس الأربعاء 7 سبتمبر/ أيلول 2022، هو أول فريق تعلن الكنيسة المصرية إنشاؤه بغرض المنافسة في مسابقات الدوري المصري الذي يضم 4 مسابقات، تعتزم أسقفية وسط القاهرة المنافسة في المستوى الرابع منها أملاً على الصعود إلى الدوري الممتاز في مرحلة ما، في سابقة لم تشهدها مصر مصر قبلاً في قيام مؤسسة دينية على نادي كروي عام.
وعلى الرغم من ترحيبه المبدئي بالفريق، أصدر وزير الشباب والرياضة المصري أشرف صبحي مساء الخميس 8 سبتمبر/ أيلول، بعد ساعات من ترحيبه بالفريق، بياناً ينفي فيه وجود الفريق كلياً، وقال البيان إنه "لا توجد فرق كروية أو نادي يتبع كنيسة، والهيئات الشبابية والرياضية لكل شباب مصر بعيداً عن أي انتماءات سياسية.
على الرغم من ترحيبه المبدئي بالفريق، أصدر وزير الشباب والرياضة المصري أشرف صبحي مساء الخميس 8 سبتمبر/ أيلول، بعد ساعات من ترحيبه بالفريق، بياناً ينفي فيه وجود الفريق كلياً
تكريس للطائفية أم مواجهة لها؟
في تصريحات صحافية، كشفت أسقفية وسط القاهرة عن تفاصيل منظومة العمل بنادي "عيون مصر"، المقرر خوضه منافسات كرة القدم من دوري القسم الرابع، وكشفت أيضا عن شروط التقدم لعضوية النادي وطاقم المدربين المشرفين، معلنة عن تشكيل الجهاز الإداري، واللافت أن الأسماء المعلنة حتى الآن كلها لجهاز فني من المسلمين.
ووفقا لبيان كنائس وسط القاهرة برئاسة الأسقف أنبا رفائيل، فإن عيون مصر "سيتشرف بتواجد نخبة رائعة من المدربين والإداريين لقيادة المنظومة كاملة، في انتظار انضمام نخبة أخرى من الكفاءات المصرية".
سرعان ما أثار خبر، ترحيب وزير الشباب والرياضة المصري بالفريق الجديد -وهو الترحيب الذي سحبه الوزير بعد القلق المنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي- اهتمام المتابعين للشأن المسيحي في مصر، والمهتمين بقضايا التمييز. واتجهت تعليقات معظمهم إلى تفهم الخطوة التي أقدمت عليها الكنيسة القبطية بعد سنوات من استبعاد المسيحيين المصريين من فرق كرة القدم وأنديتها، واعتبارها "رد فعل منطقي"، وغن كان يكرس بدوره إلى فكرة الانغلاق والتفرقة على أساس الدين الذي يعاني منه المسيحيون المصريون على الرغم من إصرار التصريحات الرسمية على نفيه، إذ لم يجرؤ أي لاعب مصري على إعلان رأي صريح حول التمييز ضد المسيحيين في كرة القدم سوى اللاعب أحمد حسام "ميدو".
من بين المتفهمين يأتي الباحث إسحق إبراهيم مسؤول ملف حرية الاعتقاد والحريات الدينية في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية الذي كتب: " معيار الحكم الأساسي لنجاح التجربة أو فشلها هو ممارسات النادي، وهل يقوم بالتمييز ضد أي فئة من المواطنين من عدمه .. يعني هل يسمح هذا النادي بانضمام مسلمين وبدون تمييز أم لا؟ التمييز ضد المسيحيين في مجال الرياضة والحاجة هما من وفرا بيئة وسياق لإنشاء هذا النادي، وبالتالي مينفعش نتكلم عن مخاوف من التديين للمجال الكوري لأنه هو بالأساس تم تديينه، أو نتكلم عن سلبيات القرار بدون ما يكون فيه بدائل للوضع الحالي".
ووفقا لبيان كنائس وسط القاهرة برئاسة الأسقف أنبا رفائيل، فإن عيون مصر "سيتشرف بتواجد نخبة رائعة من المدربين والإداريين لقيادة المنظومة كاملة، في انتظار انضمام نخبة أخرى من الكفاءات المصرية".
رأي إبراهيم اختلف معه كثيرون منهم الكاتب محمد نعيم الذي وجد أن إنشاء الكنيسة لفريق كرة قدم يجعل هوية الأخير "متمحورة حوالين الكنيسة ككنيسة" ما يوسع من الاحتمالات المستقبلية لتشكيل فرق لكرة على أساس الدين والطائفة.
رأي نعيم ود صداه في تعليقات ساخرة توقعت استبعاد المسيحيين المنتمين لطوائف خلاف الأرثوذكسية القبطية من الفريق الجديد، وإن كانت التصريحات الرسمية للأنبا رفائيل تؤكد أن النادي الجديد مفتوح لكل المواهب الكروية من كافة الأديان والطوائف.
القس جرجس شفيق المسؤول إدارياً عن نادي عيون مصر المؤسس حديثاً، أصدر بياناً رد فيه على التخوفات الخاصة بـ"طائفية النادي" قال فيه : " تصحيحًا لمفاهيم خاطئة وصلت للبعض بعد نشر إعلان فتح باب القبول لفرق نادي عيون مصر؛ يجب مراعاة أولاً: أن النادي ما زال تحت التأسيس، وثانياً: أن النادي لكل المصريين، ثالثاً: أن المدربين والإداريين العاملين مصريين، مسلمين ومسيحيين، ورابعاً: اللاعبون مصريون مسلمون ومسيحيون"
وفي تصريحات خاصة لرصيف22 قال القس إن النادي: "ليس إلا امتداد للخدمات التي تقدمها الكنيسة في كافة محافظات الجمهورية والمتمثلة في المستشفيات والمدارس وغيرها من الخدمات، لذا أي حديث أو إشارة إلى تمييز على أساس ديني فهو من محض الخيال ولا يمت للواقع بصلة"
مشدداً على أن "الأمر كله وليد الصدفة"، وأن التفكير في إنشاء نادي كروي بدأ في نهايات 2020، وعمدت الكنيسة إلى الاعتماد على مركز شباب العباسية بنظام الإيجار ليكون مقر التدريبات، لافتاً إلى أن فريق العمل يتكون من "غالبية" من المصريين المسلمين، حيث أن المعيار الوحيد هو الموهبة والجودة ولا يوجد مساحة لأي تمييز على أساس ديني أو عرقي.
أما عن رأس مال نادي عيون مصر، أوضح القس: "نعتمد في المقام الأول على التبرعات التي يقدمها المصريين للنادي، ومن يرغبون في تطوير المنظومة في مصر".
ما بعد الصحوة
يأتي الإعلان عن إنشاء النادي بعد شهرين من ذيوع منشور لزكريا مجدي، الشاب الذي بدأنا به تقريرنا، تحدث فيه عبر حسابه الشخصي على فيسبوك عما لاقاه من تمييز على الرغم من الاتفاق على موهبته.
يحكي زكريا الحكاية لرصيف22 بمزيد من التفاصيل ويقول: "الكابتن بره كان بيصقفلي من غير ما يعرف اسمي ولا أي حاجة، عجبته وأشاد بيا. بعد الماتش نادى عليا أنا واتنين، واحد كان في فريقي والتاني الفريق اللي ضدي، واللي بيروح اختبارات عارف إن لما الكوتش بينده عليه ويمشي الباقي يعني كدا هو اتقبل. طلعنا معاه بره نسلم على الكباتن اللي قاعده تحت الشمسية الحلوة دي، في الكباتن بتشيد بينا وبيسلموا علينا بكل احترام، الاتنين اللي معايا اتمضالهم الاستمارة واتقبلوا وخدوا معاد الاختبار التاني، جه الدور عليا بص في الاستمارة وسكت شويه وقالي معلش تعوضها في نادي تاني، قولتله يا كابتن الاتنين اتمضالهم اللي كانوا قبلي، قالي معلش تتعوض في نادي تاني".
لم يكن وجوده في اختبارات البنك الأهلي من باب الصدفة، إنما نتاج سعي حثيث لتحقيق هدفه، فخلال السنوات الماضية انضم مجدي إلى فريق الزرقا، الذي قرر الرحيل عن صفوفه بعد أن طالبته الإدارة بمبلغ 7000 جنيه لاستمرار قيده، يقول زكريا عن ذلك: "الموضوع كان صدمة ليا ولأهلي، أنا كنت بأدي وملتزم جدا، لكن فجأة وبدون مقدمات لقيت الإدارة بتقولي عايز تكمل معانا تدفع، والموضوع بقى أصعب لما عرفت إني الوحيد اللي اتطلب منه إنه يدفع عشان يكمل. صعبت عليا نفسي، أنا عايز أكمل بس المبلغ مش معايا فكرت استلف الفلوس بس لما حسبتها لقيت إني بروح التدريب أربع أيام في الأسبوع، وأسرتي صعب تدعمني مادياً في ظل الظروف الصعبة اللي على الناس كلها، وكمان صعب اشتغل في الأيام المتبقية من الأسبوع عشان أسدد الفلوس فكان القرار إني أمشي".
"الكابتن بره كان بيصقفلي من غير ما يعرف اسمي ولا أي حاجة... بعد الماتش نادى عليا أنا واتنين [غيري]، واللي بيروح اختبارات عارف إن لما الكوتش بينده عليه ويمشي الباقي يعني كدا هو اتقبل... الاتنين اللي معايا اتمضالهم الاستمارة واتقبلوا، جه الدور عليا بص في الاستمارة وسكت شويه وقالي معلش تعوضها في نادي تاني"
ما واجهه زكريا ويواجهه غيره من المسيحيين لم يكن هو المعتاد في الكرة المصرية حتى نهاية الستينيات من القرن الماضي، بحسب كتاب "الأقباط والرياضة" للباحث نور قلدس، والصادر ضمن سلسلة كتاب وطني (جريدة قبطية)، فإن المسيحيين المصريين "كانوا حاضرين بقوة" في الأندية الكروية خلال الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي.
واستعرض الكتاب أسماء عديدة للاعبين مسيحيين – اقباط بصفة خاصة- كانوا حاضرين في معظم الرياضات الفردية والجماعية منهم الملاكم ميشيل جورجي الذي مثل مصر في أولمبياد باريس 1924، وفيليب نصيف الذي مثلها في رفع الأثقال في الأولمبياد نفسه، وجاك فهيم في السباحة بأوليمبياد لندن 1948، وجرجس بخيت في دفع الجلة لمنافسات ألعاب القوى في برلين 1936.
يقول الكاتب "لكن مع دخول الصحوة الإسلامية في مصر نهاية السبعينيات وبدايات الثمانينيات، بدأ انحسار التواجد القبطي في الرياضات المختلفة، حيث طغى الطابع الديني رويداً رويداً على الملاعب، وكان المعيار لاختيار اللاعب الديانة في المقام الأول".
ويواصل "وما زال تصريح كابتن حسن شحاتة، مدرب منتخب مصر السابق، يرن في أذن الأقباط حيث قال: «معيار اختيار اللاعبين لتمثيل منتخب مصر يرتبط بشكل وثيق بمدى قربهم وعلاقتهم بربنا»، ودعم ذلك التوجه إطلاق لقب «منتخب الساجدين» على المنتخب المصري".
وبالرجوع إلى قوائم اللاعبين في الدوري المصري الممتاز، سوف نجد عدد قليل مدار عشرات السنوات، وهم: محسن عبدالمسيح الذي لعب في صفوف الإسماعيلى 1978، وهانى سرور حارس مرمى الاتحاد السكندري، وأشرف يوسف مدافع الزمالك خلال فترة التسعينيات.
حرس قديم
ويعلق كابتن محمد فودة المسؤول عن قطاع الناشئين في نادي الفيوم، ومدير أكاديمية خاصة لكرة القدم، لرصيف22، إن رفض المسيحيين في اختبارات القبول للانضمام للنوادي هي "وقائع فردية ولا يمكن تعميمها أو تصوريها على كونها نهج أو نسق متبع تجاه الأقباط في عالم كرة القدم".
ويعتقد فودة أن "النهر جرى فيه الكثير من المياه ولم تعد النظرة إلى كرة القدم مثل السابق - في إشارة إلى ما قبل ظهور محمد صلاح نجم منتخب مصر وفريق ليفربول الإنجليزي- إذ بدأ الأمر ينظر إليه باعتباره استثماراً في المقام الأول، والموهبة هي من تفرض نفسها على الجميع دون استثناء".
ويرى فودة أن هذا لا ينفي أنه لا يزال هناك "حرس قديم" ضمن المسؤولين عن قطاعات الناشئين في الاتحاد والأندية الذين يديرون القطاع من خلال المجاملات والانحيازات الشخصية "لكن خلال الفترة الأخيرة لم يعد لها (أي المجاملات) مساحة، ثورة 25 يناير فتحت كافة الأبواب، لم يعد مسموحاً بالتمييز على أساس العرق أو الدين وأن يمر الأمر مرور الكرام، إلا أن رغم التغييرات الكثيرة التي حدثت إلا أنه بالتأكيد هناك من يتمسك بأفكاره القديمة في حال كانت الواقعة على أساس التمييز الديني وليست لأسباب فنية".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع