ربما يحمل كلّ من الرئيس الأمريكي جو بايدن، ونائبته ومرشحة الحزب الديمقراطي الخاسرة كامالا هاريس، ضغينةً نحو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي أتعبهم خلال العام الأخير بحروبه، وصعّب عليهم الوضع، واستننزفهم بالمساعدات، وكان على وشك أن يورطهم في حرب مع إيران، وهو ما تسبب في المزيد من الانتقادات للحزب الديمقراطي، وأدّى بشكل أو بآخر إلى هزيمته في الانتخابات الأمريكية.
هناك قلق في إسرائيل بشأن إجراءات عدة قد يتخذها بايدن، ضد تل أبيب، في الأشهر المتبقية له في منصبه، في ما يتعلق بالحرب في غزّة والقضايا في الأمم المتحدة، قبل تنصيب ترامب في 20 كانون الثاني/ يناير المقبل، حيث لا يزال يتمتع بكامل السلطة للتصرف كما يشاء، حتى لو كانوا في واشنطن يطلقون عليه "البطة العرجاء". وليس مستبعداً أن يستغل بايدن هذه الفرصة لتصفية الحسابات مع نتنياهو.
نتنياهو يتجاهل بايدن... ويستعدّ لترامب
برغم أن نتنياهو لم يكن واضحاً أبداً في سياسة "اليوم التالي"، وكانت مواقفه ضبابيةً وغير واضحة، وتصريحاته غامضةً ولا تحمل إجابات، إلا أنه بدا كثير الوضوح والثبات في ما يتعلق باليوم التالي لبايدن. إذ ظهر هذه المرة -على غير عادته- بخطة واضحة وقد تحرك لتنفيذها بسرعة.
القلق الإسرائيلي الأكبر، هو أن يستخدم بايدن أيامه الأخيرة في منصبه للضغط على نتنياهو لإنهاء الحرب مع حماس، كما يسعى منذ فترة طويلة، لأنه يريد أن يكون الرئيس الذي بدأت في عهده الحرب، وقام بإنهائها، فهو لن يسمح لترامب بأن ينال هذا، ويكون الرئيس الذي أوقف الحرب
فبينما كان العالم يتابع الانتخابات الأمريكية، أقال نتنياهو وزير دفاعه يوآف غالانت، ما حرم إدارة بايدن من أحد شركائها الإسرائيليين المفضّلين (كما أنه كان مختلفاً معه في عدد من الملفات الأخرى). فغالانت هو الشخص الذي تتواصل عبره إسرائيل مع البيت الأبيض ووزارة الدفاع الأمريكية، وقد استاء نتنياهو من ذلك (حتى أنه منع غالانت خلال الشهر الماضي من زيارة واشنطن حتى لا يتفوق عليه أحد). وهذه هي الخطوة الأولى التي يمكن قراءتها في سياق استعداد نتنياهو لترامب، وثقته بفوزه، وربما كان يعلم شيئاً نحن لا نعرفه!
بعد الانتخابات، سارع نتنياهو، إلى تهنئة ترامب، بفوزه في الانتخابات (حتى قبل أن تُعلَن النتيجة رسمياً)، واصفاً عودته بأنها "أعظم عودة في التاريخ"، وهو ما يمكن تفسيره كنوع من "المُصالحة"، لأن نتنياهو سارع قبل 4 سنوات، إلى تهنئة بايدن (حتى قبل أن تُعلَن النتيجة رسمياً)، ووقتها غضب ترامب، وقال: "بيبي خانني".
كما صرح نتنياهو مؤخراً، حسب "سي. بي. سي نيوز"، بأنه تحدث مع ترامب، ثلاث مرات خلال الأيام القليلة الماضية، وقال: "كانت هذه محادثات جيدةً ومهمةً للغاية، محادثات تهدف إلى تعزيز التحالف القوي بين إسرائيل والولايات المتحدة. نحن نتفق في الرأي بشأن التهديد الإيراني لجميع مكوناته، والخطر الذي يشكله. كما نرى الفرص العظيمة أمام إسرائيل في مجال السلام وتوسعه، وفي مجالات أخرى"، وكان ذلك قبل لقاء الرئيس بايدن مع الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، في البيت الأبيض، حيث ناقشا الحروب المستمرة في غزّة ولبنان.
يمكن القول إن نتنياهو راهن بكل قوته على فوز ترامب، وكانت تلك هي النتيجة التي أرادها، على الرغم من التوترات السابقة والتصريحات غير المحببة التي أدلى بها ترامب عنه. ويعتقد نتنياهو أنه سيعمل بشكل أفضل مع ترامب مقارنةً بالإدارة الديمقراطية التي لطالما انتقدته وكانت تريد إسقاطه.
ومن المرجح أن يتلقى نتنياهو دعوةً لزيارة البيت الأبيض، بعد وقت قصير من تنصيب الرئيس ترامب، وحتى ذلك الحين سيضطر إلى التعامل مع بايدن، وليس متوقعاً الذي سيواجهه.
قلق الأسابيع الأخيرة
كانت الأسابيع الأخيرة في إدارة بايدن متوترةً على نحو خاص، ولا يمكن اعتبار أن الحروب في غزّة ولبنان هي السبب الرئيس في هزيمة الحزب أمام ترامب، ولكنها ساهمت بشكل أو بآخر فيها.
ففي الداخل الأمريكي، كانت هناك أزمات عديدة؛ في الأول من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، أضرب عشرات الآلاف من عمال الموانئ في الولايات المتحدة عن العمل، وأغلقوا الموانئ على طول السواحل الشرقية والخليجية، وأوقفوا الشحن البحري من مين إلى تكساس، ما عطّل جهود التعافي من إعصار "هيلين"، الذي دمّر أجزاء من فلوريدا وجورجيا وكارولينا الشمالية، والعاصفة التي تلته وضربت فلوريدا، حيث وجه الأمريكيون انتقادات إلى إدارة بايدن لأنها لم تتخذ الإجراءات اللازمة لحمايتهم.
إلى ذلك، يبدو أن بايدن يريد أن يكون الوقت المتبقي له حتى تنصيب الرئيس المنتخب ترامب، ذا علامات وخطوات بارزة، لأنها هي التي ستتحدث عن "إرثه" الشخصي، وإرث الحزب الديمقراطي عقب هزيمته أمام ترامب. ولدى مساعدي البيت الأبيض خطةً موجودةً بالفعل للأيام المئة القادمة، ومن المؤكد أن إسرائيل ستكون في صدارتها، ويُتوقَّع ألا تكون جيدةً لإسرائيل ونتنياهو.
وكما يبدو فإن إدارة بادين، بدأت خطتها للانتقام مبكراً؛ قبل شهر، أرسلت رسالةً شديدة اللهجة إلى إسرائيل تحذرها فيها من أنها ستنظر في تقييد المساعدات العسكرية خلال 30 يوماً، ما لم تعمل إسرائيل على تحسين الوضع الإنساني في غزّة. وفي الأسابيع الأخيرة، صعّدت إدارة بايدن انتقاداتها لإسرائيل بسبب عدم بذلها جهوداً كافيةً لتوسيع نطاق وصول المساعدات الإنسانية إلى غزّة.
قال المتحدث باسم وزارة الخارجية ماثيو ميلر، للصحافيين في السابع من تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري: "حتى اليوم، لم يتغير الوضع بشكل كبير. لقد شهدنا زيادةً في بعض القياسات. ولكن إذا نظرت إلى التوصيات المنصوص عليها في الرسالة، فلم يتم الالتزام بها".
إذا حان الموعد النهائي، وقالت إدارة بايدن إن إسرائيل لم تفعل ما يكفي، فقد تقيّد شحنات الأسلحة إلى إسرائيل، ما قد يثير احتجاجات من ترامب وربما من أعضاء إدارته القادمة المؤيدين لإسرائيل، أو قد يعلن بايدن أن إسرائيل أحرزت بعض التقدم ولا توقف إدارته شحنات الأسلحة، فيثير احتجاجات من منظمات الإغاثة وبعض المشرّعين الديمقراطيين.
من جانبها، قالت كاتي كروسبي، من منظمة "ميرسي كوربس الإنسانية"، إنه إذا لم تتخذ الولايات المتحدة أي إجراء، فإن "المعاناة والوفيات التي يمكن منعها ستتصاعد وتؤدي إلى تآكل المصداقية الأخلاقية والقانونية للولايات المتحدة".
بينما علّق آرون ديفيد ميلر، المفاوض الأمريكي السابق في الشرق الأوسط في عهد كل من الإدارات الجمهورية والديمقراطية، قائلاً: "إنهم -أي الديمقراطيين- في مأزق الآن"، ورأى أن أي إجراءات يتخذها فريق بايدن بشأن إسرائيل الآن قد تكون قليلةً جداً ومتأخرةً جداً، بحسب "بوليتيكو".
برغم فترة عدم اليقين القادمة مع بايدن، إلا أن نتنياهو يدرك كذلك، من خلال تجربته السابقة مع دونالد ترامب، أن ولاية الأخير أيضاً لن تكون مريحةً تماماً له، إذ لا يزال من غير الواضح ما إذا كان نتنياهو قادراً حقاً على التواصل بشكل فعال مع ترامب طوال الوقت، وفي كل الملفات، فترامب معروف بأنه متقلب وحادّ المزاج
انتقام بايدن
هناك قلق في إسرائيل من خطوات إدارة بايدن في الأسابيع القادمة، والتي يمكن اعتبارها "حاسمةً". وبرغم تحركات نتنياهو تجاه ترامب، إلا أنه يدرك أنه لا يزال يحتاج إلى إدارة بايدن، فمؤخراً جددت إيران تهديدها بشنّ هجوم صاروخي ثالث على إسرائيل، وهو ما يعني أن تل أبيب ستكون بحاجة إلى مساعدة الولايات المتحدة، كما أن استمرار الحروب في غزّة ولبنان، يفرض ضغوطاً على حاجة إسرائيل المستمرة إلى الأسلحة، فهي لا تستطيع تحمّل التأخير أو أي عوائق أخرى بشأن الشحنات الأمريكية.
لكن القلق الإسرائيلي الأكبر، هو أن يستخدم بايدن أيضاً أيامه الأخيرة في منصبه للضغط على نتنياهو لإنهاء الحرب مع حماس، كما يسعى منذ فترة طويلة، لأنه يريد أن يكون الرئيس الذي بدأت في عهده الحرب، وقام بإنهائها، فهو لن يسمح لترامب بأن ينال هذا، ويكون الرئيس الذي أوقف الحرب.
يبدو أن بايدن سيستغل الشهرين الأخيرين من ولايته لتكثيف الضغوط من أجل التوصل إلى اتفاق بشأن الرهائن، ومطالبة نتنياهو بتنازلات، مثل الانسحاب من ممر فيلادلفيا وتحركات مماثلة. ومن المرجح أن يدفع بايدن نحو المضي قدماً في الاتفاق الدبلوماسي بين إسرائيل ولبنان، وهو الاتجاه الذي يبدو أن نتنياهو يدعمه، على عكس الجهود الرامية إلى إنهاء الحرب في قطاع غزّة، بحسب إيتمار إيشنر، في "يديعوت أحرونوت".
ويتفق معه دافيد روزنبرغ، في تحليل نشرته "فورين بوليسي"، مرجحاً أنّ بايدن سيقوم بتكثيف الضغوط من أجل التوصل إلى صفقة رهائن وانسحاب إسرائيل من ممر فيلادلفيا، ومن المرجح أن يلعب نتنياهو على الوقت للهروب من مطالب بايدن، لكنها ستكون بالتأكيد فترةً صعبةً.
مسألة "انتقام الديمقراطيين" من نتنياهو ليست جديدةً، فقد كشف إيتمار إيشنر في تحليله سابق الذكر في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أن المسؤولين الإسرائيليين يشعرون بالقلق إزاء تكرار قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في 23 كانون الأول/ ديسمبر 2016، عندما اتخذ باراك أوباما، في أيامه الأخيرة في منصبه، خطوةً غير عادية بالامتناع عن استخدام حق النقض الأميركي في المجلس، ما سمح بمرور قرار ضد المستوطنات اليهودية. وقد أدت هذه الخطوة إلى تعقيد إسرائيل قانونياً، وفتح الباب أمام دعاوى قضائية محتملة في المحاكم الدولية في لاهاي. والآن يخشى نتنياهو حدوث سيناريو مماثل.
بالنسبة لبايدن، فإن الفرصة سانحة: من المقرر أن يعقد مجلس الأمن اجتماعاً بشأن الحرب بين إسرائيل وحماس في غضون أقلّ من أسبوعين، وقد يختار بايدن غاضباً عدم استخدام حق النقض ضد قرار يدعو إلى فرض عقوبات على إسرائيل، إذا لم توافق على قبول اتفاق وقف إطلاق النار.
بينما ترى بعض التقارير الأخرى، أن مهمة بايدن لن تكون سهلةً، فمن المرجح الآن أن يواجه كبار المسؤولين الأميركيين، الذين قضوا أشهراً في التنقل بين مناطق الشرق الأوسط بحثاً عن مفاوضات السلام، نظراء مترددين في اتخاذ خطوات كبيرة، مفضّلين بدلاً من ذلك انتظار تنصيب ترامب في كانون الثاني/ يناير المقبل.
علّق بريان فينوكين، المستشار البارز في برنامج الولايات المتحدة في مجموعة الأزمات الدولية، لرويترز: "لقد أصبح نفوذهم -أي الديمقراطيين- أقل كثيراً. ربما لا يزال الناس يردّون على مكالماتهم الهاتفية، ولكن الجميع يتطلع إلى إدارة جديدة، إدارة سوف تتبنى سياسات وأولويات مختلفةً".
وتوقّعت لورا بلومنفيلد، المحللة المتخصصة في شؤون الشرق الأوسط في كلية "جونز هوبكنز" للدراسات الدولية المتقدمة في واشنطن، أنه قبل تنصيب ترامب، سيبذل نتنياهو جهداً محدوداً لتلبية مطالب بايدن بشأن مساعدات غزّة"، وأضافت: "من يوم الانتخابات إلى يوم التنصيب، سوف يتحدد موقف إسرائيل تجاه الولايات المتحدة من خلال أمرين: ما يحتاجه نتنياهو، وما يخشاه. كما يخشى نتنياهو الغضب غير المتوقع للرئيس الأمريكي القادم".
السيناريو الأسوأ أن حكومة نتنياهو اليمينية قد تستغل الشهرين الأخيرين حتى تنصيب ترامب، من أجل الاستيلاء على أكبر قدر ممكن من الأراضي الفلسطينية واستيعابها، ومن أجل تسجيل وقائع على الأرض، وتغيير خريطة الاحتلال في غزّة ولبنان، واستغلال كل لحظة يكون فيها رئيس البيت الأبيض "بطّةً عرجاء"
لا ضمانات لنتنياهو
برغم فترة عدم اليقين القادمة مع بايدن، إلا أن نتنياهو يدرك كذلك، من خلال تجربته السابقة مع دونالد ترامب، أن ولاية الأخير أيضاً لن تكون مريحةً تماماً له، إذ لا يزال من غير الواضح ما إذا كان نتنياهو قادراً حقاً على التواصل بشكل فعال مع ترامب طوال الوقت، وفي كل الملفات، فترامب معروف بأنه متقلب وحادّ المزاج.
كما أن هناك أسباباً تدعو نتنياهو إلى القلق، إذ ربما يواجه الضغوط نفسها التي واجهها في عهد بايدن، لإنهاء القتال في غزّة ولبنان، فقد تحدث ترامب مراراً وتكراراً عن إنهاء (وليس الفوز) الحرب مع حماس، وقال الشيء نفسه عن الحرب في لبنان. كما أن ترامب وعد أيضاً باتخاذ موقف أكثر صرامةً تجاه إيران وطموحاتها النووية، لكنه لم يُظهر أي رغبة في شنّ حرب عليها (وهي رغبة نتنياهو).
ولكن ربما ما يسعد نتنياهو هو أن ترامب سيمنحه المزيد من حرية العمل، ولن يضغط عليه في مسألة المساعدات الإنسانية المقدّمة إلى غزّة والعنف المتزايد من جانب المستوطنين في الضفة الغربية، فهاتان قضيتان من غير المرجح أن يضغط ترامب على إسرائيل بشأنهما، وهو ما قد يمنح نتنياهو فرصةً للمناورة مع شركائه في الائتلاف اليميني المتطرف الذين يريدون قطع المساعدات عن غزّة، وإعطاء المستوطنين حرية التصرف، وتالياً يعزز فرصه بين حلفائه والجمهور اليميني.
أما السيناريو الأسوأ، فهو أن حكومة نتنياهو اليمينية قد تستغل الشهرين الأخيرين حتى تنصيب ترامب، من أجل الاستيلاء على أكبر قدر ممكن من الأراضي الفلسطينية واستيعابها، ومن أجل تسجيل وقائع على الأرض، وتغيير خريطة الاحتلال في غزّة ولبنان، واستغلال كل لحظة يكون فيها رئيس البيت الأبيض "بطّةً عرجاء".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 17 ساعةفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ 17 ساعةعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...