شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
كيف استخدم نتنياهو جدعون ساعر لترويض غالانت؟

كيف استخدم نتنياهو جدعون ساعر لترويض غالانت؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والحقيقة

الجمعة 27 سبتمبر 202411:32 ص

"ليس من الصحيح أن يكون وزير الدفاع موضوعاً على الرف لفترة غير محدودة". هكذا أعلن جدعون ساعر، رئيس حزب اليمين الوطني، السبت 21 أيلول/ سبتمبر 2024، عن تخليه عن منصب وزير الأمن الذي عرضه عليه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

وجاء هذا التخلي متزامناً مع التصعيد الذي دفعت به إسرائيل، عسكرياً، في حربها مع حزب الله. في حين لم يستبعد ساعر أن يقبل بتولي منصب آخر في الحكومة الإسرائيلية.

لم يجد نتنياهو، بعد خلافاته المتكررة مع وزير الأمن في حكومته، يوآف غالانت، بداً من البحث عن بديل منه لهذا المنصب. فتردد اسم جدعون ساعر. إلا أن عرض نتنياهو لساعر أثار حالة من الجدل في الشارع الإسرائيلي، لا سيما أن لكليهما تاريخاً سياسياً لا يخلو من العداوة.

هكذا، عاد غالانت- الذي سميّت ليال من تظاهر الإسرائيليين ضد إقالته باسم "ليالي غالانت"- إلى حضن حكومته، متناغماً معها ومع خطابها ولهجتها في تصعيدها مع حزب الله، بعد أن هُدد بالطرد لمعارضته شن هجوم واسع على لبنان.

من هو جدعون ساعر؟

تصفه سارة شريف، الباحثة في الشأن الإسرائيلي، في كتابها المعنون بـ"المخادع": "هو زعيم ليكودي، لديه شعبية كبيرة. شخصية معتدلة إلى حد كبير مقارنة ببنيامين نتنياهو. بدأ طريقه كمساعد النائب العام، قبل تعيينه سكرتيراً للحكومة من قبل نتنياهو في أواخر أول حكم لنتنياهو كرئيس وزراء عام 1999"،

ودخل "ساعر" الكنيست أول مرة عام 2003، وجرى تعيينه بعدها رئيساً للحزب، وتولى منصبي وزير التعليم والأمن الداخلي. ثم اعتزم خلال انتخابات عام 2015، الترشح في الانتخابات التمهيدية لحزب الليكود، ومن يفوز فيها يصبح مرشح الليكود المقبل لرئاسة الحكومة.

عاد غالانت- الذي سميّت ليال من تظاهر الإسرائيليين ضد إقالته باسم "ليالي غالانت"- إلى حضن حكومته، متناغماً معها ومع خطابها ولهجتها في تصعيدها مع حزب الله، بعد أن هُدد بالطرد لمعارضته شن هجوم واسع على لبنان

وبحسب سارة شريف، عندما علم نتنياهو بنية جدعون ساعر، استطاع عن طريق مكيدة مع بعض أعضاء الليكود، التصويت على قرار بتوسيع دائرة الانتخابات التمهيدية لتوريطه وتعجيزه عن خوض الانتخابات.

ورغم ذلك أفادت استطلاعات الرأي حينها، بأن ساعر تفوق على نتنياهو، فقد أيده 43% من أعضاء الليكود، وحصل الثاني على نسبة 38%.

ثم بدأ نتنياهو التخطيط بسرية لإزاحة جدعون ساعر، لرغبة قوية منه في تنظيم انتخابات خاطفة تنتهي بفوزه برئاسة حزب الليكود، عن طريق ضمان عدم ترشح أي شخصية ذات قوة حزبية أمامه.

ساعر خيّب أمل نتنياهو

وبناءً على ما سبق، اضطر جدعون ساعر إلى اعتزال السياسة في أيلول/ سبتمبر عام 2014، وقال في مقابلة أجريت معه عن استقالته من الكنيست، إن علاقته المهنية مع نتنياهو، انهارت خلال عملية اختيار الرئيس المقبل للدولة بعد شيمون بيريز، عندما حاول نتنياهو معارضة النائب في الليكود، الرئيس رؤوفين ريفلين.

وتؤكد الباحثة في الشأن الإسرائيلي أن هناك مواقف مفصلية بين نتنياهو وساعر، رجح البعض أنها كانت وراء إجباره على الاستقالة من منصبه، كان أهمها انتقاد ساعر لسياسات نتنياهو، خلال الحرب الإسرائيلية على غزة عام 2014، على الملأ.

ويقول د. محسن صالح، في مؤلفه "التقرير الإستراتيجي الفلسطيني 2014-2015"، إن ساعر كسب شعبية كبيرة في صفوف أعضاء الليكود، خاصة من الشباب الذين يرون فيه زعيماً قادماً للحزب ورئيساً للحكومة، لكنه أصيب بالإحباط من سياسات نتنياهو.

ثم بدأت التكهنات، وانتشرت شائعات كثيرة، مفادها أن جدعون ساعر الذي يملك السطوة في مؤسسات الحزب، يخطط للقيام بثورة داخلية في الليكود ضد نتنياهو، ويود أن يكون ممثل الحزب للانتخابات الإسرائيلية المقبلة.

وتشير سارة شريف إلى تحليل يرى أن ساعر قد أدرك أنه واجه "سقفاً زجاجياً" داخل الليكود، رغم أنه حاز قوة كبيرة داخل الحزب.

ففي الانتخابات التمهيدية بالليكود، قبل انتخابات عامي 2009 و2012، جرى انتخابه في المرتبة الأولى من قبل المصوتين، واحتل المكانة الثانية بعد نتنياهو في قائمة الحزب.

وربما لم ينجح جدعون ساعر في استغلال قوته الكبيرة، لأنه يصعب على السياسيين في الليكود أن يكبروا بجانب نتنياهو. بالإضافة إلى أنه واجه انتشار شائعة تتهمه بالتورط بقضية فساد كبرى، فقرر استباق نشر التحقيق والانسحاب.

بدأت محاولات إقناع نتنياهو لجدعون ساعر بالانضمام إليه مرة أخرى، فدعاه في نيسان/أبريل 2021، إلى تشكيل حكومة يمينية مستقرة.

ويؤكد د. محسن صالح في كتابه "دور تيار الصهيونية الدينية وتأثيره على السياسة الإسرائيلية" أن الدعوة كانت الدعوة العلنية الأولى من نوعها، قبل 18 يوماً من انتهاء التكليف الخاص بتشكيله للحكومة الجديدة، في ظل تضاؤل فرص تشكيلها.

لكن ساعر خيّب أمله وشدد على أنه لن ينضم إلى الحكومة، وإذا اقتضى الأمر سيخدم إسرائيل من موقع المعارضة.

وزير أمن بلا مؤهلات

لا يمتلك جدعون ساعر أي إمكانيات تؤهله لقيادة وزارة الأمن، خاصة أنه لم يتخرج من المؤسسة العسكرية. لكن في الوقت الذي أعلن فيه رفضه لتولي هذا المنصب، أكد أنه يرى نفسه مؤهلاً له.

ويقول الكاتب الصحافي أنطوان شلحت، الباحث في الشأن الإسرائيلي، لرصيف22 "إن تفكير نتنياهو في جدعون ساعر، جاء لأنه لا يمتلك أي خلفية أمنية لائقة، مثل غالانت، ما يجعله خاضعاً لرئيس الوزراء وليس للمؤسسة الأمنية".

على الرغم من بقاء غالانت في منصبه وتلاشي "الخلافات" العلنية بينه وبين نتنياهو مع بدء التصعيد على الجبهة الشمالية، أفادت وسائل إعلام عبرية الأربعاء 25 أيلول/ سبتمبر 2024، بأن نتنياهو استبعد غالانت من ثلاث مشاورات أمنية في الأقل

وإذا كان جدعون ساعر لا يمتلك أي خلفية أمنية، فإنه يمتلك رؤية بشأن بعض الأحداث. "ففي تشرين الثاني/ نوفمبر 2018، دعا إلى تنفيذ هجمات استباقية على مصانع الصورايخ والقدرات العسكرية التابعة لحزب الله في لبنان، لأن أي تأخير سيجعل الأثمان التي تدفعها إسرائيل في حربها المقبلة مع حزب الله أكبر بكثير مما يمكن أن تدفعه في الوقت الحالي، كما دعا إلى ضرب البنية التحتية العسكرية لإيران في سوريا"، وفقاً لباسم القاسم في كتابه "دراسة علميَّة محكَّمة (12)".

صفقة لإنقاذ نتنياهو

في آذار/مارس الماضي، أعلن ساعر انسحابه من كتلة "المعسكر الوطني" بقيادة بيني غانتس، مع تأكيدات على أنه يريد ترميم علاقاته مع نتنياهو.

وجاء هذا القرار بمثابة منحة ودعم سياسي لنتياهو، خاصة أن بعض آراء ساعر تتوافق معه، وأهمها عدم ترحيبه بإقامة دولة فلسطينية، ومعارضته لقرار حل الدولتين، وانتقاده بشدة للتفاوض مع حماس لتبادل الأسرى.

ويدعم هذا الطرح، ما ذكرته صحيفة "هآرتس"، التي أكدت أن عودة جدعون ساعر تعدّ صفقة لإنقاذ نتنياهو، معتبرة أنه "إذا قبل منصب وزير الدفاع، فسيكون ذلك بمثابة انقلاب هائل، ينفي كل ما كان يعرف عن الرجل خلال السنوات الخمس الماضية". مشيرةً إلى أنه "يغير توجهاته السياسية بلا خجل، في مقابل الحصول على السلطة والنفوذ".

في المقابل، مثل قرار ساعر صدمة بالنسبة للمواطنين الإسرائيليين، الذين رأوا فيه تراجعاً عن قيمه ومبادئه. وبانضمامه إلى الحكومة سيصبح شريكاً في خطة رئيس الوزراء الإسرائيلي لمعاقبة يوآف غالانت، بعد تجرّئه على مخالفته الرأي.

لماذا تراجع ساعر؟

جاء تراجع جدعون ساعر عن قبول المنصب، بعد موجة من الانتقادات، وبعد تظاهر الآلاف أمام منزله لمطالبته بعدم قبول تولي وزارة الأمن.

ويفسر شلحت ما حدث: "إن جميع استطلاعات الرأي العام لا تمنح ساعر فرصة عبور نسبة الحسم في الانتخابات المقبلة. وكان انضمامه للحكومة التي توصف بأنها أكثر حكومة إسرائيلية فاشلة، سيخفض من شعبيته في الحلبة السياسية".

ويرى الدكتور أيمن الرقب، الباحث السياسي الفلسطيني، في حديثه لرصيف22 أن "ساعر يعلم أن منصب وزير الدفاع كبير عليه، لكنه سيوافق على الاشتراك في الحكومة بمهام أخرى".

وفي الجهة المقابلة، لم يلق عرض نتنياهو لساعر قبولاً من سارة نتنياهو، زوجة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بحسب صحيفة "تايمز أوف إسرائيل". "وعدم قبول سارة لهذا العرض حسم كل الأمر"، كما يرى شلحت.

"كما أن بعض الإسرائيليين رفضوا أن يكون جدعون ساعر خليفة ليوآف غالانت، واعتبروا ذلك خيانة، خاصة أنه لا بد أن يفكر في كيفية إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين لدى حماس، في معارضة لسياسة نتنياهو"، يقول الرقب.

هل ندم غالانت على معارضته التصعيد في الشمال؟

يؤكد شلحت أن إقالة غالانت لم تعد مدرجة بقوة في جدول الأعمال بسبب التطورات الأخيرة على في الجبهة الشمالية مع لبنان، التي كانت محل خلاف بين غالانت ورئيس الوزراء الإسرائيلي.

ربما شعر غالانت بقرب رحيله عن الحكومة الإسرائيلية، فحاول التراجع عن آرائه، والانصياع لنتنياهو. يرى الرقب أن نتنياهو لن يقيله في المدى القريب. "أعتقد أن ما يحدث بين غالانت ونتنياهو ليس سوى لعبة كراسي موسيقية، وهما متفقان على كل شيء. هي اختلافات في وجهات نظر ليس إلا. وستظل وزارة الأمن كما هي بدون أي تغيير"، يقول.

ويؤكد الرقب أن غالانت غير موقفه، بدليل أنه أجرى مكالمة مع نظيره الأمريكي لويد أوستن، قبل عملية اغتيال إبراهيم عقيل، القيادي في حزب الله، وأكد له أنهم "مصرون على إعادة سكان الشمال إلى منازلهم".

ويردف: "وخلال اجتماع مجلس الحرب الإسرائيلي، أيد غالانت موقف نتنياهو بخوض الحرب على لبنان حتى إعادة الهدوء إلى الشمال". مشيراً إلى أن "التصعيد في الجبهة الشمالية أعطى تأكيداً لجدعون ساعر أن هذا المنصب كبير عليه، وأن عليه التراجع. وهو ما لم يكن مفاجئاً لأحد".

ما يحدث بين غالانت ونتنياهو ليس سوى لعبة كراسي موسيقية، وهما متفقان على كل شيء. هي اختلافات في وجهات نظر ليس إلا

هل سيحظى بوزارة الخارجية؟

وعلى الرغم من انسحاب ساعر، فإن محاولات وجوده في الحكومة الإسرائيلية، لم تنته. فبحسب صحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، فإن سيناريو حصوله على منصب وزير الخارجية وارد.

ويبدو أن وجود جدعون ساعر في الحكومة بشكل عام، يقع في دائرة اهتمام نتنياهو، الذي نقلت الصحيفة نفسها عنه قوله: "أعرف جدعون منذ 25 عاماً، وأعرف كيف أتعامل معه، وسيكون كل شيء على ما يرام".

ويوضح شلحت الأسباب التي جعلت نتنياهو يفكر في ساعر، الذي كان عدوه الأول، قائلاً: "إنه يتبنى المقاربة نفسها التي يتبناها رئيس الوزراء الإسرائيلي، فيما يتعلق بالحرب على غزة، وهي تحقيق الحسم أو ما يوصف بـ"النصر المطلق"، وهي مقاربة ليست متبناة من غالانت أو المؤسسة الأمنية".

وعلى الرغم من بقاء غالانت في منصبه وتلاشي "الخلافات" العلنية بينه وبين نتنياهو مع بدء التصعيد على الجبهة الشمالية، أفادت وسائل إعلام عبرية الأربعاء 25 أيلول/ سبتمبر 2024، بأن نتنياهو استبعد غالانت من ثلاث مشاورات أمنية في الأقل، أجراها الأول مع مجموعة من الوزراء في الأيام الأخيرة في ضوء التطورات مع حزب الله.

فهل يتبنى نتنياهو خطاب "النصر المطلق" نفسه في حربه مع حزب الله؟ وهل ستكون لغالانت مواقف أكثر تناغماً مع هذا الخطاب في هذه الجبهة الشمالية؟


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard
Popup Image