شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
قطر غاضبة من حماس... ما الذي تغيّر؟

قطر غاضبة من حماس... ما الذي تغيّر؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والحقوق الأساسية

الأحد 10 نوفمبر 202403:51 م

بين استضافة قادة حماس في الدوحة، واستضافة أبرز محلليها السياسيين على الجزيرة؛ ما الذي تغيّر لتخسر حماس أكبر داعميها؟ ولتتغير عناوين القنوات والمنصات القطرية من الدعم غير المشروط، إلى الامتعاض المبطن، إلى "تعليق الوساطة" بين حماس وإسرائيل، وهي الجملة التي رأى بعض المحللين بأنها الأكثر دبلوماسية لتقول الدوحة للعلن ما قالته لحماس في السر، لم يعد مرحباً بكِ ولا بقادتكِ في قطر.

فهل ستصل الأمور بين الحليفتين إلى إغلاق مكتب الحركة السياسي في الدوحة كما تقول التسريبات الإعلامية؟ وإلى أين سيتجه قادة حماس الآن، بمقراتهم وبسياساتهم؟ والأهم إلى أين ستتجه القضية الفلسطينية إذا تغيرت التحالفات وغيّر الداعمون من توجهاتهم؟ هذه الأجوبة التي يحاول رصيف22 العثور عليها في هذا التقرير. 

الامتعاض ليس جديداً 

الأخبار عن "الامتعاض القطري" من حماس وقادتها كانت قد بدأت بالتسرب منذ أيام، ونقلاً عن وكالات ومحطات إعلامية مثل رويترز وفرانس24 وليس قطرية، فمنذ أيام، وبحسب أكسيوس كانت الإدارة الأمريكية الحالية قد أبلغت الدوحة -ومن قبل ظهور نتائج الانتخابات الأمريكية وفوز ترامب- بأن وجود حماس لديها لم يعد مقبولاً. 

وبحسب الخبر فقد جاء الطلب الأمريكي بعد أن رفضت حماس أحدث مقترح للتوصل إلى اتفاق بشأن الرهائن ووقف إطلاق النار خلال الأسابيع الأخيرة، وبعدما فشل قادة قطر في إقناع قادة حماس بالقبول به.  

من جهتها أكدت وزارة الخارجية القطرية أن التقارير المتداولة عن انسحاب قطر من ملف الوساطة في غزة "ليست دقيقة"، وأشارت إلى أنها أخطرت الأطراف أنها ستستأنف جهودها مع الشركاء عند توفر الجدية اللازمة لإنهاء الحرب.

لكن الإشارات حول التحول في الموقف القطري كانت قد بدأت قبل ذلك بكثير، ففي نيسان/ أبريل 2024، أفادت تقارير إعلامية بأن قطر طلبت من قادة حركة حماس مغادرة الدوحة لفترة وجيزة، وذلك بالتزامن مع تعثر محادثات الرهائن بين حماس وإسرائيل. 

ووفقاً لصحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، جاء هذا الطلب نتيجة لإحباط قطر من تعاطي حماس مع صفقة مفاوضات الرهائن. 

هل ستصل الأمور حقاً إلى إغلاق مكتب حماس السياسي في الدوحة أم هو مجرد ضغط للموافقة على الاتفاقات؟ وإلى أين سيتجه قادة حماس في حال حدث ذلك؟ 

في ذلك الوقت نقلت وكالة "رويترز" عن مسؤول مطلع أن قطر تدرس إمكانية إغلاق المكتب السياسي لحماس في الدوحة، في إطار مراجعة أوسع لدورها كوسيط في الصراع بين إسرائيل وحماس. وأشار المسؤول إلى أن هذه المراجعة تشمل النظر في استمرار الوساطة القطرية في الصراع المستمر منذ قرابة سبعة أشهر.

ثم ذكرت صحيفة "واشنطن بوست" في أيار/ مايو الماضي أن الولايات المتحدة طلبت من قطر طرد حماس إذا استمرت الحركة في رفض اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل. وأشارت الصحيفة إلى أن هذا الطلب يأتي في إطار الضغوط الدولية على قطر لإعادة تقييم دورها كوسيط في الصراع.

لكن، لعل أبرز إشارة كانت في اللقاء الذي أجراه المفكر الفلسطيني المقيم في قطر والذي أسس العديد من المنصات الإعلامي فيها عزمي بشارة، وذلك على قناة العربي في ذكرى مرور عام على أحداث السابع من أكتوبر، حيث بدا واضحاً وجود لغة سياسية حذرة لدى التحدث عن حماس على عكس اللغة السابقة الداعمة بشكل غير مشروط، بل انتقادها في بعض الإجابات، وتراجع الاحتفاء المطلق بإنجازاتها.

تاريخ من الدعم والرعاية

بدأ الدعم القطري لحماس منذ عهد الأمير السابق حمد بن خليفة آل ثاني، الذي تولى الحكم حتى عام 2013. في تلك الفترة، سعت قطر إلى توسيع نفوذها الإقليمي من خلال دعم الحركات السياسية الإسلامية وعلى رأسها حماس.

لم يقتصر الدعم القطري على المالي، بل لعل الأهم منه هو ما يسمى بـ"التغيير الثقافي"، والذي تم من خلال المنابر الإعلامية القطرية الكثيرة، وعلى رأسها تغطية قناة الجزيرة، التي ساهمت في إيصال صوت الحركة ومواقفها إلى العالم العربي وتبني مصطلحاتها ومفاهيمها ومنظورها، مما عزز من موقف حماس سياسياً وشعبياً. 

الإشارات حول التحول في الموقف القطري كانت قد بدأت قبل أشهر، ففي نيسان/ أبريل 2024، أفادت تقارير إعلامية بأن قطر طلبت من قادة حركة حماس مغادرة الدوحة لفترة وجيزة، وذلك بالتزامن مع تعثر محادثات الرهائن بين حماس وإسرائيل  

لاحقاً، بدأت علاقة قطر بحركة حماس تتبلور في أوائل العقد الأول من الألفية الجديدة، خاصة بعد فوز حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية عام 2006. حيث كانت نقطة تغيير كبرى في العلاقة بين الطرفين.

تعزز هذا الدعم بشكل ملحوظ بعد انقلاب حماس على السلطة الفلسطينية وسيطرتها على قطاع غزة في عام 2007، حيث دعمت قطر الحركة دعماً مالياً وسياسياً للحركة أكثر من أي دولة، مما مكن "حماس" من "تدويل" نفسها، بحيث صارت القدرة على تشكيل مؤسسات لإحكام السيطرة على القطاع.

في عام 2012، غادر المكتب السياسي لحماس دمشق، حيث بدا واضحاً لجميع الأطراف أن وقوف حركة حماس في تلك البقعة الجغرافية من محور المقاومة لم يعد مقبولاً لدى قطر، التي ستواجه في السنوات المقبلة عشرات التهم بدعم الجماعات الإسلامية المسلحة في سوريا وعلى رأسها تنظيم داعش، والتي تستدعي مصلحتها مد خط الغاز القطري من سوريا إلى تركيا وصولاً إلى أوروبا. كذلك ساهم في هذا الانتقال موقف حماس وقتها من "الربيع العربي" ومن الثورة السورية على وجه التحديد.

تمويل للقطاع أم لحماس؟ 

استمرت قطر في تقديم الدعم المالي لحماس، وفي تموز/ يوليو 2016، أعلن الديوان الأميري القطري عن قرار دفع الرواتب لموظفي "حكومة حماس".

وهنا لا بد من التمييز بين من هم "موظفي حماس" ومن هم "الموظفين العموميين" الذي تعينوا في عهد السلطة الفلسطينية، واستمروا على رأس عملهم بعد الانقلاب، وظلت رواتبهم مدرجة على نفقات الموازنة العامة للسلطة الفلسطينية.

ففي السنوات التي سبقت 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وبحسب "عرب باروميتار" كانت السلطة الفلسطينية تخصّص جزءًا من ميزانيتها يتراوح بين 40% و50% من إجمالي ميزانية السلطة. وتشمل نفقات الموظفين العاملين في القطاعات الصحية والتعليمية والأمنية، رغم عدم ممارسة العديد منهم لمهامهم بسبب الانقسام السياسي. وتكاليف الكهرباء والمياه والصحة والتعليم، حيث كانت السلطة تسدد فواتير الكهرباء الموردة من إسرائيل إلى غزة، بالإضافة إلى دعم قطاع الصحة من خلال توفير الأدوية والمستلزمات الطبية. بالإضافة إلى دعم بعض الأسرى المحررين وعائلات الشهداء.

الدعم القطري لحكومة حماس ساهم في تضخميها وتقويتها على حساب "الموظفين العموميين" والتقنيين بالأساس الذي ورثتهم عن السلطة الفلسطينية خلال حكمها للقطاع، لكن ظلّت موازنة قطاع غزة محل خلاف كبير، لا سيما مع غموض النفقات العسكرية التي تشمل التسليح وبناء الأنفاق، إلا أن الجدل الأكبر كان فيما سمي "فضيحة نقل الأموال".

في السنوات الأخيرة، ظهرت تقارير رسمية وإعلامية تشير إلى دور رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في تسهيل نقل الأموال القطرية إلى حركة حماس في قطاع غزة. وفي آذار/ مارس 2019، دافع نتنياهو عن سماح إسرائيل بنقل الأموال القطرية إلى غزة، موضحاً أن هذه الخطوة جزء من استراتيجية أوسع للحفاظ على الانقسام بين حماس والسلطة الفلسطينية. حيث صرّح قائلاً: "أي شخص يعارض الدولة الفلسطينية يجب أن يكون مع تحويل الأموال إلى غزة، لأن الحفاظ على الفصل بين السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وحماس في غزة يساعد في منع إقامة دولة فلسطينية". 

 تم نقل عشرات الملايين من الدولارات من قطر إلى حماس عبر مطار بن غوريون، بتنسيق بين الموساد والسلطات القطرية، ودافع نتنياهو عن سماح إسرائيل بنقل الأموال القطرية إلى غزة، موضحاً أن هذه الخطوة جزء من استراتيجية أوسع للحفاظ على الانقسام بين حماس والسلطة الفلسطينية 

كما أفادت تقارير بأن رئيس الموساد الإسرائيلي، يوسي كوهين، زار العاصمة القطرية الدوحة للاتفاق على آلية نقل الأموال إلى حماس. وفقًا لهذه التقارير، تم نقل عشرات الملايين من الدولارات من قطر إلى حماس عبر مطار بن غوريون، بتنسيق بين الموساد والسلطات القطرية. 

وفي كانون الثاني/ يناير 2024، خلال اجتماع مع عائلات المحتجزين في غزة، أشار نتنياهو إلى أن قطر تلعب دوراً إشكالياً كوسيط بين إسرائيل وحماس، معبراً عن خيبة أمله تجاه واشنطن لعدم ممارسة المزيد من الضغوط على الدوحة. أوضح نتنياهو أن قطر تموّل حماس وتؤوي قادتها، مما يجعل دورها كوسيط محل تساؤل.

الوساطة القطرية كمركز عالمي 

بالإضافة إلى ذلك، لعبت قطر دور الوسيط في عدة مناسبات بين حماس وإسرائيل، حيث اعتبرها البعض قناة خلفية لتنفيذ رغبة الولايات المتحدة سواء بالتهدئة أو بتخفيف حدة الصراع بين الطرفين، بما في ذلك التوسط في اتفاقيات هدنة وتبادل أسرى.

في تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، حيث تمكنت قطر من الوساطة بين حماس وإسرائيل للتوصل إلى هدنة إنسانية مدتها أربعة أيام، تضمنت تبادل رهائن وسجناء. ومن قبل ذلك، نجحت جهود قطر بعد الحرب الإسرائيلية على غزة في 2012، حيث تدخلت قطر لتسهيل جهود إعادة الإعمار في القطاع بعد أن لعبت دوراً دبلوماسياً في تهدئة الأوضاع بين الطرفين.

وفي الفترة من 2018 إلى 2019، توسطت قطر بين حماس وإسرائيل للتوصل إلى تفاهمات تهدف إلى منع التصعيد. شملت هذه الوساطة تسهيل إدخال أموال المساعدات إلى غزة، وتنفيذ مشاريع لتحسين البنية التحتية في القطاع، ما أسهم في تخفيف الضغط على حماس وتهدئة التوترات مع إسرائيل.

لكن بعد السابع من أكتوبر ليس كما قبله

مرور عام كامل على جهود الوساطة الفاشلة ليس بالأمر السهل على دولة تعتبر نفسها من الأفضل في العالم في هذا التخصص، إذ تعتمد قطر في هذه الوساطات على عكس سياساتها الخارجية القائمة على القوة الناعمة والوساطة، والتي تهدف إلى تعزيز مكانتها كلاعب محوري في الساحة الدولية والإقليمية. 

فبالإضافة إلى تاريخها في الوساطة بين حركة حماس وإسرائيل، وإلى جهود الوساطة بين حركتي فتح وحماس، نجحت الدوحة في لعب دور الوسيط في العديد من الصراعات، وتقديم حلول دبلوماسية للأزمات. كحل الأزمة السياسية في لبنان التي بلغت ذروتها في 2008، حيث استضافت محادثات بين الأطراف اللبنانية المتنازعة والتي نتج عنها "اتفاق الدوحة" الذي أنهى الصدامات الدموية بين الفرقاء السياسيين ومهّد لتشكيل حكومة وحدة وطنية. 

هناك ترجيحات بأن تنقل الحركة مكتبها السياسي إلى العراق، أو إيران، أو تركيا، في حال اضطرت بالفعل لمغادرة قطر، كذلك فالجزائر مطروحة كخيار، وبالطبع أفغانستان. 

كذلك لعبت دوراً رئيسياً في مفاوضات السلام بين الحكومة السودانية وحركات التمرد في دارفور. أدت إلى توقيع "اتفاقية الدوحة للسلام" في دارفور في 2011، مما ساعد في تهدئة الصراع وتقليل التوترات. 

وفي عامي 2007 و2008، حاولت الدوحة التوسط في النزاع بين الحكومة اليمنية والحوثيين. لكن لم يتم تحقيق تسوية دائمة.

ومن أهم الوساطات تلك التي استضافتها الدوحة بين حركة طالبان والولايات المتحدة والتي أدت إلى انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، وكانت قد بدأت في العام 2013، وانتهت بتوقيع اتفاق السلام بين الطرفين في شباط/ فبراير 2020. حيث كان مكتب طالبان السياسي في الدوحة نقطة أساسية لإجراء هذه المفاوضات، وهو الوضع الذي يتشابه مع وجود المكتب السياسي لحركة حماس في الدوحة.

إلا أن فشل الدوحة في التوصل إلى اتفاق يخدم مركزها الإقليمي والعالمي كوسيط ناجح، لم يعد مقبولاً. لا سيما وأن هذا الفشل ينسحب أيضاً على حليفتها الكبرى الولايات المتحدة الأمريكية.

عام من الفشل القطري

منذ السابع من أكتوبر 2023، شهد الصراع بين حماس وإسرائيل عدة محاولات لوقف إطلاق النار والتهدئة، إلا أن العديد منها لم ينجح في تحقيق هدنة دائمة. فيما يلي أبرز هذه المحاولات وأسباب فشلها:

المحاولة الأولى للوساطة كانت في تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، حيث قادت قطر ومصر جهوداً للتوصل إلى هدنة إنسانية تشمل تبادل رهائن وسجناء. وقد تم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار لمدة أربعة أيام فقط بدلاً من وقف دائم، تخلله تبادل رهائن وسجناء.

المحاولة الثانية كانت في تبنى مجلس الأمن الدولي قرارًا يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة في آذار/ مارس 2024. وقد رحبت قطر بالتصويت حينها، وخلال رعايتها للمفاوضات، مؤكدة على دورها فيها. ولم يُنفذ القرار فعليًا على الأرض، واستمرت الأعمال القتالية من الطرفين، وتحديداً من الجانب الإسرائيلي في الاعتداءات المستمرة على القطاع.

لكن الجهود القطرية فشلت في إقناع حركة حماس بوقف القتال لإثبات النية بوقف إطلاق النار ولو من طرف واحد.

أما المحاولة الثالثة للوساطة القطرية فكانت في حزيران/ يونيو 2024، حيث قدمت إسرائيل مقترحاً لوقف إطلاق النار يتضمن مراحل متعددة، بما في ذلك الإفراج عن رهائن وانسحاب القوات الإسرائيلية. وقد رفضت حماس المقترح، معتبرة أنه لا يلبي مطالبها. وقالت الحركة حينها إن الاقتراح يختلف إلى حد كبير عن مقترحات سابقة كانت قد قبلتها. وقد وردت تسريبات بعدها عن الامتعاض القطري من حماس، بالإضافة إلى الإحباط من الطرف المصري المنخرط في جهود الوساطة أيضاً.

وهناك محاولة رابعة فاشلة لفرض التهدئة التي حدثت في آب/ أغسطس 2024، وبعد مفاوضات مطوّلة استضافتها الدوحة، قدمت واشنطن اقتراحاً للتهدئة، لكن رفض حماس للاقتراح بشكل فوري أدى إلى تعثر المفاوضات. كذلك رفضت إسرائيل المقترح بنفس السرعة. 

لم يعد الفشل القطري في إقناع حماس بقبول أي اتفاق يصب فقط في إضعاف مركزها كوسيط عالمي، بل كذلك في التشكيك بقدرتها على إرضاء الولايات المتحدة الأمريكية كحليفة كبرى و"دولة صديقة" كما تصفها. فقد باتت هذه العلاقة الاستراتيجية على المحك مع الضغوط الأمريكية على الدوحة بالـ"تخلص" من حماس، لذا فغالباً ستختار الدوحة الإبقاء على هذه "الصداقة" غير مخدوشة، وحتى إن كان الثمن التضحية بالمكتب السياسي للحركة، التي لم تعد تخدم مصالح قطر كما تقول التصريحات الرسمية، ولم تعد تثبت "جدية" في المفاوضات كما تقول التسريبات. 

عززت قطر من مركزها الإقليمي وقوتها الناعمة كوسيط عالمي ناجح في الحروب والصراعات، إلا أن فشلها في المفاوضات بين حماس وإسرائيل لعام كامل، ترك لديها امتعاضاً واضحاً، كما تسبب بتساؤل الإدارة الأمريكية حول جدوى استضافة المكتب السياسي للحركة في الدوحة. 

فبحسب "ذا ناشونال" فقد صرح مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية للصحيفة بالقول إنه وبعد "رفض وفشل المقترحات المتكررة لوقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن، لم يعد من الممكن الترحيب بزعماء الحركة في عاصمة أي شريك أمريكي".

ماذا الآن؟

على الرغم من أن التسريبات بأن واشنطن تمارس ضغطاً على الدوحة لاتخاذ هذه الخطوة سبقت نتائج الانتخابات الأمريكية، لكن يمكن ربط "تحققها" وتسريعها بفوز دونالد ترامب والحزب الجمهوري، ويرى بعض المحللين، بأن توجه قطر بطلب مغادرة قادة حماس من الدوحة وتعليق جهود الوساطة. قد لا يتعدى كونه وسيلة ضغط على حماس لدفعها نحو مواقف أكثر مرونة في المفاوضات. على سبيل المثال، ذكر "سويس انفو" أن الولايات المتحدة طلبت من قطر طرد حماس إذا استمرت الحركة في رفض اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل، مما يشير إلى ضغوط دولية على الدوحة لاتخاذ مثل هذه الخطوة.

من جهة أخرى، يرى بعض المحللين أن قطر تسعى من خلال هذا القرار إلى إعادة تموضع نفسها كوسيط محايد في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، خاصة في ظل التغيرات الإقليمية والدولية. في هذا السياق، أشار تقرير لمركز "الزيتونة" للدراسات إلى أن قطر قد تعيد تقييم دورها في الوساطة بين حماس وإسرائيل، مع الأخذ بعين الاعتبار التطورات السياسية والميدانية.

في أول رد فعل من حركة حماس "غير رسمي" على الأخبار المتداولة، صرّح قيادي في الحركة لفرانس برس، بالقول إن "الحركة لم تتلق أي طلب من قطر لغلق مكتبها في الدوحة". وأضاف: "ليس لدينا ‌أي شيء حول تأكيد ‌أو نفي ما نُشر عن مصدر دبلوماسي لم تحدد هويته، ولم نتلق أي طلب لمغادرة قطر".

كذلك صرّح مسؤول العلاقات الإعلامية لحركة حماس في لبنان محمود طه، بالقول: "ستستمر حماس في عملها من قطر، والدوحة لم تطلب وقف عمل الحركة على أراضيها، وعلاقات حماس مع قطر طبيعية".

وعلى الرغم من النفي، إلا أن هناك ترجيحات بأن تنقل الحركة مكتبها السياسي إلى العراق، أو إيران، أو تركيا، إذا تمتلك الحركة بالفعل مكاتباً في هذه البلاد، كذلك فالجزائر مطروحة كخيار، وبالطبع أفغانستان.  

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image