شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
الدوحة بين ضغوط الرياض والتحديات الدولية... استراتيجية العودة للساحة

الدوحة بين ضغوط الرياض والتحديات الدولية... استراتيجية العودة للساحة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والتاريخ

الأحد 24 مارس 202411:38 ص

بسبب مجموعة من الضغوط والتحديات الإقليمية، والحسابات الدولية، وعدد من القراءات السياسية الخاطئة، المرتبطة بثورات الربيع العربي في 2011، تراجع دور السياسة الخارجية القطرية، بعدما كانت تعتقد أن الفرصة قد أصبحت مواتية لمزيد من ترسيخ مساعي النفوذ في المنطقة والإقليم، وبعد عدة انتكاسات متتالية بدأت الدوحة في إعادة ترتيب أوراقها من جديد، بعدما اتضح لها أن تراجع مكانتها مرتبط في معظمه بتباين المصالح واختلاف الرؤى بينها وبين اللاعبين الرئيسيين في الإقليم بشكل عام، وبين الدوحة والرياض بشكل خاص، اللاعب الإقليمي الرئيسي في منطقة الخليج.

تراجعت أساليب السياسة الخارجية للدوحة، وبدأت في استعادة أدواتها الناعمة القديمة، التي حققت من خلالها العديد من مظاهر التواجد والنفوذ، وسعت من خلال أدواتها القديمة المتجددة إلى مواءمة الضغوط السعودية والإقليمية والدولية، والتسلل للعب دور إقليمي ودولي، بشكل لا يزعج الرياض ودول الخليج، ويسمح للدوحة باستكمال رؤيتها الاستراتيجية في النمو السياسي الخارجي، والحفاظ على ما تبقى من حضورها القديم، عبر الانخراط مجدداً داخل قضايا المنطقة والإقليم، والاعتماد على سياسة التفاعل الخلاق مع عدد من الجهات الفاعلة المتنوعة، من أجل بناء ترسانة إقليمية ودولية من القوى الناعمة لها، حيث تتسع مع تلك الرؤية رقعة الأحداث والسبل، وتدنو معها الأهداف الخارجية للدوحة، والتي تتمثل في الحفاظ على مصالحها، وتحقيق أهدافها في كسب المزيد منها.

قراءات خاطئة وتحديات دولية وإقليمية

واجهت الدوحة تحديات ضخمة بسبب سياساتها وأدواتها الخارجية منذ تصاعد الحديث عن دعم الدوحة لجبهة النصرة في سوريا بعد الثورة السورية وتحولها إلى السلاح وظهور مجموعات جهادية كثيرة فيها، ورغم نفيها الرسمي لذلك فيما بعد، إضافة إلى موقفها الرسمي من الدعم اللامحدود لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، خاصة بعد وصول الرئيس الراحل محمد مرسي إلى السلطة في 2012، وسيطرة جماعة الإخوان المسلمين على العديد من مقاليد الحكم والمؤسسات في مصر، وفي ظل تغيّر حسابات دول الخليج وأمريكا وعدد من الدول الأوروبية بأن مثل تلك التنظيمات تمثل مصدراً للخطر المحتمل في الإقليم، وأداة لعدم الاستقرار بالمنطقة. 

بسبب مجموعة من التحديات الإقليمية، والحسابات الدولية، وعدد من القراءات الخاطئة المرتبطة بثورات الربيع العربي، تراجع دور السياسة الخارجية القطرية، بعدما كانت تعتقد أن الفرصة أصبحت مواتية. لذا بدأت الدوحة في إعادة ترتيب أوراقها من جديد

بعد سقوط الرئيس الراحل محمد مرسي نتيجة الحراك المصري الشعبي والرسمي في 2013 الذي اتهمه بإدخال البلاد في أزمات سياسية واقتصادية بسبب استلابه لسياسات الجماعة "الإخوان المسلمين"، ومنذ انتقال السلطة إلى المجلس العسكري ضيّقت الحكومة المصرية على أعضاء الجماعة في مصر، فقبضت على الآلاف منهم، وحكمت على المئات بأحكام متفاوتة بين الإعدام والسجن، وحظرت نشاطهم في مصر بعد إعلانهم "جماعة إرهابية". وتبع ذلك تصنيف كل من الرياض والإمارات والبحرين لهم كجماعة إرهابية، كما أعربت عدد من دول الخليج عن قلقها من ممارسات وسياسات جماعة الإخوان المسلمين، حيث صرحت السعودية اللاعب الرئيسي في الخليج، أن الجماعة تعد واحدة من أبرز التهديدات السياسية لها ولدول المنطقة.

تزامن ذلك مع رفض الإدارة المصرية الجديدة بعد 2013 الدور القطري الداعم للإخوان في القاهرة، والذي سعى أكثر من مرة لإتمام مصالحة مصرية بين الإخوان والنظام تؤدي إلى إنهاء النزاع، وتحافظ على حليف الدوحة الرئيسي في القاهرة.

كما فشلت الجماعات الجهادية المدعومة قطرياً في سورياً، في تحقيق أي انتصار يُذكر للإطاحة بنظام بشار الأسد، وهو ما قوّض الأداء القطري الخارجي، ودفعه للغياب والانحسار، بعد تراجع نفوذ أذرعته السياسية في المنطقة والإقليم، وقد تكرر هذا السيناريو في كل من ليبيا واليمن وتونس، عقب انهيار فرص الجماعة في التمكن من السيطرة على الحكم في هذه البلاد لأسباب متباينة.

بسبب الضغوط… العودة للأساليب القديمة

اضطرت الدوحة إلى إيقاف أنشطتها الخارجية مؤقتاً، فاستجابت لضغوط الرياض في الحد من دعم جماعة الإخوان المسلمين في مصر وليبيا وسوريا واليمن وتونس، قبل أن تعيد التركيز على شأنها الداخلي المضطرب، خاصة أن تلك الأحداث تزامنت مع تنصيب الأمير تميم بن حمد حاكماً لقطر خلفاً لأبيه، والذي سعى إلى تهدئة الأوضاع الخارجية المشتعلة مع المملكة، فكانت الرياض أولى محطاته الخارجية، لتحاول السعودية إعادة قطر إلى أجندة رؤيتها للعلاقات الإقليمية، ودفع الدوحة لقبول العمل المشترك في منطقة الخليج. 

 فشلت الجماعات الجهادية المدعومة قطرياً في سورياً بتحقيق أي انتصار يذكر للإطاحة بنظام بشار الأسد، وهو ما قوّض الأداء القطري الخارجي. وقد تكرر هذا السيناريو في ليبيا واليمن وتونس. 

مع التراجع القطري الظاهري، ومع التخوف من عودة التوتر للعلاقات مع السعودية ودول الخليج، وبالطبع بعض الدول العربية التي دعمت قطر عدداً من الجماعات السياسية والجهادية داخل حدودها، أعلنت الدوحة دعمها للنظام المصري الجديد في حزيران/ يونيو 2014، تحت ضغط سعودي ودولي، في محاولة منها لإنقاذ موقفها الإقليمي والدولي، والعمل على الوصول إلى توازن في علاقاتها الخارجية، بعد أن اتضح لأمريكا وعدد من الدول الأوروبية أن رؤية قطر للجهات الفاعلة في المنطقة لم تكن في محلها.

وفي هذا السياق يقول أستاذ تاريخ الخليج العربي الحديث والمعاصر في جامعة بغداد الدكتور مفيد الزيدي لرصيف22، بأن أذرع قطر السياسية في المنطقة أصابها الشلل التام في ظل الرؤي السعودية المغايرة، فبالإضافة إلى الانتكاسة القوية لجماعة الإخوان المسلمين في مصر وليبيا واليمن، فقدت جبهة النصرة المدعومة قطرياً الكثير من نفوذها في سوريا، بعد تنامي نفوذ داعش، الأمر الذي أدى إلى سيطرة داعش عملياً على عدد من ألوية الجبهة، قبل أن يفشل الجيش السوري الحر والائتلاف الوطني الذي أيدته ودعمته الدوحة، وبعد فشل جبهة النصرة في إحداث فارق على الأرض، كما تزايدت المخاوف الخليجية والدولية من تنامي دعم الجماعات الجهادية في المنطقة، هذا النهج الذي كانت تعتمده قطر في أكثر من بؤرة عربية.

ويضيف: "تسببت الضربات القاسية المتتالية لسياسات الدوحة الخارجية إلى عودتها لسياساتها القديمة، حيث الوساطة وفض المنازعات، من أجل الحفاظ على حضورها الإقليمي، وقد ظهر ذلك واضحاً في التوسط القطري للإفراج عن المختطفين اللبنانيين والراهبات السوريات اللواتي احتجزتهن جبهة النصرة، ووفق الرؤية السعودية والمصرية بدأت قطر في لعب دور محدد مع حركة حماس، خلال صيف 2014 مع الحرب الإسرائيلية على غزه، حيث رفضت الرياض أن تستضيف الدوحة محادثات التهدئة، وضغطت عليها للعب دور محدد تحت مظلة المحادثات في القاهرة".

البحث عن مسار يوائم التحديات

قبل اندلاع ثورات الربيع العربي، انتهجت قطر النشاط الناعم لدبلوماسيتها العامة، فتبنت دور الوسيط في صراعات الإقليم الحافل بالاضطرابات، في إطار سياسة تسمح لها بجني مكاسب هذا الدور على مستويي المصالح والأهداف، ومع زيادة الضغوط السعودية والإقليمية والدولية عليها بسبب تغير نشاط وأدوات سياساتها بعد 2011، اضطرت الدوحة للعمل على مواءمة تلك الضغوط والتحديات العنيفة، والسعي نحو استعادة دورها الناعم الذي لم يسبب لها هذا الكم الكبير من التحديات الداخلية والضغوط الخارجية، بعد قراءاتها الخاطئة لمستقبل الإقليم ومدى نفوذ الجماعات الفاعلة به. 

وفق الرؤية السعودية والمصرية، بدأت قطر في لعب دور محدد مع حركة حماس خلال الحرب الإسرائيلية على غزه 2014، حيث رفضت الرياض أن تستضيف الدوحة محادثات التهدئة، وضغطت عليها للعب دور محدد تحت مظلة المحادثات في القاهرة 

هذا الأمر الذي عبر عنه وزير الخارجية القطري خالد العطية، خلال جلسة في معهد الدراسات السياسية في باريس، حيث أشار إلى أن قطر قررت الاضطلاع بدور كبير في الشؤون العالمية، والتواصل مع الدول الأخرى، والتوسط في النزاعات، والعمل على إنهاء النزاعات العنيفة، ورعاية اللاجئين.

وفي هذا الإطار، يقول الباحث في الشأن السياسي والدولي الدكتور على الهيل لرصيف22 إن الجهد الدبلوماسي الذي لعبته قطر في ملف المصالحة والتهدئة لقضايا الإقليم، وتكريس مبدأ المساعدات الإنسانية، يعد ضخماً مقارنة بحجمها الجغرافي في المنطقة، حيث نجحت الدوحة في وأد الكثير من أزمات المنطقة، بين الدول والجماعات السياسية المعارضة، بل والمسلحة، بعدما اعتمدت هذا المنهج كأبرز أدوات سياستها الخارجية.

يعدد أستاذ العلوم السياسية في جامعة قطر عبر تصريحاته، العديد من القضايا الشائكة التي لعبت خلالها قطر دوراً محورياً، حيث استطاعت إنهاء أزمة الطبيب الفلسطيني والممرضات البلغاريات في ليبيا بعد ثماني سنوات في السجن، كما نجحت الوساطة القطرية في 2008 بتخفيف تنامي التوتر بين الحوثيين والحكومة اليمنية، وفي نفس العام تكللت جهود الدوحة بتشكيل حكومة وحدة وطنية في بيروت، وحل الأزمة السياسية التي كادت أن تعصف بلبنان، إضافة لدورها الرئيسي في التهدئة بين فصائل المقاومة الفلسطينية في غزه وإسرائيل خلال كل الحروب التي شنتها تل أبيب على القطاع منذ عام 2009، وتدخلها لتشجيع وتيرة المصالحة بين فتح وحماس، وكذا دورها الفعال في تهدئة الصراع في دارفور.

في السياق ذاته، يقول مفيد الزيدي أستاذ الدراسات الخليجية، إن الدوحة رغم إجبارها من قبل دول المنطقة والإقليم على تغيير نهج أدوات سياستها الخارجية، خاصة بعد ما لحق بمشروعاتها وأذرعها في المنطقة عقب 2013، إلا أنها نجحت في مواءمة الضغوط الإقليمية والدولية، وعادت إلى المسار الذي تعرفه وتثق به، فبدأت أولا بإرضاء الولايات المتحدة التي كانت متحمسة للغاية ضدها، بعد فشل رهانات الدوحة على مستقبل التغيرات في دول الإقليم، حيث عملت الدوحة على طمأنة واشنطن حول قراءتها لتغيرات الأوضاع في الإقليم، كما عملت على كسب موقفها لصالح أذرعها في مواجهة مواقف اللاعبين الرئيسيين بالإقليم، والمناقضين لوجهة نظر الدوحة، سواء في الرياض أو أبو ظبي أو القاهرة. 

منذ الأزمة الخليجية المصرية مع قطر في 2017، توجهت الدوحة إلى قواها الناعمة، وركزت على الوساطات لاستعادة قيمتها السياسية في الإقليم والعالم

ويشير الزيدي إلى أن الدوحة بدأت بشكل فعلي استعادة نشاطها الناعم، وكسب ود أميركا في 2014 حينما نجحت في إطلاق سراح ضابط أمريكي في سلاح القوات الخاصة وآخر أسترالي في أفغانستان، بعد صفقة ناجحة مع حركة طالبان، قبل أن تنجح في محاولة تصحيح أوضاع نفوذها في ليبيا، عن طريق رعايتها لاتفاق للسلام بين قبائل التبو والطوارق، كما تمكنت الجهود القطرية في استكمال عملية السلام بدارفور عام 2017، بعدما نجحت في توقيع اتفاق بين الحكومة السودانية وجيش تحرير السودان، إضافة لدورها الرئيسي في ملف التهدئة بين إسرائيل وحماس خلال الحرب الجارية على غزة.

وطبقاً لأستاذ تاريخ الخليج بجامعة بغداد، فإن الدوحة تمكنت من خلال هذا النهج الذي فرضته الظروف عليها إلى الحفاظ على حظوظها في التواجد والنفوذ الإقليمي والدولي، حيث توسع الأداء القطري الناعم في ملفات المصالحة وإنهاء النزاعات إلى لعب دور كبير في العديد من القضايا الدولية الكبرى غير العربية، ووجدت الدوحة موطئ قدم مناسب لطموحها الخارجي، ففي القضية الأفغانية نجحت في عقد مفاوضات بين حركة طالبان والحكومة الأفغانية بهدف إنهاء الحرب، واستضافت جولات من المفاوضات بين واشنطن وطالبان، أسفرت عن إنهاء الحرب الأمريكية على أفغانستان، بالإضافة إلى دورها الهام في إتمام صفقة تبادل محتجزين بين أميركا وإيران العام الماضي.

وفي أفريقيا تمكنت الخارجية القطرية من إطلاق سراح أسرى من جيبوتي لدى أريتريا، ورعت مصالحة وطنية شاملة في تشاد، وتكللت جهود وساطتها بين كينيا والصومال بحل الخلاف والخصومة بين الدولتين.

ومنذ الأزمة الخليجية المصرية مع قطر في 2017، التي أدت إلى مقاطعة الرياض وأبو ظبي والمنامة والقاهرة للدوحة، سعت قطر لانتهاج سياسة خارجية فاعلة، تسمح لها بالسيطرة على توازن دقيق في العلاقات الإقليمية والدولية، وتعزز مكانتها الدولية، وقد وطدت الدوحة تلك السياسة مع إنهاء الخلاف مع الدول العربية، يشير إلى ذلك الدكتور على الهيل، ويرى أن قطر استطاعت أن تعزز دورها الإقليمي والدولي عبر أدوات جديدة، من خلال استضافتها عدداً من الأحداث المهمة، لتتبوأ مقعداً في سيناريوهات صناعة القرار الإقليمي والدولي خلال العامين الأخيرين، بعيداً عن التورط في صراعات مع الرؤية السعودية الجامدة لملفات المنطقة العربية الشائكة، فنجحت في تسهيل عودة الأطفال الأوكرانيين إلى أهاليهم في ظل الحرب الروسية الأوكرانية، كما نجحت الوساطة القطرية بين أميركا وفنزويلا في تبادل سجناء بين الدولتين.

ويكمل: "نجاح الجهود القطرية في إطلاق سراح عدد من الرهائن الأجانب الذين احتجزتهم حركة حماس بعد هجومها على المستوطنات الإسرائيلية، منحها قدراً كبيراً من الاهتمام الدولي بدورها، حيث اتسعت قنواتها الدبلوماسية وتشعبت في مختلف القارات تقريباً، كما يمثل افتتاح بيت الأمم المتحدة في الدوحة، واستضافتها قرابة مئة دولة ومنظمة من مختلف أنحاء العالم في المعرض الدولي الأول للبستنة في المنطقة، تكريساً لجهود السياسة القطرية الجديدة المتنامية".

سياسات الدوحة الخارجية بين الدوافع والفرص والتحديات

بحكم أن التوجهات الخليجية تخضع في المقام الأول لظروف البيئة الإقليمية المحيطة، وارتباطها بمجموعة من العوامل الحاكمة في ضوء المتغيرات، فإن بعض تلك المحددات يتسم بالثبات بينما يشهد بعضها الآخر تحولاً كبيراً، لذا فقد سعت الدوحة إلى الخروج من دائرة النفوذ السعودي، وأن تحذو بالسياسات القطرية الخارجية بعيداً عن نفوذ اللاعبين الرئيسيين في المنطقة العربية، لتظهر بشكل سيادي مستقل بعيداً عن كافة التأثيرات الإقليمية.

الا أن الدوافع القطرية لتطوير أدواتها الناعمة، وحسن استغلالها للفرص التي مكنتها من حضور إقليمي ودولي كبير خلال السنوات الأخيرة، اصطدم بمجموعة من التحديات الخطيرة، مما يجعل بيئة عمل الخارجية القطرية خطرة للغاية، حيث يرى الدكتور عبد الله الغيلاني الباحث المتخصص في الشأن الخليجي، في تصريح لرصيف22 أن أسلوب قطر الخاص في لعب دور الوساطة يمكن أن يجذب إليها أهدافاً تتعارض مع سياساتها الاستراتيجية، في الوقت الذي تحاول خلاله الدوحة أن تحافظ على الحياد الذي يسمح لها يأن تكون وسيطاً فعالاً في مختلف القضايا الإقليمية والدولية. 

بدأت قطر بطمأنة واشنطن حول قراءتها لتغيرات الأوضاع في الإقليم، بعد أن تبين أن قراءاتها في الربيع العربي لم تكن في محلها، فعملت على كسب موقفها لصالح أذرعها في مواجهة اللاعبين الرئيسيين بالإقليم، والمناقضين لوجهة نظر الدوحة، سواء في الرياض أو أبو ظبي أو القاهرة

يستدل على ذلك بمستقبل الأزمة بين فنزويلا وغويانا، حيث تلعب قطر الدور الرئيسي في تهدئة النزاع بين الدولتين، ومحاولة إنهاء الصراع حول إقليم "إسيكيبا" الغني بالنفط، في الوقت الذي ترفض فيه كراكاس الانصياع لقرارات وأحكام محكمة العدل الدولية التي أعلنت اختصاصها في النزاع، وتسعي لاستباق قرارات المحكمة بتجييش شعبي، وهو ما يعني اصطدام فرص قطر في تنمية دورها السياسي والاقتصادي في أمريكا اللاتينية، وفي فنزويلا بالتحديد، مع التزاماتها تجاه المؤسسات الدولية، في ظل رفض كاراكاس الرضوخ لقرارات المحكمة، واعتبارها أداة للإمبريالية الأمريكية، التي تحاول عسكرة المنطقة، كما تمثل خطواتها عبئاً على كاهلها في ظل تناقض مسارها مع الرؤية الأمريكية المهمة جداً للدوحة، والداعمة لجورج تاون في مواجهة كاراكاس.

وفي إطار مختلف يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت عبد الله الشايجي أن العلاقات القطرية الإيرانية تمثل النموذج الأوضح للدوافع والفرص والتحديات في آن واحد.

يقول لرصيف22: "تؤمن قطر أن علاقتها مع إيران تسمح لها بهامش حركة أكثر من باقي دول مجلس التعاون الخليجي، وتمثل لها فرصة قائمة لتقليل فجوة القوة الكبيرة بينها وبين السعودية كبرى الدول الخليجية، وقد أثبتت محاولة الحصار الخليجي لقطر أهمية تنمية هذا الدافع والاعتماد عليه، لما يمثله من فرصة كبيرة، يمكن أن تسهم في تعزيز الحضور القطري ويسمح لها بزيادة النفوذ".

ويضيف الشايجي: "على الرغم من أهمية تلك العلاقات للدوحة، حيث تسعي من خلالها إلى اكتساب دور استراتيجي في منطقة الخليج مع إيران، بعيداً عن الصراعات والممانعة، الا أنها تمثل لها تحدياً ضخماً بسبب مناخ البيئة الخليجية المحيطة المضطرب، حيث تمتنع معظم دول الخليج عن التقارب مع إيران، وتتقلب السياسة السعودية الخارجية مع طهران على فترات، مما يجعل الخليجيين ينظرون إلى سياسات الدوحة الخارجية بنظرة ريبة، مع تزايد احتمال تأثيرات هذا التقارب على باقي دول الخليج الممانعة لأي تقارب إيراني".

في الإطار ذاته وبنظرة مختلفة، يرى الدكتور على هيل، أن قطر باعتمادها على ركيزة إنهاء النزاعات يمكن أن تلعب دوراً مهماً في تحقيق نتائج دائمة وليست مؤقتة، عبر العمل على التقارب بين القوى الإقليمية الرئيسية بالمنطقة، حيث تمتلك قطر بحكم علاقاتها المتشعبة، فرصاً للبناء على الرؤية الإقليمية الأوسع لا تتاح لغيرها، بعدما تزايدت الصراعات، وأصبح اللاعبون الرئيسيون أنفسهم يفشلون في إيجاد حلول لها، ويشير أن قطر قادرة على أن تلعب دور مغاير في اليمن، عبر دعم ورعاية عملية تفاهم بين الحوثيين والسعودية، لا تغيب عنها طهران المقربة من الدوحة، وكذا في عملية تنمية العلاقات السعودية الإيرانية ذاتها.

وفي نفس السياق، يرى أن "اتخاذ قطر نهج الوساطة والاعتماد عليه باعتباره الركيزة الأساسية لعلاقاتها الخارجية، يعطيها أفضلية عن باقي دول المنطقة والإقليم، لكن عدم تنظيم هذا النهج بشكل مؤسسي محكم يهدد كل جهود الدوحة المبذولة في ملف الوساطة على المستويين الإقليمي والدولي، حيث تستخدم الدوحة هذا الملف لإعلاء قيمة مجموعة من الأشخاص المرتبطين بمفهوم السلطة، دون أن تعتني بتنمية إرادتها في ملف الوساطة إلى إدارة مؤسساتية حكيمة، غير مرتبطة بشخوص أو حقب زمنية معينة، وهو ما يضمن ألا تتخبط الدوحة مجدداً كما حدث لها بعد ثورات الربيع العربي".

بعد عدد من القراءات الخاطئة والتحديات الإقليمية والضغوط الدولية، اضطرت قطر إلى العودة لمسارها القديم الناعم، وسمحت لها الظروف أن تتوسع في هذا النهج الذي تبين أنه موائم تماماً للتفاعل مع الضغوط الإقليمية الكبيرة التي كادت أن تعصف بمستقبل الدوحة، بيد أن هناك تحديات جمة قد تعرقل الدوافع القطرية لاستكمال مشروعات البقاء والنفوذ، كما تهدد فرص الدوحة في مزيد من تنمية أدوارها الخارجية، وهو ما يتطلب حسن القراءة والتمييز للملفات التي يجب أن تتدخل بها، وأن تضع الأمن الجماعي لدول منطقة الخليج في حساباتها.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard