شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
الإعلامي أدونيس الخالد:

الإعلامي أدونيس الخالد: "لا ينبغي إسكات صوت أحد بسبب هويته الجنسية"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والميم-عين

الجمعة 8 نوفمبر 202411:54 ص
Read in English:

Journalist Adonis al-Khaled: “No one should be silenced because of their sexual identity”


لوغو قصص ملوّنة

نجح في تخطّي عراقيل المجتمع، ولم يترك التّحديات تشكل عائقاً وتسيّر حياته على نحو لا يريده. أكثر ما يميّز سنوات عمره الـ32، أنه دائم البحث عن الحلول من دون الانغماس في تفاصيل المشكلات نفسها، التي ربما لن يكون آخرها ما تعرّض له في الآونة الأخيرة من عنف لفظيّ وجسديّ في أثناء قيامه بعمله الصحافيّ.

هو الإعلامي ومقدم البرامج السوريّ أدونيس الخالد، أوّل صحافي عربي أعلن عن انتمائه إلى مجتمع الميم في فيديو عام 2019، وكان لافتاً جداً آنذاك قوله للمتابعين/ ات: "افتحوا قلوبكم"، كدليل على قوة فهمه وتفهمه لنفسه وللآخرين، وقد شاركنا تفاصيل حياته، بدايةً من طفولته، واكتشافه هويته الجنسية، ومن ثم دخوله المجال الإعلامي لنتوقف بعدها عند أبرز محطات حياته المهنيّة، وما تخللها من التعرف على ثقافات أخرى، والوصول إلى ألمانيا حيث حقق حلمه الكبير بالانضمام إلى قناة ألمانيا الدولية، وذلك في حوار أجراه معه رصيف22.

أدونيس الخالد

"أصررت على توثيق الحادثة"

في معرض تعريفه عن نفسه، يقول أدونيس إنه "شخص عادي محب للطبيعة والوصول إلى الحقيقة، يؤمن بالوضوح والصراحة كأسلوب حياة"، ويراه كثر شاباً طموحاً وناجحاً وواثقاً، استطاع أن يلهم أبناء جيله والأصغر منه سنّاً، بسعيه وإصراره وجرأته على أن يكون ما هو عليه اليوم.

تعرّض أدونيس لاعتداء جسدي ومعنوي من قِبل فريق الأمن الخاص بتأمين حفلة موسيقية على هامش مقابلة مع المغني السوري "الشامي" في مدينة دوسلدوف الألمانية، وتم منعه من تأدية عمله الصحافي، لكنه برغم إصابته استمر في المطالبة بحقه: "أصررت على توثيق الحادثة وإبلاغ السلطات حفاظاً على حقي كصحافيّ ودفاعاً عن حرية الصحافة".

 "لا ينبغي لأحد أن يشعر بالخوف من قول الحقيقة، أو أن يتمّ إسكات صوته بسبب هويته وخياراته الجنسية"

ويضيف: "ترك الهجوم في نفسي أثراً عميقاً، ولكنه زاد من إصراري على قول الأمور بصراحة. لم يكن هذا الهجوم انتهاكاً لسلامتي الشخصية فحسب، بل كان تذكيراً واضحاً بالعوائق التي لا تزال تواجه كل من يختار العيش والعمل بصراحة وشفافية".

اللافت أن العديد من الناس تفاعلوا مع قصة الاعتداء، وتحولت إلى قضية رأي عام في ألمانيا حيث تواصلت الإدانات حتّى من قبل سياسيين ألمان.

يرى أدونيس أن مشاركة قصته، تهدف إلى تسليط الضوء على أهمية حماية جميع الصحافيين/ ات، خاصةً الذين ينتمون إلى الأقليات منهم، والدعوة إلى المحاسبة في حالات العنف ضد الصحافة: "لا ينبغي لأحد أن يشعر بالخوف من قول الحقيقة، أو أن يتمّ إسكات صوته بسبب هويته وخياراته الجنسية".

أدونيس الخالد

الصراعات الداخليّة

ليس هذا الموقف سوى حادث بسيط في مسيرة حياة مليئة بالتحديات عاشها أدونيس الذي وُلد وترعرع في سوريا، وكان في طفولته خجولاً.

في الـ15 من عمره، اكتشف ميوله الجنسيّة، وعاش حالة إنكار فرضها عليه المجتمع: "كان لا بد أن أخفي هويتي الجنسيّة. وفي سن المراهقة، طرحت على نفسي أسئلةً وجوديةً، ومن ثمّ تقبلت نفسي وانطلقت إلى الحياة".

كانت طفولة أدونيس مليئةً بالصراعات الداخليّة: "لم أشعر بالانتماء إلى ما يحيط بي؛ كل شيء بدا غريباً وغير مرحب بوجودي. وضعت الأقنعة بحثاً عن القبول في مجتمع مشغول بالعادات والأعراف والأحكام المسبقة"، وكذلك عانى من التنمر في الحي والمدرسة والمحيط الأوسع، ما أثّر سلباً على ثقته بنفسه وبالآخرين، لكن هذا الأمر لم يمنعه من السعي الدائم لإيجاد الحلول: "كنت أخلق لنفسي ملاذات صغيرةً، كالخيمة التي أُقيمها على شرفة المنزل، أو مساعدة الحيوانات المشرّدة".

 "مجرد تواجدي كصحافي عربي من مجتمع الميم-عين، هو دعم بحدّ ذاته، فوجودي يفتح المجال للأصوات المتنوعة ويُظهر للمجتمع أننا قادرون على النجاح في مجالات عدة"

في هذا السياق، يرى أدونيس أنه من المؤسف أن المجتمعات العربيّة لم تأخذ مفهوم التنمّر وأثره على محمل الجدّ، إذ برغم التقدم الذي شهدناه في السنوات الأخيرة، لا تزال معايير "القوة" و"الضعف" تُحدَّد بناءً على المظهر والسلوك: "للأسف، ما زالت تُعدّ الأنوثة عيباً، والذكورة امتيازاً"، حسب ما يقول.

في مرحلة الدراسة الجامعيّة، جمع أدونيس الإعلام والأدب الإنكليزيّ، لوعيه بأهمية تعلّم ثقافات أخرى غير العربيّة كي ينقذ نفسه من مجتمع لا يحترم الحرية الفردية، ودخل مجال الإعلام في عمر الـ19، ومن ثمّ انتقل للعيش في ألمانيا حيث لا يتم التمييز ضد الفرد بسبب خياراته وهويته الجنسيّة والجندريّة.

"الإعلام اختارني وليس العكس"

يتحدث أدونيس عن دخوله مجال الإعلام وحبّه لهذا المجال: "لطالما شعرت بأن الإعلام اختارني، وليس العكس".

وُلد أدونيس في عائلة إعلاميّة وكان يعيش أجواء البرامج الجديدة والناجحة: "لطالما أردت استخدام الإعلام لكشف الحقائق دون تلاعب. اكتشفت في العام 2010، أن أهم المحطات العربيّة التي كانت تبث برنامج أوبرا وينفري الشهير بالعربية، كانت تمارس رقابةً خانقةً، وتحذف الفقرات المتعلقة ببعض الضيوف المثليين/ ات، أو المواضيع التي تتحدث عن الحريات الفرديّة".

ويتابع: "قررت أنني سأكون مذيعاً وسأعلن عن مثليتي أيضاً، خاصةً عندما شاهدت حلقة ريكي مارتن عام 2010، على يوتيوب وإعلانه عن مثليته الجنسيّة برغم كل النجومية التي تمتع بها".

مضت أشهر عدة على اتخاذ أدونيس قرار الدخول إلى الإعلام، قبل أن يسمع بالصدفة من إحدى صديقاته على مقاعد الدراسة الجامعيّة، أنه يوجد اختبار لانتقاء مذيعين في إذاعة دمشق الرسميّة، حيث تمكّن من إقناع اللجنة التي تشكلت حينها لهذه الغاية، بإعطائه الفرصة، ليتمّ اختياره من ضمن المذيعين الـ9 الجدد آنذاك، وتبدأ بعدها رحلة أصغر مذيع في الإذاعة، في عام 2011.

أدونيس الخالد

"لم أسعَ إلى الشهرة ولم أعدّها غايةً"

يذكر أدونيس أهم المحطات في مشواره المهني، وهي المحطة الأولى في إذاعة المدينة الخاصة في سوريا وبرنامج C‘est La Vie، ومن ثمّ برنامج "ألبوم" مع المشاهير.

ومنذ العام 2017، تمكّن من إثبات نفسه والوصول إلى المكان الذي لطالما حلم به، وهو قناة ألمانيا الدولية: "تجربتي في أكاديمية دويتشه فيله الألمانية جاءت كمحطة فارقة، ومن ثم العمل في القناة وإنتاج برامج عدة (format) مثل "كرسي ميركل" الذي تُرجم إلى تسع لغات، وكان الأكثر متابعةً بين كل المحتوى التي أنتجته دي دبليو في الانتخابات الألمانيّة الماضيّة".

وفي المقابل، يرى أن المجال الإعلاميّ منحه صوتاً قوياً في مجتمع يتأثر بالضوء والشهرة: "شعرت بأنني قادر على الوصول إلى الناس والتعبير عمّا لا أستطيع قوله كشخص عادي، بعيداً عن المنصات الإعلامية، وليس ذلك فحسب بل فتح لي الأبواب لأعيش تجارب الناس من قرب وأتعلم من حكاياتهم وأتحاور معهم وأسهم في صناعة لحظات لا تُنسى. لم أسعَ إلى الشهرة، ولم أعدّها غايةً، والدليل أني لا أمتلك حسابات رسميّةً على مواقع التواصل الاجتماعيّ، بل أردت حقاً أن أكون صوتاً يقول ما يخشاه الآخرون".

في تلك المرحلة، تلقّى أدونيس دعماً قوياً من عائلته، وكانت متقبلةً في معظمها لخياراته الشخصية، في حين استغرق البعض وقتاً أطول لاستيعاب إعلانه عن مثليته: "الآن، كل من حولي متقبّل لي ولخياراتي".

ملاذ يعزز التنوع

وفي العام 2015، ترك أدونيس سوريا وانتقل للعيش في ألمانيا، لكنها لم تكن محض صدفة، كان يريد أن يصل إلى القناة الألمانية فسعى وبكل ما أوتي من قوة، ليتحقق الحلم: "تجربتي في ألمانيا كانت مزيجاً من المغامرات المثيرة والتحديات. الانتقال لم يكن سهلاً، ولكنني وجدت في هذا البلد ملاذاً يعزز التنوع ويحترم الفردية. اللجوء أو الغربة لم يكونا شعوراً جديداً".

ويضيف: "كنت أشعر بأنني لاجئ وغريب في بلدي أيضاً قبل الحرب وبعدها، لذلك أن أكون غريباً في مجتمع جديد، لم يكن شعوراً جديداً بالنسبة لي".

يصف أدونيس نفسه اليوم كشخص "راضٍ وحقيقيّ"، وفي حين أن جرأته وصراحته تُفهمان أحياناً كثيرة على أنهما وقاحة في المجتمعات العربيّة، على حدّ قوله، "لكنهما في الحقيقة جزء من هويتي التي أعتزّ بها"، حسب ما يقول.

عن دعم مجتمع الميم-عين

يكشف أدونيس كيف يدعم مجتمع الميم-عين من خلال عمله كإعلامي: "مجرد تواجدي كصحافي عربي من مجتمع الميم-عين، هو دعم بحدّ ذاته، فوجودي يفتح المجال للأصوات المتنوعة ويُظهر للمجتمع أننا قادرون على النجاح في مجالات عدة".

وعن الاختلاف الذي لاحظه بين المجتمعين العربيّ والغربيّ لجهة حقوق مجتمع الميم-عين، يقول: "أعتقد أن الفرق شاسع؛ في المجتمع العربي، لدينا الكثير لنفخر به ولكن الكثير لنخجل به أيضاً… فكرة أنه لا يمكنك محاولة تغيير المجتمع من الداخل دون هدر دمك، يعني أنه لا أمل في التغيير الحقيقي حالياً".

ويتابع: "الفرق الأساسي هو أن المجتمعات العربيّة لم تصل بعد إلى مرحلة التقبل والمساواة، حيث تسود عقليات قديمة رافضة لأي اختلاف، على عكس المجتمعات الغربيّة التي قطعت أشواطاً طويلةً نحو المساواة وتقبّل الآخر".

في الوقت الراهن، تعاني المنطقة العربيّة، لا سيّما لبنان وفلسطين وحتّى سوريا، من اضطرابات وأزمات سياسيّة، أثّرت على أدونيس شخصياً، وفق ما يكشف: "حزن كبير يرافقني بسبب الظلم والحرمان والاستغلال الذي يعاني منه الأطفال في سوريا ولبنان وغزّة، وأيضاً ضحايا السابع من تشرين الأول/ أكتوبر. أشعر بالعجز أمام هذا الواقع، ولكنني أبحث دائماً عن طرق للمساعدة. حالياً، أعمل على إنتاج فيديو لجمع التبرعات، بدلاً من شراء هدايا لأعياد الميلاد في مبادرة مدنية/ خاصة لعائلات ألمانية عدة".

ومع ذلك، يرى أن الحرب تعكس عقلية المجتمع بشكل أعمق مما يظهر على السطح: "الأمر ليس تدخلاً خارجياً كما يسوّق له البعض؛ فهي صراع بين الطوائف، وأيضاً اضطهاد للأقليات وسيطرة للعقليات الراديكالية. إن هذه الحروب تنبع من مفاهيم العيب والحرام، وتؤكد على الجهل والاستسلام لنظريات المؤامرة. ولذلك، يجب أن نعمل على تغيير هذه العقليات لضمان مستقبل أفضل للجميع".

وعمّا يواجهه أفراد مجتمع الميم-عين في أثناء الحروب والنزاعات من صعوبات، يقول: "في وقت السلم، يعاني مجتمع الميم-عين من الاضطهاد والملاحقة، ولكن خلال النزاعات تتفاقم هذه المعاناة. الحرب هي مرآة للعقلية السائدة في المجتمع، والتي تقوم على الكراهية والتمييز ضد مجتمع الميم-عين. الحرب هي حرفياً عكس ما يطمح إليه مجتمع الميم-عين ويمثّله: نحن مجتمع السلام والفن والإبداع. والحرب عكس ذلك كلياً".

"كنت في مكانكم، وواجهتُ المخاوف والصعوبات نفسها، ولكن بحثت عن حلول ولم أرضَ بالأجوبة المجتمعية والدينية المحيطة بي. لا تقبلوا بأن يُحجَّم دوركم ولا تدعوا القوالب المجتمعية تحبط أحلامكم. ابحثوا عن حلول لتغيير الواقع ولا تنسوا أن تثقوا بالحياة برغم صعوبتها"

وعن كيفية دعم أفراد مجتمع الميم-عين المتواجدين في مثل هذه المناطق، يجيب: "أنا لست ناشطاً سياسياً وإنما أنا صحافي، أقوم بمبادرات فردية لمساعدة بعض الأفراد، ولكنني أؤمن بأهمية التنظيم والتعلم من تجارب المجتمعات الأخرى. فكرت في تنظيم ورشة عمل من خلال أكاديمية دويتشه فيله (دي دبليو)، تستهدف الصحافيين/ ات من مجتمع الميم-عين، حيث يمكننا تبادل الأفكار والمهارات وبناء شبكة دعم قوية. ومع ذلك، فإن خطورة الكشف عن هوياتهم/ نّ في هذه المناطق المتوترة تجعلني أتردد في تنفيذ هذه الفكرة".

لأدونيس طموحات وتطلعات كثيرة: "أرى نفسي في المستقبل أعمل مع زملاء مثليين/ ات في بلد عربي، ربما نتحدث عن إنتاج برنامج رمضاني سأسمّيه ‘كتير gay!’".

ويختم أدونيس برسالة إلى أفراد مجتمع الميم-عين في عالمنا العربيّ الذين يطمسون أحلامهم/ نّ خوفاً من الأحكام المسبقة والصور النمطيّة: "كنت في مكانكم، وواجهتُ المخاوف والصعوبات نفسها، ولكن بحثت عن حلول ولم أرضَ بالأجوبة المجتمعية والدينية المحيطة بي. لا تقبلوا بأن يُحجَّم دوركم ولا تدعوا القوالب المجتمعية تحبط أحلامكم. ابحثوا عن حلول لتغيير الواقع وتعلّموا من تجارب محلية وعالمية. ادرسوا لغات أخرى ليسهل عليكم التواصل والحصول على المعلومات. ولا تنسوا أن تثقوا بالحياة برغم صعوبتها". 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image