شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
الفنان نيكولا شلهوب:

الفنان نيكولا شلهوب: "أريد أن يكون فنّي رسالةً لنشر الحب وتقبّل الذات"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والميم-عين

الخميس 29 أغسطس 202410:54 ص


قصص ملوّنة

كيف يمكن لشخص عانى من طفولة قاسية في ظلّ ظروف اجتماعية واقتصادية صعبة، أن يكسر القيود التي تكبّله ويخرج منتصراً، ناجحاً، محققاً طموحاته وأحلامه؟

إنها قصّة حياة نيكولا شلهوب، الفنان اللبناني المقيم حالياً في إسبانيا.

علاقة نيكولا بالفن والغناء علاقة قديمة، تعود لفترة طفولته في لبنان، وتدخل في تفاصيل حياته الشخصية والعملية، وهذه المقابلة التي أجراها رصيف22، معه لم تأتِ فقط لتسليط الضوء على نجاحاته المهنية، بل أيضاً للغوص في رحلته الاستثنائية التي من خلالها اكتشف ذاته وقرر أن يصرّح أمام الناس ويقول بالفم الملآن: "نعم أنا مثليّ".

ولادته ونشأته في ظلّ مجتمع محافظ

وُلد نيكولا شلهوب، في لبنان، ولكن قصته أخذت منعطفاً غير متوقع عندما أعلن عن ميوله الجنسية، فعاش صراعاً في ظل جوّ من عدم التقبّل.

تشبه قصّته قصص العديد من الأفراد الذين واجهوا الصعوبات والتمييز بسبب ميولهم/ نّ الجنسية وهوياتهم/نّ الجنسية والجندرية. لكن عزم نيكولا على احتضان ذاته الحقيقية، على الرغم من التحديات التي واجهها، جعله مصدر إلهام للعديد من أفراد مجتمع الميم-عين في لبنان والمهجر.

عاش نيكولا تجربةً مؤلمةً مع والده الذي رفض ميوله الجنسية، وكانت ردّة فعله قاسيةً، إذ كان يضربه ويحرمه من المصروف. أمّا عن علاقته الحالية مع والده، فهي مقطوعة تماماً منذ أن أعلن عن زواجه من حبيبه الإسباني، وضجّت وسائل الإعلام في حينها بهذا الخبر.


الفنان نيكولا شلهوب على المسرح

رفض نيكولا شلهوب أن يعيش حياةً كلها أكاذيب ونفاق، فقرر الإعلان عن زواجه، وعندها "قامت الدنيا ولم تقعد"، إلا أنه قاوم الكره والرفض عبر الموسيقى والغناء بمشاركة زوجه ودعمه

في عمر الثامنة عشرة، اكتشف شلهوب ميوله الجنسية وأُجبر على التصنّع للتماهي مع محيطه، فأصبح يتصرّف ويتحدّث مثلما يتصرّف الصبيان في عمره، أي بخشونة كي لا يشك أحد في ميوله. وفي سن المراهقة، بعد أول تجربة عاطفية له مع شاب من عمره، بدأت تتداخل لديه المشاعر المتناقضة من إحساس بالذنب إلى شعور بالرغبة واكتشاف جسده.

 "يتعيّن على الشرق الأوسط أن يركب عجلة التطوّر ويتخلى عن الأفكار والعادات والتقاليد البالية ويعدل بين الجميع بحسب القوانين المدنية"

في هذا الوقت بدأ يتشكل حبّه للرقص والغناء، فكان يشارك في العديد من النشاطات الفنية حيث كان يشعر بالحرية والفرح عندما كان يغنّي ويرقص أمام الناس.

يقول نيكولا إنه لم يتعرّض للتنمّر، ولم يسخر منه أحد عندما كان صغيراً، فكان يرقص ويغنّي ويعبّر عن عشقه للفن، إذ إن المجتمع بشكل عام، لا يعلّق على تصرّفات طفلٍ صغير، ويعدّها مرحلةً ستمضي. بطبيعة الحال، يتمتّع الأطفال بحرية التعبير حتى سنّ معيّنة حيث يبدأ الأهل بأدلجتهم عبر العيب والحرام.

النفاق في المجتمع اللبناني و"الزواج على ورق"

كانت أول علاقة عاطفية لنيكولا شلهوب مع الضابط الذي كان يشرف على تدريبه، إذ كان والده يريده أن ينضم إلى الجيش. واللافت أن هذا الضابط تزوّج زواجاً تقليدياً في الوقت الذي كان يقيم فيه علاقةً مع نيكولا.

تعرّف نيكولا على زوجه الحالي عندما هاجر إلى إسبانيا، ووقعا في الحب وأصبحا شريكين في الحياة والعمل.

على عكس البعض، رفض نيكولا أن يعيش حياةً كلها أكاذيب ونفاق، فقرر الإعلان عن زواجه، وعندها "قامت الدنيا ولم تقعد"، إلا أنه قاوم الكره والرفض عبر الموسيقى والغناء بمشاركة زوجه ودعمه.


نيكولا شلهوب

تأثير الموسيقى والغناء على حياته

بدأ عشق نيكولا شلهوب، للموسيقى في عمر صغير واستمرّ حتى الآن. كان الغناء بالنسبة له وسيلةً للهروب عندما كان صغيراً، حتى أنه كان يرتّل في الكنيسة، ويشارك في كل النشاطات الفنية في ضيعته، إلا أن حبّه للغناء تطوّر وأصبح شغفاً خاصةً عندما استقرّ في إسبانيا حيث تلقّى دعماً من مجتمع الميم-عين، ومن زوجه في وقت لاحق.

كتب نيكولا العديد من الأغاني التي كانت تحمل في طياتها رسائل موجهةً إلى عائلته ومجتمعه منذ أن كان في لبنان، فمشواره الفني لم يبدأ في إسبانيا، ولكن عدم وجود الدعم لنوعية الفنّ الذي يقدّمه، جعله يبحث عمّن يؤمن به وبفنّه خارج لبنان.

يؤكد نيكولا أنّه لا يغنّي لمجرّد الترفيه: "أريد أن يكون فنّي رسالةً لنشر الحب والتفاؤل وتقبّل الذات".

يضيف نيكولا أنه ومن موقعه كفنان وصاحب حانة في إسبانيا، يحاول مساعدة مجتمع الميم-عين عبر الأنشطة التي يقوم بتنظيمها كمسيرات الفخر، كما قام بتأسيس شركة معنية بنشاطات مجتمع الميم-عين، خاصةً فنّ الجرّ أو الـdrag، حيث تقوم شركته بدعم أنشطتهم وحفلاتهم ونشرها عبر السوشال ميديا لتصل إلى أكبر عدد من الناس.


الفنان نيكولا شلهوب على المسرح

التشدد الديني هو التحدّي الأكبر

بالنسبة لنيكولا شلهوب، التشدد الديني يمثّل المشكلة الكبرى التي يواجهها الأشخاص الذين اختاروا أن يعيشوا حياتهم خارج أطر القوانين والتشريعات الدينية، ليس فقط في مجتمع الميم-عين، إنما لدى كل الأقليات المستضعفة في منطقة الشرق الأوسط: "ليس هناك من حلول لمكافحة التنمّر والكره وعدم التقبّل إلا بفصل الدين عن الدولة، وتحرر مجتمعاتنا من التشريعات الدينية البالية التي لم تتطوّر مع التقدّم الحاصل والتغييرات التي نشهدها في المجتمعات الغربية"، وفق ما يقول، عادّاً أنه "يتعيّن على الشرق الأوسط أن يركب عجلة التطوّر ويتخلى عن الأفكار والعادات والتقاليد البالية ويعدل بين الجميع بحسب القوانين المدنية". 

دعم مجتمع الميم-عين بواسطة الفن

يتحدث نيكولا بشغف عن ألبومه الغنائي الذي يعدّه في اللغة الإسبانية، والذي سيصدر في شهر شباط/ فبراير من العام المقبل، كما سيتعاون في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل مع عدد من الفنانين الإسبان لإصدار أغنية سينغل.

فشلهوب اليوم يركّز على مسيرته الفنية في إسبانيا، ويحاول الاستفادة من الأضواء التي سُلّطت عليه في الفترة الأخيرة لإيصال رسائله المتعلّقة بالحب والفرح وتقبّل الآخر بواسطة الفن.

يعبّر نيكولا عن فخره بما وصل إليه مجتمع الميم-عين في الشرق الأوسط، والذي أصبح أكثر نشاطاً بفضل وسائل التواصل الاجتماعي والدعم الذي تقدّمه له جمعيات عدّة.

واللافت أنه بعد أن يُطلق ألبومه باللغة الإسبانية، سيعمل شلهوب على إنتاج أغانٍ باللغة العربية تتناول مواضيع عدّة كحب الحياة وحب الذات وتقبّل الآخر، بالإضافة إلى الأغاني التي قدّمها وسيقدّمها في حفلات فنّ الجرّ ومسيرات الفخر.


الفنان نيكولا شلهوب على المسرح

كلمات تشجيع ودعم لمجتمع الميم-عين

يتكلّم نيكولا شلهوب بحسرة عن واقع مجتمعه، ويشجّع الراغبين/ ات في التحرر والعيش بكرامة على السفر إلى الدول التي تتقبّل وتدعم وتساعد أفراد مجتمع الميم-عين، إلّا أنه يقدّر جهود الأفراد الذين ما زالوا في بلدانهم وسط أهلم على الرغم من التنمّر وقلّة التوعية وتسلّط بعض رجال الدين الذين يدعون للكراهية ونبذ الآخر المختلف: "من قرر البقاء لمواجهة التخلف في  الأنظمة، هو بطل يضحّي بحياته في سبيل حقوقه معرّضاً نفسه للخطر"، على حدّ قوله.

قصة نيكولا شلهوب تعكس روح الصمود والشجاعة في وجه المجتمع الذي رفضه وما زال يرفض العديد من أفراد مجتمع الميم-عين.

إلى كل شخص يعاني في صمت جرّاء هويته الجنسية والجندرية، أو يواجه التمييز، تأتي كلمات نيكولا شلهوب كدعم وتشجيع، فهو يذكّرنا جميعاً بأننا لسنا وحدنا في رحلتنا، وأن قصصنا مهمة وأن هناك قوةً حقيقيةً نتيجة تقبّلنا لأنفسنا

بغضّ النظر عن التحديات العديدة التي واجهها، استطاع نيكولا أن يتجاوز حدود المجتمع، ويعبّر عن ذاته بواسطة لغة الموسيقى، التي أصبحت أيضاً أداةً للتواصل مع الآخرين الذين يعانون من التنمّر وعدم التقبّل.

أمّا زواج شلهوب،  فيُعدّ شاهداً على انتصار الحب ويذكّرنا بأن الحب هو الحب، مهما كان شكله، فكل فرد يستحق أن يحب وأن يكون محبوباً.

إلى كل شخص يعاني في صمت جرّاء هويته الجنسية والجندرية، أو يواجه التمييز، تأتي كلمات نيكولا شلهوب كدعم وتشجيع، فهو يذكّرنا جميعاً بأننا لسنا وحدنا في رحلتنا، وأن قصصنا مهمة وأن هناك قوةً حقيقيةً نتيجة تقبّلنا لأنفسنا.  


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image