شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
لماذا لا يشاهد أحد الإعلام المصري؟

لماذا لا يشاهد أحد الإعلام المصري؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن وحرية التعبير

الثلاثاء 5 نوفمبر 202412:16 م

فكرة الإعلام غير الموجّه تماماً هي وهم، مثلها مثل الغول والعنقاء والخلّ الوفي. الإعلام في كل أرجاء المعمورة موجّه. قد يكون التوجيه من المموّل للمنصة، أو من الدولة المالكة أو المسيطرة على المنصة، لكن دائماً ما يصبغ المحتوى بصبغة أيديولوجية القائمين على المنصة. هذا أمر واقع يجب الإقرار به.

القصة هنا هي كيف تنفّذ ذلك، وإلى أي مدى تحترم عقلية المتلقي حتى في تمرير أفكارك والتخديم على أجندتك.

لو أخذنا نموذج الإعلام المصري، كحالة قابلة للدراسة، لفهم كيف تعمل الأمور بشكل ناجح أو خاطئ، فسنكتشف أنه رغم الجهود المبذولة والأموال المنفقة، إلا أن الهدف من المهمة برمتها لم يتحقق، بالعكس، الطريقة التي أُديرت بها العملية الإعلامية في مصر مؤخراً خلقت فراغاً تاماً، استطاع معارضو النظام، سواء من الداخل أو الخارج، شغلها وتسويق روايتهم والهيمنة على الفضاء العام.

القاهرة الإخبارية... كثير من الإنفاق قليل من المشاهدة

في مطلع نوفمبر 2022، بدأ بث قناة "القاهرة الإخبارية"، القناة التي "وُلدت عملاقة"، على حد تعبير القائمين عليها حينها. الهدف من القناة هو خلق منصة إعلامية/ إخبارية مصرية، قادرة على المنافسة في العالم العربي، في ظل هيمنة القنوات الإخبارية الخليجية على المشهد، وتحكّمها في الرأي العام العربي.

الفكرة جيدة ومهمة بل يمكن القول إنها تأخرت كثيراً، لكن القناة لم يكتب لها النجاح، بالعكس تشير أرقام المشتركين على قنواتهم على يوتيوب، وهو المعيار الأبرز الذي يمكن أن نحكم على انتشار القنوات عليه، عبر مقارنة عدد المشتركين في كل قناة. تشير تلك الأرقام إلى فشل تام في المنافسة عربياً، في حين بلغ عدد المشتركين في قناة الجزيرة 18 مليون، وعدد المشتركين في قناة العربية 16 مليون، توقف عدد المشتركين في قناة القاهرة الإخبارية عند 33 ألف مشترك فقط.

في مطلع نوفمبر 2022، بدأ بثّ قناة "القاهرة الإخبارية"، القناة التي "وُلدت عملاقة"، على حد تعبير القائمين عليها حينها. لكن القناة لم يكتب لها النجاح، حيث تشير الأرقام إلى فشل تام في المنافسة عربياً

الفرق الرهيب بين أعداد المشتركين بين القناة المصرية والقناتين القطرية والسعودية لا يمكن عزوه إلى الأقدمية فحسب، نعم الأقدمية عامل مهم، لكن مصر تمتلك عاملاً آخر قادراً على حسم المعادلة وهو عدد السكان، الذي تشكل فيه مصر (لوحدها) تقريباً ربع تعداد العالم العربي مجتمعين. فلو تمكن المنتج الإعلامي أو الفني في النجاح في مصر، يعني بالضرورة والحتمية اجتياح العالم العربي، وذلك هو ما يجعل أي فنان عربي يرغب في القدوم لمصر، لأن نجاحه فيها هو بوابة نجاح مضمونة وانتشار محقق من المحيط للخليج.

السؤال مرة أخرى: لماذا فشلت القاهرة الإخبارية في حصد مشتركين في قناتها على اليوتيوب؟ لا يمكن عزو ذلك كما أسلفنا للأقدمية، كما لا يمكن عزوه للحريات، لأن في واقع الأمر هامش الحريات في مصر - رغم ضيقه - فهو أكبر منه في قطر أو الإمارات، فبسهولة يمكنك العثور على منشورات على "فيسبوك" أو منصة "X" تنتقد السيسي، بل وتسخر منه أحياناً كثيرة، لكن من رابع المستحيلات أن تجد في السعودية تغريدة تنتقد بن سلمان، أو منشوراً ينتقد تميم أو يسخر منه في قطر. إذن جانب العدد في صالح القاهرة، وهامش الحريات في القاهرة أكبر، فأين الخلل؟

الخلل في "الحرفية"، في القدرة على تغليف القصة وصياغتها وطرحها، فمبدئياً، وفي مستهل صدور القناة، كان هناك خطأ فادح في تسميتها "القاهرة الإخبارية"، الحقيقة أن تسمية قناة باسم العاصمة يوحي - دون أن تبدأ حتى - بأن هذه قناة خُلقت لتعبّر عن الدواليب الحكومية لتلك البلد، على عكس أبجديات المهنة التي تقتضي بأن "توحي" للمشاهد أن هذه قناة إخبارية وليست قناة محلية. اسمها قناة "الجزيرة" وليست الدوحة، اسمها قناة "العربية" وليس الرياض، اسمها "الحرة" وليس واشنطن دي سي… الخ. هذا خطأ وإن بدا لك ثانوياً فهو في الحقيقة جوهري، هو كاشف لذهنية غير احترافية ختمت القناة بختم النسر قبل أن تفكر من وكيف تخاطب.. وتلك هي الأزمة.

لو تركنا الاسم ودخلنا إلى صلب الموضوع، سنجد أن هناك عيباً بنيوياً خطيراً يعصف بالمحطة، وهو التعامل معها وكأنها القناة الأولى في زمن صفوت الشريف. الخبر الأول: صرّح الرئيس. الخبر الثاني: افتتح رئيس الوزراء، الخبر الثالث: افتتاح مشروع قومي! هذه ليست تركيبة قناة إخبارية إقليمية، مرة أخرى لن تجد ذلك الترتيب في أي قناة إقليمية، نشرة أخبار الجزيرة (كمثال) لن تتصدرها صورة تميم وتصريحاته، نفس الشيء في "الحرّة" و"العربية" و"سكاي نيوز".

العيب الثالث هو أنها تصدّر بوضوح الخطاب المصري وكأنها متحدث رسمي باسم القاهرة، تستضيف ضيوفاً يتحدثون عن عظمة وصحة وجمال الموقف المصري بشكل فجّ، متناسية أن هناك فرقاً كبيراً بين أن تكون قناة إخبارية تسوّق للموقف المصري بنعومة، وبين أن تكون بوقاً واضحاً وفجاً للنظام المصري. هي شعرة ولكن تفصل بين الحرفية واللاحرفية.

وجود مؤثرين يسوّقون أفكارك أمر مفهوم، وإدراك أهمية السوشيال ميديا أمر حتمي، لكن، أن يتحوّل المؤثرون إلى صدى صوت للمتحدثين الرسميين والبيانات الحكومية، ذلك يهدم فكرة وجودهم من الأساس، ويفقدك ميزة سلاح سوف تحتاجه في المواقف الحاسمة

مؤثرون لا يؤثرون في أحد

الذراع الثاني والذي توليه كثير من جهات صنع القرار في العالم أهمية قصوى اليوم، هو سلاح السوشيال ميديا. سلاح مهم وفعّال ومتحكّم في الرأي العام بدرجة لا يمكن إغفالها. من هذا المنطلق، قرّر القائمون على ملف الإعلام أنه من الضروري أن يوجد مؤثرون (إنفلونسر) يتبنون الخطاب الرسمي ويسوقون له، في مواجهة مؤثرين آخرين - أغلبهم خارج مصر - يتبنون خطاباً معارضاً للنظام.

إلى هنا والأمر مفهوم والتفكير منطقي، لكن الخطيئة كانت أن الأربعة مؤثرين الذين تم صناعتهم تحولوا إلى أداة تبرير دائم لمواقف غير منطقي تبريرها، وتبنّي تبريرات لها لن يكون سوى نيران صديقة. مثال: الكهرباء تقطع والبلد تعيش في الظلام لمدة شهر، فيخرج هؤلاء المؤثرون ليقولوا للناس، إن هذا أمر طبيعي وأن علينا أن نستحمل من أجل مصر. الأسعار ترتفع بشكل جنوني، فيخرج نفس المؤثرون ليقولوا إن الأسعار في مصر أرخص من كوالالمبور وبلاد تركب الأفيال!

وجود مؤثرين يسوّقون أفكارك أمر مفهوم، وإدراك أهمية السوشيال ميديا أمر حتمي، لكن، أن يتحوّل المؤثرون إلى صدى صوت للمتحدثين الرسميين والبيانات الحكومية، ذلك يهدم فكرة وجودهم من الأساس، ويفقدك ميزة سلاح سوف تحتاجه في المواقف الحاسمة.

وهذا ما حدث بالفعل في الأسبوع الماضي، في واقعة السفينة التي قيل إنها تحمل مواد متفجرة ومحطتها النهائية إسرائيل. ما إن قال المؤثرون الموالون للدولة إنها ليس من المعقول أن ترسي الحمولة في الإسكندرية عوضاً عن ترسيها في إسرائيل مباشرة، وهي على بعد يوم واحد بحرياً منا، حتى قوبلوا بالاستنكار والشتائم من جمهور السوشيال ميديا، بل واعتبر البعض أن مجرد أن يقول أحد هؤلاء المؤثرين ذلك الخطاب، فهو حتماً كاذب ومضلّل، حتى لو كان ما يقوله منطقياً ومتماسكاً. هذا لا يعود لتهافت المنطق، الحقيقة منطقهم متماسك في تلك القصة تحديداً، لكن الهجوم والرفض التام لخطابهم أتى على خلفية تاريخ طويل من عدم المصداقية.

الإعلام أداة مهمة وفاعلة، ولا يوجد إعلام منزّه عن الأغراض أو لا يخدم أجندات أصحابه، القصة ليست في "ما تقول"، القصة هي "كيف تقول"، وذلك هو ما يحتاج القائمون على الإعلام المصري إدراكه إذا أرادوا العودة لزمن الريادة.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

معيارنا الوحيد: الحقيقة

الاحتكام إلى المنطق الرجعيّ أو "الآمن"، هو جلّ ما تُريده وسائل الإعلام التقليدية. فمصلحتها تكمن في "لململة الفضيحة"، لتحصين قوى الأمر الواقع. هذا يُنافي الهدف الجوهريّ للصحافة والإعلام في تزويد الناس بالحقائق لاتخاذ القرارات والمواقف الصحيحة.

وهنا يأتي دورنا في أن نولّد أفكاراً خلّاقةً ونقديّةً ووجهات نظرٍ متباينةً، تُمهّد لبناء مجتمعٍ تكون فيه الحقيقة المعيار الوحيد.

Website by WhiteBeard
Popup Image