بضعة غرامات ذهبًا لن تجعل شخصًا ما ثريًا، لكنها قد تكون سببًا في موته إن قرر الذهاب بمفرده بحثًا عن المعدن الأصفر في المناطق المحظورة في الجبال، أو حتى إن كان أحد العاملين في شركات التنقيب عن الذهب، وخانه الحظ ليصادف عصابات الجبل هناك.
هناك العديد من المناجم في مصر التي أعلن عن وجود كميات من خام الذهب الأصفر فيها، كمنجم حمش، ومنجم السكري، ومنجم آتون، ويتم العمل داخل هذه المناجم لاستخلاص الخام الأصفر.
أي قانون يحكم الذهب؟
تنفيذًا لقانون الثروة المعدنية رقم 198 لسنة 2014، قنّنت مصر أعمال التنقيب عن خام الذهب الأصفر في الصحراء الشرقية، وتحديدًا محافظة أسوان، لتباشر العديد من الشركات العمل في مجال التنقيب والكشف عن الخام الثمين.
لكن التقنين لم يمنع "الدهّابة" أي الذين يعملون في إطار غير تشريعي من التنقيب داخل المناطق المحظورة، ولم يُنه حالات السرقة التي يقوم بها المطاريد أو عصابات الجبل، وهي القصص التي سيرويها لرصيف22 بعض من عاشوها في هذا التقرير.
مناجم الذهب في مصر
يقول العضو المنتدب لشركة شمال إفريقيا للصناعة والتعدين الدكتور هيثم العبادي لرصيف22: "بدأت مصر عقب ثورة الـ 11من يناير ومن ثم ثورة 30 يونيو، التركيز على المعادن والثروة التعدينية، خاصة الذهب أكثر المعادن ذات الجدوى الاقتصادية، وذلك لسببين، السبب الأول هو ظهور نتائج الاستكشاف للرحلات البحثية الأجنبية والمصرية من خلال هيئة الثروة المعدنية، والتي أكدت وجود خام الذهب بكميات كبيرة في الصحراء الشرقية، والثاني هو ظهور الدهّابة وبدء أعمال التنقيب عن الذهب في الجبال".
لذا بدأت الدولة تتحرك في طريقين، الطريق التشريعي من خلال مجلس النواب والذي شرّع بعض المواد التي تقنّن استخراج خام الذهب من الصحراء الشرقية، والطريق الآخر هو دعوة المستثمرين الأجانب والشركات العالمية للبدء في عمليات استخراج خام الذهب، مما يعود بمنافع اقتصادية على الدولة فيما بعد.
عقب ذلك تم إعلان المزايدة العالمية للذهب في أسوان والبحر الأحمر والصحراء الشرقية عمومًا. وطرحت المزايدة ما يقرب من 80 موقعًا تستطيع الشركات الأجنبية أن تُخرج منها نحو 30 منجمًا، من أبرز هذه المواقع وادي العرايس، وادي زيدون، منطقة الشلول، وادي النعام، جبل السباعي، وادي الجمال.
بعد التحقق من وجود كميات مؤكدة من الذهب في عدة مناطق في مصر، تحركت الدولة في مسارين، الأول التشريعي من خلال تقنين استخراج خام الذهب من الصحراء الشرقية، والمسار الثاني دعوة المستثمرين الأجانب والشركات العالمية للبدء في عمليات استخراج خام الذهب
يقول العبادي: "شاركت في المزايدة مجموعة من الشركات ذات الجنسيات الكندية والإيطالية والصينية والروسية والخليجية والإنكليزية، ومثلت شركة شمال أفريقيا الشركة المصرية المساهمة مصر، وفازت بهذه المزايدة حوالي 11 شركة لتبدأ أعمال الكشف منذ حوالي ثلاث سنوات، إذ أكدت الرحلات الكشفية التي قامت بها هذه الشركات وجود احتياطي كبير جدًا من خام الذهب في مصر، وتدريجيًا بدأت الشركات تعلن عن الكشف التجاري المتوقع لاحتياطي الذهب الناتج عن أعمال الكشف".
وهو ما أكده كريم بدوي وزير البترول والثروة المعدنية في كلمته الافتتاحية في منتدى مصر للتعدين يوليو الماضي، بأن لدى مصر احتياطيًا مؤكدًا من الذهب يُقدّر بقيمة 7.3 مليون أونصة، وبلغ ما تم إنتاجه في العام 2022 منه 560 ألف أونصة.
ويشير العبادي إلى أن الاستثمار على المستوى الدولي والمحلي ساعد في تقنين أوضاع "الدهّابة" بدلًا من حالات السرقة والنهب التي تحدث في الثروات المعدنية التي تمتلكها مصر من دون أن تأخذ الدولة حقوقها.
وقد تم إنشاء شركة شلاتين للثروة المعدنية للقيام بأعمال الكشف وتخصيص بعض المناطق التي تحتوي على نسب صغيرة من الخام للشركات الصغيرة والسكان المحليين، إذ يقومون بتسليم الذهب بعد أعمال الكشف مقابل نسبة معينة تحددها الشركة بالاتفاق، وتراوح نسبة مصر ما بين 40 لـ 45%، والنسبة المتبقية تذهب للشركة حسب عُقود مُبرمة، بعد تحديد نسبة للعاملين لديها من الدهّابة. وهناك عمليات رقابة على توزيع النسب من هيئة الثروة المعدنية، والشركة، والأجهزة الأمنية، لضمان حق الدولة.
وفي المقابل، هناك بعض المشكلات الأمنية التي تؤثر سلبيًّا على عمل الشركات والدهّابة العاملين بشكل رسمي، وهي عمليات السرقة التي تقوم بها العصابات والخارجون عن القانون في المناطق غير المأهولة بحسب العبادي.
عصابات الجبل
"سيطرت مصر على مواقع التنقيب التي كان يحدث بها أعمال كشف بنسبة تتعدى الـ 90% ، وبالتالي انخفضت كمية الجرائم التي كانت تحدث مُسبقًا بنسبة 80 إلى 90%. ومؤخرًا انخفضت حالات الجرائم لحالة قتل كل 4 أو 6 أشهر، بعدما كانت تتكرر يوميًا نتيجة للصراعات على الذهب"، يضيف العبادي.
تمتلك مصر احتياطيًا مؤكدًا من الذهب يُقدّر بقيمة 7.3 مليون أونصة، وقد بلغ ما تم إنتاجه في العام 2022 منه 560 ألف أونصة.
تتم عملية تحديد المواقع التي تحتوى على خام الذهب استرشادًا بالخرائط التاريخية القديمة التي رسمتها بعض الرحلات البحثية للإنكليز خلال احتلالهم لمصر، بالإضافة إلى بعض الخرائط التي رسمت في رحلات استكشافية تمت في عهد عبد الناصر ومبارك، هذا بالإضافة إلى أعمال الكشف من خلال الأقمار الصناعية.
محمد السيد هو مالك لموقع استخلاص خام الذهب في أسوان، ويقتصر دوره عند طحن الأحجار التي تأتي من الجبل ثم بيعها والحصول على أجرة عملية الطحن، يقول لرصيف22: "بداية معرفة الأهالي بالبحث عن الذهب في الجبل كانت في العام 2011، ومع مرور الوقت ازداد عدد الباحثين في مناطق متفرقة من الصحراء الشرقية، وعلى الرُغم من هذا، تسيطر قبائل مُعينة على المناجم، منها العبابدة والعلاقي والرشايدة، فدخول الجبل وجلب الأحجار الخام لهما قواعد يعلمها من يُمارس هذا العمل حفاظًا على حياته، أهمها في حالة إيقافه من قبل المطاريد أو عصابات الجبل، الانصياع للأمر بدلًا من أن يفقد حياته بالكامل.
في المقابل تعتبر تلك القبائل أن مهنة التنقيب عن الذهب هي ثقافة متوارثة عن الأجداد، وفي تحقيق سابق لرصيف22 حول عادات قبائل العبابدة والبشارية في مناطق البحر الأحمر للصحراء الشرقية لمصر، تحدث أحد تجار الإبل عن امتهان أبنائه الأربعة للتنقيب عن الذهب كمهنة عريقة "ورثوها عن جدهم وأعمامهم في جبال الصحراء الشاسعة عبر رحلات مثيرة لاستكشاف المنطقة وخيراتها" على حد وصفه.
ويذكر موقفاً تعرض فيه للسرقة من قبل هؤلاء، يقول: "طبعا احنا عندنا عار تسيب عربيتك.. تموت لكن ماتسيبهاش"، هذا ما تربيت عليه وهذه هي عادات وتقاليد القبيلة، في أحد الأيام وأثناء عودتي من الجبل عقب تحميلها بأحجار الخام، لاحظت سيارة تحوم حولي ومع اقترابها مني أوقفني الذين كانوا فيها وأخذوا الأحجار ولم أمنعهم حفاظًا على حياتي، خاصة أنني لم أكن أمتلك مسدسًا في ذلك الوقت".
السلاح للحماية، وقطعة واحدة تحمي 7 عمال
وبسؤاله عن كيفية حماية أنفسهم في هذه المواقف، يقول السيد إنّ "غالبية العاملين في مجال الذهب يمتلكون قطعة سلاح للحماية والتهويش ضد العصابات، حتى أن بعضهم يمتلكون مسدس صوت بهدف إخافة العصابات".
وفي السياق نفسه، يؤكد سليم وهو اسم مستعار لمقاول يعمل مع شركات التنقيب منذ 6 سنوات، بأن مطاردات عصابات الجبل لا تنتهي، إذ اعتادوا سرقة المواقع الاستكشافية في منتصف الليل، يقول: "يسرقون كل ما يجدونه أمامهم من خام الذهب والأحجار وأجهزة الاستكشاف الباهظة الثمن، فهم يعلمون أن العمال لن يستطيعوا مواجهتهم".
ويضيف: "مع تكرار هذه الحالات اضطر أغلب المقاولين التفكير في جلب أسلحة لحماية العمال والعمل من السرقة، ويتم وضع سلاح واحد عبارة عن مسدس أو رشاش على الأقل مع كل آلية لتأمين العمال الذين يصل عددهم لـ 7 أو 8. السلاح هو الوسيلة الوحيدة للدفاع عن أرواح العمال في كل منطقة استكشافية، ومنعًا لتكرار حالات السرقة والنهب التي يقوم بها المطاريد".
لم يسلم حُراس الأمن أيضًا من عصابات الجبل، محمود وهو اسم مستعار لحارس أمن في إحدى شركات التعدين على طريق إدفو، تعرض لإطلاق نار لكنه يقول "بسيطة الحمد لله . جت سليمة"، على الرُغم من المنع التام لدخول الغرباء لمواقع الشركة والتي تمتد لنحو 87 كم وتضم نحو 14 منطقة.
يقول: "منذ أشهر، وأثناء قيامي بتمشيط المنطقة التي تخص موقع الشركة برفقة زملائي ليلًا، سقط هاتف أحدهم في الجبل، وأثناء محاولتنا البحث عنه فوجئنا بإطلاق نار أعلى رؤوسنا، وتركنا الهاتف وقمنا بالفرار، وهذه ليست الواقعة الوحيدة التي يحدث فيها إطلاق نيران، فقد تعرضت برفقة زملائي لسرقة وإطلاق نيران دون إصابات في موقع الشركة".
ويروي تفاصيل حادث السرقة "في بداية العام الماضي اقتحمت مجموعة من المطاريد بواسطة ثلاث سيارات مُسلحة ليلًا أحد مواقع الشركة، وأطلقوا النيران على حُراس الأمن دون أن يصيبوا أحدًا، وسرقوا ما يقرب من 60 (شيكارة) من أحجار خام الذهب كانت مُخزنة في الموقع ثم فروا، ولم يمر على هذه الواقعة بضعة أشهر حتى اقتحمت مجموعة أخرى من مطاريد الجبل موقعًا آخر للشركة، ولم يستطع أحد إيقافهم ولم يحاول أي من حُراس الأمن مواجهتهم حرصًا على حياتهم، في هذه المرة أخذوا أجهزة تنقيب عن الذهب باهظة الثمن، يصل ثمن أحدها لربع مليون جنيه (حوالي 5000 دولار)".
أحد العاملين في شركات التنقيب: "في أحد المرات وأثناء قيامنا بتمشيط موقع الشركة، سقط هاتف أحدهم في الجبل، ولدى محاولتنا البحث عنه فوجئنا بإطلاق نار أعلى رؤوسنا، وتركنا الهاتف وقمنا بالفرار"
وبحسب العمال، فهم عاجزون عن إيقافهم ويمنعون من التعامل معهم حفاظًا على أرواحهم، ودائمًا تقول الإدارة لهم أتركوهم، خاصة أن العمال ليسوا مُسلحين.
مع مرور السنوات، زاد عدد الشركات التي تعمل في مجال التنقيب عن الذهب الخام في الجبل، وهي تضم الكثير من الدهّابة الذين يمتلكون تصاريح رسمية، ولكن هناك آخرين يعملون في مناطق غير مؤمّنة ومحظورة وبعضهم يصلون إلى الحدود، لذا تحدث لهم العديد من المشكلات في مناطق متفرقة بالجبل، وغالبية جرائم السرقة والقتل تحدث مع من يعملون بشكل غير رسمي إذ يجدون أنفسهم في مواجهة مع عصابات الجبل، وفي هذه الحالة عليهم إما ترك ما بأيديهم أو تعريض أنفسهم للقتل، ومن أسباب استمرار هذه الجرائم ايضًا الطمع سواء في صفوف المطاريد أو في صفوف الباحثين عن الذهب في الجبل وليس لديهم تصاريح.
يقول محمود "معروفة اللي بيموت في الجبل بيعملوله محضر حادثة عشان نعرف ندفنه"، وهي الطريقة الوحيدة التي يتم التعامل بها مع من يُقتل في الجبل على أيدي العصابات سواء عمدًا أو صدفة بإطلاق النار العشوائي.
ويقول عمّال لرصيف22 إنّ سبب زيادة هذه الحالات هو تناول العديد من أفراد عصابات الجبل للمواد المخدرة، وعدم قدرتهم على العمل، لذا يعيشون على السرقات من الدهابة والمواقع.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 6 ساعاتحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يوممقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 4 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين
Jack Anderson -
منذ أسبوعشعور مريح لما اقرا متل هالمقال صادر من شخصك الكريم و لكن المرعب كان رد الفعل السلبي لاصحاب...