شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
كي لا نجعل من انتصار إسرائيل قدراً (5)... خيارات ممكنة

كي لا نجعل من انتصار إسرائيل قدراً (5)... خيارات ممكنة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والحقيقة

الأربعاء 30 أكتوبر 202410:40 ص

نصل هنا إلى ختام هذه السلسلة من المقالات، والتي بدأناها بتأكيد أن إسرائيل تخوض حرباً طويلة ضدنا، وهي تبتعد بذلك عن الانخراط في حرب شاملة أو موسّعة، وسنحاول في هذا المقال، طرح الأهداف التي تتوخّاها من هذه الحرب، الأهداف التي ننساها، أو نتناساها، في معمعان حديثنا عن المحاور والجبهات، وخسائر ومكتسبات كل طرف من أطراف هذه الحرب.

إن أي حرب تقليدية، وأقصد بكلمة تقليدية مواجهة مباشرة بين جيشين، تهدف في نهاية المطاف إلى إخضاع العدو والحصول على أرضه أو ثرواته. لا أحد ولا دولة تخوض حرباً كنوع من التمرين الصباحي، أو رغبة منها في إرسال مقاتليها أو جيشها للقتال والموت بلا هدف. أهداف الحروب التقليدية هي أهداف اقتصادية في غالب الأحيان. يستثنى من هذه القاعدة الحروب التي تهدف إلى تحييد خطر قادم، أو حتى احتمال خطر في المدى المنظور أو البعيد. أما في منطقتنا التي ما زالت تخطو خطواتها الأولى، وبتعثّر، نحو العالم الجديد، فبإمكاننا وضع استثناء آخر للحروب، وهو الحرب الأيديولوجية الدينية.

فيما يخصّ إسرائيل، فهي مزيج بين الدولة الدينية القائمة على الأيديولوجيا التوراتية، بكل ما تحمله من غيبيات ورفض للآخر المختلف، وبين الدولة الحديثة المنسجمة مع ما توصّل له الغرب من حكم المؤسسة، والديمقراطية الداخلية، واقتصاد السوق المتطور. من هنا فلا مكان لفهم حروب هذه الدولة إلا بفهم طبيعتها، وهذا يعين في محاولة فهم الهدف النهائي من هذه الحرب "الطويلة"، كما سلف.
لإسرائيل أطماع أيديولوجية وتوسّعية اقتصادية في فلسطين وعلى أرض فلسطين من البحر إلى النهر. هذا ما تقوله الدعاية الصهيونية دون خجل أمام مجتمعها وأمام العالم بأسره، وفي مواجهة الكيانية الفلسطينية، بشقيها المفاوض والمقاتل، أو بلغة أخرى: السياسي والأيديولوجي، أي أن هذا الهدف ليس استراتيجية سرية لدى حكومة الاحتلال، حتى وإن لقي معارضة كلامية من بعض أطياف المجتمع الإسرائيلي أو من بعض دول العالم.

إسرائيل مزيج بين الدولة الدينية القائمة على الأيديولوجيا التوراتية، بكل ما تحمله من غيبيات ورفض للآخر المختلف، وبين الدولة الحديثة المنسجمة مع ما توصّل له الغرب من حكم المؤسسة، والديمقراطية الداخلية، واقتصاد السوق المتطور

انطلاقاً من هذه الأطماع فإن أي حرب تخوضها مع الفلسطينيين تهدف، في جوهرها، إلى تحقيق هذا الهدف، أو على الأقل الاقتراب خطوة من تحقيقه، أما الحروب الأخرى فهي ببساطة شديدة لإزالة العوائق، القريبة والبعيدة، من أمامها في السعي لتحقيق هدفها هذا، ويمكننا القول أيضاً إن الغاية المضمرة هي تشتيت أنظار العالم عن الهدف الرئيسي، وعن سعيها وشغلها اليومي، بالحرب وبغير الحرب، لضم ما تبقى من أراض فلسطينية إلى دولة إسرائيل.

ما أمهّد له في هذا المقال، وفي المقالات السابقة، هو القول إن الوصول إلى الهدف هو ما يحدد الانتصار من عدمه، أي أن من يحقّق هدفه من الحرب هو المنتصر بلا شك، وعدا ذلك يدخل في باب تكبيد الخسائر أو إعاقة المشروع، أو ما شئنا وما شاء العدو من مسميات. وهنا يبرز السؤال الأساس، وهو ما الذي فعله العدو لتحقيق انتصاره وما الذي فعلناه نحن، سواء من أجل الانتصار أم من أجل إفشال هدف أعدائنا النهائي؟
ما نعرفه، ويعرفه الجميع، فإن جيش الاحتلال جرف غزة، وهجّر مواطنيها من بيوتهم بعد أن هدمها. لم يحصل أهل غزة إلا على الدعاء ممن لا يملكون حيلة للمؤازرة الحقة، أو على التصفيق ممن يرونهم مثالاً للصمود والقتال الذي قلّ نظيره. في الضفة الغربية، وعلى مستوى قضم حقوق الفلسطينيين وأراضيهم، لا يختلف الأمر كثيراً إلا في مستوى القتل والتنكيل، فلقد قام سموتريتش بإنجاز خطوة كبيرة على طريق ضمّ الضفة وإنهاء الحلم الفلسطيني في دولة على حدود السابع من حزيران.

هل يتصور أحد أن هدفاً كهذا، أي إنهاء حلم الفلسطينيين، والقضاء نهائياً على مشروعهم الوطني الذي ناضلوا من أجله عقوداً طويلة، ستقوم به إسرائيل دون توقع خسائر اقتصادية أو بشرية أو حتى تشوهات حقيقية في سمعتها الدولية؟ ألا يستحق كل هذا، من وجهة نظر إسرائيلية وأمريكية، أن يُدفع من أجله ثمن كبير؟

أما ما الذي كان يمكننا نحن فعله ولم نفعله، فنستطيع استنتاجه بالمقارنة ما بين حالتين متشابهتين، وهما غزة ولبنان، آخذين بعين الاعتبار بعض الفروقات بين الحالتين، مثل أن لبنان دولة مستقلة، وغير غافلين في المقابل عن كوننا أصحاب القضية الأساسية في هذا الصراع، ولكي تكون المقارنة عادلة، فلنأخذ الشهر الأول والثاني من الهجوم الإسرائيلي على غزة، ومثله على لبنان:

لقد هاجم الجيش الإسرائيلي غزة بلا أي رحمة أو ضوابط مع ليلة الثامن من أكتوبر، واستمرّ بمسح المربعات السكنية وقتل العائلات بالجملة، لكن العالم لم يتحرّك. بينما تم جمع أكثر من مليار دولار في مؤتمر باريس لمساندة لبنان، في الشهر الثاني من بدء الضربات ضد حزب الله. لم يبق وزير في الحكومة اللبنانية أو شخصية اعتبارية، كرؤساء سابقين وأعضاء برلمان سابقين وحاليين، من الموالاة ومن المعارضة، إلا وتصدّروا المشهد السياسي دفاعاً عن لبنان، بعضهم يقف مع الحزب وقراراته، والأكثرية تلومه وتتهمه بجرّ لبنان إلى حرب ليست حربه، ومع ذلك لم نسمع تخويناً ولا إخراجاً من الصف الوطني.
على العكس هو ما حصل عندنا نحن أصحاب القضية، فباستثناء أصوات فردية هنا وهناك، لم تتحرّك قياداتنا السياسية بالحد الأدنى المطلوب لمخاطبة العالم باسم فلسطين، لا باسم السلطة أو حماس.

وبدل أن تتقارب وجهات النظر أمام المحنة الشاملة، والتي تهدّد المشروع الوطني برمته، والشعب الفلسطيني بوجوده، ازداد الشرخ. والشرخ ليس على مستوى الخطاب فقط، بل على مستوى الفعل على الأرض، وخطف مصير هذا الشعب من كل طرف إلى مشروعه هو، وبالتالي التحدث باسمه وادعاء تمثيله.

لا يجوز لهذا الشعب أن يقف صامتاً في انتظار البطولة أو مشاهدتها عبر قنوات الوسطاء، بل عليه أن يبادر إلى استلام زمام المبادرة، أولاً كضحية تريد إيقاف هذا الإجرام بحق أهل غزة، وثانياً كضحية تريد تحرّرها كبقية شعوب العالم
ما الذي جنيناه جراء كل ذلك؟ وهنا سأعود مجدداً إلى المقارنة، ليس إلا لتقريب الصورة، فلبنان يقود مفاوضات "سياسية" مع العالم، ببنود أمنية لترسيخ الاتفاق السياسي، بينما نحن، وأقصد الطرفين؛ من قضوا عقوداً في المفاوضات السياسية، ومن قضوا عقوداً في إدانة تلك المفاوضات وتخوين رموزها، تم جرّنا إلى مفاوضات أمنية بلا أي أفق سياسي. لقد قبلنا أن تصبح قضيتنا ملفاً أمنياً في دُرج وليام بيرنز ودُرج رئيس وزراء قطر، دون أن يكون لنا أي دور حقيقي أو مؤثر في رفض أو تغيير هذا المسار على مدار سنة كاملة.
هذه الحرب طويلة، وسوف تطول أكثر مما نتصوّر، وسوف يتمّ فيها تحييد جزء كبير من أطرافها، لكي تستفرد الآلة العسكرية الإسرائيلية بنا نحن الفلسطينيين، من أجل الحسم معنا ومع مشروعنا الذي ثبتناه بنضالات الأجيال السابقة. ولأنها طويلة فعلينا أن نعيد تعريف أنفسنا "من منتصف الطريق ولا من آخره"، كشعب يبحث عن الحرية أولاً وعاشراً، ومن يبحث عن الحرية عليه ألا يغفل تعريفه المدني كضحية لهذا الاحتلال المجرم، وأن يشتغل عليه، على الأقل بموازاة تعريفه النضالي. أما الاكتفاء بالتعريف العسكري والركون إليه كخيار وحيد، فلن يقودنا إلا إلى مفاوضات أمنيّة ووسطاء أمنيين وحلول أمنية.

لا يجوز ولم يعد مقبولاً لهذا الشعب أن يقف صامتاً في انتظار البطولة أو مشاهدتها عبر قنوات الوسطاء، بل عليه أن يبادر إلى استلام زمام المبادرة، أولاً كضحية تريد إيقاف هذا الإجرام بحق أهل غزة، وثانياً كضحية تريد تحرّرها كبقية شعوب العالم، وهي تستحق.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image