نستكمل هنا ما بدأناه منذ أسبوعين حول ما الذي يمكنه أن يمنع إسرائيل من تحقيق أهدافها فيما يخصّ هذه الحرب، أو هل انتصار إسرائيل هو تحصيل حاصل، وما الذي يتوجّب علينا فعله كي لا يكون كذلك؟ وأشرنا في مقالين، وبشكل غير مباشر، إلى أن المقاومة الشعبية يمكنها أن تحرز نقاطاً في ملعب العدو، أكثر مما يمكن لأي حرب أن تفعل، خاصة وأن الحرب هي مطلب هذا العدو لاعتبارات كثيرة، أهمّها تفوقه العسكري اللامحدود مقارنة بما نملك.
ولأن الحرب شيء والمقاومة شيء مختلف، فلا يجوز الخلط بينهما، أو محاولة تسمية إحداهما باسم الأخرى، لأسباب كثيرة سنأتي على ذكرها لاحقاً، والأهم هو ما يتبع هذه الأسباب من انعكاسات على قضيتنا الفلسطينية، والتي هي مربط الفرس في كل عمل نقوم به أولاً وآخراً.
لماذا التأكيد على أن القضية الفلسطينية هي مربط الفرس؟ وأقصد هنا بالقضية ليس المسمّى، بل العناصر، أي الأرض ثم الشعب على هذه الأرض، وتحرّر هذا الشعب وتمتعه بحياة كريمة شبيهة بما تتمتع بها غالبية شعوب المعمورة. هذا التأكيد ضروري للتمايز عن أولئك الذين يعتقدون، أو يهيّأ لهم ولا نعرف لماذا، أن أذية إسرائيل هي الهدف، أو هي القضية.
بكل حسم، لا ينطلق هذا المقال من مدى ما نلحقه بعدونا من أضرار، بل مما نحققه لشعبنا من إنجازات. لا يعني ذلك أن الضرر اللاحق بالعدو ليس مهمّاً، أو أننا نستطيع بدونه أن نحقق إنجازاً، بقدر ما يعني أن البوصلة والمنطلق وتوخّي النتائج يجب أن يكون معياره الأول والأخير هو ما نجلبه لشعبنا من مكتسبات.
الحرب شيء والمقاومة شيء مختلف، فلا يجوز الخلط بينهما، أو محاولة تسمية إحداهما باسم الأخرى، لأسباب كثيرة، والأهم هو ما يتبع هذه الأسباب من انعكاسات على قضيتنا الفلسطينية، والتي هي مربط الفرس في كل عمل نقوم به أولاً وآخراً
تأكيد آخر لا بد منه، وهو أن القضية الفلسطينية قضية سياسية، وليست دينية أو اجتماعية أو حتى ثقافية أو أخلاقية، وإن كان فيها عناصر من كل ما ذُكر. يتبع هذا التأكيد أن هدفنا ليس الإثبات أن "قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار"، وليس الإثبات أن شجاعتنا تفوق شجاعتهم، ومن جانب آخر ليس تحويلها إلى أيقونة شعرية لنتغنى بها ويتغنى معنا "أحرار العالم". إن هدفنا هو تحرير أرضنا وشعبنا، أو بلغة سياسية بحتة، هو الخلاص من هذا الاحتلال والتمتع بتقرير مصيرنا دون وصاية من جماعة قومية أخرى.
يجب ألا ننطلق من مدى ما نلحقه بعدونا من أضرار، بل مما نحققه لشعبنا من إنجازات
لقد بدأ نتنياهو بشن عدوانه الوحشي متسلحاً بموافقة دولية شبه كاملة، فالعالم المؤثر، وهو أوروبا وأمريكا، توافد إلى تل أبيب، مبدياً التضامن المطلق مع الدولة العبرية، لدرجة أن بلينكن بدأ كلامه مع نتنياهو بجملة "أنا آسف"، وكأنه هو من قام بهجوم السابع من تشربن الأول/ أكتوبر. لم يدم هذا التضامن طويلاً، أو على الأقل تنصّل من طبيعته الأولى، لصالح انتقادات تخصّ طبيعة الحرب وأهدافها من المدنيين العزّل، ثم تطور الأمر إلى وقوف دول أوروبية معتبرة ضد المشروع الإسرائيلي الهادف إلى الإبادة والتهجير.
هدفنا ليس الإثبات أن "قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار"، وليس الإثبات أن شجاعتنا تفوق شجاعتهم. إن هدفنا هو تحرير أرضنا وشعبنا، أو بلغة سياسية بحتة، هو الخلاص من هذا الاحتلال والتمتّع بتقرير مصيرنا دون وصاية من جماعة قومية أخرى
في المقابل، فإن موقف إسبانيا أو إيرلندا تم حسمه مرة وإلى الأبد لصالح حقنا في الاستقلال. لا يعني هذا بالطبع أننا نقلل من قيمة التظاهرات الطلابية ومدى تأثيرها حتى في اتخاذ دولة مثل إسبانيا لمواقفها، بقدر ما يعني أن الفائدة الدائمة هي في الموقف الدائم، والمُعبّر عنه من قِبل كيان سياسي مستقل وله تأثيره السياسي والاقتصادي في عالم اليوم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومينتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 4 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه