شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
كي لا نجعل من انتصار إسرائيل قدراً (3)... تأكيد مفاهيم

كي لا نجعل من انتصار إسرائيل قدراً (3)... تأكيد مفاهيم

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والحقيقة

الأربعاء 16 أكتوبر 202411:22 ص

نستكمل هنا ما بدأناه منذ أسبوعين حول ما الذي يمكنه أن يمنع إسرائيل من تحقيق أهدافها فيما يخصّ هذه الحرب، أو هل انتصار إسرائيل هو تحصيل حاصل، وما الذي يتوجّب علينا فعله كي لا يكون كذلك؟ وأشرنا في مقالين، وبشكل غير مباشر، إلى أن المقاومة الشعبية يمكنها أن تحرز نقاطاً في ملعب العدو، أكثر مما يمكن لأي حرب أن تفعل، خاصة وأن الحرب هي مطلب هذا العدو لاعتبارات كثيرة، أهمّها تفوقه العسكري اللامحدود مقارنة بما نملك.

ولأن الحرب شيء والمقاومة شيء مختلف، فلا يجوز الخلط بينهما، أو محاولة تسمية إحداهما باسم الأخرى، لأسباب كثيرة سنأتي على ذكرها لاحقاً، والأهم هو ما يتبع هذه الأسباب من انعكاسات على قضيتنا الفلسطينية، والتي هي مربط الفرس في كل عمل نقوم به أولاً وآخراً.

لماذا التأكيد على أن القضية الفلسطينية هي مربط الفرس؟ وأقصد هنا بالقضية ليس المسمّى، بل العناصر، أي الأرض ثم الشعب على هذه الأرض، وتحرّر هذا الشعب وتمتعه بحياة كريمة شبيهة بما تتمتع بها غالبية شعوب المعمورة. هذا التأكيد ضروري للتمايز عن أولئك الذين يعتقدون، أو يهيّأ لهم ولا نعرف لماذا، أن أذية إسرائيل هي الهدف، أو هي القضية.

بكل حسم، لا ينطلق هذا المقال من مدى ما نلحقه بعدونا من أضرار، بل مما نحققه لشعبنا من إنجازات. لا يعني ذلك أن الضرر اللاحق بالعدو ليس مهمّاً، أو أننا نستطيع بدونه أن نحقق إنجازاً، بقدر ما يعني أن البوصلة والمنطلق وتوخّي النتائج يجب أن يكون معياره الأول والأخير هو ما نجلبه لشعبنا من مكتسبات.

الحرب شيء والمقاومة شيء مختلف، فلا يجوز الخلط بينهما، أو محاولة تسمية إحداهما باسم الأخرى، لأسباب كثيرة، والأهم هو ما يتبع هذه الأسباب من انعكاسات على قضيتنا الفلسطينية، والتي هي مربط الفرس في كل عمل نقوم به أولاً وآخراً

تأكيد آخر لا بد منه، وهو أن القضية الفلسطينية قضية سياسية، وليست دينية أو اجتماعية أو حتى ثقافية أو أخلاقية، وإن كان فيها عناصر من كل ما ذُكر. يتبع هذا التأكيد أن هدفنا ليس الإثبات أن "قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار"، وليس الإثبات أن شجاعتنا تفوق شجاعتهم، ومن جانب آخر ليس تحويلها إلى أيقونة شعرية لنتغنى بها ويتغنى معنا "أحرار العالم". إن هدفنا هو تحرير أرضنا وشعبنا، أو بلغة سياسية بحتة، هو الخلاص من هذا الاحتلال والتمتع بتقرير مصيرنا دون وصاية من جماعة قومية أخرى.

عطفاً على كل ما سبق، فإن أدواتنا للمقاومة يجب أن تكون سياسية، وخطابنا المرافق لهذه الأدوات يجب أن يكون سياسياً، وفوق كل ذلك علينا أن نوجّه هذا الخطاب لجهات سياسية وليس لحلفاء دينيين أو كيانات اجتماعية أو ثقافية. لتوضيح هذه الفكرة دعونا نستعرض فكرة التضامن وطبيعة المتضامنين معنا، منذ بداية هذا العدوان المجرم على شعبنا في الثامن من أكتوبر الماضي وحتى يومنا هذا، والذي تجاوز العام، ويبدو أن لا أفق لوقفه في المدى المنظور:
يجب ألا ننطلق من مدى ما نلحقه بعدونا من أضرار، بل مما نحققه لشعبنا من إنجازات

لقد بدأ نتنياهو بشن عدوانه الوحشي متسلحاً بموافقة دولية شبه كاملة، فالعالم المؤثر، وهو أوروبا وأمريكا، توافد إلى تل أبيب، مبدياً التضامن المطلق مع الدولة العبرية، لدرجة أن بلينكن بدأ كلامه مع نتنياهو بجملة "أنا آسف"، وكأنه هو من قام بهجوم السابع من تشربن الأول/ أكتوبر. لم يدم هذا التضامن طويلاً، أو على الأقل تنصّل من طبيعته الأولى، لصالح انتقادات تخصّ طبيعة الحرب وأهدافها من المدنيين العزّل، ثم تطور الأمر إلى وقوف دول أوروبية معتبرة ضد المشروع الإسرائيلي الهادف إلى الإبادة والتهجير.

هذا بخصوص إسرائيل، أما ما يخصّنا فكان العكس؛ لم تخرج دولة واحدة، أو مؤسسة دولية معتبرة، لتعلن تأييدنا صراحة في البداية، بما في ذلك حلفاؤنا التقليديون. اللغة السائدة عند المقربين منا كانت تبرير الحدث لا تبنّيه والوقوف معه، بينما لغة الغرب كانت تنطلق من الإدانة المطلقة.
شيئاً فشيئاً، وبسبب القتل الجماعي العشوائي، وتدمير البيوت والمؤسسات، وتهجير السكان، خرج العالم إلى الشوارع ليتضامن مع دمنا بالأساس، والذي أسميناه في مقال قديم بـ "التعاطف الإنساني"، والمختلف كلياً عن التضامن السياسي. لكن هذا التعاطف تحوّل فيما بعد إلى تضامن سياسي، تمظهر في إعلان بعض الدول الأوروبية اعترافها بدولة فلسطينية على حدود الخامس من حزيران.
هناك عدة نقاط لافتة في تطور هذا التضامن وفي هذه المواقف وتأثيرها، وهذه النقاط تفيدنا في تأكيدنا السابق على أن القضية الفلسطينية قضية سياسية، وهي بحاجة لأن يكون خطابها سياسياً، وموجّهاً بالأساس إلى جهات وكيانات سياسية. وهنا لا بد من التشبيك قليلاً مع المقالين السابقين، على الأقل فيما يخصّ فكرة العالم الجديد القائم على أنقاض عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية.
أولى هذه النقاط هي: أين ذهب المتضامنون الذين أغلقوا الجامعات الأمريكية والشوارع الأوروبية قبل أشهر من الآن، أي مع اشتداد قتل الفلسطينيين ووصوله إلى مستويات لا يقبلها لا العقل ولا الأخلاقيات البشرية؟ هل ملّوا أم تعودوا أم شعروا أن احتجاجهم لم يوقف الحرب فيئسوا؟ وهل نحن بحاجة لمجزرة أو لمحرقة كبرى جديدة في المواصي أو خانيونس ليعود هؤلاء المتضامنون إلى إغلاق ساحات جامعاتهم؟
هدفنا ليس الإثبات أن "قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار"، وليس الإثبات أن شجاعتنا تفوق شجاعتهم. إن هدفنا هو تحرير أرضنا وشعبنا، أو بلغة سياسية بحتة، هو الخلاص من هذا الاحتلال والتمتّع بتقرير مصيرنا دون وصاية من جماعة قومية أخرى

في المقابل، فإن موقف إسبانيا أو إيرلندا تم حسمه مرة وإلى الأبد لصالح حقنا في الاستقلال. لا يعني هذا بالطبع أننا نقلل من قيمة التظاهرات الطلابية ومدى تأثيرها حتى في اتخاذ دولة مثل إسبانيا لمواقفها، بقدر ما يعني أن الفائدة الدائمة هي في الموقف الدائم، والمُعبّر عنه من قِبل كيان سياسي مستقل وله تأثيره السياسي والاقتصادي في عالم اليوم.

سؤال آخر مستمد من عالم اليوم وهو التالي: لماذا تقوم دولة مثل الصين باستيراد تكنولوجيا عسكرية من إسرائيل بقيمة تقترب من الملياري دولار، وكما يقال بالعامية الفلسطينية "في عز دين الحرب"؟ أليست الصين على القطب الآخر العالمي، الاقتصادي والسياسي، المعادي لأمريكا، وبالتالي لرأس حربتها في المنطقة وهي إسرائيل؟ هل تقف الصين مع عدوّنا دون أن نعرف؟ في السرّ مثلاً؟ ثم أليست الصين حليفاً لروسيا في حربها ضد التوسع الأمريكي المتمثل في أوكرانيا؟ وعلى ذكر روسيا أين هي مما يجري على الساحة الفلسطينية منذ سنة، دعونا من الساحة الفلسطينية ولنتساءل عن الساحة السورية "الحليفة" بشكل معلن، إن لم نقل "المحتلة" بشكل معلن من قِبل روسيا، لماذا لا تتصدى المقاتلات الروسية للصواريخ والطائرات الحربية التي تنتهك بشكل دوري أراضي الدولة الحليفة سوريا؟
هذه الأسئلة ضرورية لإعادة صياغة خطابنا وتحالفاتنا في عالم لا يمكن اختصاره بتوصيفات سابقة، توصيفات كانت جائزة في عصر حركات التحرّر وعالم القطبين والتحالفات والمصالح الواضحة، وصياغة هذا الخطاب لا يمكنها أن تنجح دون فهم عميق لعالم اليوم، والقوى الفاعلة فيه ومدى تقبّلها لخطاب القيم المشتركة، لا خطاب الحق التاريخي أو الحق الإلهي. ساعتها نستطيع فهم لماذا يرتبك الناس العاديون ولا يخرجون للاعتصام من أجل حماية مدنهم، وهذا ما نؤجله إلى المقال القادم.
إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard
Popup Image