شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
كي لا نجعل من انتصار إسرائيل قدراً (2).... تفكيك مصطلحات

كي لا نجعل من انتصار إسرائيل قدراً (2).... تفكيك مصطلحات

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والحقيقة

الأربعاء 9 أكتوبر 202410:38 ص

توقفنا في المقال السابق عند التساؤل حول ما الذي يمنع أهالي بيروت، مثالاً لا حصراً، من الاعتصام في شوارع مدينتهم لحمايتها من القصف الإسرائيلي؟ لكن هذا التساؤل لا يمكن انتزاعه من سياق كامل للحروب في المنطقة، ولا من سياق كامل لطبيعة العدو الإسرائيلي الإجرامية، والمنفلتة من محدّدات القانون الدولي وشرائع حقوق الإنسان وقيم وأخلاقيات الحروب. كما أن هذا التساؤل ليس للترف الفكري بقدر ما تشكّل إجابته مؤشراً أو بوصلة تشير إلى مكمن اخفاقاتنا المزمنة، والتي لا تتعلّق، فقط وحصرياً، بقوّة عدونا مقارنة مع قوانا، أو بعدم قدرتنا على اكتساب الحلفاء في عالم مجرم، أو ظالم على أقل تقدير، كما يسهل علينا وصفه.

إضافة إلى هذا التساؤل، ومن أجل الوصول إلى إجابة تقريبية له، دعونا نطرح مجموعة من التساؤلات الإضافية التمهيدية، من قبيل: ما هي المقاومة؟ كيف نبني الحلفاء؟ كيف نحدّد أهدافنا، وما هو النصر وما معنى الهزيمة؟
لا يختلف اثنان أن الشعب الفلسطيني شعب مقاوم للاحتلال ولمشاريع هذا الاحتلال باقتلاعه، أو على الأقل بمصادرة حقه بتقرير مصيره والعيش في دولته، أو كيانه السياسي المستقل. لم تكن هذه المقاومة هواية لهذا الشعب، ولم تكن معطىً جينياً وضعه الله في عقول وأجساد الفلسطينيين ليميزهم عن سواهم من الشعوب. كل ما في الأمر أن هذا الشعب تعرّض لعدوان من قبل جماعة أخرى، طردته من أرضه، وأقامت كيانها على أنقاض قراه ومدنه وذكرياته، وكان من الطبيعي في حالة مماثلة أن يرفض هذا الشعب مصيره الجديد، وأن يقاومه بما يستدعي ذلك أو يتطلّب من أثمان.

لم تكن هذه المقاومة هواية لهذا الشعب، ولم تكن معطىً جينياً وضعه الله في عقول وأجساد الفلسطينيين ليميزهم عن سواهم من الشعوب. كل ما في الأمر أن هذا الشعب تعرّض لعدوان من قبل جماعة أخرى، طردته من أرضه، وأقامت كيانها على أنقاض قراه ومدنه وذكرياته
من نافلة القول أن نتحدث عن التطور التاريخي الذي يعلمه جميع الفلسطينيين، من احتلال ما تبقى من أرضهم، واستمرار مقاومتهم، ثم قبولهم بما اتفقت عليه الشرعية الدولية من وجوب إقامة دولتهم على جزء من حقهم التاريخي وهو حدود 1967، هذه الشرعية الدولية التي تحققت بالأساس بسبب مقاومتهم هم وعدم تسليمهم بالأمر الواقع، أي قبولهم بهذا الاحتلال.
إذن، الشعب الفلسطيني مقاوم، وهو يمارس هذه المقاومة بما ينسجم مع أهدافه المعلنة، ومع الشرعية الدولية التي ضمنت له ذلك ولو بالكلام والبيانات، وبما ينسجم مع قدراته مقارنة مع قدرات عدوّه. هكذا كان أم هكذا يجب أن يكون؟ هذا سؤال مُختلَفٌ على إجابته، لكن الأكيد أن ما يجري منذ السابع من أكتوبر الماضي ليس مقاومة بمفهومها التاريخي وبممارستها من كل أطياف الشعب وقواه ومؤسساته، بل هو عمل حربي يقوم به فصيل أو عدة فصائل بالنيابة عن مجمل الشعب.
هذا العمل الحربي يجد المصفقين له من المحيط في الإقليم والعالم، لكن المنخرطين فيه وحاضنتهم الشعبية من الشعب الفلسطيني يواجهون بطش الآلة العسكرية بكل ما أوتيت من قوة وجبروت. لذلك فإننا نرى مطالبات يومية ومناشدات بوقف الحرب من قِبل من بادروا إليها، ومناشدات بالحماية ومد يد العون وطلب المساعدات من قِبل الحاضنة الشعبية.
هل يعني ذلك أن من يقوم بهذا العمل الحربي يندم عليه، أم هو يريد جانب الفوز منه ولا يستطيع تحمل نتائج الرد، أم أن الحلفاء المفترضين خذلوه؟ أسئلة كثيرة وبعيدة كلياً عن إصدار الأحكام وبالتأكيد لا تهدف إلى ذلك، بقدر ما تبتغي الوصول إلى الفارق بين مفهوميّ المقاومة والحرب، وانعكاس كل منهما على الناس وعلى السيرورة ذاتها.
هل حصل خلال سبعين عاماً من عمر القضية الفلسطينية أن طالب الفلسطينيون بوقف المقاومة؟ بالتأكيد لا. لكن المطالبات بوقف متبادل ودائم لإطلاق النار هي السمة الغالبة للسنة الأخيرة من عمر القضية الفلسطينية، بصرف النظر عن التسمية التي يمكن إطلاقها على ما جرى وما يجري منذ السابع من أكتوبر.
دعونا نحمل هذه الفكرة المبسّطة عن الفوارق بين المقاومة والعمل الحربي، ونذهب بها إلى فكرة بناء التحالفات واكتساب الحلفاء. وهنا لا يمكن تجاوز الشرعية الدولية بمعناها القانوني، أو، إن كان هذا المصطلح يثير امتعاض البعض أو يتسبب بحساسية ما، فبإمكاننا الاستعاضة عنه بمصطلح العالم، أي مجمل الدول والكيانات السياسية التي تشكل المنظومة الدولية.
بحسبة رياضية بسيطة، وبنظرة متفحصة إلى اجتماعات وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، فإن معظم دول العالم لا تعارض هدفنا المعلن والمتفق عليه نسبياً، أو على الأقل المتفق عليه بعد سنوات من التجربة والخطأ، وهو حقنا في إقامة دولة فلسطينية على حدود الخامس من حزيران 1967. صحيح أن دولة مثل فرنسا، مثالاً لا حصراً، لا تتبنّى روايتنا كاملة، لكنها أيضاً لا تتبنّى رواية عدونا. إذن، الشرعية الدولية أو جزء كبير من دول العالم ومؤسساته، تقف معنا في مطالبتنا بحقوقنا هذه.

هل يجوز أن نفرح لحليف لمجرّد أنه يعادي إسرائيل لأسبابه الخاصة، وهو لا يتبنّى رؤيتنا أصلاً، ناهيك عن مشاكله الكثيرة مع المنظومة الدولية، بصرف النظر عن أحقيته في هذه المشاكل من عدمها؟
انطلاقاً من هذه الحيثيات، كيف يمكننا أن نسمي اختيارنا لحلفاء من خارج هذه المنظومة، وممن لا يوافقون على ما نطرحه ويتبناه العالم من حل ينصفنا؟ بتعبير آخر: هل يجوز أن نفرح لحليف لمجرّد أنه يعادي إسرائيل لأسبابه الخاصة، وهو لا يتبنّى رؤيتنا أصلاً، ناهيك عن مشاكله الكثيرة مع المنظومة الدولية، بصرف النظر عن أحقيته في هذه المشاكل من عدمها؟
لنذهب إلى التبسيط قليلاً ونربط الفكرتين مع بعضهما بشكل يمكن فهمه وتفكيكه: بين إيران وإسرائيل عداء ليس من الصعب فهم أسبابه، وهي كثيرة على أية حال. من بين هذه الأسباب، وليس على رأسها بكل تأكيد، هو القضية الفلسطينية، لكن ليس من صالح إيران أن يوافق الفلسطينيون على حل في حدود 67، وهي ترفض هذا الحل وتعلن ذلك صراحة. هي تصرّح بأن خطتها إبادة إسرائيل، وإسرائيل تصرّح بالمثل تجاه إيران ولو بلغة مغايرة. هذه التصريحات مرفوضة من جانب كبير من دول العالم، والذي نطلق عليه مسمى "الشرعية الدولية"، والتي يتحسّس منها البعض ولا يثق بقدرتها على الفعل.
الشرعية الدولية هذه تنصرنا سياسياً، أي أننا منتصرون بها ومعها على إسرائيل فيما يخص الاعتراف بحقنا في تقرير المصير والتخلص من الاحتلال وإقامة دولتنا. كيف حققنا هذا الانتصار السياسي؟ بالمقاومة أولاً وأخيراً، وليس بالعمل الحربي. أقصد أنه بالمقاومة وقف معنا العالم، وبالحرب وقفت معنا إيران وبعض حلفائها. في الأولى حققنا انتصاراً سياسياً على مستوى الاعتراف، لكنه لم يتكرّس كمشروع سياسي على الأرض، لأسباب كثيرة يمكن استعراضها لاحقاً. أما في الثانية فأوجعنا إسرائيل لكن ألمنا كان أكبر وأشدّ بما لا يقاس، ويمكن رؤية ذلك دون جهد في غزة والضاحية الجنوبية في بيروت. بيروت التي لم يخرج أهلها للاعتصام في شوارع مدينتهم لحمايتها من القصف، من قبل عدو لا يأبه لا لمدنيين ولا لقيم وأخلاقيات الحروب. أما لماذا لم يفعلوا ذلك، لا هم ولا أهل غزة ونابلس ورام الله، فالتكملة في المقال القادم.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image